لا تزال التوترات بين أمريكا وروسيا مستمرة في التصاعد هذا الأسبوع، بعد أن تضررت طائرتان أمريكيتان مسيرتان من طراز MQ-9 Reaper من مشاعل مظلية أطلقتها طائرات روسية فوق سوريا.
وتسبب الحادث الأول يوم الأحد 23 يوليو/تموز 2023، في إتلاف مروحة إحدى الطائرتين المسيرتين لكنه لم يتسبب في تحطمها. والحادث الآخر الذي وقع يوم الأربعاء 26 يوليو/تموز، فوق شمال غربي سوريا، ألحق أضراراً بأحد أجنحة المسيرة الثانية.
وهذان الحادثان يرفعان إجمالي الحوادث المسجلة بين طائرات روسية وأمريكية إلى ستة حوادث في يوليو/تموز، كما يقول تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
بداية، ماذا تفعل الطائرات الأمريكية في سماء سوريا؟
تركز معظم الوسائل الإعلامية في هذه الحوادث على الكيفية التي سترد بها الولايات المتحدة، لكن هذا يغفل السؤال الأهم عن سبب استمرار وجود طائرات عسكرية أمريكية تحلّق فوق سوريا بعد سنوات من هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
والمبرر الرسمي هو أن الولايات المتحدة تستهدف "فلول داعش". لكن هدف السعي وراء "هزيمة دائمة" للتنظيم يحصر الجيش في مهمة مفتوحة لا علاقة لها بأمن الولايات المتحدة.
والاستمرار في هذه المهمة أيضاً أدى إما إلى استهداف القوات الأمريكية على الأرض من الميليشيات المرتبطة بإيران، وإما دخولها في مناوشات جوية مع الطائرات الروسية.
ويقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي، إن الولايات المتحدة لن تربح كثيراً من عملياتها العسكرية في سوريا، ومخاطر التصعيد مع روسيا وإيران مصدر قلق كبير. والاحتفاظ بقوات أمريكية في سوريا لا يستحق الاستمرار في تحمُّل هذه المخاطر. ومن المنطقي أكثر أن تسحب الولايات المتحدة قواتها من سوريا، لكننا نعلم أن فكرة الرحيل في الوقت الذي تتعرض فيه القوات الأمريكية لتحدٍّ كبير ستلقى رفضاً شديداً في واشنطن.
مخاطر التصعيد ترتفع بين روسيا وأمريكا في سوريا
لكن الحكمة تقتضي أن تخرج القوات الأمريكية من سوريا الآن قبل وقوع حادث آخر يودي بالأرواح، لأنه في هذه الحالة سيزداد خطر التصعيد، وسيكون الرحيل حينها أكثر صعوبة. ولحسن الحظ، لم تؤدِّ المواجهات السابقة إلا لجرح أو مقتل عدد قليل نسبياً من الجنود الأمريكيين، ولكن لا سبب يدعو الولايات المتحدة إلى أن تخاطر. ولا يُتوقع من أحد أن يحمل روحه على كفه في مهمة مشوشة وغير قانونية في مكان لا تحيق فيه بالولايات المتحدة مخاطر كبيرة.
ويرى البعض في واشنطن أنه لا ينبغي للولايات المتحدة أن تسحب قواتها من بلد آخر حتى حين لا يخدم استمرار وجودها المصالح الأمريكية. فالخوف من خلق "فراغ" يملأه الأعداء يشل واشنطن ويُوقعها في شرَك استمرار نشر قواتها بفوائد أمنية ضئيلة أو معدومة.
وحين يقبل صناع السياسة بهذه الفكرة، فستمنع الولايات المتحدة من تقليص عمليات نشر قواتها غير الضرورية وستقلص حجم الموارد والقوات الأمريكية في أماكن كثيرة جداً. وهي أيضاً تعرّض القوات الأمريكية للخطر في الأماكن التي لا سبب وجيهاً لحضورها فيها.
