بعد زيارة جو بايدن إلى إسرائيل، أعلن من البيت الأبيض مزيداً من الدعم غير المسبوق للاحتلال؛ ما صب الزيت على نيران الغضب المشتعل في المنطقة، فهل تتسبب واشنطن وتل أبيب في اندلاع حرب شاملة؟ وماذا يعني ذلك للعالم؟
فبعد أقل من 24 ساعة من عودته من زيارة إسرائيل، ألقى بايدن خطاباً للأمة من المكتب البيضاوي، سعى من خلاله لحشد دعم الأمريكيين لتوجيه مليارات الدولارات الإضافية إلى إسرائيل وأوكرانيا، مستغلاً الخطاب النادر ليقول إن الدعم الأمريكي مهم للغاية للحليفتين، وقال جو بايدن إنه سيطلب حزمة مساعدات غير مسبوقة لهما، واصفاً ذلك بأنه "استثمار ذكي".
في الوقت نفسه، تواصل إسرائيل قصفها الوحشي على قطاع غزة لليوم الثالث عشر، بغطاء سياسي أمريكي وغربي ودعم عسكري لا يتوقف، وذلك منذ عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
و"طوفان الأقصى" هو الاسم الذي أطلقته "حماس" على العملية العسكرية الشاملة، ففي تمام الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي في فلسطين، شنّت "حماس" اجتياحاً فلسطينياً لمستوطنات الغلاف المحاذية لقطاع غزة المحاصر، حيث اقتحم مقاتلون من كتائب عز الدين القسام البلدات المتاخمة للقطاع، في ظل غطاء جوي من آلاف الصواريخ التي أُطلقت من غزة باتجاه تل أبيب والقدس ومدن الجنوب. ووسط حالة الذعر والصدمة التي انتابت الإسرائيليين، وانتشار مقاطع فيديو وصور لدبابات ومدرعات تابعة لجيش الاحتلال، إما محروقة أو تحت سيطرة المقاومين الفلسطينيين، وأسْر العشرات من جنود جيش الاحتلال والمستوطنين، وسيطرة فلسطينية كاملة على مستوطنات، أعلنت دولة الاحتلال أنها "في حالة حرب"، للمرة الأولى منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وهو اعتراف بأن هجوم المقاومة الفلسطينية هو هجوم عسكري.
تريليون دولار خسائر؟
في ظل هذه الحرب المستمرة على قطاع غزة ولا تلوح لها نهاية قريبة في الأفق، ولا يعرف أحدٌ كيف ستتطور وإلى متى ستستمر، يؤكد موقف بايدن الداعم لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن تحولها إلى حرب شاملة تعصف بمنطقة الشرق الأوسط أصبح أحد السيناريوهات المحتملة، حتى وإن كان أسوأها على الإطلاق.
فالحرب الآن صارت مُحملةً بالفعل بمآسٍ لا يمكن تصورها، على مستوى الأفراد والمجتمعات في المنطقة، وتتوجه أعين العالم الآن صوب ما يحدث في الشرق الأوسط، ليس فقط بسبب الأعداد الكبيرة من الفلسطينيين الذين استشهدوا أو الأعداد الكبيرة من القتلى والأسرى الإسرائيليين لدى حركة المقاومة الفلسطينية (حماس)، بل وأيضاً بسبب الخطر واحتمالية أن هذه الحرب سوف تكبد العالم بأكمله خسائر اقتصادية باهظة، بحسب تقرير نشره موقع صحيفة Calcalist الإسرائيلية.
وفي هذا الإطار، يشير تحليل نشره الخبراء الاقتصاديون لدى وكالة Bloomberg إلى أنه في حال اتساع رقعة الحرب وتحولها إلى صراع مباشر بين إسرائيل وإيران، فقد ترتفع أسعار النفط من مستوى 90 دولاراً للبرميل الآن إلى مستوى 150 دولاراً للبرميل، ما سيجعل معدل النمو العالمي يصل إلى سالب 1.7%، وهو ما يعني تقليص الناتج المحلي الإجمالي العالمي بتريليون دولار.
إذ تعد منطقة الشرق الأوسط المُثقلة بالصراعات واحدةً من أهم المناطق المنتجة للغاز والنفط في العالم، ومن ثم فإن التطورات الجيوسياسية فيها تحمل أثراً هائلاً على الاقتصاد العالمي، الذي تأثر بشدة بأسعار الطاقة. وفي تحليل نشره جيل بيفمان، كبير الاقتصاديين في بنك لئومي الإسرائيلي، على خلفية ارتفاع أسعار النفط في الأسبوع الماضي من 86 دولاراً للبرميل إلى 93 دولاراً للبرميل، قال بيفمان إن الحرب التي اندلعت يبدو أنها "تنعكس بالفعل على أسعار الطاقة في العالم".
