على الرغم من انتشار الإسلاموفوبيا في الغرب، تزامناً مع صعود اليمين المتطرف، خلال العقدين الماضيين، فإن اعتناق الإسلام زاد بصورة لافتة بين الأوروبيين بشكل خاص، فكيف يمكن تفسير تلك الظاهرة؟
إعلان عارضة الأزياء الفرنسية مارين الحيمر إسلامها، قبل أيام قليلة، يعيد تسليط الضوء على هذا الملف، خصوصاً أن تيار اليمين المتطرف يواصل صعوده بشكل لافت بعد وصول الأحزاب الممثلة له إلى قمة السلطة في كثير من دول أوروبا.
كانت الحيمر، المولودة عام 1993 في فرنسا وتقول إن أسرتها تنحدر من المغرب، قد أعلنت الجمعة 4 نوفمبر/تشرين الثاني تحولها من المسيحية إلى الإسلام، وذلك عبر حسابها في موقع إنستغرام.
ونشرت الحيمر مشاهد لها وهي تنطق الشهادة داخل مسجد، كما نشرت مشاهد تظهر طوافها حول الكعبة المشرفة مرتدية الحجاب. وقالت في منشورها إن هذه اللحظات تظهر أجمل أيام حياتها، مشيرة إلى أن الانتقال إلى دين آخر لا يدعو للخجل، وأن قرارها كان اختياراً للروح والقلب والعقل.
ما هي الإسلاموفوبيا؟ ومتى انتشرت كظاهرة في الغرب؟
"الإسلاموفوبيا" مصطلح إنجليزي يتكون من كلمتين "الإسلام" و"فوبيا" التي تعني "رهاب" أو "خوف"، والمصطلح يعني "رُهاب الإسلام" أو "الخوف المرَضي من الإسلام"، وهو يشير إلى التحامل على الإسلام وكراهيته وكراهية المسلمين والخوف منهم، واتخاذ كون المرء مسلماً أو مسلمة سبباً كافياً للاعتداء عليه.
وظهر المصطلح لأول مرة عام 1997، عندما استخدمته جهة بحثية يسارية بريطانية تسمى "رينميد ترست"، لإدانة تنامي مشاعر الكراهية والخوف من الإسلام والمسلمين، في دراسة بحثيةٍ هدفها تسليط الضوء على الظاهرة، بعنوان "الإسلاموفوبيا: تحدٍّ لنا جميعاً".
ورغم أن المؤشرات على ارتفاع نسبة الإسلاموفوبيا بدأت منذ عقود بعيدة، فإن القضية تحولت إلى ظاهرة عامة منذ نهايات القرن الماضي، وتشكلت على الأرض بصورة لافتة، في أعقاب الهجمات التي تعرضت لها الولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول عام 2001، وهي الهجمات التي تبناها تنظيم القاعدة.
لعبت وسائل الإعلام الغربية دوراً رئيسياً في تكريس الإسلاموفوبيا، بحسب ما توصلت إليه عشرات الدراسات البحثية، حيث اتسمت التغطيات الإعلامية الغربية في مجملها بالسلبية الشديدة والتعميم بل والتحريض ضد الإسلام والمسلمين بشكل عام، وبخاصة في أعقاب ما تعرضت له الولايات المتحدة من هجمات، وما تلاها من شن إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن لما سمتها "الحرب على الإرهاب".
ما هو اليمين المتطرف في الغرب؟
تزامن انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب مع صعود صاروخي لأحزاب وتيارات اليمين المتطرف. والسمة الرئيسية الغالبة على الجماعات والأحزاب المنضوية في إطار اليمين بشكل عام، سواء أكانت أحزاباً متطرفة تعمل في إطار عملية ديمقراطية أم أخرى معارضة لها، هي الخطاب الذي يتحدث باستمرار عن وجود تهديد عرقي أو ثقافي ضد مجموعة "أصلية" من قبل مجموعات تعتبر دخيلة على المجتمع، وعن ضرورة الحفاظ على الهوية الوطنية، ومن ثم تأتي معارضة اليمين المتطرف للهجرة.
وتشترك جماعات اليمين المتطرف في بعض السمات الرئيسية، كالنزعة القومية، أو ما يمكن وصفه بالشعور بأن بلداً ما وشعب هذا البلد أرقى من غيره. ولدى تلك الجماعات شعور قوي بالهوية الوطنية والثقافية إلى درجة اعتبار أن اندماج ثقافات أخرى يشكل تهديداً على تلك الهوية، ومن ثم فإنها ترفض فكرة التنوع.
