انتصار عسكري أوكراني على روسيا بمساعدة الأمريكيين.. ما مدى واقعية هذا السيناريو؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/04/11 الساعة 20:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/04/12 الساعة 07:57 بتوقيت غرينتش
دبابة روسية تم الاستيلاء عليها من قبل القوات الأوكرانية - رويترز

"أوكرانيا ستنتصر ولن نتنازل عن شبر واحد من أراضينا".. يردد الرئيس فولوديمير زيلينسكي هذه الرسالة، بشكل مكثف، خلال إطلالته اليومية عبر الفيديو مع برلمانات ووسائل إعلام الدول الغربية، فهل يمكن أن تتعرض روسيا لهزيمة عسكرية بالفعل؟

الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه عملية عسكرية خاصة ويصفه الغرب بالغزو، كان قد بدء يوم 24 فبراير/شباط الماضي، وحاصرت القوات الروسية جميع المدن الأوكرانية الكبرى دون أن تتمكن من السيطرة على أي منها بشكل كامل، لأسباب تختلف باختلاف الطرف المتحدث. فموسكو تقول إن السبب هو السعي من جانب قواتها لتفادي سقوط المدنيين، بينما تقول كييف والغرب إن السبب هو شراسة المقاومة وفشل الجيش الروسي عسكرياً.

وقبل الدخول إلى محاولة الإجابة عن السؤال الأساسي في هذا التقرير وهو: هل يمكن أن تنتصر أوكرانيا على روسيا عسكرياً؟ من المهم تأكيد الحقيقة الوحيدة المؤكدة بشأن هذه الحرب، وهي أن هناك شبه استحالة في التأكد من أي شيء يقوله أي من أطراف الصراع، سواء الطرفان المباشران روسيا وأوكرانيا، أو الأطراف غير المباشرة كالغرب بزعامة الولايات المتحدة.

إلى أين وصلت الأمور عسكرياً داخل أوكرانيا؟

أفادت القوات المسلحة الأوكرانية، الإثنين 11 أبريل/نيسان، بأنها تتأهب لمواجهة هجوم روسي جديد، في الوقت الذي هزت فيه انفجارات قويةٌ المدن في الجنوب والشرق. كما ذكرت وسائل الإعلام الأوكرانية، الأحد، أن سلسلة من الانفجارات القوية سُمعت في مدينة خاركيف بشمال شرقي البلاد وفي ميكولايف بالقرب من البحر الأسود في القطاع الجنوبي من البلاد، بحسب ما نقلته وكالة رويترز.

وقال فالنتين ريزنيشنكو حاكم منطقة دنيبروبتروفسك بوسط أوكرانيا، إن قصفاً صاروخياً أدى إلى تدمير المطار في مدينة دنيبرو، بينما قالت وزارة الدفاع الروسية إن صواريخ عالية الدقة دمرت خلال ليل الأحد-صباح الإثنين، مقر كتيبة دنيبرو الأوكرانية في بلدة زفونيتسكي. ولم يتسنّ لـ"رويترز" التأكد من صحة التقارير.

كما نقلت وكالة الإعلام الروسية عن زعيم منطقة دونيتسك الانفصالية قوله، الإثنين، إن المنطقة التي تدعمها روسيا ستكثف معركتها ضد القوات الأوكرانية، ونقلت الوكالة عن دينيس بوشلين، رئيس جمهورية دونيتسك الشعبية التي أعلنت نفسها، قوله: "الآن سيتم تكثيف العملية"، مضيفاً: "كلما تأخرنا أكثر، زادت معاناة السكان المدنيين… لقد حددنا المناطق التي يجب تسريع خطوات معينة فيها".

وتشير التصريحات والتحركات على الأرض إلى أن القوات الروسية تستعد لتكثيف هجماتها في شرق وجنوب أوكرانيا، بعد أن سحبت قواتها من الجزء الغربي من البلاد ومن حول العاصمة كييف، وهو الإجراء الذي تزامن الأسبوع الماضي، مع تقدم المفاوضات الهادفة إلى التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار.

لكن بعد أن انسحبت القوات الروسية من بعض المناطق حول كييف، تفجرت قضية "جرائم الحرب في بوتشا" وهي المزاعم التي أطلقتها كييف وواشنطن الحلفاء الغربيون، بينما نفتها موسكو واتهمت إدارة جو بايدن بالعمل على تخريب مفاوضات السلام وإطالة أمد الحرب في أوكرانيا.

أوكرانيا الهجوم الروسي
دمار هائل خلفه الهجوم الروسي/ الأناضول

وخلال الأيام القليلة الماضية، تغيرت لغة الخطاب الأوكرانية الرسمية بشأن الكيفية التي قد تضع الحرب بها أوزارها، فمن الموافقة على "الحياد" على الطريقة الروسية والاستعداد لمواصلة التفاوض بشأن وضع الأقاليم الشرقية، إلى الحديث عن الاستعداد لمعارك فاصلة وعدم القبول بأقل من "النصر في أرض المعركة".

