انتصار لكن بثمن أكبر.. ماذا ينتظر إسرائيل بعد تمرير نتنياهو “الإصلاحات القضائية”؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/07/26 الساعة 10:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/26 الساعة 10:28 بتوقيت غرينتش
وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش مع نتنياهو/رويترز

تمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من تحقيق هدفه بتمرير "الإصلاحات القضائية" التي يصفها خصومه بـ"الانقلاب القضائي" الأسبوع الجاري، مما قوّض ما يصفه الكثير من الإسرائيليين من الديمقراطية في البلاد.

وتحدى نتنياهو حركة احتجاجات منتشرة حول البلاد، من أجل تحقيق مآربه الرامية للحد من صلاحيات السلطة القضائية، التي تُخول لها فرض ضوابط على ائتلافه الحكومي اليميني.

صحيفة The New York Times اعتبرت أن انتصار نتنياهو وتحالفه يُعد فوضى تشير إلى احتمالية تفكك لإسرائيل؛ لذلك فإن كثيراً من الإسرائيليين يتساءلون إذا ما كان الضرر الذي لحق بالمجتمع غير قابل للإصلاح، وما إذا كان نتنياهو سيكون قادراً على إدارة المرحلة التالية لمواجهةٍ هو نفسه مَن أثارها.

ماذا حدث مع نتنياهو؟

وبحسب الصحيفة الأمريكية، ففي اللحظات الأخيرة السابقة للتصويت، جلس نتنياهو بين اثنين من زملائه في مجلس الوزراء، ولم يحرك ساكناً عندما تشاجر الرجلان -ويبدو أن الشجار تعلّق بما إذا كان عليهما تقديم تنازل في اللحظة الأخيرة- وصرخا مناديين بأعلى الصوت على رئيس حزبهما، كما لو كانا غافلين عن وجوده.

وحولهما في غرفة التصويت، صاح مشرعو المعارضة الغاضبون، موجهين إساءات إلى نتنياهو وحلفائه، وحذروهم من أنهم يدفعون بإسرائيل نحو الخراب.

صاح أحد مشرعي المعارضة: "أنتم حكومة الدمار". وصرخ آخر قائلاً: "أعداء إسرائيل!"

وبعد دقائق، قدّم مضي التصويت قدماً لحظة نادرة من اليقين، بعد 7 أشهر لم يتضح خلالها، حتى قبل ظهيرة أول أمس الإثنين 24 يوليو/تموز، إذا كان سيجرؤ نتنياهو حقاً على المضي قدماً بهذا المقترح الذي لا يلقى شعبية.

اصطحب التصويت إسرائيل نحو المجهول.

فقد ترك نصف المجتمع يتساءلون ما إذا كانت دولتهم -بقيادة تحالف نتنياهو الذي يتألف من المحافظين الدينيين والقوميين المتطرفين- سوف تنزلق رويداً رويداً لتتحول إلى حكمٍ استبداديٍّ دينيٍّ.

إسرائيل
جنود من جيش الاحتلال الإسرائيلي – رويترز

قال المفكّر والمؤرخ الإسرائيلي، يوفال نوح هراري: "قد تكون هذه هي الأيام الأخيرة للديمقراطية الإسرائيلية. قد نشهد في إسرائيل صعود ديكتاتورية مؤمنة بسيادة اليهود، التي لن تكون شيئاً مرعباً بالنسبة للمواطنين فحسب، بل سيكون مرعباً أيضاً بالنسبة للفلسطينيين، والتقاليد اليهودية، ويحتمل أن يكون كذلك بالنسبة للشرق الأوسط بأكمله".

في خطاب متلفز، بُث وقت الذروة بعد التصويت بساعات، أثار نتنياهو الانتباه إلى هذه المخاوف وحذّر منها.

فقد قال: "نتفق جميعاً أننا نحن -إسرائيل- يجب علينا أن نبقى نظاماً ديمقراطياً قوياً. وأن ذلك (النظام) سوف يواصل حماية حقوق الأفراد للجميع. وأنه لن يصير دولة دينية. وأن المحكمة سوف تبقى مستقلة".

ولكن بالنسبة للأنصار والنقاد على السواء، لا تزال هناك تساؤلات حول استقرار  الجيش الإسرائيلي وكفاءته بعد زيادةٍ شهدتها في الاحتجاجات من جانب آلافٍ من جنود الاحتياط بالجيش.

