الجميع غاضبون لكن إسرائيل لا تبالي.. هل تضع حكومة نتنياهو كلمة النهاية لمسيرة التطبيع؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/03/26 الساعة 08:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/27 الساعة 20:27 بتوقيت غرينتش
حكومة بنيامين نتنياهو - رويترز

تواصل إسرائيل إحراج حلفائها الإقليميين والدوليين، فهل تكون حكومة بنيامين نتنياهو سبباً في الإطاحة نهائياً باتفاقيات التطبيع، بعد أن خرج الغضب الإماراتي عن إطار السرية إلى العلن؟

وتعيش الدولة العبرية حالةً من التوتر الداخلي وتظاهرات غير مسبوقة في الأسابيع الماضية، تنذر بوقوع حرب أهلية، على خلفية التعديلات القضائية التي ينوي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وتحالفه الحاكم تمريرها في الكنيست.

وفي الوقت نفسه، تهدد السياسات القمعية والاستفزازية، التي تصر حكومة "السوابق" في إسرائيل على اتباعها بحق الفلسطينيين، بانفجار الأوضاع، وهو ما يضع الدول العربية التي وقَّعت ما يُعرف باتفاقيات أبراهام، أو طبعت علاقاتها مع تل أبيب، في مأزق حقيقي.

الإمارات غاضبة من حكومة نتنياهو

وتناول تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية تأثير سياسات حكومة نتنياهو على اتفاقيات أبراهام، رصد كيف توقف رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، منذ فترة عن إخفاء غضبه على تصرفات الحكومة الإسرائيلية.

وكانت الإمارات قد قررت إرسال 3 مليارات دولار للعائلات المتضررة من مذبحة المستوطنين المنظمة في بلدة حوارة الفلسطينية، كما تحدث الرئيس الإماراتي هاتفياً إلى البيت الأبيض وزعماء مصر، والأردن، والسعودية لمناقشة ما يمكن فعله حيال هذه الحكومة.

إذ وقّعت الإمارات اتفاقية تجارة حرة مع إسرائيل، لكنها تخشى اليوم أن يؤثر التشريع الحكومي المخطط له على التجارة، التي يستقر حجمها حالياً عند نحو ملياري دولار سنوياً. بينما تُشير الطموحات المُعلنة إلى رغبةٍ في زيادة حجم التجارة إلى 10 مليارات دولار في السنوات المقبلة.

وحذر رجل أعمال إماراتي قائلاً مؤخراً: "إذا تشكّل موقفٌ يخشى خلاله المستثمرون التعامل مع إسرائيل تجارياً، فقد تذهب إنجازات اتفاقات أبراهام أدراج الرياح. وستكون الخسارة من نصيب إسرائيل بالكامل على الأرجح، لأن الإمارات لديها ما يكفي من الأماكن الأخرى لاستثمار ملياراتها حول العالم".

ولا يشعر المسؤولون الإسرائيليون بالقلق حيال اتفاقات أبراهام في الوقت الراهن، لكنهم أشاروا إلى أن أبوظبي تحوّلت اليوم إلى الراعي السياسي الرئيسي للفلسطينيين، بعد أن كانت تبرر توقيع اتفاقية السلام بأنها ستمنع ضم إسرائيل للضفة الغربية.

الإمارات
محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات/ Getty Images

وقد شهد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رعاية الإمارات لثلاثة قرارات تدعو لإدانة إسرائيل، بالتعاون مع الفلسطينيين، وقبلها حاول مسؤولون بارزون من الإمارات إقناع نتنياهو بتهدئة الجبهة الفلسطينية، لأن أي تداعيات عنيفة قد يمتد أثرها إلى مصر أو الأردن.

ويتعيّن على الإمارات الآن أن تمثل الأردن أيضاً، الذي صدمته تصريحات بتسلئيل سموتريتش بعدم وجود شعب فلسطيني. وسرعان ما استدعت عمان السفير الإسرائيلي في الأردن، إيتان سوركيس، من أجل توبيخه، ثم نشرت بياناً صحفياً مطولاً يحمل إدانات قوية.

