هذا ما أراده بايدن من قمته الملغاة في الأردن، فكيف أفشلت إسرائيل مهمته بقصف المستشفى؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/10/18 الساعة 11:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/10/19 الساعة 08:18 بتوقيت غرينتش
بنيامين نتنياهو يستقبل الرئيس الأمريكي جو بايدن لدى وصوله إلى إسرائيل/ رويترز

لماذا أُلغيت القمة الرباعية بين زعماء أمريكا ومصر والأردن والسلطة الفلسطينية؟ هل السبب الوحيد مجزرة المستشفى المعمداني في غزة التي ارتكبتها إسرائيل؟

كان جيش الاحتلال الإسرائيلي قد ارتكب مجزرة، هي الأكثر وحشية منذ بدأت الحرب يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وربما تكون واحدة من أسوأ المجازر الإسرائيلية على الإطلاق، عندما تعرض المستشفى الأهلي المعمداني في قطاع غزة لقصف أوقع مئات الشهداء والمصابين.

أشرف القدرة، المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية قال الأربعاء 18 أكتوبر/تشرين الأول، إن المئات استشهدوا، مضيفاً أن عمال الإنقاذ ما زالوا ينتشلون الجثث من تحت الأنقاض. وفي الساعات الأولى بعد القصف الإسرائيلي مساء الثلاثاء 17 أكتوبر/تشرين الأول، كان رئيس الدفاع المدني في قطاع غزة قد أعلن عن استشهاد أكثر من 300 شخص، بينما قدرت مصادر وزارة الصحة عدد الشهداء بأكثر من 500.

قمة بايدن وعبد الله الثاني والسيسي وعباس

في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل قصفها العشوائي لقطاع غزة، كانت الاستعدادات تجري على قدم وساق؛ استعداداً لوصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى دولة الاحتلال، ومنها إلى الأردن لعقد قمة رباعية تجمعه مع الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وكان مقرراً عقدها الأربعاء.

المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، كان قد قال في مؤتمرٍ صحفي مساء الإثنين، 16 أكتوبر/تشرين الأول، إن بايدن سيركز على "الحاجة الماسة لدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وكذلك منح الأبرياء القدرة على الخروج منها"، مضيفاً أن الرئيس بايدن سيعقد اجتماعات في تل أبيب وعمّان مع قادة الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية.

ورصد تقرير لشبكة CNN الأمريكية، أسباب ودوافع زيارة بايدن إلى إسرائيل وعقده قمة رباعية في العاصمة الأردنية، وهي المرة الأولى التي يزور فيها رئيس أمريكي دولة الاحتلال خلال "حالة الحرب"، مما يشير إلى مدى الحاجة إلى القيام بالزيارة والالتقاء "وجهاً لوجه" مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وفريقه، إضافة إلى لقاء زعماء عرب في المنطقة.

جاء بايدن إلى المنطقة ساعياً إلى إقناع نتنياهو أولاً بالموافقة على اتفاق يقضي بإدخال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة عبر معبر رفح، مقابل خروج الرعايا الأجانب، وبخاصة الأمريكيين، من القطاع، وهي المهمة التي فشل وزير خارجيته أنتوني بلينكن في إنجازها بسبب الرفض الإسرائيلي.

عباس
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس/رويترز

وبحسب تقرير لصحيفة فايننشيال تايمز البريطانية، كان جو بايدن يراهن على أن زيارةً سريعةً إلى الشرق الأوسط هذا الأسبوع يمكن أن تساعد في منع توسع الصراع بين إسرائيل وغزة في جميع أنحاء المنطقة، وتخفيف استهداف حليفته إسرائيل للمدنيين في غزة وتهدئة المخاوف في العواصم العربية من توسع نطاق الصراع.

مهمة دبلوماسية محفوفة بالمخاطر والمكافآت المحتملة، إذ قد تربط رحلة بايدن إلى إسرائيل بينه وبين الاجتياح البري المرتقب لقطاع غزة، مما يثير المزيد من الغضب تجاه الولايات المتحدة.

ولكن كان بإمكانه في قمةٍ مع الزعماء الإقليميين في عمان، الأردن، أن يؤكد للحلفاء العرب أن الولايات المتحدة تظل ملتزمة بأمنهم أيضاً، وتحافظ على الدفع من أجل السلام الإقليمي الأوسع ــ وهو الشعار الذي ترفعه الإدارة الأمريكية الحالية، دون أن تتخذ أي إجراءات لتحقيقه.

