لماذا لن ينجح اجتماع العقبة في نزع فتيل التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين؟ هذه أبرز العقبات

عربي بوست
تم النشر: 2023/02/27 الساعة 10:03 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/02/27 الساعة 10:05 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو - رويترز

يثير الاحتفاء الرسمي بنتائج اجتماع العقبة تساؤلات جادة حول فرص نجاح تلك "التفاهمات" في نزع فتيل التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين كما تأمل أطراف القمة، وخاصة الولايات المتحدة.

ففي أعقاب ما يسمى بقمة العقبة، التي عقدت الأحد 26 فبراير/شباط في ضيافة الأردن وبحضور ممثلين عن إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر وأمريكا، صدر بيان مشترك تعهد من خلاله مسؤولون إسرائيليون وفلسطينيون بالعمل على وقف "العنف المتصاعد".

اجتماع العقبة هو الأول من نوعه منذ سنوات، وحضره مسؤولون أمريكيون وأردنيون ومصريون كبار، بالإضافة إلى وفود إسرائيلية وفلسطينية. وبحسب منظميه، فإن الاجتماع يهدف إلى إعطاء الأمل للفلسطينيين في مستقبل سياسي، "إذا حقق أهدافه.. فسينعكس ذلك على الأرض".

على ماذا اتفقوا في اجتماع العقبة؟

أصدر المجتمعون في العقبة بياناً مشتركاً قالت فيه إسرائيل إنها ستوقف المناقشات بشأن بناء وحدات استيطانية جديدة في الضفة الغربية المحتلة لمدة أربعة أشهر. كما جدد ممثلو إسرائيل والسلطة الفلسطينية "التأكيد على ضرورة الالتزام بخفض التصعيد على الأرض ومنع المزيد من العنف"، وأكد الجانبان "التزامهما بجميع الاتفاقات السابقة بينهما".

وجاء في البيان أيضاً: "تعتبر الأردن ومصر والولايات المتحدة هذه التفاهمات تقدماً إيجابياً نحو إعادة تفعيل العلاقات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وتعميقها".

التركيز على ذكر مصطلح "التفاهمات" يشير إلى كون هذا الاجتماع النادر جزءاً من جهود إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لنزع فتيل الانفجار الكبير في المنطقة، إذ يمثل الاجتماع، من وجهة نظر منظميه والمشاركين فيه، فرصة لوقف التصعيد الإسرائيلي، الذي أثار غضباً عربياً ومخاوف دولية من الانجرار إلى صراع إسرائيلي فلسطيني على نطاق أوسع.

وأضاف البيان المشترك: "أكدت الحكومة الإسرائيلية والسلطة الوطنية الفلسطينية استعدادهما المشترك والتزامهما بالعمل الفوري لوقف الإجراءات الأحادية الجانب لمدة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر، ويشمل ذلك التزاماً إسرائيلياً بوقف مناقشة إقامة أي وحدات استيطانية جديدة لمدة أربعة أشهر، ووقف إقرار أي بؤر استيطانية جديدة لمدة ستة أشهر".

وفي هذا السياق، قال مسؤول أردني لرويترز دون الكشف عن هويته: "لم يحدث مثل هذا الاجتماع منذ سنوات… إنه إنجاز كبير أن يتم جمعهم معاً".

مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، قال في بيان إن الرئيس الأمريكي جو بايدن شكر العاهل الأردني الملك عبد الله على "عقد هذا الاجتماع التاريخي". وأضاف سوليفان: "ندرك أن هذا الاجتماع نقطة انطلاق، وأن هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به خلال الأسابيع والأشهر المقبلة لبناء مستقبل مستقر ومزدهر للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء… التنفيذ سيكون أمراً حاسماً".

بايدن القدس
الرئيس الأمريكي جو بايدن – Getty Images

على أية حال، تم عقد الاجتماع وشاركت فيه السلطة الفلسطينية رغم معارضة جميع الفصائل، التي اعتبرته "دون جدوى" في ظل استمرار الممارسات القمعية من الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو بحق الفلسطينيين على جميع الأصعدة.

