قانون الهجرة الجديد في بريطانيا.. ما تفاصيله، وكيف سيؤثر على المهاجرين وطالبي اللجوء؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/03/09 الساعة 10:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/10 الساعة 18:53 بتوقيت غرينتش
مهاجرون في بريطانيا - رويترز

تواصل حكومة بريطانيا مساعيها لتمرير مشروع قانون جديد تقول إنه يهدف إلى مكافحة الهجرة غير الشرعية، فما تفاصيله؟ وكيف يمكن أن يؤثر على المهاجرين وطالبي اللجوء؟

يأتي هذا التحرك من جانب الحكومة البريطانية بينما يزداد الجدل بشأن المعاملة غير الإنسانية التي تطبقها بريطانيا على المهاجرين مع تكشُّف الظروف البشعة التي يُحتجزون فيها ضمن مراكز اللجوء قبل ترحيلهم إلى رواندا.

ومنذ أن طرحت الحكومة البريطانية استراتيجيتها المثيرة للجدل بشأن ترحيل المهاجرين وطالبي اللجوء إلى إحدى الدول الإفريقية حتى يتم البتّ النهائي في أوضاعهم، تتعرض لندن لانتقادات عنيفة من منظمات حقوق الإنسان بشأن المعاملة غير الإنسانية التي يواجهها المهاجرون في مراكز اللجوء البريطانية.

ويحاول رئيس الوزراء، ريشي سوناك، أن يتفادى عاصفة الانتقادات بشأن هذه القضية، التي تزداد حدتها يوماً بعد يوم، رغم أنه أحد أبناء مهاجرين ومتزوج بابنة ملياردير هندي. فسوناك، البالغ من العمر 42 عاماً، من مواليد عام 1980 في مدينة ساوثهامبتون، وترجع أصول عائلته إلى الهند؛ حيث هاجر أجداده من ولاية البنجاب الهندية إلى شمال إفريقيا في بداية الأمر، ثم هاجر والداه إلى بريطانيا في ستينيات القرن الماضي. وكان والده يعمل طبيباً بينما كانت والدته تمتلك وتدير صيدلية.

ما تفاصيل قانون الهجرة الجديد في بريطانيا؟

صحيفة The Guardian البريطانية نشرت تقريراً يرصد البنود المقترحة في مشروع القانون الجديد لمكافحة الهجرة غير الشرعية في البلاد، وكيف يمكن أن يؤثر على المهاجرين، هذا في حال تم إقراره من الأساس.

وكان عام 2022 قد شهد عبور 45755 رجلاً وامرأة وطفلاً القناة الإنجليزية الفرنسية للوصول إلى بريطانيا، وطالب معظمهم باللجوء. وبلغ عدد العابرين للقناة خلال الشهرين الماضيين ما يقرب من 3 آلاف شخص، وتتوقع تقديرات رسمية أن يتجاوز العدد 80 ألف شخص هذا العام.

وتعهّد سوناك بإنهاء ظاهرة وصول المهاجرين غير الشرعيين عبر القوارب الصغيرة، لكن منتقدين، منهم وزراء سابقون في حزب المحافظين، قالوا إن مساعيه محكوم عليها بالتوقف، لأن معارضيها سيطعَنون عليها في محاكم الاتحاد الأوروبي، ومن ثم فهو يستخدم القضية استخداماً دعائياً لمهاجمة خصومه من حزب العمال ضمن الدعاية الانتخابية العامة.

وإذا أُقرَّ مشروع القانون الجديد، فإن كل من يصل على متن القوارب الصغيرة سيكون طلب لجوئه "مرفوضاً" على نحو تلقائي، ولن تنظر وزارة الداخلية أيضاً في طلبات اللاجئين القادمين من بلاد مزقتها الحرب، مثل أفغانستان وسوريا، أو اللاجئين بدعوى التعرض للاضطهاد، مثل النساء القادمات من إيران.

تنوي الحكومة بموجب القانون الجديد ترحيلَ هؤلاء اللاجئين إما إلى بلدهم وإما إلى "بلد ثالث آمن لهم" إذا لم تكن عودتهم إلى بلادهم ممكنة. ومع ذلك لم تكشف الحكومة عن المكان الذي سترسل إليه عشرات الآلاف من المهاجرين الذين عبروا القناة وهم محتجزون في بريطانيا بالفعل.

