تتجه الأنظار إلى جنوب إفريقيا، حيث قمة "بريكس" 2023، التي قد تحدد مصير المجموعة الطامحة إلى مناطحة مجموعة السبع وتحدي النظام العالمي بقيادة أمريكا، فهل تفتح بريكس أبوابها لضم أعضاء جدد وربما دول عربية؟
تنطلق قمة مجموعة بريكس الـ15، الثلاثاء 22 أغسطس/آب، وتستمر حتى الخميس، بمدينة جوهانسبرغ في جنوب إفريقيا، وسط توقعات بتوسيع التكتل من خلال قبول أعضاء جدد، ووضع خريطة طريق اقتصادية وتجارية ومالية للتكتل.
وتكتل "بريكس" عبارة عن منظمة سياسية دولية، كانت المفاوضات لتشكيلها قد بدأت عام 2006، وعقدت أول مؤتمر قمة لها عام 2009، ومنذ ذلك الوقت تنعقد اجتماعاتها بصورة سنوية.
وفي البداية كان أعضاء التكتل أربع دول فقط هي: روسيا والصين والبرازيل والهند، وكان اسم التكتل في ذلك الوقت "بريك"، نسبة إلى الأحرف الأولى من الدول الأربع باللغة الإنجليزية، ثم طلبت جنوب إفريقيا الانضمام للتكتل، وهو ما تمت الموافقة عليه عام 2010، ليضاف الحرف الأول من اسم الدولة الإفريقية ويصبح التكتل "بريكس".
22 دولة بينها 8 عربية
وصل الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى جوهانسبرغ، مساء الإثنين 21 أغسطس/آب لحضور قمة بريكس، وأعرب شي في بيان صحفي نقلت تفاصيله وكالة أنباء الصين الجديدة "شينخوا"، عن ثقته بأن القمة المرتقبة ستصبح معلماً مهماً في تطوير آلية "بريكس"، وستساعد في دفع وحدة وتعاون الدول النامية إلى مستوى أعلى.
شبكة CNN الأمريكية نشرت تحليلاً يرصد أبرز الملفات على أجندة بريكس هذه المرة، خصوصاً أن القمة رقم 15 قد تحدد مستقبل هذا التكتل، ومدى قدرته على أن يمثل تحدياً حقيقياً لنظام عالمي يسيطر عليه الغرب بشكل غير عادل بالنسبة لباقي دول العالم، وخاصةً نصف الكرة الجنوبي.
ورغم أن أحد أبرز زعماء بريكس، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لن يكون حاضراً إلا من خلال الواقع الافتراضي، فإن هذا لا يقلل من أهمية هذه القمة تحديداً، حيث إن ملف توسيعها هو الأبرز، خصوصاً في ظل وجود طلبات رسمية من أكثر من 20 دولة ترغب في الانضمام للتكتل.
ففي 7 أغسطس/آب الجاري، قالت وزيرة الخارجية في جنوب إفريقيا ناليدي باندور، في بيان "لدينا طلبات رسمية باهتمام قادة 23 دولة بالانضمام إلى بريكس، والعديد من الطلبات غير الرسمية الأخرى بشأن إمكانيات العضوية".
والدول التي طلبت الانضمام إلى بريكس رسمياً هي: مصر والجزائر والأرجنتين والبحرين وبنغلاديش وبيلاروسيا وبوليفيا وكوبا وإثيوبيا وهندوراس وإندونيسيا وإيران وكازاخستان والكويت والمغرب ونيجيريا، وفلسطين والسعودية والسنغال وتايلاند والإمارات وفنزويلا وفيتنام.
وسيجتمع رؤساء وقادة البرازيل، لولا دا سيلفا، والصين، شي جين بينغ، والهند، ناريندرا مودي، وجنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، إضافة إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، تحت شعار "بريكس وإفريقيا"، حسبما أعلنت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا.
ومن بين الدول العربية الطامحة في الانضمام إلى بريكس، ألقت الجزائر بكل ثقلها السياسي والدبلوماسي خلال الأسابيع الأخيرة، لضمان مقعد لها ضمن المجموعة خلال القمة الحالية.