شبح الاضطراب الاقتصادي والمجتمعي

يوجد أيضاً شبح الاضطراب الاقتصادي والمجتمعي، بعد أن اندلعت اضطرابات كبرى ليلاً في مدن البلاد، وحذرت القيادات العمالية من إضراب عام، وأعلنت نقابة الأطباء خفضاً في الخدمات المقدمة يستمر لمدة يوم، وقالت شركات التكنولوجيا الفائقة إنها تفكر في الانتقال إلى أنظمة اقتصادية أكثر استقراراً، وذلك وفقاً لما ورد في استطلاع رأي جديد.

وفي الخارج، عزز التصويت غموضاً أكبر حول مستقبل التحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة، بعد إعراب إدارة بايدن عن المخاوف المتزايدة التي تعتريها. ويرفع هذا من حالة القلق بين عموم اليهود الأمريكيين بشأن مسار الدولة اليهودية.

وأثارت بين الفلسطينيين مخاوف بتزايد التغلغل للمستوطنات الإسرائيلية داخل الضفة الغربية المحتلة، وهو مشروع عارضته المحكمة العليا في إسرائيل في بعض الحالات، بالإضافة إلى المخاوف من فرض مزيد من القيود على الأقلية العربية داخل إسرائيل.

على مدى سنوات، وضع نتنياهو نفسه في مركز كل مواجهة سياسية، مما يعني أنه كان في هذه الأوقات يقف حائلاً بين إسرائيل وبين الكارثة. وبدا أنه يصمد أمامها.

مخاوف الحرب الأهلية في إسرائيل تتزايد والاحتجاجات ضد الانقلاب القضائي لا تتوقف – رويترز

لكن صحة وصلابة نتنياهو، صارت قضية رأي عام بعد أشهر من خوض معركة سياسية شاقة وتصويت مثير للجدل جاء بعد ساعات قليلة من خروجه من المستشفى، التي مكث فيها لـ30 ساعة لزراعة جهاز تنظيم ضربات القلب.

وهناك أيضاً المحاكمات المستمرة التي يواجه فيها نتنياهو اتهامات بالفساد. يخشى النقاد أن رئيس الوزراء قد يحاول إسقاطها، نظراً إلى أن المحكمة العليا صارت الآن أقل قدرة على معارضته، وهو ادعاء طالما أنكره.

وتتربص أسفل كل هذا احتمالية أزمة وجودية وشيكة قد يواجهها الحكم الإسرائيلي. فإذا استخدمت المحكمة العليا في الأسابيع المقبلة الأدوات المتبقية في جعبتها لعرقلة تنفيذ القانون الجديد، فقد تجبر قطاعات متعددة بإسرائيل على اتخاذ قرار حول أي من الأذرع الحكومية سوف يطيعونه. 

قال أنشل بفيفر، كاتب السيرة الذاتية لنتنياهو: "أعتقد أنه سيكون نصراً مكلفاً. جميع أسس المؤسسة الإسرائيلية، بما فيها حكومة نتنياهو نفسها، أُضعفت بسبب ما يحدث".

يرى بعض الإسرائيليين أن المحكمة تقف حصناً أمام نظام لديه ضوابط وموازين قليلة نسبياً: فالبلاد ليس لديها دستور وليس لديها سوى مجلس برلماني واحد.

لكن نتنياهو وأنصاره يجادلون بأن القانون الجديد، الذي يمنع المحكمة من نقض قرارات الحكومة عبر معيار قانوني ذاتي يعرف باسم معيار "المعقولية"، يعزز الديمقراطية عن طريق منح القادة المنتخبين استقلالية أكبر عن القضاة غير المنتخبين، بحسب تقرير لصحيفة The Washington Post 

بالنسبة لحركة الاحتجاجات العلمانية في إسرائيل، كانت هذه صفعة أخرى، لكنها صفعة ارتأى كثيرون أنها دعوة لمواصلة النضال. إذ إن نضال الحركة المستمر منذ 7 أشهر لتأجيل الإصلاحات القضائية، من خلال المسيرات والتجمعات الأسبوعية، ساعد في إعادة تنشيط فئة مجتمعية صاحبة امتيازات تُرى في كثير من الأحيان على أنها غير مبالية بالاتجاه السياسي لإسرائيل أو راضية عنه.

ماذا عن العرب في إسرائيل؟

وبالنسبة للأقلية العربية، التي تشكل حوالي خمس سكان البلاد البالغ عددهم 9 ملايين نسمة، فإن الشعور السائد هو أن القانون الجديد ينذر بعصر خطير جديد.

