تعد الانتخابات الرئاسية في تركيا 2023 هي الأهم في تاريخ البلاد منذ تأسيس الجمهورية قبل 100 عام؛ نظراً لارتباطها بالعديد من الملفات الداخلية والخارجية بالبلاد، لكن لماذا يعتبر الاقتصاد أهم الملفات؟
يعد الاقتصاد أبرز الملفات التي ستحسم الماراثون الانتخابي، الذي لم يتبقَّ عليه إلا قرابة الشهرين، فكيف يمثل الاقتصاد حجر الزاوية في الاختيار بين معسكر الرئيس رجب طيب أردوغان ومعسكر المعارضة بزعامة كليجدار أوغلو؟
فبعد إعلان المعارضة مرشحها لمواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان، في الانتخابات المقررة 14 مايو/أيار 2023، بدأت الصورة تتضح بشأن خريطة تلك الانتخابات، التي لا تنتظرها تركيا فقط، بل تتابعها العواصم الكبرى حول العالم أيضاً.
فقد نشرت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية تقريراً مطلع العام الجاري، عنوانه "الانتخابات الأهم في العالم خلال عام 2023 ستكون في تركيا"، ألقى الضوء على الأسباب والملابسات التي تجعل ذلك السباق الانتخابي بهذه الأهمية، ليس فقط لتركيا، ولكن للعالم أيضاً.
فنتائج الانتخابات التركية، أياً كانت، سوف يكون لها تأثير مباشر على صياغة الحسابات الجيوسياسية في واشنطن وموسكو، إضافة إلى عواصم في أوروبا والشرق الأوسط ووسط آسيا وإفريقيا أيضاً: "ما يحدث في تركيا لن يبقى في تركيا فقط"، كما قال ضياء ميرال، الباحث في معهد خدمات رويال المتحد لدراسات الدفاع والأمن للصحيفة الأمريكية، مضيفاً أن "تركيا قد تكون قوة متوسطة، لكن القوى الكبرى ستتأثر بنتائج الانتخابات في أنقرة".
الاقتصاد.. الورقة الأهم في انتخابات تركيا
كان الرئيس أردوغان قد أعلن رسمياً، يوم الجمعة 10 مارس/آذار، أن موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية سيكون في 14 مايو/أيار، قبل شهر من الموعد المحدد سلفاً، وبعد ثلاثة أشهر فقط من الزلازل المدمرة، التي راح ضحيتها أكثر من 50 ألف شخص، وشرّدت الملايين في جنوب البلاد.
وقال أردوغان في كلمة بثها التلفزيون عقب التوقيع على قرار إجراء الانتخابات "شعبنا سيذهب إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيسه ونوابه في 14 مايو"، بحسب رويترز.
وقال الرئيس التركي إن سبب تبكير موعد الانتخابات هو أن موعدها المقرر في 18 يونيو/حزيران، يتزامن مع اختبارات طلبة الجامعات وعطلة الصيف والسفر للحج.
كانت الزلازل، التي ضربت البلاد يوم 6 فبراير/شباط، قد أثارت التكهنات بشأن احتمال تأجيل الانتخابات، إلا أن الرئيس التركي نفى تلك الشائعات حول تأجيلها إلى موعد أكثر ملاءمة له من الناحية السياسية. وقال الأسبوع الماضي: "نحن لا نختبئ وراء الأعذار". وأكد في اجتماع لمجلس الوزراء: "لن نرتاح حتى تُستأنف الحياة الطبيعية في منطقة الزلزال".
وتُركز المعارضة، بقيادة كليجدار أوغلو، زعيم التحالف المعارض ورئيس حزب الشعب الديمقراطي، أكبر أحزاب المعارضة، على استغلال الأزمة الاقتصادية وارتفاع التضخم، بالإضافة إلى الزلازل التي ضربت تركيا، وأثارت انتقادات لطريقة استجابة الدولة للكارثة، للتشكيك في قيادة أردوغان والفوز بالانتخابات، رغم نفى الحكومة لهذه الانتقادات، وتقديمها الكثير من المساعدات العاجلة لأهالي المنكوبين.
ويعتبر كثيرون أن الانتخابات هي أكبر اختبار سيواجهه أردوغان في حكمه المستمر منذ 20 عاماً، فالانتخابات لن تُحدد مَن سيكون زعيماً لتركيا فحسب، بل ستحدد كيفية حكمها، واتجاه اقتصادها، والدور الذي ربما تضطلع به في تخفيف حدة الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط.
