تابعوا النتائــج عبر هـذا الرابـــط المباشـــــر
ينتظر الأتراك والعالم معهم أسبوعين لمعرفة هوية الرئيس المقبل، بعد أن تأجل الحسم في انتخابات الرئاسة 2023 إلى 28 مايو/أيار، فمن هو سنان أوغان، المرشح الذي قد يلعب دور "صانع الملوك"؟
كان الأتراك قد عاشوا يوماً طويلاً، بدأ الأحد 14 مايو/أيار، منذ بدء التصويت في الساعة 8 صباحاً بالتوقيت المحلي (الخامسة صباحاً بتوقيت غرينتش) في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأهم على الإطلاق في تاريخ تركيا الحديث.
ثم بدأت عملية فرز الأصوات بعد انتهاء التصويت، في مقر مراكز الاقتراع البالغ عددها 191 ألفاً، أي بعد الساعة الخامسة مساء الأحد، وبدأت الهيئة العليا للانتخابات التركية في نشر النتائج غير النهائية للانتخابات العامة والرئاسية تباعاً، ومع الساعات الأولى من صباح الإثنين 15 مايو/أيار، بدأت الأمور تسير في اتجاه جولة إعادة بين المرشحين الرئيسيين للرئاسة، بينما حسمت الأمور برلمانياً لصالح التحالف الذي يقوده حزب العدالة والتنمية.
مفاجآت نتائج انتخابات الرئاسة 2023 في تركيا
على الرغم من تأخر الحسم في انتخابات الرئاسة إلى جولة الإعادة، بعد عدم حصول أي من المرشحين الثلاثة على نسبة 50% من الأصوات زائد واحد على الأقل، طبقاً لقانون الانتخابات، إلا أن النتائج الأولية شبه النهائية حملت عدداً من المفاجآت.
أول هذه المفاجآت تمثل في النسبة التي حصل عليها مرشح المعارضة الرئيسي، كمال كليجدار أوغلو المدعوم من الغرب، والتي جاءت أقل قليلاً من 45%، ما مثّل صدمة لمعسكر المعارضة، الذي كانت تشير استطلاعات الرأي الخاصة به إلى تقدم كليجدار أوغلو السباق، وتوقع أن يفوز من الجولة الأولى.
على الجانب الآخر، حقق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تقدماً مريحاً في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، وهو ما يسهل من مهمته في جولة الإعادة المقررة يوم 28 مايو/أيار، إذ حصد الرئيس الحالي أقل قليلاً من 50%، وحقق تحالف الجمهور، الذي يقوده، أغلبية مريحة في الانتخابات البرلمانية.
أما المفاجأة الأخرى في الانتخابات الرئاسية، فقد تمثلت في النسبة التي حصل عليها المرشح الثالث، سنان أوغان، حيث حصد أكثر من 5% من الأصوات، وهو ما يجعل لهذه الكتلة التصويتية دوراً مهماً للغاية في جولة الإعادة، التي لن يشارك فيها.
وقال رئيس اللجنة العليا للانتخابات التركية، أحمد ينر، إنه بعد فرز 99% من صناديق الاقتراع تقدم أردوغان بنسبة 49.4% من الأصوات، في حين حصل كليجدار أوغلو على 44.96%، وإن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت 88.8%، بينما حصل سنان أوغان على 5.2% من الأصوات، وقال محللون لرويترز إنه يمكن أن يلعب دور "صانع الملوك" في جولة الإعادة، إذا قرر دعم أحدهما.
وكان مرشح رابع للانتخابات الرئاسية هو محرم إنجة، رئيس حزب البلد المعارض، قد أعلن انسحابه من السباق قبل 3 أيام فقط من يوم التصويت.
ومن بين المرشحين الأربعة، بمن فيهم المنسحب إنجة، يعتبر سنان أوغان وجهاً جديداً إلى حد ما، ولم يكن أحد يتوقع أن ينافس بقوة على المنصب، بل إن جميع استطلاعات الرأي تقريباً لم تعطه أكثر من 2% من الأصوات على أفضل تقدير، وهو ما أشار إليه سنان نفسه.