اضطلع عرب 48 بدور هامشي في الاحتجاجات ضد الإصلاحات القضائية، بسبب حذرهم من أن حركة الاحتجاجات ركزت في العموم على الحفاظ على الوضع الراهن للدولة اليهودية بدلاً من النضال من أجل حصول الفلسطينيين على حقوق متساوية.

قال محمد عثمان، الناشط السياسي والاجتماعي البالغ من العمر 26 عاماً من بلدة نحف العربية جنوب إسرائيل: "يعتقد جزء من مجتمعنا أن هذه الحكومة مثل الحكومات السابقة تماماً، وأن موقفنا الآن بنفس السوء الذي كان عليه دائماً". لكن عثمان يرى أن الإصلاحات القضائية تشكل تهديداً واقعياً للغاية على الأقلية العربية. قال عثمان: "سنكون أول من يتعرض للأذى".

كذلك يجعل التصويت مستقبل العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل أكثر خطورة من المعتاد. تمد واشنطن إسرائيل بما يقرب من 4 مليارات دولار سنوياً من المساعدات العسكرية وتمنحها الغطاء الدبلوماسي الضروري في الأمم المتحدة.

وصلت "مسيرة الأعلام" التي ينظمها مستوطنون إسرائيليون، إلى باب العامود، أحد أبواب البلدة القديمة بالقدس الشرقية المحتلة، وسط هتافات "الموت للعرب".( Esat Fırat – وكالة الأناضول )

لكن القانون الجديد أثار مخاوف عديدة أعرب عنها الرئيس بايدن. وقبل التصويت عليه، طالب اثنان من سفراء الولايات المتحدة لدى إسرائيل بأمر لم يكن من الممكن تخيله: إنهاء المساعدة العسكرية إلى إسرائيل.

صحيحٌ أن القادة الأمريكيين طالما اصطدموا برؤساء الوزراء الإسرائيليين، منذ ولاية الرئيس الأمريكي الراحل دوايت أيزنهاور، لكن هذه الأزمة الخاصة مختلفة لأنها لا تتعلق بالسياسة الخارجية، بل بشخصية إسرائيل؛ لأنها تقوض التصور بوجود تحالف بين نظامين ديمقراطيين متشابهين، وذلك حسبما قال آرون ديفيد ميلر، الدبلوماسي الأمريكي السابق والوسيط السابق في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

أوضح ميلر: "أول الترتيبات هو أنك عندما تكون داخل حفرة، فامتنع عن الحفر. وحفرة نتنياهو (في علاقته مع) بايدن صارت أعمق كثيراً".

وأضاف: "لا يبحث بايدن عن صراع مع نتنياهو. ولكن من الواضح أنه لن يكون هناك مزيد من العناق، ناهيك عن ذكر زيارات البيت الأبيض".

كيف ستؤثر الإصلاحات القضائية على إسرائيل؟

وبحسب صحيفة The Washington Post فإن النظام البرلماني في إسرائيل لا يحتوي على مجلس تشريعي منفصل يكفل وضع الضوابط أمام السلطة التنفيذية، أو رئيس الوزراء. وفي خضم سياسات الاستقطاب والفُرقة، أُجبر نتنياهو على الاعتماد على أحزاب أشد تطرفاً لتشكيل ائتلاف حكومي في العام الماضي.

وتوضح الصحيفة أن تأثير تقييد سلطات السلطة القضائية في إسرائيل قد يكون آنياً. فعلى سبيل المثال، يتوقع كثيرون أن يعين نتنياهو حليفه منذ وقت طويل، أرييه درعي، زعيم حزب شاس الأرثوذوكسي، ليكون على رأس ثلاث وزارات. حظرت المحكمة العليا تولي درعي هذه المناصب في يناير/كانون الثاني، عندما قالت إنه "من غير المعقول" تعيينه بعد تعهده بالتقاعد من المناصب الحكومية في أعقاب إدانته في قضية تهرب ضريبي في العام المنصرم.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو/رويترز

بحسب الصحيفة، يمكن لأي حكومة يمينية متطرفة بلا ضوابط أن تغير شكل الحياة بالنسبة للفلسطينيين تغييراً دراماتيكياً. فقد اضطلعت المحكمة العليا أحياناً بدورٍ في دعم حقوق المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل. بالإضافة إلى أن بعض أعضاء الائتلاف الحاكم طالبوا بضم كامل أراضي الضفة الغربية المحتلة.

قد يواجه نتنياهو أيضاً مزيداً من العزلة الدولية، في ظل توجيه إدارة بايدن انتقادات إلى الإصلاح القضائي المخطط له، والضغط على الحكومة الإسرائيلية من أجل التوصل إلى تسوية.

تحميل المزيد