وضع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي 10 شروط لإنهاء الحرب، بينما أعلنت روسيا شروطها، فإلى أي مدى يمكن التقريب بين البلدين المتحاربين، وما موقف الرئيس الأمريكي جو بايدن؟
ويرى أغلب المراقبين والمحللين الاستراتيجيين، وحتى المسؤولين العسكريين، أن فصل الشتاء الحالي هو آخر فرصة لإيقاف الحرب في أوكرانيا قبل أن تتحول إلى صراع ممتد يحصد ملايين الأرواح، فانتصار أي من الطرفين في الميدان شبه مستحيل، مما يطرح تساؤلات بشأن مستقبل الصراع الجيوسياسي الذي أصابت شظاياه الكارثية جميع دول العالم.
إذ إن الهجوم الروسي، الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة" بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر"، قد دخل شهره الحادي عشر دون مؤشرات على قرب التوصل لاتفاق سلام يُنهي الحرب الأكبر في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
ما البنود العشرة التي وضعها زيلينسكي؟
صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية نشرت تقريراً رصد تفاصيل خطة زيلينسكي للسلام، وهي الخطة المكونة من 10 نقاط والتي لا يزال الرئيس الأوكراني يروج لها بحماس بعد أن ناقشها مع بايدن وزعماء غربيين آخرين، حتى إنه يحثَّ قادة العالم على عقد قمة سلام عالمية للبناء عليها.
كان زيلينسكي قد أعلن عن الخطوط العريضة لخطته للسلام بالقمة الدولية التي عُقدت في إندونيسيا في نوفمبر/تشرين الثاني لدول مجموعة العشرين الاقتصادية الكبرى، وتتكون الخطة الأوكرانية لإنهاء الحرب من البنود التالية:
1- السلامة من المواد النووية والإشعاعية؛ وتتضمن التركيز على استعادة الأمن حول أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا، أي محطة "زاباروجيا" الأوكرانية، التي تحتلها روسيا الآن.
2- الأمن الغذائي؛ ويشمل هذا البند حماية صادرات الحبوب الأوكرانية إلى الدول الفقيرة في العالم وضمان استمرارها.
3- أمن الطاقة؛ ويتضمن الاستمرار في فرض قيود الأسعار على موارد الطاقة الروسية، ومساعدة أوكرانيا في استعادة بنيتها التحتية للطاقة، لا سيما وقد تضرر نصفها من الهجمات الروسية.
4- الإفراج عن جميع الأسرى والمهجَّرين، ومنهم أسرى الحرب والأطفال المُبعدون إلى روسيا.
5- استعادة وحدة الأراضي الأوكرانية، وإقرار روسيا بذلك وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، وهو أمر قال زيلينسكي إنه "لا يخضع للتفاوض".
6- انسحاب القوات الروسية ووقف الأعمال العدائية واستعادة حدود الدولة الأوكرانية مع روسيا.
7- إنفاذ العدالة؛ ويتضمن ذلك إنشاء محكمة خاصة لمحاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب الروسية.
8- التصدي للإبادة البيئية؛ ويتضمن ذلك حماية البيئة، مع التركيز على إزالة الألغام وترميم مرافق معالجة المياه.
9- منع تصعيد الصراع، وبناء هيكل أمني للفضاء الأوروبي الأطلسي، يشمل ضمانات أمنية لأوكرانيا.
10- التصديق على انتهاء الحرب، ويتضمن وثيقة موقعة بذلك من الأطراف المعنية.
ماذا عن شروط روسيا؟
من جانبها، رفضت روسيا خطة زيلينسكي المقترحة للسلام وأكدت موسكو أنها لن تتخلى عن أي أراضٍ استولت عليها بالقوة، إذ نقلت وكالة تاس الرسمية للأنباء عن وزير الخارجية سيرغي لافروف قوله الإثنين 26 ديسمبر/كانون الأول: "يعلم العدو جيداً مقترحاتنا لنزع السلاح والقضاء على النازية في الأراضي التي يسيطر عليها النظام وإزالة التهديدات النابعة من هناك لأمن روسيا، بما في ذلك أراضينا الجديدة".
وأضاف لافروف: "الأمر بسيط: نفذوه من أجل مصلحتكم وإلا فإن الجيش الروسي سيحسم الأمر"، مكرراً وجهة نظر موسكو في أن أوكرانيا هي أداة الغرب العازم على "إضعاف" روسيا "أو حتى تدميرها".