بريطانيا طالبي اللجوء
اللاجئون في بريطانيا يخشون من ترحيلهم إلى رواندا – Getty Images

نصف من عبروا القناة العام الماضي جاءوا من أفغانستان أو إريتريا أو إيران أو السودان أو سوريا. ونحو 80% من موافقات اللجوء تُمنح للقادمين من هذه البلدان.

ويقول مسؤولون بالحكومة إنهم يخططون حالياً لإرسال أغلب من يصلون عبر القوارب الصغيرة إلى رواندا، لكن هذه المساعي تواجه اعتراضات في المحاكم. لكن حتى إن بدأت الحكومة في تنفيذ هذه الخطة، فيُتوقع أن تنقل نحو 200 شخص فقط ممن تنطبق عليهم الشروط، فضلاً عن أن اتفاقيات الإرجاع الموقعة مع فرنسا والاتحاد الأوروبي لم تعد سارية منذ مغادرة بريطانيا للاتحاد.

هل يتوافق مشروع القانون مع تشريعات حقوق الإنسان؟

لم تتمكن سويلا برافرمان، وزيرة الداخلية البريطانية، يوم الثلاثاء 7 مارس/آذار من تأكيد ما إذا كان مشروع القانون متوافقاً مع الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، أم لا. لكن الحكومة أدخلت ما يسمى البند 19 (1) (ب) في مشروع القانون، والذي يشير إلى أنها تنوي تحمُّل المسؤولية عن القانون، وليست وزيرة الداخلية بمفردها، ما يعني عزمها على المضيّ قدماً في خطوات السعي إلى إقراره.

وصف ألكسندر هورن، المحامي والبرلماني السابق، إدخال هذا البند بأنه "مشكلة كبيرة؛ لأننا إذا تعاملنا بموجب هذا البند، فإن ما نفعله في نهاية الأمر هو القول إن المحاكم المحلية ستصدر أحكاماً بعدم التوافق مع الاتفاقية الأوروبية، لكنه تشريع أساسي فلا يمكنهم نقضه، وهم مضطرون إلى مجاراته"، لكن معارضي القانون سيذهبون إلى ستراسبورغ (المحكمة الأوروبية)، وسيبدو الأمر كأنك تفرض عليهم إما قراءة الاتفاقية بهذه الطريقة وإما رفضها، ومن ثم فأنت "تستفزهم للنزاع مع بريطانيا".

وأوضح هورن أن الحق في الحياة الأسرية (المادة 8 من الاتفاقية الأوروبية) أحد  أبرز الحقوق التي يتوقع أن يتضمن مشروع القانون البريطاني تعارضاً معها، وإن كان المشروع قد يثير النزاع بشأن بنود أخرى في الاتفاقية الأوروبية مثل حظر المعاملة المهينة واللاإنسانية (المادة 3).

بريطانيا
وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان – رويترز

وقال تشارلي ويلتون، الخبير في شؤون السياسات والحملات الانتخابية، إن هناك شكوكاً بأن الحكومة تسعى إلى استثارة الخلافات مع "المحامين اليساريين" والمحكمة الأوروبية لمجرد الدعاية، ثم تلقي باللوم بعد ذلك في عدم تنفيذ الإجراءات على المحكمة التي رفضت مشروع القانون.

واستبعد هورن إقرار مشروع القانون قبل الانتخابات القادمة، قائلاً إن "(ريشي سوناك) يفعل ذلك لتصدُّر عناوين الأخبار. والحكومة تفعل ذلك لأنها ترى أن الخلاف مع المحكمة الأوروبية دعاية يمكن استخدامها لاستدرار الحديث عن الخلافات مع أوروبا".

ما المسارات المفتوحة لمن يطلبون اللجوء في بريطانيا؟

قال مساعدو وزيرة الداخلية إن مشروع القانون يترك الباب مفتوحاً أمام "مسار عالمي" جديد تُديره مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

ورغم أن المعلومات عن تفاصيل هذا المسار لا تزال شحيحة، إلا أن برافرمان أخبرت نواب البرلمان بأن الحكومة ستضع حداً أقصى، يحدده البرلمان، لعدد اللاجئين الذين سيُقبل لجوءهم وإعادة توطينهم في بريطانيا بطرقٍ آمنة وقانونية "بمجرد القضاء على ظاهرة الهجرة عبر القوارب"، وقالت إن ذلك "سيضمن إقرار منظومةٍ منهجية، تأخذ في اعتبارها قدرات السلطات المحلية فيما يتعلق بالإسكان والخدمات العامة والدعم".

