هل أعطت روسيا “الضوء الأخضر” لتقدم أذربيجان في ناغورنو قره باغ “تأديباً” لأرمينيا؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/09/20 الساعة 14:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/09/20 الساعة 16:15 بتوقيت غرينتش
قوات أذربيجانية ترفع علم بلادها في "قره باغ"/رويترز

أعلنت القوات الانفصالية، التابعة لأرمينيا، في إقليم ناغورنو قره باغ موافقتها على شروط أذربيجان لوقف إطلاق النار، فهل عاقبت روسيا أرمينيا التي اختارت الانحياز لأمريكا؟

كانت وزارة الدفاع الأذربيجانية قد أعلنت الثلاثاء، 19 سبتمبر/أيلول عن إطلاق عملية ضد الإرهاب "بهدف إرساء النظام الدستوري في منطقة قره باغ"، وأفاد بيان صادر عن الوزارة، بأن التوتر تصاعد بسبب إطلاق قوات غير قانونية تابعة لأرمينيا في منطقة قره باغ الأذربيجانية النار بشكل ممنهج على مواقع الجيش الأذربيجاني في الأشهر القليلة الماضية، ومواصلتها زرع الألغام، وقيامها بأعمال تحصينات.​​​​​​​

والأربعاء 20 سبتمبر/أيلول، أعلنت القوات الأرمينية الانفصالية في ناغورنو قره باغ أنها وافقت على شروط وقف إطلاق النار اقترحته قوات حفظ السلام الروسية بعد تعرضها لسلسلة انتكاسات في أرض المعركة على يد جيش أذربيجان.

شروط وقف إطلاق النار في قره باغ

بحسب بيان نُشر على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، فإن اتفاق وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ اعتباراً من الساعة 1300 بالتوقيت المحلي الأربعاء، يعني حل قوات الانفصاليين وسحب أسلحتها، كما تحدّث البيان عن انسحاب القوات الأرمينية النظامية من منطقة قره باغ بالكامل، بحسب رويترز.

وذكر البيان أن محادثات بشأن مستقبل المنطقة وسكانها من عرق الأمن ستعقد الخميس، 21 سبتمبر/أيلول بين ممثلين عن هؤلاء السكان وسلطات أذربيجان. وطالبت باكو أيضاً بحل السلطات السياسية الانفصالية في قره باغ، المعترَف بها دولياً أنها جزء من أذربيجان، قبل عقد أي محادثات بشأن مستقبل المنطقة التي تريد أذربيجان دمجها بالكامل.

من جانبه، أعرب رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، عن أمله في ألا يستمر التوتر العسكري في إقليم قره باغ. وأفاد باشينيان في خطاب لشعبه بثته القنوات التلفزيونية المحلية، الأربعاء، أن بلاده لم تشارك أبداً في عملية إبرام الاتفاق مع ممثلي الأرمن في قره باغ. وأضاف: "سنواصل متابعة التطورات، وإذا كان لدينا ما نقوله سنشاركه بالتأكيد"، مشيراً إلى انخفاض حدة الصراع في الإقليم، مستدركاً بالقول إنها لم تنتهِ بالكامل. وتابع: "نأمل ألا يستمر التصعيد في الوضع العسكري".

ويأتي هذا التطور الأخير في ناغورنو قره باغ بعد نحو 3 سنوات من الحرب التي اندلعت في الإقليم، وتمكنت خلالها أذربيجان من استعادة السيطرة على معظمه من الجانب الأرميني الذي كان يحتله.

كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد أعلن في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2020 أن باكو ويريفان توصّلتا برعاية بلاده إلى اتفاق على "وقف إطلاق نار شامل" في إقليم ناغورنو قره باغ: "في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني وقّع رئيس أذربيجان (إلهام علييف) ورئيس وزراء أرمينيا (نيكول) باشينيان ورئيس روسيا الاتحادية إعلاناً ينصّ على وقف شامل لإطلاق النار وإنهاء كلّ العمليات العسكرية في منطقة النزاع في ناغورنو قره باغ، وذلك اعتباراً من منتصف ليل العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني بتوقيت موسكو".

قره باغ أذربيجان
لقطات جوية من وزارة الدفاع الأذربيجانية تظهر إطلاق النار على موقع أرمني/رويترز

وبحسب بنود الاتفاق، كما أشار بوتين وقتها، يحتفظ طرفا النزاع "بالمواقع التي يسيطران عليها"، وهو ما كان يعني تثبيت الانتصارات العسكرية التي حققتها القوات الأذربيجانية وأدت إلى استعادة السيطرة على 5 مدن، آخرها شوشة، و4 بلدات وأكثر من 300 قرية، فضلاً عن تلال استراتيجية.

