علاقة ملتبسة تتبلور بين إسرائيل واليمين السويدي المتطرف الذي تعود جذوره للنازيين الجدد بعد أن أصبح ثاني قوة في برلمان السويد وباتت الحكومة الجديدة تعتمد على تأييده، فمن ناحية، تقلق تل أبيب ويهود السويد من نزعة العداء للسامية الكامنة لدى هذا اليمين، في المقابل، فإن أجندة اليمين السويدي المتطرف تجاه القضية الفلسطينية والموقف من المسلمين تبدو مريحة لإسرائيل.
ويقود حزب التجمع المعتدل (المعتدلين) الحكومة المحافظة الجديدة، بمشاركة حزب الشعب الليبرالي (الليبراليين) وحزب الديمقراطيين المسيحيين.
كما تحظى الحكومة الائتلافية بدعمٍ خارج الحكومة من حزب ديمقراطيي السويد اليميني المتشدد، الذي يوصف بأن جذوره نازية، وأحدث أداؤه في الانتخابات صدمة في البلاد بعد أن احتل المركز الثاني.
وبدأت الحكومة السويدية الجديدة فترة ولايتها التي تستمر لأربع سنوات في الأسبوع الماضي بأهدافٍ تتطلع إلى إحداث نقلة نوعية في مجالات الهجرة، ومكافحة الجريمة، والطاقة النووية.
وكان من المتوقع إجراء تغييرات واسعة النطاق على السياسة المحلية، لكن الأمور ليست واضحةً بالقدر نفسه على صعيد السياسة الخارجية، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
السويد اعترفت في 2014 بدولة فلسطين
ففي عام 2014، اختار الحزب الديمقراطي الاشتراكي السويدي، من يسار الوسط، أن يُعيد تشكيل سياسة الشرق الأوسط الخاصة بالبلاد، عندما اعترف رسمياً بدولة فلسطين. وساءت العلاقات بين ستوكهولم وتل أبيب بعدها، قبل أن تتجمد العلاقات الثنائية في النهاية. لكن وزراء الخارجية والسفراء الجدد في البلدين نجحوا في تحسين العلاقات خلال السنوات الأخيرة.
والآن بينما تبدو إسرائيل قلقة من سياسات حزب ديمقراطيي السويد المتعاطفة مع النازية، التي تتم بالعداء للسامية، وتأثيره على الأقلية اليهودية في البلاد، لكنها تراهن في الوقت ذاته على ما يبدو أنه الحساسية الغربية من العداء للسامية، سوف تجعل الحزب يتخلى عن هذه السياسات، فيما ستستفيد هي من عدائه للمهاجرين ومواقفه السلبية من قضايا المسلمين، ومن القضية الفلسطينية.
ولذا يبدو أن إسرائيل مستعدة لبعض زلات اللسان من الحزب، حتى المسيئة لضحايا الهولوكوست، مقابل الحكومة السويدية الجديدة المدعومة من المتطرفين لأجندة أقرب لتل أبيب.
والآن حزبٌ شعبوي ومتشدد يؤثر في سياسة البلاد
لن يحكم حزب المعتدلين البلاد بمفرده؛ بل تعتمد حكومة أقليته المكونة من ثلاثة أحزاب على حزب ديمقراطيي السويد، وهو حزبٌ يُعتبر شعبوياً ومتشدداً على نطاقٍ واسع.
إذ تأسس الحزب في عام 1988 لينتمي إلى اليمين السويدي المتطرف والنازيين الجدد. ودخل البرلمان السويدي (الريكسداغ) للمرة الأولى عام 2010، وأصبح ثاني أكبر حزبٍ في البلاد حالياً (بعد الحزب الديمقراطي الاشتراكي).
وأوضح زيف نيفو كولمان، سفير إسرائيل في السويد، العام الماضي، أن إسرائيل ليست لديها علاقات مع أحزاب "ذات أصول نازية".
الحزب شكك في سويدية الجالية اليهودية
والاتهامات الموجهة لحزب "ديمقراطيي السويد" بالنازية لا تتعلق بالماضي فقط؛ إذ أدلى مسؤولو الحزب في السنوات الأخيرة بتصريحات مثل: "ادفعوا المال للعرب من أجل اغتصاب النسويات، حتى يقدموا شيئاً مفيداً".