ومن الجدير بالذكر أن النظام الحالي يقتضي بأن يكون المتقدِّم لطلب اللجوء إلى بريطانيا موجوداً فيها بالفعل.

أين سيُحتجز المهاجرون القادمون بالقوارب؟

يقول القانون الجديد إن من يصل إلى بريطانيا بطريق غير نظامي -أي بالقوارب الصغيرة عبر القناة، أو في شاحنات التهريب- سيُحتجز مدة 28 يوماً. وذكرت صحيفة The Times إن الحكومة تخطط لاحتجاز المهاجرين غير الشرعيين في قاعدة سابقة لسلاح الجو الملكي البريطاني في إسيكيس، وفي قاعدة عسكرية أخرى بمقاطعة لينكولنشاير.

ومع ذلك، يقول خبراء إن القاعدتين العسكريتين لن تستوعبا العدد الكبير من الأشخاص الذين سيُحتجزون إذا أقرت بريطانيا هذا القانون.

القوانين الحالية تُجيز احتجاز المهاجرين لأغراض التحقق من الهوية أو للنظر في ترحيلهم خلال إطار زمني معقول. وقد وصل عدد المحتجزين في بعض أوقات عام 2022 إلى إجمالي 20446 شخصاً. وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن نسبة 47% من المحتجزين اعتقلوا مدة 7 أيام أو أقل.

بريطانيا سوناك
ريشي سوناك رئيس وزراء بريطانيا / GettyImages

تشير تقديرات مجلس اللاجئين البريطاني إلى أن عدد الأشخاص الممكن استيعابه حالياً في أماكن الاحتجاز يبلغ 2286 شخصاً، لذا فإن كل شخص زائد على هذا العدد مدة 28 يوماً (بموجب القانون المقترح) يتطلب احتجازه سعة إضافية. غير أن التكاليف ستكون كبيرة جداً -فاحتجاز شخص واحد يكلف 120 جنيهاً إسترلينياً (142 دولاراً أمريكياً) في اليوم، أي إن احتجاز 65 ألف شخص مدة 28 يوماً يكلِّف 219 مليون جنيه إسترليني (259 مليون دولار) سنوياً- وهذا كله قبل حساب التكاليف الإضافية لبناء المزيد من مراكز الاحتجاز.

ماذا سيحدث للمهاجرين الذين لا يمكن ترحيلهم؟

تنص القوانين الحالية، التي فُرضت قبل عامين، على أن الحكومة لا يمكنها رفض طلب اللجوء رفضاً نهائياً إلا إذا كان المتقدم يمكنه طلب اللجوء في مكان آخر، ولم تتمكن وزارة الداخلية من تأمين ترحيله إلى بلد آخر.

ومن بين 12286 حالة سعت فيها وزارة الداخلية إلى رفض طلب اللجوء بموجب هذه العملية، فإنها لم تتمكن من إثبات جدارة الطلب بالرفض التام إلا في 83 حالة، أي بمعدل يبلغ 0.7 % فقط.

والحال كذلك، فإنه إذا تمكن 65 ألف شخص من عبور القناة بعد تطبيق التشريع الجديد وحاولت الحكومة رفض طلباتهم جميعاً، فإن من ستنطبق عليهم شروط الرفض منها لن يتجاوز 455 مهاجراً (نسبة 0.7%)، وفقاً للبيانات الصادرة عن مجلس اللاجئين.

يعني ذلك أن 64545 شخصاً سيعلقون في غياهب النسيان، فالحكومة لا يمكنها ترحيلهم ولا تُعالج طلبات لجوئهم في بريطانيا، وهم عاجزون عن العمل، ولا يحصلون على الدعم. ولم تقل الحكومة ماذا ستفعل معهم.

ومع ذلك، يزعم مسؤولو الحكومة أن عدد العالقين لن يكون بالآلاف لأن أعداد اللاجئين ستنخفض فور إقرار القانون الجديد وإبعاد المهاجرين بسرعة وفقاً للإجراءات الجديدة.

تحميل المزيد