إذ قال زيلينسكي خلال مقابلة مع شبكة Foxnews الأمريكية، إن أوكرانيا "لن تقبل بأي شيء بخلاف الانتصار في أرض المعركة"، مضيفاً أنه لا يعرف متى أو كيف قد تنتهي الحرب، "لكن الشعب الأوكراني لن يقبل بأي نتيجة بخلاف الانتصار وعدم التفريط في أي جزء من أراضينا".

ويواصل زيلينسكي حملته الدؤوبة لحشد الدعم الدولي وشحذ همة مواطنيه، قائلاً إن الأيام القليلة المقبلة ستكون مهمة وصعبة، وأضاف في كلمة مصورة بثت بوقت متأخر من مساء الأحد: "ستكون روسيا أكثر خوفاً. ستكون خائفة من الخسارة. ستخشى أن يتحتم عليها الاعتراف بالحقيقة".

"ستنتقل القوات الروسية إلى عمليات أكبر في شرق دولتنا. قد يستخدمون المزيد من الصواريخ ضدنا وحتى المزيد من القنابل التي يتم إسقاطها جواً. لكننا نستعد لما سيقومون به. سنرد".

ماذا يقول الجانب الروسي إذاً؟

رمضان قديروف، رئيس جمهورية الشيشان الروسية وحليف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال صباح الإثنين، إن القوات الروسية ستهاجم مدينة ماريوبول الساحلية المحاصرة وكذلك العاصمة الأوكرانية كييف وغيرهما من المدن.

وأضاف في تسجيل مصور بث على قناته على تليغرام: "سيكون هناك هجوم… ليس على ماريوبول فحسب ولكن أيضاً على أماكن ومدن وقرى أخرى (في أوكرانيا)". وتابع: "سنحرر لوغانسك ودونيتسك بالكامل في المقام الأول… ثم نستولي على كييف وجميع المدن الأخرى. أؤكد لكم: لن يتم الرجوع خطوة واحدة".

واتهمت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قديروف مراراً بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، وهو ما ينفيه الرئيس الشيشاني. وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، خاضت روسيا حربين مع انفصاليين في الشيشان التي تقع بجنوب روسيا وتقطنها أغلبية مسلمة. لكن روسيا ضخت بعد ذلك مبالغ ضخمة في المنطقة؛ لإعادة بنائها ومنحت قديروف قدراً كبيراً من الحكم الذاتي.

أما وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فقد قال إن روسيا لن توقف عمليتها العسكرية في أوكرانيا من أجل جولات لاحقة من محادثات السلام. وفي مقابلة مع التلفزيون الروسي الرسمي، قال لافروف إنه لا يرى أي سبب لعدم مواصلة المحادثات مع أوكرانيا، لكنه أصر على أن موسكو لن توقف عمليتها العسكرية عندما يجتمع الطرفان مرة أخرى.

ويقول مسؤولون روس إن محادثات السلام مع أوكرانيا لا تتقدم بالسرعة التي يريدونها، واتهموا الغرب بمحاولة عرقلة المفاوضات من خلال إثارة مزاعم بارتكاب القوات الروسية جرائم حرب في أوكرانيا، وهو ما تنفيه موسكو.

هناك مبالغات من الجانب الأوكراني بشأن نتائج الخرب/رويترز

لافروف أضاف أن الرئيس بوتين أمر بتعليق العمليات العسكرية خلال الجولة الأولى من المحادثات بين المفاوضين الروس والأوكرانيين في أواخر فبراير/شباط الماضي، لكن موقف موسكو تغير منذ ذلك الحين.

"بعد أن أصبحنا مقتنعين بأن الأوكرانيين لا يخططون لفعل المثل، تم اتخاذ قرار بأنه خلال الجولات المقبلة من المحادثات، لن يكون هناك وقف (للعملية العسكرية) طالما لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي".

واتهم لافروف، الأسبوع الماضي، كييف بتقديم مسودة اتفاق سلام "غير مقبولة" لموسكو تخرج عن الاتفاقات التي توصل إليها الجانبان في السابق. وفي المقابلة التي أذيعت، الإثنين، أشار لافروف أيضاً إلى أن الدعوات التي وجهها جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، للتكتل لمواصلة تسليح كييف تمثل "منعطفاً خطيراً للغاية" في السياسة الأوروبية.

ماذا يعني ذلك للمسار العسكري؟

يبدو واضحاً من خلال التصريحات المتباينة الصادرة عن الرئيس الأوكراني، أن الموقف الرسمي لكييف من مسار التفاوض مع موسكو يرتبط بشكل مباشر بمدى توفير الغرب للدعم العسكري الذي يريده نظام زيلينسكي لمواصلة القتال وعدم الموافقة على المطالب الروسية.

فالأزمة الأوكرانية هي بالأساس أزمة جيوسياسية تفجرت منذ نحو عقدين من الزمان، فكييف تريد أن تصبح جزءاً من المعسكر الغربي وتنضم إلى حلف الناتو، بينما ترى موسكو في ذلك تهديداً مباشراً لأمنها القومي، كما أن واشنطن كانت قد قدمت وعداً للكرملين قبل ثلاثة عقود، بأن حلف الناتو لن يتوسع شرقاً في أوروبا وهو ما لم يحدث بالطبع، إذ تمدد الحلف الغربي شرقاً بأكثر من 965 كم.