سبق أن شكّك المسؤول البارز في الحزب بيور سودر في "سويدية" الجالية اليهودية المقدر عددها بـ20 ألف يهودي في السويد.
فيما وقْعت السياسة المحلية الأخرى جونيلا واسينيوس على عريضةٍ تزعم أن المصالح الصهيونية اخترقت السويد وتُحرك عملية إبادة جماعية بحق ذوي البشرة البيضاء. علاوةً على إدلاء زعيم الحزب، جيمي أوكسون، وريتشارد جومشوف، وآخرين، بتصريحات معادية للإسلام وكارهة للأجانب أمام العامة.
ولكنه الآن يريد نقل سفارة السويد بإسرائيل للقدس
فما هو موقف الحزب الشعبوي من إسرائيل رسمياً؟ قال تشارلي فايمرز، رئيس وفد ديمقراطيي السويد في البرلمان الأوروبي، خلال حديثه لصحيفة Haaretz: "ستظل أبوابنا مفتوحةً للسفير الإسرائيلي ووزارة الخارجية الإسرائيلية".
وقال إن حزبه كان أكثر الأحزاب السويدية دعماً لحق إسرائيل في الوجود.
وصرح فايمرز كذلك بأن حزبه خضع لتغييرات جذرية، وأوضح: "لا يتساهل الحزب مع معاداة السامية مطلقاً، ويجري طرد أي شخص يتبنى أو يعرب عن آراء عنصرية بصورةٍ فورية".
وعندما نتحدث عن موقفه من الصراع العربي الإسرائيلي، أشار فايمرز إلى أن حزبه لا يؤيد الاعتراف بدولة فلسطين. وأردف أنه يجب التفاوض على الحدود المستقبلية بموجب اتفاقية سلام بين إسرائيل والفلسطينيين.
كما يدعم حزب فايمرز نقل السفارة السويدية إلى القدس، حسب تصريحاته.
اليمين السويدي المتطرف ينتقد المساعدات المقدمة للمجتمع المدني الفلسطيني
وسبق للحزب أن انتقد المساعدات السويدية المقدمة للمنظمات الأهلية الفلسطينية، التي قال إنها تُموّل خطاب الكراهية والعنف والإرهاب. بينما سعى الحزب إلى إنهاء تمويل البرلمان الأوروبي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في الأراضي الفلسطينية.
وتستند شعبية ديمقراطيي السويد الحالية إلى السياسات المحلية للحزب في المقام الأول؛ حيث اعتمدت حملته الانتخابية على تقييد الهجرة ومكافحة الجريمة في الأساس. واتفق الحزب مع الحكومة الجديدة بعد الانتخابات على خفض الهجرة المرتبطة بطلب اللجوء إلى حدٍ كبير، فضلاً عن زيادة الترحيلات وتقليل لاجئي الكوتا.
وستُضاف هذه السياسات إلى التشريعات التي تستهدف توحيد وتعزيز ما يمكن وصفه بـ"القيم والأعراف السويدية".
إسرائيل تخشى التضييق على يهود السويد، ولكنها تراهن على أن التركيز سيكون ضد المسلمين
ومن المحتمل أن تؤثر بعض هذه المقترحات بدرجةٍ كبيرة على الجالية اليهودية، التي تُعتبر واحدةً من الأقليات الخمس المعترف بها وطنياً في البلاد.
ويرتبط أحد الأمثلة بالمخاوف حيال المدارس الدينية الخاصة؛ حيث أصدرت الحكومة الديمقراطية الاشتراكية مشروع قانون مقترح لمنع توسع المدارس الدينية الخاصة القائمة، ومنع افتتاح أي مدارس جديدة من هذا النوع.
ومن الواضح للغالبية أن مشروع القانون يستهدف تقييد المدارس الإسلامية، لكن البعض أعربوا عن مخاوفهم من أن التشريع يمكن أن يقيد المدارس اليهودية بدرجةٍ كبيرة.
ثم تقول الصحيفة: "لا ترتبط مخاوف الجالية اليهودية بالتعليم فقط؛ إذ اشتهر ديمقراطيو السويد بتقديم مقترحات لحظر ختان الذكور وحظر استيراد لحوم الكوشر (الخاصة باليهود) في البلاد".