وقال الرئيس التركي إن حملته ستركز على التعافي بعد كارثة الزلازل، ولن تستخدم أي موسيقى؛ احتراماً لذوي القتلى والمصابين. وأضاف أن كل المرشحين للبرلمان من حزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه، سيتعين عليهم تقديم تبرعات "سخية" لصندوق التعافي من الزلزال لدى إدارة الكوارث والطوارئ "آفاد".
وذكر مرسوم نُشر في الجريدة الرسمية، أن الناجين من الزلازل سيحتفظون بحقهم في التصويت إذا انتقلوا من مناطقهم الأصلية، بما يعني أنهم سيتمكنون من التصويت في المدن التي يقيمون فيها حالياً.
وتشير الاستطلاعات إلى أن السباقات ستكون متقاربة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، بينما تعهد تحالف المعارضة بإلغاء كثير من السياسات الاقتصادية التي اتبعها الرئيس أردوغان.
هل تقدّم المعارضة التركية برنامجاً اقتصادياً محدداً؟
عقب اجتماع الإثنين، 6 مارس/آذار، أعلنت "الطاولة السداسية" في تركيا خارطة طريق مكونة من 12 مادة لإدارة البلاد بعد الانتخابات، وجاءت تلك البنود على النحو التالي: 1- ستُدار تركيا في المرحلة الانتقالية عبر التشاور والتوافق، في ضوء مبادئ وأهداف النظام البرلماني المعزز، والنصوص المرجعية التي اتفقنا عليها، وفي إطار الدستور والقانون، وفصل السلطات وأسس الموازنة والمراقبة.
2- سيتم الانتهاء من التعديلات الدستورية المتعلقة بالانتقال إلى النظام البرلماني المعزز، لتدخل حيز التنفيذ في أقرب وقت ممكن، تحت مظلة البرلمان الذي سيتشكل عقب الانتخابات. 3- سيكون رؤساء الأحزاب الخمسة الأخرى نواباً لرئيس الجمهورية خلال المرحلة الانتقالية.
4- سيكون توزيع الحقائب الوزارية بين الأحزاب السياسية المشكّلة لتحالف الأمة وفقاً لعدد نواب هذه الأحزاب المنتخبة في الانتخابات البرلمانية، بينما ستكون حقيبة وزارية على الأقل تمثل كل حزب من هذه الأحزاب في الحكومة، في حين سيتم إلغاء مكاتب ومجالس السياسات العائدة لرئاسة الجمهورية، والتي تم تأسيسها بالتوازي مع الوزارات.
5- تعيين وإلغاء الوزراء سيكون من خلال التشاور مع رؤساء الأحزاب التي يتبع لها الوزراء. 6- يستخدم رئيس الجمهورية سلطته التنفيذية خلال المرحلة الانتقالية، وفقاً لمبادئ المشاركة والتشاور والإجماع. 7- يتم توزيع صلاحيات ومهام مجلس الوزراء ونواب الرئيس من خلال مرسوم رئاسي في إطار الدستور والقوانين.
8- سيتخذ رئيس الجمهورية قرارات إعادة الانتخابات، وإعلان حالة الطواري، وسياسات الأمن القومي، والقرارات الرئاسية، والإجراءات التنظيمية العامة، والتعيينات في المناصب العليا، بالتوافق مع قادة الأحزاب في تحالف الأمة.
9- سيتم إنشاء آليات لتنسيق التعاون في العملية التشريعية خلال المرحلة الانتقالية. 10- ستنتهي عضوية رئيس الجمهورية الحزبية- إن كانت موجودة- بمجرد استكمال عملية الانتقال إلى النظام البرلماني المعزز. 11- بعد الانتقال إلى النظام البرلماني المعزز سيواصل رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان مهامهم، دون الحاجة إلى إعادة الانتخابات. 12- سيتم تعيين رئيسي بلدية أنقرة وإسطنبول نائبين لرئيس الجمهورية، في الوقت الذي يراه الرئيس مناسباً، وضمن واجبات محددة.
لكن رغم أهمية الاقتصاد في هذا السباق الانتخابي، فإنه يلاحظ خلو هذه البنود التي أعلنتها المعارضة من أي شيء يتعلق بالاقتصاد أو التغييرات التي سيدخلها كليجدار أوغلو وتحالفه المعارض، حال نجاحه في الفوز بتلك الانتخابات.