الأردن على صفيح ساخن

وفي الأسبوع الجاري، كتب الصحفي الأردني البارز ماهر أبو طير مقالاً نارياً على موقع الغد الأردني. حيث قال: "يتوجب أن نشكر المتطرفين في إسرائيل، كونهم ذكّروا المتغافلين بحقيقة المشروع الإسرائيلي، وهو مشروع يتعثر بالشعب الفلسطيني، وبمشاكل الاحتلال، وما يمثله الأردن من مكانة دولية تساعده كثيراً في وقف الأطماع الإسرائيلية… لا يُعقل أن يتم عقد معاهدة سلام مع طرف يحلم بأن يحتل أرضك… ولا يناسب أن يستمر الاعتماد على الماء والغاز الفلسطيني المنهوب إسرائيلياً. ولا نقبل أن تتواصل التجارة بين الجسور، ولا يجوز أيضاً أن يتواصل التنسيق الأمني والفني، ولا يصح أن نقف عند حد استدعاء سفيرنا، أو طرد سفير الاحتلال".

ولا شك أن تصويت مجلس الأمة الأردني لصالح طرد السفير الإسرائيلي يوم الأربعاء، 22 مارس/آذار، كان صورياً في جوهره كما حدث من قبل مراراً، لكن التصويت يدل على تعكر المزاج في المملكة، الأمر الذي وصفه بدقةٍ الوزير الأردني الأسبق محمد الداودية، حيث كتب الداودية في مقال نُشر الأسبوع الجاري: "نحن اليوم أمام واقع إسرائيلي جديد عدواني، وغبي، وصلف، ووحشي".

ففي أعقاب ما يسمى بقمة العقبة، التي عُقدت الأحد 26 فبراير/شباط في ضيافة الأردن وبحضور ممثلين عن إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر وأمريكا، صدر بيان مشترك تعهد من خلاله مسؤولون إسرائيليون وفلسطينيون بالعمل على وقف "العنف المتصاعد".

كان اجتماع العقبة هو الأول من نوعه منذ سنوات، وحضره مسؤولون أمريكيون وأردنيون ومصريون كبار، بالإضافة إلى وفود إسرائيلية وفلسطينية. وبحسب منظميه، فإن الاجتماع يهدف إلى إعطاء الأمل للفلسطينيين في مستقبل سياسي، "إذا حقق أهدافه.. فسينعكس ذلك على الأرض".

لكن رد الحكومة الإسرائيلية جاء صادماً لجميع الأطراف، وبخاصة للأردن، حيث صدرت تصريحات أكثر استفزازاً من جانب سموتريتش، الذي ألقى بتلك التصريحات أمام خريطة تلغي الأردن من الأساس، وتزعم أن حدود دولة الاحتلال تضم فلسطين والأردن معاً.

ملك الأردن عبد الله الثاني والرئيس الأمريكي جو بايدن – الأناضول

وسموتريتش هو زعيم "الصهيونية الدينية" المتطرفة ويتولى شؤون الإدارة المدنية في الضفة الغربية المحتلة التابعة لوزارة الدفاع. ويبلغ عمر هذا المحامي والمستوطن 42 عاماً، وهو زعيم حزب الصهيونية الدينية. وتحدث سموتريش من قبل عن رغبته في "إجهاض" أية آمال لدى الفلسطينيين بتحقيق المساواة على "أرض بني إسرائيل"، من خلال رحيلهم أو عيشهم كخدم لليهود أو قتلهم.

يُذكر أن علاقات إسرائيل مع الأردن والإمارات ومصر تمثل أعمدةً أساسية لاتفاقات أبراهام، فضلاً عن كونها أعمدةً أساسية لقبول إسرائيل في الشرق الأوسط. أما بقية الدول الموقعة على الاتفاقات مع إسرائيل فتتمثل قيمتها الرئيسية في الاقتصاد، مثل المغرب والبحرين والسودان.

وانضمت تركيا كذلك إلى قائمة الدول التي أدانت سموتريتش بشدة. ويتمحور سر أهمية تركيا حول كونها جزءاً من المحور الذي يربط السعودية والإمارات من ناحية، وروسيا وإيران من ناحيةٍ أخرى.

ولا تزال علاقات إسرائيل العسكرية وثيقة مع مصر، ولا يزال التنسيق الأمني مع الأردن مستمراً كالمعتاد، رغم مشاعر الغضب. فيما عقدت مصر محادثات حساسة مع وفود حماس والجهاد الإسلامي مؤخراً، في محاولةٍ للتوصل إلى اتفاقات تحافظ على التهدئة في شهر رمضان.