لماذا جاء بايدن إلى إسرائيل؟

لكن مناورة الرئيس الأمريكي تعرّضت لخطر النتائج العكسية قبل حتى أن يصل إلى المنطقة، في أعقاب قصف المستشفى المعمداني في قطاع غزة، والذي أدى إلى سقوط مئات الشهداء والجرحى وأثار غضباً عارماً ضد الاحتلال في المنطقة وحول العالم، مهدداً بهدم مهمة بايدن الدبلوماسية الحساسة حتى قبل أن تبدأ.

أولاً، جاء قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس بالانسحاب من الاجتماع المقرر مع بايدن، بعد ذلك، وبينما كان بايدن يغادر إلى تل أبيب على متن طائرة الرئاسة، أعلن البيت الأبيض تأجيل المحطة الثانية من رحلته للقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

وكان من المقرر أصلاً أن يزور بايدن الأردن أيضاً، لكن اجتماعاته مع القادة العرب أُلغِيَت أثناء مغادرته واشنطن، مما كلفه فرصة لإجراء المحادثات وجهاً لوجه، وتلك المحادثات يعتبرها حاسمةً لتجاوز هذه اللحظة المشحونة.

الآن ستكون محطة بايدن الوحيدة هي إسرائيل، حيث من المتوقع أن يجتمع مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. جون كيربي، المتحدث باسم الأمن القومي بالبيت الأبيض، قال للصحفيين على متن طائرة الرئاسة إن بايدن "يريد أن يتعرَّف على أبعاد الوضع على الأرض من الإسرائيليين، وسوف يطرح بعض الأسئلة الصعبة". لكن كيربي أضاف قائلاً: "سيسألهم كصديق".

وقد بدأ بايدن بالفعل في توجيه بعض كلمات التحذير لنتنياهو في تصريحاته العلنية في الأيام الأخيرة، مشدداً على أهمية احترام القانون الدولي وتحذيره من السعي لاحتلال قطاع غزة. لكن محللي سياسة الشرق الأوسط قالوا إن بايدن يخاطر أيضاً بأن يكون مرتبطاً بشكل وثيق بأي قرار تتخذه إسرائيل لشن هجوم بري على غزة.

السيسي تهجير سكان غزة
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي/ رويترز

وهذا أمر محفوف بالمخاطر أيضاً بالنسبة لبايدن، حتى في الداخل الأمريكي، إذ استفاد بايدن سياسياً من احتضانه الشديد لإسرائيل في الحرب الأخيرة، لكن من الممكن أن يتغير ذلك مع تعمق الصراع أو انتشاره، خصوصاً مع الارتفاع الجنوني في أعداد الشهداء والمصابين المدنيين في القطاع المحاصر جراء القصف العشوائي المتواصل من جانب جيش الاحتلال.

ويخطط بايدن أيضاً للقاء عائلات الإسرائيليين الذين قُتِلوا أو أُسِروا عندما شنت حركة المقاومة الفلسطينية حماس عملية "طوفان الأقصى" التي اجتاحت الجدار الحديدي الذي شيده جيش الاحتلال لإحكام الحصار على قطاع غزة.

واستشهد أكثر من 2800 فلسطيني في الغارات الإسرائيلية على غزة، وقالت السلطات الصحية إنه من المعتقد أن 1200 شخص آخرين مدفونون تحت الأنقاض، أحياءً أو أمواتاً، 70% منهم من الأطفال والنساء.

قصف المستشفى المعمداني يقلب الأمور

كان قصف المستشفى المعمداني بمثابة تحول مذهل بالنسبة لرئيس كان على استعداد للمقامرة بأن صلاحياته في التفاوض والتعاطف يمكن أن تساعد في تهدئة المنطقة التي يقول الملك عبد الله الثاني إنها الآن "على شفا السقوط في الهاوية".

فقبل أسابيع فقط، كان البيت الأبيض يقترب من التوصل إلى صفقة كبرى لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية. وأحرزت الإدارة تقدماً مع إيران، حيث وافقت على تبادل السجناء، الأمر الذي أحيا الآمال في مزيد من الذوبان في العلاقات بين طهران وواشنطن. أما الآن فيكافح بايدن لإنقاذ أي شيءٍ مما كان يعتبره تقدماً دبلوماسياً يحتاجه بشدة داخلياً.

في البداية، لم يقدم المسؤولون الأمريكيون أي إسناد فوري لانفجار المستشفى مساء الثلاثاء، فيما سعت إسرائيل، كعادتها، إلى التنصل من الجريمة بإلقاء اللوم على خطأ ارتكبته حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية. وفي بيان صدر أثناء سفر بايدن ليلة أمس، قال الرئيس الأمريكي إنه "غاضب وحزين بعمق" بسبب "الانفجار"، وطلب من فريق الأمن القومي التابع له "مواصلة جمع المعلومات حول ما حدث بالضبط". وأضاف بايدن أن الولايات المتحدة "تدعم بشكل لا لبس فيه حماية حياة المدنيين".