هل يؤدي فوز المعارضة إلى انتعاش الاقتصاد فعلاً؟
اللافت هنا هو أن كثيراً من المؤسسات المالية الغربية تنشر تقارير تروج لفكرة أن فوز المعارضة في الانتخابات التركية سيصبّ في صالح الاقتصاد التركي. ونشرت وكالة Bloomberg الأمريكية تقريراً يقول إن مجموعة فانغارد الأمريكية ترى إمكانات مستقبلية كبيرة لسوق السندات التركية، في حالة فوز المعارضة وهزيمة حزب التنمية والعدالة، الذي يتزعمه الرئيس أردوغان.
نيك إيسينغر، الذي يشغل منصب الرئيس المشارك لأدوات الدخل الثابت النشطة في مجموعة فانغارد، التي تُدير أصولاً قيمتها نحو 7.1 تريليون دولار، صرح بأن المجموعة تُغلق بعض مراكزها المالية غير المبشرة في تركيا، وذلك قبيل الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وقال إيسينغر في مقابلةٍ مع وكالة Bloomberg الأمريكية بلندن: "قد تتحول السندات التركية إلى صفقةٍ رابحةٍ للغاية في حال خسارة أردوغان. أما في حال فوز أردوغان، فمن المحتمل أن يواصل نفس سياساته غير المألوفة المتعلقة بأسعار الفائدة وتمديد التسهيلات الائتمانية، ومن المحتمل أن تظل فجوة التمويل الخارجي كبيرة".
ويتبع الرئيس التركي سياسة اقتصادية مخالفة لسياسة صندوق النقد والبنك الدولي، والتي تعتمد على تقليل سعر الفائدة في البنوك، من أجل ضخ الأموال في الاقتصاد، ما سيعود بالنفع المباشر على قطاع كبير من العمالة التركية، بينما تركز السياسات الاقتصادية الأخرى على منح مزيد من المكاسب للبنوك ورجال الأعمال فقط.
بينما يشير إيسينغر إلى حفاظ البنك المركزي التركي على تثبيت أسعار الفائدة عند نسبةٍ منخفضة منذ عام 2018. وتمثلت الآثار الجانبية لتلك السياسة في ارتفاع التضخم، وضعف العملة، وتراجع الطلب على أدوات الاستثمار المُقوّمة بالليرة. ما دفع الأجانب إلى الخروج من السوق.
ويعتقد البعض أن القوى الغربية تحاول التدخل في نتائج الانتخابات التركية عبر بوابة الاقتصاد، والحديث عن أن سياسات أردوغان الاقتصادية هي السبب في تراجع الاقتصاد، رغم نجاح هذه السياسة حتى الآن في كبح جماح التضخم ونمو قطاع التصنيع بشكل كبير في البلاد.
وتفوق أداء السندات الدولارية التركية على غيرها في العام الجاري حتى الآن، مع ارتفاع عائد السندات الأطول أجلاً بنسبة 3.6%، مقارنةً بمتوسط 0.4% على مؤشر بلومبرغ للسندات السيادية في الأسواق الناشئة. بينما ارتفع صندوق ديون فانغارد للأسواق السيادية بنسبة 1.2% عام 2023، وبنسبة 17% على مدار السنوات الخمس الماضية، وفقاً للبيانات التي جمعتها وكالة Bloomberg.
ورغم أن استطلاعات الرأي الحالية تشير إلى أن السباق الانتخابي الرئاسي سيكون محتدماً للغاية هذه المرة، فإن الانشقاقات الأخيرة في صفوف التحالف المعارض قد تصب في صالح الرئيس أردوغان.
لكنّ استطلاعين صدرا في الأيام القليلة الماضية، أظهرا أن المعارضة لم تحصل على تأييد جديد، بما يعود جزئياً إلى افتقارها إلى وجود خطة ملموسة لإعادة بناء المناطق التي دمرها الزلزال. وقال أوزر سنجار، رئيس شركة ميتروبول لإجراء الاستطلاعات، لرويترز "لم يتسبب الزلزال في إضعاف الحكومة بالقدر الذي كانت المعارضة تتوقعه".
وقال محمد علي كولات، رئيس شركة إم.إيه.كيه لإجراء الاستطلاعات، إن أردوغان سارع بالتعهد بإعادة بناء المنازل، وهو تعهد من المرجح أن يساعده في الاحتفاظ بتأييد الناخبين. وأضاف كولات "حينما يمر الناس بكارثة مثل تلك نرى ردود الأفعال النفسية لعدة أيام، وتكون موجهة إلى الحكومة. وبمجرد مرور 15 أو 20 يوماً، يبقون أقرب من أي فرد يتعهد بإعادة بناء منازلهم أو أماكن عملهم المنهارة، ربما يشكل ذلك أفضلية للحكومة".