الشروط الروسية لوقف الحرب تتمحور، بشكل عام، حول بنود أساسية، منها تعديل الدستور الأوكراني بحيث يتضمن نبذ الانضمام لأي تكتل عسكري، ووقف العمليات العسكرية والاعتراف بشبه جزيرة القرم ودونيتسك ولوغانسك وخيرسون وزاباروجيا كأراضٍ روسية. وكذلك نزع كافة أنواع الأسلحة في أوكرانيا والقضاء على النزعات "النازية والقومية والشوفينية" فيها.
ويقول بعض المراقبين الروس، إن شروط الكرملين تملك في ثناياها حيثيات غير مذكورة بشكل مباشر لكنها تعزز من الشروط الأساسية، وتعطي هامشاً إضافياً للمناورة، للفريق الروسي المفاوض.
وقال المختص في شؤون بلدان رابطة الدول المستقلة، يفغيني إيسايف، بحسب موقع الجزيرة، إن الموقف الروسي يسعى إلى تحقيق مطالب أبرزها، الاعتراف بسيادة واستقلال المناطق الخمس التي انضمت إلى روسيا في عامي 2014 و2022 كأجزاء مكونة من الاتحاد الروسي، وبالتالي اعتراف كييف بالحدود الجديدة الناشئة نتيجة لذلك بين روسيا وأوكرانيا.
كما تريد موسكو أن تتخلى أوكرانيا عن حيازة ونشر الأسلحة النووية، ووسائل إيصالها من الدول الأجنبية، والامتناع عن إقامة قواعد أجنبية على أراضيها، وتضمين ذلك في الدستور الأوكراني.
ثالثاً: عدم إطلاق أوكرانيا النار على محطات الطاقة النووية أو المنشآت المدنية التي تستخدم مواد مشعة لأغراض علمية، والامتناع عن الحصول على أي أنواع من أنظمة الدفاع الصاروخي الأجنبية أو أي أنظمة تفوق سرعة الصوت.
رابعاً: حل جميع الجماعات والتشكيلات "النازية الجديدة، والقومية المتطرفة" على أراضي أوكرانيا، والحد من عدد القوات المسلحة لأوكرانيا إلى ما مجموعه 50 ألفاً من أفراد القوات البرية والجوية والبحرية.
خامساً: حرمان أوكرانيا من إمكانية شن "عدوان أو هجوم واسع النطاق على البلدان المجاورة، على سبيل المثال، روسيا وبيلاروسيا".
سادساً: ضمان قيام الجانب الأوكراني بدفع تعويضات "لجميع مواطني الاتحاد الروسي، بما فيها الخمسة أقاليم الجديدة، عن الخسائر في الأرواح، والإصابات، والتدمير الجزئي أو الكامل لمنازلهم، فضلاً عن البنية التحتية الحيوية، بدءاً من نهاية فبراير/شباط 2014".
سادساً: قيام كييف بتسديد جميع الديون والقروض المالية والتجارية والاقتصادية التي تم اقتراضها من روسيا منذ عام 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.
ماذا عن موقف بايدن؟ وماذا يعني ذلك للتسوية؟
أثناء زيارة زيلينسكي إلى واشنطن في 22 ديسمبر/كانون الأول، اكتفى بايدن في تصريحاته العلنية بالقول إنه وزيلينسكي "يشتركان في رؤية السلام نفسها" وإن الولايات المتحدة متمسكة بضمان قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها.
لكن إدارة بايدن تواصل تقديم المساعدات العسكرية الضخمة إلى أوكرانيا، ووافقت مؤخراً على إمداد كييف بأنظمة باتريوت للدفاع الجوي، كما وافق الكونغرس على حزمة مساعدات جديدة قيمتها نحو 45 مليار دولار، تضاف إلى أكثر من 50 مليار دولار أخرى أرسلت بالفعل إلى أوكرانيا، مما يشير إلى أن الحرب قد لا تضع أوزارها قريباً.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد اتهم واشنطن، والغرب عموماً، برفض التفاوض لإنهاء الحرب، وأكد أن بلاده ستحقق أهدافها في نهاية المطاف: "أعتقد أننا نتحرك في الاتجاه الصحيح، ندافع عن مصالحنا الوطنية ومصالح مواطنينا وشعبنا. وليس لدينا خيار آخر غير حماية مواطنينا".