أوضح بن فريدمان من مؤسسة أولويات الدفاع Defense Priorities، أن الخوف من ترك "فراغ" في غير محله، وقال: "اليوم، عادةً ما تكون الأماكن التي يرسَل إليها الجنود الأمريكيون لتحقيق الاستقرار غير مهمة من الناحية الاستراتيجية، أي إنها لا تعد ذات أهمية لأي جهة خارجية لتسيطر عليها. ولذلك، فأي محاولات أجنبية لاستغلال أي فراغ محتمل ناتج عن خروج الولايات المتحدة لن تضر بأمنها".
"يجب على واشنطن مغادرة سوريا لتجنب مواجهة مع روسيا"
وبإمكان الولايات المتحدة أن تتحمل تكلفة مغادرة سوريا بسهولة، وتكاليف البقاء تتفوق على أي فائدة ملحوظة. ولو أن من ضمن هذه التكاليف مواجهات روتينية مع القوات الروسية وتلك المدعومة من إيران، فقد صارت حتى أعلى مما كانت من قبل.
وبالنظر إلى المزاج العام المُعادي لروسيا في واشنطن، فيُحتمل أن تؤدي حوادث الطائرات المسيرة إلى تجديد التزام الإدارة بالمهمة في سوريا وربما حتى إرسال تعزيزات إضافية. وبالفعل، تعمل الولايات المتحدة على توسيع وجودها في الشرق الأوسط بمزيد من الجنود والطائرات المتجهة إلى الخليج.
وكل هذا خطأ ويؤدي إلى حضور أمريكي مبالغ فيه في المنطقة. وعلى الولايات المتحدة ألا ترسل بأي حالٍ قوات إضافية إلى سوريا، وإنما عليها أن تبحث عن طرق لإخراجها؛ حتى لا تقع في مصيدة الروس.
وفي الوقت نفسه، على الجيشين الأمريكي والروسي أن يتعاونا مع بعضهما للعودة إلى العمل بقواعد تجنُّب المواجهات التي حرصا على الالتزام بها خلال السنوات الماضية. فمن الضروري مقاومة أي إغراءات لاتخاذ إجراءات عقابية بحق روسيا لأجل وقف التصعيد. ولو أن بعض المتشددين في الجانب الروسي يتطلعون إلى الإيقاع بالولايات المتحدة ودفعها إلى رد فعل مبالغ فيه، فسيكون من الحماقة منحهم ما يريدون.
طرفان أجنبيان يتقاتلان على أرض ليست لهما
ويتقاسم الطرفان مسؤولية الوجود العسكري غير المشروع في سوريا. إذ استمر فيه رئيسا البلدين، وسمح أعضاء الكونغرس في كلا البلدين للسلطة التنفيذية بشن حرب غير مشروعة هناك. وشهد الكونغرس عدة محاولات للمطالبة بخروج جميع القوات الأمريكية على أساس صلاحيات الحرب، لكنها باءت بالفشل.
إذ قدم النائب جمال بومان تعديلاً جديداً في قانون الدفاع الوطني يحظر تمويل الوجود العسكري الأمريكي بسوريا بعد عام واحد في غياب تفويض من الكونغرس. وأياً كان ما سيحدث مع تعديل بومان، فلا شك في أن وجود القوات الأمريكية في سوريا حالياً غير قانوني، مثلما كان خلال السنوات التسع الماضية.
والحضور العسكري الأمريكي في سوريا هو على الأغلب فكرة طارئة في واشنطن اليوم، لكنه أحد المسارح المتبقية لـ"الحرب على الإرهاب" التي لا تنتهي. فلا تزال القوات الأمريكية منخرطة في اشتباكات ومعرَّضة لخطر الهجوم رغم غياب أي تفويض من الكونغرس أو تفويض دولي لحضورها. ومن الضروري التراجع عن هذه السياسة وسحب القوات الأمريكية لأسباب متعلقة بالسياسات العامة والقانون.