وتتزامن التحركات الجزائرية مع بداية قمة جوهانسبرغ، التي قد تشهد الإعلان عن ضم أعضاء جدد، لكن حتى الآن لم يتم الكشف عن المعايير الحقيقية لقبول دول جديدة.
وقبل نحو أسبوعين، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في مقابلة مع وسائل إعلام محلية، إن "الصين وباقي الدول الفاعلة في مجموعة بريكس، على غرار روسيا وجنوب إفريقيا والبرازيل، تدعم انضمام الجزائر إلى هذا القطب الجديد".
لكن تبون لم يجزم بأن انضمام بلاده إلى التكتل سيكون خلال القمة القادمة، مشيراً إلى أن أول خطوة قد تكون قبولها كعضو مراقب، إذ كان الترشح للانضمام إلى "بريكس" أهم ملف في حقيبة تبون خلال زيارتين أجراهما إلى روسيا والصين، في يونيو/حزيران ويوليو/تموز الماضيين.
وفي البلدين، صدرت بيانات مشتركة تؤكد تناول ملف "بريكس" ضمن المباحثات ودعم الدولتين لملف ترشح الجزائر. وخلال زيارته إلى الصين منتصف يوليو/تموز الماضي، أعلن تبون أن بلاده راسلت مديرة بنك "بريكس"، للدخول كمساهم في البنك بمليار ونصف مليار دولار. وكشف تبون خلال لقائه الأخير بوسائل الإعلام، أن الجزائر اشترت أسهماً في البنك قائلاً: "نحن مشاركون في رأس مال البنك حتى بحالة عدم انضمامنا لبريكس".
الاتفاق على معايير توسيع بريكس؟
لم يتمكن بوتين من التوجه إلى جنوب إفريقيا لحضور قمة بريكس، وذلك بسبب صدور مذكرة اعتقال بحقه من جانب المحكمة الجنائية الدولية، وجنوب إفريقيا عضو في المحكمة وملزمة بتنفيذ مذكرة الاعتقال، بحسب دستورها، لكن كان من الممكن أن يحضر الزعيم الروسي دون أن يتعرض للاعتقال، بحسب تصريحات نظيره الجنوب إفريقي.
لكن بوتين سيكون حاضراً في القمة من خلال الإنترنت، وينتظر أن يكون الاستقرار على ضم أعضاء جدد لبريكس أبرز الملفات، بحسب تقرير CNN، خصوصاً في ظل تباين الآراء. فرئيس جنوب إفريقيا عبر الأحد 20 أغسطس/آب عن دعمه لتوسيع بريكس، قائلاً إن "تكتلاً أكبر سيمثل مجموعة متنوعة من الأمم التي تجمعها رغبةً مشتركة في وجود نظام عالمي أكثر توازناً، وذلك في عالم معقد ومتشظي بصورة متزايدة".
لكن الرئيس البرازيلي دا سيلفا كان قد عبّر علناً من قبل عن "عدم الحماس لتوسيع بريكس، خشية أن يفقد التكتل تجانسه ويحيد عن هدفه الرئيسي".
وبشكل عام فإن عملية توسيع بريكس تحتاج أولاً إلى وضع معايير متفق عليها يتم على أساسها قبول أعضاء جدد، وهو ما يعني أيضاً وضع آلية لاتخاذ القرارات داخل التكتل، وهل ستكون ملزمة لجميع الأعضاء أم لا، وقبل ذلك هوية التكتل وتوجهه العام.
صحيح أنه تم إنشاء بريكس منذ البداية كتجمع للاقتصادات النامية الكبرى، بحثاً عن الحفاظ على مصالح تلك الدول، التي لم تجد لها مكاناً ضمن التكتلات الغربية، مثل مجموعة السبع التي تضم الاقتصادات الكبرى، لكن المتغيرات الدولية خلال السنوات الأخيرة، جعلت من بريكس وقمتها رقم 15 في جنوب إفريقيا تكتلاً مختلفاً إلى حد كبير.