المفارقة هنا أن صحيفة Haaretz الإسرائيلية التي توصف بالليبرالية، يبدو لسان حالها وكأنه يقول، هناك مشكلة في التضييق مع المدارس الدينية هي في حال تأثر المدارس اليهودية، ولكن الأغلب سيكون التضييق على المدارس الإسلامية، وبالتالي لا مشكلة لدينا.
وتتوقع تراجع الموقف السويدي الداعم لفلسطين
تسود آراءٌ قوية حيال الحكومة الجديدة في أوساط الجالية اليهودية بالسويد. وتركز النقاشات الأساسية على تاريخ حزب ديمقراطيي السويد وأصوله التي ترجع إلى النازيين الجُدد.
ولكن من الواضح أنه رغم الطابع المتطرف للحزب، فإن البعض يراهن على أن تطرفه سوف ينصب على المسلمين بالأساس، وفي الوقت ذاته سوف يساهم الحزب في تراجع الأجندة اليسارية للبلاد التي اتسمت دوماً بإنصاف اليهود، ولكنها كانت أقل محاباة لمظالم الاحتلال الإسرائيلي.
إذ قال أحد أفراد الجالية اليهودية القدامى إن اليسار السويدي نشطٌ للغاية في دعم اليهود الأموات، لكنه ليس مهتماً باليهود الأحياء بالقدر نفسه. بينما يهتم اليهود الأحياء بقضايا التعليم، والأمن، ومكافحة عداء السامية، وممارسة الطقوس الدينية، والحفاظ على علاقات جيدة مع دولة الاحتلال. لكن مثل هذه المسائل تُعتبر حساسةً داخل السويد، بعكس إحياء ذكرى الهولوكوست مثلاً.
بينما صرحت السفارة الإسرائيلية في ستوكهولم لصحيفة Haaretz بأن "إسرائيل تتمتع بعلاقات ممتازة مع العديد من أعضاء الحكومة الجديدة، من مختلف الأحزاب الثلاثة. ونتطلع إلى التعاون معهم ومواصلة تحسين العلاقات الثنائية؛ لكننا نشعر بالقلق إزاء صعود اليمين المتشدد والتصريحات المعادية للسامية التي يُدلي بها أعضاء حزب (ديمقراطيي السويد)، وما لها من تداعيات محتملة على اليهود المقيمين في السويد".
قيادي بالحزب يتعهد بحماية معابد اليهود، بينما أخرى تستهزئ بأشهر ضحايا الهولوكوست
سعى تشارلي فايمرز، رئيس وفد ديمقراطيي السويد في البرلمان الأوروبي، إلى تهدئة تلك المخاوف بتقديم وعودٍ خاصة بحزبه؛ حيث قال إن حزب ديمقراطيي السويد "سيُصوّت دائماً لدعم زيادة حماية المعابد ومواقع الجالية اليهودية. كما سيدعم دائماً جهود مكافحة عداء السامية. وسيضغط على الحكومة الجديدة لإنهاء ما وصفه بـ"تمويل منظمات الإخوان المسلمين"، مع تقديم الدعم الكامل لحقوق الجالية اليهودية باعتبارها من الأقليات المعترف بها في السويد.
وعلى الناحية الأخرى، خرجت نجمة الحزب الإعلامية المنتخبة ريبيكا فالينفيست في نفس أسبوع مقابلة فايمرز لتصف آن فرانك (وهي كاتبة ألمانية كانت إحدى ضحايا الهولوكوست) بأنها شخصية "لا أخلاقية"، في أحد منشورات إنستغرام. وأدانت المنظمات اليهودية السويدية ذلك التعليق، بالإضافة إلى السفير الإسرائيلي في السويد نيفو كولمان.
وأُقيلت ريبيكا من منصبها لاحقاً، لكن صحيفة Aftonbladet السويدية كشفت أنها نُقِلَت إلى وظيفةٍ إدارية في مكاتب الحزب البرلمانية، في موقعٍ يسمح لها بالتأثير على السياسات الوطنية. وعلقت صحيفة Haaret: "سنرى مستقبلاً ما إذا كانت فترة حزب ديمقراطيي السويد "في السلطة" ستحركها وعود فايمرز أم روح دعابة ريبيكا الملتوية!".