وبالتالي فإن السؤال الأهم الذي طفا على السطح بمجرد انتهاء اجتماع العقبة والإعلان عن بيانه الختامي هو: هل يمكن تنفيذ تلك "التفاهمات" بالفعل وإعادة "الهدوء" إلى الموقف كما تأمل الإدارة الأمريكية وباقي الوسطاء؟

الإجابة المباشرة جاءت من نابلس بالضفة الغربية المحتلة بينما لا يزال اجتماع العقبة قائماً أو بمجرد انتهائه مباشرة، حيث قال مسؤولون إسرائيليون إن فلسطينياً قتل مستوطنيْن يهوديين اثنين في سيارتهما بالضفة الغربية المحتلة.

ولم تعلن أية جهة مسؤوليتها عن إطلاق النار الذي وقع على طريق مزدحم، غالباً ما يشهد احتكاكات بين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود في الأراضي المحتلة.

وقالت وسائل إعلام إسرائيلية: "إن الضحيتين شقيقان يعيشان في مستوطنة حار براشا، على بعد 8 كيلومترات. وأظهرت لقطات مصورة سيارة الشقيقين وقد اخترقها الرصاص، بينما كانت الفرق الطبية تعالج المصابين مباشرة بعد الهجوم.

ثم اقتحمت مجموعات كبيرة من المستوطنين، في حراسة قوات الاحتلال، قرية حوارة، وبدأت برشق الحجارة وإضرام النار بالأشجار والسيارات، وأفادت مصادر فلسطينية عن احتراق ما لا يقل عن 15 منزلاً وعدد من السيارات، واضطر العديد من العائلات الفلسطينية إلى إخلاء منازلهم.

وفي قرية الزعترة في الضفة الغربية المحتلة، استشهد فلسطيني بطلق ناري أثناء دخول المستوطنين والجنود الإسرائيليين إلى القرية، وفق ما قاله مسؤولون في القطاع الصحي الفلسطيني.

رفض إسرائيلي لتفاهمات العقبة

على المستوى السياسي، أعلن وزراء ومسؤولون إسرائيليون عدم اعترافهم بأية تفاهمات تم الإعلان عنها في اجتماع العقبة. إذ قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش -زعيم اليمين المتطرف في الائتلاف الحاكم بقيادة بنيامين نتانياهو- إنه "لن يكون هناك تجميد بناء وتطوير الاستيطان، ولا ليوم واحد"، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.

وأضاف الوزير على تويتر: "ليس لدي أية فكرة عما تحدثوا أو لم يتحدثوا عنه في الأردن". وتابع: "لكني أعرف شيئاً واحداً.. لن يكون هناك تجميد للبناء والتطوير في المستوطنات، ولا حتى ليوم واحد، إنها تحت سلطتي".

كانت إسرائيل قد منحت، في 12 فبراير/شباط، تصريحاً بأثر رجعي لـ9 مواقع استيطانية للمستوطنين اليهود في الضفة الغربية المحتلة، وأعلنت بناء منازل جديدة داخل المستوطنات القائمة.

وقال مسؤول إسرائيلي كبير إنه لن يطرأ أي تغيير على القرار السابق بشأن ترخيص تلك المواقع الاستيطانية و9500 وحدة سكنية. وقلل نتنياهو نفسه من شأن أي التزام على ما يبدو، قائلاً إن إسرائيل ستواصل بناء المستوطنات تماشياً مع الخطط السابقة. وأضاف: "لن يكون هناك أي تجميد".

إسرائيل
بتسلئيل سموتريتش زعيم حزب الصهيونية الدينية (من اليمين) / رويترز

تنص قرارات للأمم المتحدة والقانون الدولي على أن الاستيطان في الأراضي المحتلة غير شرعي، وتراه دول كثيرة معرقلاً لمساعي تسوية الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين.

وكانت السلطة الفلسطينية قد قررت اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار أممي يدين الاستيطان، لكن إدارة بايدن سعت إلى تفادي ذلك ونجحت تلك المساعي، فسحب محمود عباس القرار قبل التصويت عليه، بناءً على وعود بتجميد مشاريع الاستيطان لعدة أشهر، لكن الواضح أن حكومة تل أبيب لا تعترف بتلك الوعود.