لكن بعد وصوله إلى إسرائيل، تبنى بايدن على الفور المزاعم الإسرائيلية وألقى باللوم على صواريخ المقاومة، وهو موقف ليس غريباً عليه، حيث تبنى أيضاً رواية "قتل الأطفال" التي روّجت لها إسرائيل، رغم تراجع جميع من روّجوها في الإعلام الغربي، في ظل عدم تقديم الاحتلال لأي دليل يدعم تلك الرواية المختلقة.

قال كيربي إن بايدن يعتزم التحدث هاتفياً مع عباس والسيسي في طريق العودة إلى واشنطن، لكن ربما تكون التداعيات الدبلوماسية للمذبحة في غزة قد بدأت للتو بالنسبة لبايدن. ميريسا كورما، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مركز ويلسون، وهو مؤسسة بحثية مقرها الولايات المتحدة، قالت إن زيارة بايدن لإسرائيل ستُقرأ الآن في العديد من عواصم المنطقة على أن "الولايات المتحدة توافق على قتل الناس" في المستشفى.

وقالت كورما لصحيفة Financial Times البريطانية: "سيكون من الصعب للغاية على الإدارة الأمريكية التعامل مع هذا الأمر، ويكاد يكون من المستحيل تحقيق التوازن فيه. لقد خرج الناس في رام الله وعمان وتونس وأماكن أخرى إلى الشوارع بالفعل لإدانة إسرائيل والمطالبة بوقف قتل الفلسطينيين".

المستشفى الأهلي العربي المعمداني
أحد ضحايا مجزرة مستشفى الأهلي العربي المعمداني وهو ينقل إلى المستشفى /رويترز

فلتمهيد الطريق لزيارة بايدن إلى إسرائيل، أجرى بلينكن محادثات ماراثونية مع نتنياهو، بما في ذلك حول كيفية إرسال المساعدات الإنسانية إلى غزة وكيفية إنشاء مناطق آمنة في القطاع قبل أي اجتياح بري تشنه قوات الاحتلال الإسرائيلي. وأعربت الولايات المتحدة أيضاً عن أملها في إحراز تقدم في تأمين إطلاق سراح الأمريكيين وغيرهم من الأسرى لدى حماس، وتوفير ممر آمن للمواطنين الأجانب من غزة إلى مصر.

لكن مذبحة المستشفى نسفت هذا التخطيط، مما دفع بايدن لإجراء زيارة أحادية الجانب إلى إسرائيل، الأمر الذي يخاطر بزيادة التوترات في المنطقة بدلاً من تخفيفها -والإضرار بجهود الولايات المتحدة لتصوير نفسها كوسيط نزيه.

قال جوناثان بانيكوف، مدير مبادرة سكوكروفت لأمن الشرق الأوسط في برنامج الشرق الأوسط التابع للمجلس الأطلسي: "إن الخطر، بالطبع، يتمثل في وضع مثل هذا. إذا لم تكن إسرائيل بشكل عام قابلة للاستجابة مع الضغط الأمريكي لممارسة ضبط النفس أو إنهاء الصراع، فقد يضر ذلك بمكانة الولايات المتحدة في المنطقة".

إن صور بايدن وهو يقف جنباً إلى جنب مع نتنياهو في تل أبيب الأربعاء، بعد يوم واحد فقط من تدمير المستشفى في غزة، تؤكد أيضاً –للجماهير في الولايات المتحدة والشرق الأوسط– أن الدعم الأمريكي لإسرائيل لا يزال ثابتاً.

قال كيربي إن بايدن تحدث مع نتنياهو قبل مغادرته إلى إسرائيل. ولم يذكر كيربي ما إذا كان نتنياهو نفى بشكل مباشر مسؤوليته عن ما حدث للمستشفى، لكنه قال: "أعتقد أننا ندرك بالتأكيد أنهم يشعرون بقوة أن هذا لم يكن بسببهم". وقال أيضاً إن قرار إلغاء اجتماع الأردن "اتُّخِذَ على نحوٍ مُتبادَل" بين بايدن والملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، بعد أن قال محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، إنه يريد قطع رحلته إلى الأردن للعودة إلى الوطن.

وقال آرون ديفيد ميلر، من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي إن دعم إسرائيل "كان مطبوعاً في الحمض النووي العاطفي لبايدن" بعد نصف قرن من الخدمة العامة في واشنطن. وهذا من شأنه أن يسمح للرئيس بإجراء "المحادثات الصعبة" المطلوبة مع نتنياهو بشأن ما تفعله إسرائيل.

تحميل المزيد