ففي تصريحات له بعد ظهور النتائج شبه النهائية للانتخابات الرئاسية، استنكر أوغان موقف شركات الاستطلاع لأنها تجاهلته في استطلاعات الرأي، قائلاً: "لقد تعرضنا للتنكيل في التحليلات والصحف"، مضيفاً: "أولئك الذين هاجمونا في اليومين الماضيين بعد إجبار "محرم إنجة" على الانسحاب من الانتخابات بضغوط مختلفة، واتهمونا ظلماً وحاولوا قتلنا، يجب أن يكون لديهم الكثير من الدروس التي يجب تعلمها من هذه الصورة السياسية!".
فمن هو سنان أوغان؟
ولد أوغان في 1 سبتمبر/أيلول 1967 في منطقة ملاكلي بولاية إغدير التركية، وهو من أسرة تمتد جذورها إلى أذربيجان، ودرس في كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة مرمرة التركية، حيث حصل فيها على درجة الماجستير، ثم أكمل دراسة الدكتوراه في جامعة موسكو الحكومية في روسيا للعلاقات الدولية، ويتحدث اللغتين الروسية والإنجليزية.
على الصعيد الأكاديمي، عمل أوغان بصفة معيد في معهد الدراسات التركية بجامعة مرمرة، كما عمل مساعد عميد كلية في الجامعة الاقتصادية بأذربيجان، وأسس مركز العلاقات الدولية والتحليل الاستراتيجي (TÜRKSAM)، وله العديد من الكتب والمقالات المنشورة.
كما حصل على العديد من الجوائز في مجال العلوم الاجتماعية والعمل الأكاديمي، وبرز في مطلع العقد الأول كشخصية أكاديمية.
من العمل الأكاديمي إلى السياسة ومعاداة اللاجئين
دخل سنان أوغان الحياة السياسية من بوابة حزب الحركة القومية، والذي يوجد الآن ضمن تحالف "الجمهور" مع حزب العدالة والتنمية الحاكم. وفي عام 2011، انتُخب سنان أوغان نائباً برلمانياً عن مدينة إغدير مسقط رأسه، ليدخل مجلس الأمة التركي (البرلمان) لأول مرة.
لكن أوغان وجد نفسه خارج قائمة المرشحين البرلمانيين عن حزب الحركة القومية في انتخابات 2015 التشريعية؛ ما أثار خلافات بينه وبين قيادة الحزب، لينتهي المطاف به مطروداً من الحركة القومية بموجب قرار لجنة التأديب الداخلية.
في العام ذاته (2015) تمكن أوغان من العودة إلى الحركة القومية مجدداً، حيث كسب دعوى قضائية ضد قرار طرده من الحزب، إلا أنه طُرد من الحزب مجدداً في 10 مارس/آذار 2017 مع 3 أعضاء آخرين، ليعلن انتهاء مشواره السياسي مع حزب الحركة القومية.
اشتهر سنان أوغان بخطاب يوصف بالعنصري ضد اللاجئين الذين تستضيفهم تركيا تحت بند "الحماية المؤقتة"، ودعا مراراً إلى إعادتهم إلى بلادهم، كما أنه توعد في أبريل/نيسان الماضي بإعادة اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلدهم "قسراً إذا اضطر الأمر"، ما أثار جدلاً واسعاً.
في الوقت ذاته، فإن "تحالف الأجداد" الذي رشّح أوغان للانتخابات الرئاسية، يقوده حزب النصر المعارض برئاسة اليميني المتطرف أوميت أوزداغ، وهو الآخر معروف بخطابه العنصري المتشدد ضد اللاجئين والأجانب في تركيا، لا سيما الجالية العربية.
ويقوم خطاب التحالف على وعود حول إعادة السوريين إلى بلادهم "في أقرب وقت"، دون برامج سياسية أخرى واضحة في ملفات الاقتصاد والمشاريع الأخرى.
ومنذ طرده من حزب الحركة القومية في 2017، لم ينتسب سنان أوغان إلى حزب سياسي، لكنه قبل دعوة تحالف الأجداد للترشح للانتخابات الرئاسية 2023، واستطاع جمع 100 ألف توقيع مكنته من اعتماد أوراق ترشحه من قبل الهيئة العليا للانتخابات التركية.