وفي ظل تحدي الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل لإدارة بايدن وللوسطاء الإقليميين من الدول العربية، مثل مصر والأردن، من خلال المضي قدماً في إجراءاتها الاستفزازية تجاه الفلسطينيين، من مداهمات وهدم للمنازل وتوسيع للاستيطان، لا يبدو أن ما تم الإعلان عنه من "تفاهمات" في اجتماع العقبة يمكن تنفيذه على الأرض فعلاً، ما يثير السؤال البديهي: وماذا بعد؟

ماذا عن موقف السلطة الفلسطينية؟

مشاركة السلطة الفلسطينية في اجتماع العقبة أثارت استنكاراً فلسطينياً واسعاً، من جانب الفصائل وحتى من جانب الشارع الفلسطيني نفسه، خصوصاً أن جيش الاحتلال أقدم على ارتكاب جريمة كبيرة باقتحام نابلس، الأربعاء 22 فبراير/شباط، ما أدى إلى استشهاد 11 فلسطينياً وإصابة العشرات، وبالتالي كان لابد من عدم المشاركة، بحسب المواقف المعلنة من جميع الفصائل الفلسطينية.

لكن السلطة شاركت، علماً بأن الهدف الذي يسعى المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، بريت ماكجورك، هو بالأساس تشجيع السلطة على إعادة التنسيق الأمني مع إسرائيل، الذي تم تعليقه في أعقاب إعلان خطط التوسع في الاستيطان والمداهمات الوحشية وهدم المنازل.

وفي هذا السياق، فإن السؤال هو: هل تستطيع السلطة الفلسطينية تحدي الشارع والإعلان عن عودة التنسيق الأمني مع إسرائيل؟ والأهم: هل تستطيع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة محاولة هدم عرين الأسود، أي تلك المجموعات من الشباب الفلسطيني التي تدافع عن نابلس في وجه اقتحامات جيش الاحتلال التي لا تتوقف؟

كما أن مقتل المستوطنين في حوارة بنابلس في هجوم الأحد يشير بوضوح إلى قلة نفوذ السلطة الفلسطينية على المجموعات المسلحة والمهاجمين المنفردين، ويضاف إلى ذلك أن مواقف حكومة نتنياهو تضعف أكثر وأكثر من موقف السلطة الفلسطينية التي اختارت طريق المباحثات رغم التعنت الإسرائيلي الواضح.

وقال سامي أبو زهري المسؤول في حماس لرويترز: "اجتماع العقبة ليس له قيمة ولن يغير من الواقع شيئاً، ولن يفلح في منع شعبنا من الدفاع عن نفسه ومواجهة جرائم حكومة الاحتلال". وعن هجوم حوارة، قالت حماس إن الحادث "رد طبيعي على جرائم الاحتلال… وآخرها مجزرة نابلس".

وبالتالي فإن أي تحرك من جانب السلطة الفلسطينية لمساعدة الإسرائيليين أمنياً في الضفة الغربية المحتلة في مثل هذه الملابسات يعتبر انتحاراً سياسياً بالنسبة للرئيس الفلسطيني، الذي سحب قرار إدانة الاستيطان قبل التصويت عليه، ووافق على مشاركة السلطة في اجتماع العقبة دون الحصول على أي تنازل من جانب حكومة نتنياهو، ولو حتى من خلال التصريحات.

السلطة الفلسطينية
رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس والقيادي في فتح حسين الشيخ – رويترز

أما فيما يتعلق بموقف الإدارة الأمريكية، وكذلك الموقف الأردني والمصري، فالأمر لا يختلف كثيراً في حقيقة الموقف. فعدم قدرة أي من تلك الأطراف على ممارسة ضغوط ذات مغزى على الجانب الإسرائيلي يحد كثيراً من دور الوساطة الذي قد تلعبه أي من تلك الأطراف، ما يعني استمرار التصعيد واقتراب الموقف من نقطة الانفجار، التي يبدو أن منعه (منع الانفجار) هو الهدف الوحيد الكبير الذي يسعى إليه الوسطاء.

الخلاصة هنا هي أن اجتماع العقبة، الذي يصفه البعض بالتاريخي، لا يبدو أنه حقق أي شيء يذكر، فحتى البيان الختامي رفضته حكومة إسرائيل، المصممة على مواصلة ابتلاع الأراضي الفلسطينية المحتلة عبر التوسع في الاستيطان وتهجير الفلسطينيين، فكيف يمكن أن تعيد السلطة الفلسطينية "التنسيق الأمني"؟ وكيف يقبل الفلسطينيون التنازل عن حقوقهم وعن الحق في مقاومة الاحتلال أيضاً دون حتى "وعود" بتجميد الاستيطان؟

تحميل المزيد