وعادة ما يستميل زعماء تلك الجماعات الأفراد من خلال إعطائهم شعوراً بالانتماء والفخر. وكثيراً ما يكون ذلك أداة دعائية قوية، ولا سيما في المناطق الفقيرة التي تعاني من نسبة بطالة مرتفعة، والتي يشعر سكانها بالتهميش من قبل المؤسسة السياسية.
وفي إشارة إلى هذا التحول الذي يلوّن المشهد السياسي في أوروبا، استخدم رئيس المفوضية الأوروبية السابق جون كلود يونكر آخر خطاباته حول حالة الاتحاد (عام 2018) لانتقاد ما وصفها بـ"القومية غير الصحية" في القارة، مضيفاً أن "حب الوطن فضيلة. ولكن النزعة القومية الخارجة عن السيطرة مليئة بالسم والخداع".
أما السمة الأخرى فهي تتعلق بالتحيزات الدينية، إذ يعتبر أعضاء اليمين المتطرف أنفسهم مدافعين عن الدين المسيحي، ويستخدمون ذريعة الحفاظ على القيم المسيحية لإثارة صراعات مع أديان أخرى، وبصفة خاصة الإسلام.
وشهدت السنوات الماضية صعوداً لافتاً للأحزاب اليمينية المتطرفة في كثير من دول القارة العجوز، كان آخرها وصول جورجيا ميلوني إلى رئاسة الوزراء في إيطاليا، لتتحدث الأدبيات الإعلامية الغربية الآن عن "سقوط أوروبا في قبضة أحفاد هتلر وموسوليني"، إشارة إلى الزعيم النازي الألماني أدولف هتلر والزعيم الفاشي الإيطالي موسوليني.
كيف أثر ذلك على اعتناق الإسلام بين الأوروبيين؟
لكن على الرغم من تلك الحملة العدائية تجاه الإسلام والمسلمين، فإن جميع التقارير أثبتت انتشاراً واسعاً للإسلام في أوروبا خلال السنوات الماضية، ليصبح الإسلام أسرع الديانات انتشاراً في الغرب على الإطلاق. ونشرت مجلة Time تقريراً عنوانه "كيف أصبح الإسلام أسرع الأديان انتشاراً في أوروبا"، رصد التأثير العكسي للإسلاموفوبيا وصعود اليمين المتطرف على أعداد الأوروبيين الذين يختارون اعتناق الإسلام.
كما شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في أعداد المسلمين في ألمانيا وفرنسا، وكلاهما معقل لليمين المتطرف، وشهدت فرنسا تحديداً جدلاً حاداً بشأن المسلمين فيها، بعد أن أصبحت المزايدة السياسية ضدهم أبرز الملفات الانتخابية خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي فاز فيها إيمانويل ماكرون على حساب زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان في جولة الإعادة.
وعلى الرغم من أن ماكرون كان قد فاز بالرئاسة للمرة الأولى عام 2017 على أجندة اليسار بشكل لافت وحصد الغالبية الساحقة من أصوات مسلمي فرنسا، الذين تشير التقديرات إلى أنهم يمثلون ما يقرب من 10% من سكان البلاد، إلا أنه تحول إلى أقصى اليمين خلال سعيه للفوز بفترة رئاسية ثانية، وأثار أزمة عنيفة، ليس فقط داخل فرنسا بل وخارجها أيضاً، عندما أصدر تصريحات زعم فيها أن "الإسلام دين في أزمة".
أراد ماكرون أن يغازل تيار اليمين المتطرف ليضمن حصة من أصواته، وتحقق له ما أراد وفاز بفترة رئاسية ثانية، لكن تكتله الحزبي فشل في تأمين الأغلبية البرلمانية المريحة خلال الانتخابات العامة، التي أجريت في يونيو/حزيران الماضي، بعد أقل من شهرين من فوزه بالرئاسة، وهي الانتخابات العامة التي حقق فيها اليمين المتطرف نسبة غير مسبوقة من مقاعد الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسي).