كما نص الاتفاق على نشر قوات حفظ سلام روسية في ناغورنو قره باغ، وقالت وزارة الدفاع في موسكو إن تلك القوات قوامها 1960 جندياً و90 عربة مصفحة، مضيفة أنها بدأت بالفعل في عملية الانتشار في الإقليم، وأعرب بوتين عن أمله في أن يؤدّي هذا الاتفاق إلى "تهيئة الظروف اللازمة لتسوية دائمة" للنزاع، الذي نص أيضاً على تبادل جميع الأسرى في فترة زمنية محددة.

ونص الاتفاق على تسليم 3 محافظات تحتلها أرمينيا خلال فترة زمنية محددة وهي كلبجار حتى 15 نوفمبر الجاري، وأغدام حتى 20 من الشهر نفسه، ولاتشين حتى 1 ديسمبر المقبل، إضافة إلى بقاء ممرّ برّي يربط بين الأراضي التي لا تزال تحت سيطرة الانفصاليين وأرمينيا.

رئيس الوزراء الأرميني قال وقتها إنه وقّع اتفاقاً "مؤلماً" مع كل من أذربيجان وروسيا لإنهاء الحرب، وقال باشينيان في بيان على صفحته في موقع فيسبوك: "لقد وقّعت إعلاناً مع الرئيسين الروسي والأذربيجاني لإنهاء الحرب في قره باغ"، واصفاً هذه الخطوة بأنها "مؤلمة بشكل لا يوصف، لي شخصياً كما لشعبنا".

أما رئيس أذربيجان إلهام علييف فقد تحدّث عن "وثيقة استسلام" أُرغمت يريفان على توقيعها بعد ستّة أسابيع من المعارك، وقال علييف في خطاب عبر التلفزيون: "لقد أجبرناه (رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان) على توقيع الوثيقة، إنها بالأساس وثيقة استسلام"، وأضاف: "لقد قلت إننا سنطردهم (الأرمينيين) من أراضينا طرد الكلاب، وقد فعلنا".

أرمينيا "تغضب" روسيا

صحيفة The Times البريطانية نشرت تقريراً عنوانه "هل أعطى بوتين الضوء الأخضر لهجوم أذربيجان؟"، رصد كيف جاء هجوم أذربيجان على المناطق الواقعة تحت سيطرة الانفصاليين الأرمن في ناغورنو قره باغ وسط انهيار العلاقات بين أرمينيا وروسيا، التي توسطت في وقف إطلاق النار لإنهاء الحرب في المنطقة الجبلية في عام 2020.

ففي يونيو/حزيران الماضي، قال نيكول باشينيان، رئيس الوزراء الأرميني، إن بلاده لا تدعم "الغزو" الروسي لأوكرانيا، مستخدماً الوصف الغربي للحرب في أوكرانيا، والتي اندلعت في فبراير/شباط 2022، وتصفها موسكو بأنها "عملية عسكرية خاصة".

كما دعا باشينيان القوات الأمريكية لإجراء تدريبات مشتركة في أرمينيا هذا الشهر. وقامت زوجته آنا هاكوبيان بزيارة رسمية إلى كييف في بداية هذا الشهر، حيث أرسلت أرمينيا مساعدات إنسانية إلى أوكرانيا لأول مرة.

وفي العام الماضي، أصبحت نانسي بيلوسي، التي كانت آنذاك رئيسة مجلس النواب الأمريكي، أعلى مسؤول أمريكي يقوم بزيارة دولة إلى أرمينيا منذ استقلالها عن موسكو في عام 1991.

بيلوسي أرمينيا
رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي في العاصمة الأرمينية، بريفان – رويترز

واتهمت موسكو أرمينيا باتخاذ "خطوات غير ودية"، وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إن وصول الجنود الأمريكيين البالغ عددهم 85 جندياً لأرمينيا "لن يكون مفيداً لأحد، بما في ذلك أرمينيا".

ومن جانبها، اتهمت أرمينيا الكرملين بأنه مُشتَّت بسبب حربه في أوكرانيا لدرجة أنه يمنع قوات حفظ السلام الروسية التي نشرها في إقليم ناغورنو قره باغ عام 2020، والتي يبلغ عددها 2000 جندي، من ضمان الأمن في ممر لاتشين، وهو الطريق الوحيد الذي يربط ناغورنو قره باغ بأرمينيا.