وأضاف بيفمان أن انتشار القتال إلى ساحات إضافية، في الوقت الذي يتضمن أطرافاً أخرى في الشرق الأوسط، يشكل خطراً حقيقياً على أسعار الطاقة. إذا سعت الولايات المتحدة للتحرك ضد إيران بسبب ما تقول واشنطن وتل أبيب إنه تورط واضح في المنطقة، فالأرجح أن ذلك سوف يتجلى في تقليل قدرة إيران على تصدير النفط، سواء عبر الوسائل القانونية أم عبر الطرق التي تتحايل من خلالها على العقوبات". ويوضح بيفمان: "هذا تطورٌ سوف يقود إلى خفض إجمالي الإنتاج العالمي من النفط الخام".
أسعار النفط والحرب في المنطقة
وأضاف بيفمان للصحيفة العبرية: "ثمة خطر آخر يخص العلاقات الأمريكية السعودية، التي تعتمد إلى حد ما على إحراز تقدم نحو اتفاقية سلام مستقبلية مع إسرائيل. إذا توقفت هذه العملية، قد يؤدي هذا إلى توتر العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، التي قد ترد بمزيد من خفض إنتاج النفط، ومن ثم مزيد من الإضرار بالإمدادات العالمية. من خلال نظرة شاملة، يُتوقع أن يصل سعر البرميل الواحد من خام برنت إلى ما بين 90 و95 دولاراً في وقت لاحق من عام 2023".
وبحسب بيفمان، قد تحمل الحرب أيضاً تأثيراً كبيراً على أسعار الغاز الطبيعي. تجاوز السعر في الولايات المتحدة عتبة الـ3.4 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وسُجل ارتفاع كبير في أوروبا، عندما قفزت أسعار العقود الآجلة للغاز الطبيعي من مستوى أقل من 30 يورو لكل ميغاواط/ساعة منذ يوليو/تموز، لتصل إلى 54 يورو لكل ميغاواط/ساعة. ويبين تحليل بيفمان أن "الزيادة الحادة نسبياً في الأسعار تعكس وجود صدمة في جانب الإمدادات. في أوروبا، ثمة ضرر كبير تعرّض له خط أنابيب الغاز تحت المياه. وقد أُثيرت الشكوك حول احتمالية عبث (طرف ما) بخط الأنابيب في الجزء الواصل بين إستونيا وفنلندا، الذي يضطلع بدور مهم في إمداد الغاز إلى أوروبا من النرويج. في الوقت الراهن، يتوقع أن يستغرق إصلاح الضرر عدة أشهر قبل استئناف نقل الغاز عبر خط الأنابيب".
في استعراضه، أشار بيفمان أيضاً إلى توقف تدفق الغاز من خزان حقل غاز تمار، الذي يعد ثاني أكبر حقل غاز في إسرائيل، بموجب أمر من الحكومة الإسرائيلية. ويُعزى ذلك إلى قرب الخزان من شواطئ غزة، ما يعرضه لخطر الهجوم. وتعد عملاقة الطاقة الأمريكية Chevron هي أكبر حامل أسهم في حقل تمار.
وعن هذا يقول بيفمان: "أوقف خزان تمار تدفق الغاز، ما أدى إلى إيقاف تدفق الغاز إلى مصر عبر خط أنابيب شرق المتوسط. وهذا التطور يُتوقع أن يؤثر على صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا والبلاد الأخرى. ليست مصر مُصدِّراً كبيراً للغاز الطبيعي المسال، ولذلك فإنه تأثير إجمالي سلبي، لكنه ليس كبيراً. وبنفس القدر الذي سوف يؤثر به التدهور الجيوسياسي على دول الخليج، مثل قطر، التي تعد مُصدِّراً رئيسياً للغاز، فسوف ينعكس أيضاً على استمرار زيادة أسعار الغاز في العالم".
سيناريوهات حرب إسرائيل على غزة
فحص الخبراء في وكالة Bloomberg ثلاثة سيناريوهات وحللوها. سوف تحمل هذه السيناريوهات تأثيراً مختلفاً على أسعار الطاقة والتضخم العالمي والنمو العالمي ومخاوف المستثمرين.