وأضاف بوتين أن الغرب بدأ الصراع بأوكرانيا في 2014 عندما أطاح بالرئيس الموالي لروسيا في احتجاجات عُرفت باسم ثورة الميدان. وبعدها بفترة وجيزة ضمت روسيا القرم من أوكرانيا وبدأت قوات انفصالية مدعومة من موسكو القتال ضد القوات المسلحة الأوكرانية في شرق البلاد.
وقال بوتين: "في الحقيقة الأمر الجوهري هنا هو أن السياسة التي يتبعها خصومنا السياسيون تهدف إلى تدمير روسيا.. روسيا التاريخية". ويصور بوتين تحركات بلاده في أوكرانيا على أنها "عملية عسكرية خاصة"، وأنها كانت لحظة فارقة قررت فيها موسكو أخيراً التصدي لتكتل غربي يقول إنه يسعى لتدمير روسيا منذ سقوط الاتحاد السوفييتي في 1991.
حديث بوتين يستحضر جذور الأزمة الأوكرانية، التي هي بالأساس أزمة جيوسياسية تفجرت منذ نحو عقدين من الزمان، فكييف تريد أن تصبح جزءاً من المعسكر الغربي وتنضم إلى حلف الناتو، بينما ترى موسكو في ذلك تهديداً مباشراً لأمنها القومي، كما أن واشنطن كانت قد قدمت وعداً للكرملين قبل ثلاثة عقود، بأن حلف الناتو لن يتوسع شرقاً في أوروبا وهو ما لم يحدث بالطبع، إذ تمدد الحلف الغربي شرقاً بأكثر من 965 كم.
الدستور الأوكراني نفسه، ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي واستقلال أوكرانيا عام 1991، كان ينص على أن "أوكرانيا دولة محايدة"، لكن تم تغيير تلك الصفة في الدستور عام 2019 لفتح الباب أمام كييف للاندماج أكثر مع المعسكر الغربي والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
فالرئيس الأوكراني الحالي يرفض فكرة "الحياد" ويرى أن الضمان الوحيد لأمن أوكرانيا وسلامة أراضيها في مواجهة ما يراها "الأطماع الروسية" يكمن في الانضمام لحلف الناتو، حتى تتمتع بلاده بمظلة الحماية الغربية. لكن اجتياح القوات الروسية لأوكرانيا خلط الأوراق بالنسبة للرئيس الذي كان لا علاقة له بالسياسة قبل أعوام قليلة.
إذ كان زيلينسكي يعمل ممثلاً كوميدياً وبدأت علاقته بالسياسة من باب الفن منذ عام 2015، عندما بدأ في تقديم أعمال تنتقد الأوضاع السياسية في أوكرانيا، وبصفة خاصةٍ الفساد المستشري في البلاد، إذ تصنف أوكرانيا كواحدة من أكثر بلاد العالم فساداً.
وقدّم زيلينسكي مسلسلاً كوميدياً بعنوان "خادم الشعب"، لعب فيه دور مدرس تاريخ في مدرسة ثانوية يتمتع بشخصية جريئة وينتقد الفساد في أوكرانيا ويسخر من السياسيين وطبقة رجال الأعمال. حقق المسلسل شعبية هائلة، فحوّله زيلينسكي، برعاية أحد كبار رجال الأعمال الأوكرانيين، إلى حزب سياسي يحمل الاسم نفسه "خادم الشعب"، وترشح في الانتخابات الرئاسية عام 2019 ليفوز بها بأغلبية كبيرة.
لكن إذا كان الغرب سيواصل استراتيجيته الحالية في دعم أوكرانيا لضمان ألا تحقق روسيا انتصاراً حاسماً في أرض المعركة، فإن قائد هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي، الجنرال مارك ميلي، قد أكد مؤخراً على استحالة تحقيق الجيش الأوكراني انتصاراً عسكرياً هو الآخر، مما يعني أن عدم التوصل لاتفاق سلام خلال فصل الشتاء الحالي قد يؤدي إلى صراع ممتد ومرير.
وفي ظل الهوة الشاسعة بين شروط زيلينسكي للسلام ومطالب روسيا لوقف الحرب، يبدو أن هذا السيناريو السيئ لجميع الأطراف هو الأكثر احتمالاً حتى اللحظة. وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد أعلن أن احتمال إجراء محادثات سلام في أي وقت قريب احتمال ضعيف. وقال هذا الشهر: "أرى أن المواجهة العسكرية ستستمر، وأظن أنه لا يزال يتعين علينا الانتظار لوقتٍ يمكن فيه إجراء مفاوضات جادة من أجل السلام".