وزعم تقرير الصحيفة البريطانية أن إغلاق الطريق من قبل المدنيين الأذربيجانيين المدعومين من باكو أدى إلى نقص حاد في الغذاء والمياه في المنطقة في الأشهر الأخيرة.

هل أعطى بوتين الضوء الأخضر لأذربيجان؟

وفي هذا السياق، يقول بعض المحللين إنه من المرجح أن يكون الكرملين قد أوضح لأذربيجان أنه لن يكون لديه أي اعتراض على تجدد الهجوم على المنطقة. وقال توماس دي وال، وهو زميل بارز في مركز كارنيغي للأبحاث في أوروبا، للصحيفة البريطانية: "يكاد يكون من المؤكد أن الروس كان بإمكانهم إيقاف هذا إذا أرادوا ذلك، لذلك يبدو كما لو أنهم أعطوا الضوء الأخضر لحدوث ذلك".

والمعروف هو أن إقليم ناغورنو قره باغ هو جزء من أذربيجان، وهناك اعتراف دولي شامل بهذا الأمر، لكن جزءاً من سكان الإقليم البالغ عددهم 150 ألف نسمة ينتمي إلى الأرمن، في إطار سياسة أرمينية عندما كان الإقليم تحت سيطرتها. وفي يوليو/تموز، ومع تدهور العلاقات بين أرمينيا وروسيا، قالت موسكو للمرة الأولى إن الجيب، الذي يعرفه الأرمن باسم آرتساخ، يجب أن يخضع للحكم من باكو، عاصمة أذربيجان.

وأرمينيا عضو في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وهي مجموعة تقودها روسيا وتضم ست دول سوفييتية سابقة ولا تشمل أذربيجان. ومع ذلك، فإن موسكو ليست ملزمة بالدفاع عن منطقة ناغورنو قره باغ لأنها لا تعترف بها كجزء من أرمينيا. وقال الكرملين يوم الثلاثاء، 19 سبتمبر/أيلول إنه "قلِقٌ" بشأن اندلاع الأعمال العدائية ودعا الجانبين إلى إجراء محادثات.

واتهمت المعارضة الأرمينية باشينيان بالضعف فيما يتعلق بناغورنو قره باغ، وكانت هناك احتجاجات خارج المباني الحكومية في العاصمة يريفان. وقال باشينيان في خطابٍ مُتلفز: "يجب ألا نسمح لأشخاص معينين وقوى معينة بتوجيه ضربة للدولة الأرمينية. هناك بالفعل دعوات تأتي من أماكن مختلفة للقيام بانقلاب في أرمينيا".

روسيا بوتين
الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين / رويترز

وتحظى أذربيجان بدعم تركيا وروسيا، التي ستكون مترددةً في تعريض علاقاتها مع الرئيس أردوغان للخطر، خصوصا وأن أنقرة رفضت فرض عقوبات على موسكو بسبب الحرب في أوكرانيا. إذ تُعد الرحلات الجوية المباشرة بين روسيا وتركيا إحدى الطرق القليلة المتبقية أمام الروس للسفر إلى أوروبا.

وترتبط أرمينيا أيضاً بعلاقات مع جارتها إيران، التي قالت إنها لن تقبل أي تغييرات على الحدود التاريخية في منطقة جنوب القوقاز التي تضم كلاً من أذربيجان وأرمينيا. وتوجه وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى طهران لإجراء محادثات يوم الثلاثاء.

ويوجه منتقدون لأذربيجان اتهامات بالسعي إلى "التطهير العرقي" لناغورنو قره باغ من خلال إجبار الأرمن على الفرار من المنطقة، وهو ما تنفيه باكو بشكل قاطع، لكن هناك بالفعل تحذيرات من أن الصراع قد يسبب أزمة إنسانية حادة في المنطقة. 

ويمكن أن تشكل تصرفات أذربيجان أيضاً مشاكل للاتحاد الأوروبي، الذي ضاعف العام الماضي وارداته من الغاز من باكو كبديل لإمدادات الطاقة من روسيا. وأشاد الاتحاد الأوروبي بالعلاقات الجيدة مع الرئيس علييف، الذي حكم أذربيجان بقبضة من حديد لمدة 20 عاماً. وتولى علييف السلطة بعد وفاة والده الذي حكم البلاد بين عامي 1993 و2003.

ووصف تشارلز ميشيل، رئيس المجلس الأوروبي، الهجوم الأذربيجاني بأنه "أخبار مدمرة". وأضاف: "يجب وقف الأعمال العسكرية الأذربيجانية على الفور للسماح بحوار حقيقي بين الأرمن في باكو والأرمن في ناغورنو قره باغ".

تحميل المزيد