لكن الصعود المطرد لأحزاب اليمين المتطرف، والتي يرفع زعماؤها شعارات تهاجم الهجرة والمهاجرين عموماً والمسلمين خصوصاً، لم يؤثر على اعتناق المزيد من الأوروبيين للإسلام بصورة متصاعدة، بحسب ما تظهره الدراسات البحثية في هذا المجال.
ويعتبر الإسلام هو أسرع الديانات انتشاراً في العالم، ويبلغ عدد المسلمين حالياً أكثر من 1.8 مليار نسمة، وهو ما يمثل نحو ربع سكان الكرة الأرضية تقريباً، بحسب دراسة لمركز بو للأبحاث.
ولا شك أن حقيقة زيادة أعداد الأوروبيين الذين يعتنقون الإسلام قد تمثل مفاجأة للكثيرين، في ظل انتشار الإسلاموفوبيا وصعود تيار اليمين المتطرف هناك بصورة لافتة، وسط تغطية إعلامية يغلب عليها الجانب السلبي والتنفير من الإسلام والمسلمين، لكن الواضح أن مقولة رب ضارة نافعة تنطبق على هذا الموقف بمنتهى الدقة.
فقد حفز الهجوم الضاري على الإسلام والمسلمين أعداداً كبيرة من الأوروبيين للبحث أكثر عن هذا الدين وتعاليمه وتاريخه، مما أدى إلى انتشار فضول غير مسبوق بين الأوروبيين وغيرهم من الشعوب الغربية لمعرفة المزيد عن هذا الدين، ووضعت دراسة بحثية هذا السبب على رأس الأسباب التي أدت إلى ارتفاع نسبة المعتنقين للإسلام خلال السنوات الأخيرة، أي أن هذه التغطية الإعلامية السلبية أتت بنتائج عكسية تماماً.
وعلى الرغم من الصعوبة الشديدة لوضع أرقام محددة بشأن عدد الأوروبيين الذين يعتنقون الإسلام، بسبب عدم إدراج خانة الديانة في البيانات الرسمية وأيضاً عدم قانونية سؤال مواطن عن ديانته باعتبار ذلك أمراً شخصياً، إلا أن مراكز بحثية كثيرة مهتمة بهذا المجال أجرت أبحاثاً متعددة واتبعت أساليب غير تقليدية لوضع تصورات عن منحنى تحول الأوروبيين للإسلام، وكان هذه التوجه أحد الارتدادات العكسية للإسلاموفوبيا وصعود اليمين المتطرف، في أعقاب هجمات 2001 في الولايات المتحدة.
وكشفت إحدى تلك الدراسات المنشورة عام 2011، أي بعد عقد من أحداث سبتمبر/أيلول 2001، عن ارتفاع في أعداد معتنقي الإسلام في بريطانيا واسكتلندا وفرنسا وألمانيا. ففي بريطانيا، كانت تقديرات من يعتنقون الإسلام تتراوح بين 14 و25 ألفاً، لكن دراسة أعدها مركز Faith Matters توصلت إلى أن الرقم الحقيقي قد يتخطى 100 ألف، وأن أكثر من 5 آلاف بريطاني يدخلون الإسلام سنوياً.
اعتمدت الدراسة في بريطانيا على إحصاء أجري عام 2001، وكان الوحيد الذي وضع سؤالاً حول إذا ما كان قد حدث تغيير في الديانة منذ الميلاد أو لا، ثم قام الباحثون بإضافة بيانات توصلوا إليها من خلال زيارات للمراكز الإسلامية حول بريطانيا، بالإضافة إلى مصادر وأدوات أخرى. وأظهرت دراسات مشابهة إلى ارتفاع واضح في أعداد المتحولين للإسلام في فرنسا وألمانيا أيضاً، حيث توجد أكبر نسبة من السكان المسلمين بين مواطني البلدين.
الخلاصة هنا هي أن أعداد الأوروبيين الذين يختارون اعتناق الإسلام قد ارتفعت بصورة لافتة خلال العقدين الماضيين، على الرغم من صعوبة تحديد الأرقام بدقة، وذلك على الرغم من انتشار الإسلاموفوبيا وصعود اليمين المتطرف، التيار الكاره للإسلام والمسلمين، وأحد أبرز أسباب هذا التناقض هو التغطية الإعلامية السلبية في تلك المجتمعات للإسلام والمسلمين، مما حفز الناس للبحث أكثر عن المعلومات الصحيحة.