الدستور الأوكراني نفسه، ومنذ انهيار الاتحاد السوفييتي واستقلال أوكرانيا عام 1991، كان ينص على أن "أوكرانيا دولة محايدة"، لكن تم تغيير تلك الصفة في الدستور عام 2019 لفتح الباب أمام كييف للاندماج أكثر مع المعسكر الغربي والانضمام للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.

كان زيلينسكي فكرة "الحياد" ويرى أن الضمان الوحيد لأمن أوكرانيا وسلامة أراضيها في مواجهة ما يراها "الأطماع الروسية" يكمن في الانضمام لحلف الناتو، حتى تتمتع بلاده بمظلة الحماية الغربية. لكن اجتياح القوات الروسية لأوكرانيا خلط الأوراق بالنسبة للرئيس الذي كان لا علاقة له بالسياسة قبل أعوام قليلة.

فالرئيس الأوكراني كان يعمل ممثلاً كوميدياً وبدأت علاقته بالسياسة من باب الفن منذ عام 2015، عندما بدأ في تقديم أعمال تنتقد الأوضاع السياسية في أوكرانيا، وبصفة خاصةٍ الفساد المستشري في البلاد، إذ تصنف أوكرانيا كواحدة من أكثر بلاد العالم فساداً. وقدّم زيلينسكي مسلسلاً كوميدياً بعنوان "خادم الشعب"، لعب فيه دور مدرس تاريخ في مدرسة ثانوية يتمتع بشخصية جريئة وينتقد الفساد في أوكرانيا ويسخر من السياسيين وطبقة رجال الأعمال. حقق المسلسل شعبية هائلة، فحوّله زيلينسكي، برعاية أحد كبار رجال الأعمال الأوكرانيين، إلى حزب سياسي يحمل الاسم نفسه "خادم الشعب"، وترشح في الانتخابات الرئاسية عام 2019 ليفوز بها بأغلبية كبيرة.

أوكرانيا
الرئيس الأوكراني برفقة رئيس الوزراء البريطاني في العاصمة كييف/ رويترز

لكن زيلينسكي الرئيس واجه واقعاً مختلفاً تماماً عما اعتاده كممثل، إذ وجدت أوكرانيا نفسها "وحيدة" عندما حانت لحظة المواجهة واجتاحتها روسيا بالفعل، بنص كلام الرئيس الأوكراني نفسه في اليوم الثاني لبدء الهجوم الروسي. وتغيرت تصريحات زيلينسكي، بصورة درامية من يوم لآخر، فمرة يؤكد أن أوكرانيا ستنتصر ويقدم طلباً للانضمام "فوراً" للاتحاد الأوروبي، ومرة يقول إن فكرة الانضمام للناتو قد لا تكون "متاحة".

وبالتالي فإن المفاوضات الجارية بين موسكو وكييف انطلقت بعد بدء الهجوم الروسي وانتقلت إلى ضيافة تركيا، وكانت قد قطعت شوطاً جيداً، واقترب الجانبان بالفعل من التوصل لمسودة اتفاق وافقت فيها كييف على أن تكون دولة محايدة ولا تنضم لأي أحلاف عسكرية لا الآن ولا في المستقبل، بحسب ما صرح به رئيس الوفد الأوكراني في المفاوضات.

لكن الآن تغيرت اللغة واللهجة، وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان، في حديث لشبكة إيه.بي.سي نيوز: "سنقدم لأوكرانيا الأسلحة التي تحتاجها للتغلب على الروس؛ لمنعهم من السيطرة على مزيد من المدن والبلدات".

ويقول زيلينسكي إنه يثق بقواته المسلحة ولكن "للأسف ليس لدي الثقة بأننا سنحصل على كل ما نحتاجه" من الولايات المتحدة، وأضاف في مقابلة أجرتها معه شبكة سي.بي.إس: "يجب أن يزودوا أوكرانيا بالأسلحة كما لو كانوا يدافعون عن أنفسهم وشعبهم.. عليهم أن يدركوا ذلك. إذا لم يتحركوا بوتيرة سريعة فسيكون من الصعب علينا تحمل هذا الضغط".

الخلاصة هنا هي أن تحقيق أوكرانيا انتصاراً عسكرياً على روسيا، بمعنى أن تتمكن القوات الأوكرانية من إجبار الروس على الانسحاب من الأراضي الأوكرانية بشكل كامل، يبدو أمراً غير محتمل بالمرّة، بحسب الخبراء العسكريين، حتى في ظل تدفق المساعدات الغربية على كييف.

لكن المؤشرات على الأرض توحي بأن القوات الروسية تسعى لحسم الأمور في الأقاليم الشرقية وخاصةً دونباس ومدينة ماريوبول الساحلية، بأسرع وقت ممكن؛ حتى تتمكن موسكو من فرض شروطها على كييف، والسؤال هنا يتعلق أكثر بمن يمتلك النفَس الأطول على الأرض؟

تحميل المزيد