مصر تحاول تهدئة الموقف.. ولكن

لكن حوار مصر مع إسرائيل يجري عبر المسؤولين العسكريين والأمنيين في الأساس، حيث يؤدون الآن دور قناة التنسيق الرئيسية، نظراً لعدم ثقة القاهرة في المسؤولين الإسرائيليين المنتخبين.

ومع ذلك، يشعر المصريون بالقلق من أن الاتفاقات الجديدة المتعلقة برمضان- والاتفاقات غير المباشرة مع حركة حماس- قد تنهار. وترجع الأسباب إلى سيطرة سموتريتش على الإدارة المدنية، وسيطرة إيتمار بن غفير على شرطة الحدود وعمليات الشرطة في الضفة الغربية والقدس الشرقية.

وصرّح مصدر عسكري بارز ومطلع على المحادثات مع مصر لصحيفة Haaretz: "إن نفوذ مصر على الجماعات الفلسطينية يعتمد على مدى تأثير نتنياهو على وزراء حكومته. ويكفي أن يزور وزير أو مسؤول تشريعي المسجد الأقصى ليطير صاروخ من غزة، ومن ثم ستُفتح أبواب الجحيم على مصراعيها.

ولا يسيطر جيش الاحتلال على المسجد الأقصى، بينما ترفع الشرطة وشرطة الحدود تقاريرها إلى بن غفير مباشرة. ولا يعلم أحد ما إذا كان بإمكان نتنياهو منعهم من التصرف بجموح.

وهناك مصالح استراتيجية مشتركة بين إسرائيل ومصر مثل بيع الغاز الطبيعي، وتأمين حدود سيناء مع غزة، والاعتماد المشترك على الولايات المتحدة. ما ضمن استمرار التنسيق الأمني بين البلدين في الأوقات العادية، لكن المصريين يشعرون- كما هو حال كثير من الإسرائيليين المعارضين للحكومة- بأن هناك "واقعاً جديداً" يواجهه الجميع.

وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير / رويترز

ولا يتوقف هذا الواقع الجديد على سياسة الحكومة الإسرائيلية، التي أسفرت بالفعل عن تطورات دراماتيكية يبدو أنها تركت إسرائيل دون ردٍّ أو تحضير، لكن أحدث التطورات تتمثل في التقرير الصادر يوم الخميس، 23 مارس/آذار، حول قرار السعودية وسوريا استئناف العلاقات الدبلوماسية.

كما فاجأت الرياض إسرائيل بقرارها استئناف العلاقات الدبلوماسية مع طهران، لتحطم بذلك التحالف العربي ضد إيران في جوهره. بينما دعا الملك السعودي سلمان، الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لزيارة المملكة في الأسبوع الجاري. فيما تمتلك الإمارات سفارةً في طهران بالفعل، أما البحرين التي كانت الأكثر خلافاً مع إيران، فهي تتفاوض لاستئناف المحادثات مع الجمهورية الإسلامية بوساطة عمانية. وتستثمر إيران جهودها لإحياء العلاقات الدبلوماسية مع مصر أيضاً، بعد قطعها في أعقاب توقيع معاهدة كامب ديفيد عام 1978.

ولم تُولد الشرعية الإقليمية الجديدة لإيران وسوريا تحت مظلةٍ أمريكية، بل كانت الصين هي الراعي الذي حقق واحدةً من أهم نقاط التحول في العقد الماضي. فهل ستصبح قدرة إسرائيل على قصف سوريا محدودة؟ وهل تحولت الحملة ضد إيران إلى مجرد شعارات فارغة، خاصةً بعد انسحاب الحلفاء العرب وغياب الدعم الأمريكي؟ لا حاجة للتكهن بالإجابة في ظل التطورات الأخيرة.

وفي الوقت ذاته، تسير العلاقات المصرية-التركية على طريق سريع نحو استعادتها بشكل كامل، بعد سفر وزير خارجية تركيا مولود تشاووش أوغلو في أول زيارةٍ رسمية لمصر منذ عام 2013. ومن المرجح أن هذا التطور ستكون له تداعيات على الشراكة التسويقية للغاز الطبيعي، التي تضم إسرائيل ومصر واليونان وقبرص والإمارات. ومن المرجح كذلك أن تحقق تركيا طموحاتها بالتحول إلى مركز إقليمي لبيع الغاز إلى أوروبا، بالتزامن مع استمرارها في بيع الغاز الروسي رغم العقوبات على موسكو.

تحميل المزيد