على صعيد حاضنته الشعبية، فإن أوغان لا يتمتع بحضور قوي في الشارع التركي، ولم تمنحه شتى استطلاعات الرأي السابقة على الانتخابات أكثر من 2 إلى 3%، في حين كان أوغان يرى أن الانتخابات لن تُحسم من أول جولة، وأنه سيصل إلى الجولة الثانية.
أردوغان أم كليجدار؟
تحقق جزء من توقعات أوغان، وهو ما يتعلق بتأجيل الحسم إلى جولة الإعادة، لكن الجزء الآخر من توقعاته لم يتحقق، فهو لن يكون حاضراً في تلك الجولة، بل ستكون بين الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان ومرشح الطاولة السداسية المعارضة كمال كليجدار أوغلو.
لكن يظل السؤال الآن متعلقاً بـ"لمن" ستذهب الأصوات التي حصل عليها أوغان في جولة الإعادة: لأردوغان أم لكليجدار؟ وقد تواصل بالفعل كلا المعسكرين معه في مسعى لاستمالته.
فقد تلقى أوغان مكالمة هاتفية من نائب رئيس حزب العدالة والتنمية، بن علي يلدرم، ومكالمة أخرى من رئيس حزب الشعب الجمهوري ومرشح المعارضة الرئيسي كمال كليجدار أوغلو، بحسب ما أكدت وسائل إعلام تركية مساء الأحد.
وكانت صحيفة "دير شبيغل" الألمانية قد قالت في تقرير لها إن سنان أوغان صرح لها بشرط وضعه كي يدعم مرشح المعارضة كليجدار أوغلو في جولة الإعادة، ويتمثل في إخراج حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، من الحياة السياسية.
لكن أوغان خرج في تغريدة نافياً ما نقلته الصحيفة، قائلاً إن هذه التفاصيل لم ترد فيها تماماً، بينما نقلت وكالة رويترز عنه قوله "إنه لا يميل لدعم أي جانب في جولة الإعادة".
وفي وقت سابق قبل يوم الانتخابات، قال أوغان إن قراره في دعم مرشح خلال الجولة الثانية سيكون مبنياً على حوار قد يجريه مع الأطراف المتنافسة، وهو ما يشير إلى أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد مفاوضات سيسعى خلالها للحصول على مكاسب ما، قد تكون تأمين منصب وزاري أو دور سياسي في حزب المعارضة الرئيسي.
والسؤال هنا، من الأكثر احتمالاً بين المرشحين في جولة الإعادة، أن يكون أقدر على استمالة أوغان إلى صفه؟ بالنظر إلى موقف سنان من حزب الشعوب الديمقراطي، لا يبدو أن معسكر كليجدار قد يضحي بكتلة تصويتية تخطت 14% حصل عليها الحزب الكردي الرئيسي من أجل استمالة صاحب الكتلة التصويتية الأقل، أي سنان أوغان الذي حصل على أكثر قليلاً من 5% من الأصوات.
وبشكل عام، يرى كثير من المراقبين أن الأصوات التي حصل عليها سنان أوغان لا تمثل، في مجملها، كتلة تصويتية صوتت له عن اقتناع أيديولوجي أو فكري أو حتى برامجي، بل استفاد أوغان بالأساس من انسحاب محرم إنجة، فنال جانباً من الأصوات التي كانت ستذهب للمنسحب، وهي الأصوات غير الراغبة في التصويت لأردوغان أو لكليجدار أوغلو، ومن ثم قد لا يمتلك سنان أوغان التأثير اللازم لتوجيه تلك الكتلة نحو أحد المرشحين في جولة الإعادة.
وعلى أية حال، يرى كثير من المحللين أن الرئيس الحالي أردوغان سيدخل جولة الإعادة في وضع أقوى بكثير من منافسه كليجدار أوغلو، وقال جاليب دالاي الزميل المساعد لدى تشاتام هاوس لرويترز إنه "من المرجح خلال فترة الحملة التي تسبق جولة الإعادة أن يركز الرئيس أردوغان على (مسألة) الاستقرار؛ لأنه يحتفظ بالفعل بالأغلبية في البرلمان"، مضيفاً أن مرشح التحالف الحاكم سيدخل الجولة الثانية "بمزايا عددية ونفسية".