فالصين، في ظل تنافس القوى الكبرى المحتدم بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية ستكون حريصة بلا شك على إضفاء صبغة جيوسياسية واضحة على هوية بريكس وتوجهاتها، وهو ما تتفق فيه مع روسيا.
لكن الهند، التي تواجه توترات حدودية وصلت إلى حد الحرب مع الصين، تعتبر نفسها الآن أقرب إلى أمريكا، حتى وإن كان زعيمها مودي يسعى جاهداً إلى جعل نيو دلهي قوة عظمى على الساحة الدولية، ويطمح أن تصبح الهند صاحبة مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي (يضم حالياً 5 دول فقط هي أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين). وفي هذا الإطار، لن يكون مودي مرحباً بالتوجه الصيني الساعي إلى جعل بريكس قوة مناطحة للغرب بقيادة أمريكا.
البرازيل، على الجانب الآخر، لا تريد أن تجد نفسها ضالعة في الصراع المتصاعد بين الصين وأمريكا، وبالتالي لن تكون داعمة لضم أعضاء جدد إلى بريكس يعتبرون في خانة التحالف مع بكين وموسكو ومعاداة واشنطن بشكل صريح، وإن كانت غالبية الدول الطامحة إلى الانضمام لبريكس، وبخاصة الدول العربية كمصر والسعودية والإمارات والجزائر، ليست في خانة الأعداء للغرب، حتى وإن كانت تجمعها علاقات قوية متصاعدة مع الصين وروسيا.
هل يتحول بريكس إلى كيان عالمي ذي تأثير؟
ربما لا تكون بريكس "عائلة متجانسة"، لكنها بلا شك التكتل الوحيد على الساحة الدولية حالياً الذي يمتلك إمكانيات وقدرات تمكنه من تحدي الهيمنة الأمريكية خصوصاً، والغربية عموماً، على النظام العالمي، اقتصادياً وسياسياً، بحسب تقرير CNN. فأعضاء بريكس الحاليون يمثلون معاً ما يقرب من 40% من سكان العالم ونحو ثلث الاقتصاد العالمي.
وكان السفير الصيني لدى جنوب إفريقيا، تشين زاودونغ، قد قال في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي إن الدول التي ترغب في الانضمام لبريكس تريد أن "تحمي مصالحها المشروعة في مواجهة بعض الدول التي تحمل عصا العقوبات الفردية، وتتورط في صراعات لا تخصها"، في إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة.
وأضاف السفير الصيني أن أعضاء تكتل بريكس يصرون على نظام عالمي يقوم على الحوار المتكافئ والتشاور البناء".
وفي هذا الإطار، يرى كثير من المحللين أن مسألة ضم أعضاء جدد لبريكس ربما يمثل "أول اختبار حقيقي يواجهه التكتل خلال عمره، الذي يبلغ نحو 15 عاماً"، كما قال بازو ندزانديز، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جوهانسبرغ للشبكة الأمريكية، مضيفاً أن "قبول أعضاء جدد سيوسع الوجود العالمي لبريكس ويدعم قدرة التكتل على مواجهة الهيمنة السياسية الغربية على العالم".
لكن مدى قدرة زعماء بريكس الحاليين شي وبوتين ومودي ودا سيلفا ورامافوزا، على التوصل إلى توافق حول معايير قبول أعضاء جدد، وسرعة الإعلان عن تلك المعايير، وقبول مرشحين من طابور الانتظار الطويل، يمثل حجر الزاوية في مدى نجاح أو فشل القمة الحالية، ومن ثم مستقبل التكتل ككل، وهو أمر تتابعه واشنطن عن كثب بطبيعة الحال.
الخلاصة هنا هي أن قمة بريكس الحالية في جوهانسبرغ ربما تكون لها تداعيات وتأثيرات عالمية في حال تم الاتفاق على معايير قبول أعضاء جدد أو حتى منح العضوية لبعض الدول المرشحة، ومنها الجزائر ومصر والسعودية والإمارات، لكن الأمر يتوقف على مدى قدرة الأعضاء الحاليين على التوصل إلى أرضية مشتركة للمضي قدماً.