السيناريو الأول، وهو السيناريو الأقل تأثيراً من الناحية الاقتصادية إلى حد بعيد، يفترض أن الحرب ستبقى ضيقة النطاق ومركّزة. ويعني ذلك استمرار القصف الإسرائيلي على قطاع غزة. ويضع ذلك السيناريو في الحسبان موقفاً يشهد تحركاً برياً لجيش الاحتلال الإسرائيلي إلى داخل غزة، جنباً إلى جنبٍ مع الأحداث والعمليات العسكرية على الحدود اللبنانية.
في هذا السيناريو، ترى وكالة Bloomberg أن إيران -التي زادت من إنتاجها من النفط بـ700 ألف برميل يومياً رداً على تجميد أصولها من جانب الولايات المتحدة- سوف تتراجع عن زيادة الإنتاج بهدف زيادة الضغط العالمي على إسرائيل. ومثل هذا السيناريو سينتج عنه زيادة مقدرة بحوالي 4 دولارات في سعر برميل النفط، ولن ينتج عنه تغير في مؤشر الخوف VIX، وسينتج عنه زيادة بنسبة 0.1% في التضخم العالمي، ويقلل النمو العالمي بنفس النسبة.
أما السيناريو الثاني، فيفترض وقوع حرب بين إسرائيل وإيران، التي تضع في حسبانها موقفاً تواجه فيه إسرائيل حرباً في ساحات متعددة على الحدود الإسرائيلية -غزة، والضفة الغربية المحتلة، وسوريا، ولبنان- وجنباً إلى جنب مع الاضطرابات العامة في الشرق الأوسط، التي سوف تؤثر أيضاً على البلاد العربية مثل مصر وتونس. في مثل هذا السيناريو، سوف يرتفع سعر برميل النفط بـ8 دولارات، وسوف يقفز مؤشر الخوف بـ8 نقاط. سوف يرتفع التضخم بنسبة 0.2%، وسوف يقل الناتج المحلي الإجمالي العالمي بـ0.3%.
وقد أعلن البنتاغون، مساء الخميس 19 أكتوبر/تشرين الأول، اعتراض إحدى سفنه الحربية في البحر الأحمر صواريخ ومسيرات تم إطلاقها من اليمن، ورجح الأمريكيون أن الصواريخ والمسيرات كانت في طريقها نحو إسرائيل.
أما السيناريو الثالث وهو الأشد تشاؤماً وخطورة فهو يفترض وقوع حرب مباشرة بين إسرائيل وإيران. صحيحٌ أن وكالة Bloomberg تؤكد على ضعف احتمالية وقوع هذا السيناريو، إلا أنها تشدد أيضاً على أنه الأشد خطورة. يعني مثل هذا السيناريو حرباً إقليمية شاملة، قد تتورط فيها الولايات المتحدة أيضاً بصورة مباشرة، لأن إيران سوف تنشط البلاد التي ترعاها، وهي بشكل أو بآخر بلدان عربية في المنطقة تدعمها طهران مالياً، مثل سوريا ولبنان.
يهدد مثل هذا السيناريو بزعزعة أسعار الطاقة العالمية. يُعزى هذا إلى أن دول الخليج مسؤولة عن حوالي 20% من إنتاج النفط العالمي، وثمة مخاوف من أن إيران في مثل هذا السيناريو سوف تغلق مضيق هرمز، الذي يُنقل من خلاله حوالي خمس الإنتاج العالمي من الطاقة يومياً.
وفي مثل هذه الحالة، لا يُتوقع أن ترتفع أسعار الطاقة بأربعة أضعاف، مثلما حدث بعد حظر تصدير النفط الذي فرضته البلاد العربية خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، ولكن سوف يرتفع سعر برميل النفط بـ 64 دولاراً، ليصل إلى 150 دولاراً للبرميل.
وفي هذا السيناريو، سوف يرتفع مؤشر الخوف بـ16 نقطة، وسوف يزيد التضخم بنسبة 1.2%، وسوف يقل الناتج المحلي الإجمالي العالمي بـ1%. يتوافق هذا السيناريو بدرجة كبيرة مع التحذيرات التي أطلقها راي ديليو، مؤسس Bridgewater، أحد أكبر صناديق التحوط في العالم، الذي حذر من أن الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية في غزة قد تدفع العالم نحو حرب عالمية ثالثة، وأيضاً يتوافق مع تحذيرات جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورغان تشيس، الذي قال إن "العالم يواجه أخطر مرحلة منذ عقود زمنية".