انحصر الصراع على منصب رئيس الوزراء البريطاني بين ليز تراس، وزيرة الخارجية، وريشي سوناك، وزير المالية، مع توقعات بأن تتولى تراس منصب المستقيل بوريس جونسون، فماذا يعني ذلك؟
كان بوريس جونسون، يوم 7 يوليو/تموز الجاري، قد تقدم باستقالته من منصب رئيس الوزراء بعد أن حاصرته الفضائح من كل جانب، واستقال كثير من الوزراء وعدد كبير من المسؤولين في الحكومة، ليبدأ الصراع داخل حزب المحافظين لاختيار خليفة المستقيل.
وتقدم 11 مرشحاً لخلافة جونسون لتجري عملية التصويت من جانب أعضاء حزب المحافظين، على عدة مراحل، شهدت قبل الأخيرة منها انحصار المنافسة بين سوناك وتراس، وستُعلن النتيجة النهائية يوم 5 سبتمبر/أيلول المقبل.
كيف يتم اختيار خليفة جونسون؟
جرت الأربعاء، 20 يوليو/تموز، عملية الاختيار النهائية للمرشحين لخلافة جونسون، حيث اختار أعضاء البرلمان من حزب المحافظين وزير المالية السابق ريشي سوناك، ووزيرة الخارجية الحالية ليز تراس للتأهل إلى المرحلة النهائية، وهي المرحلة التي لا تقتصر فيها عملية التصويت على أعضاء الحزب في البرلمان فقط، بل يشارك فيها نحو 200 ألف من أعضاء الحزب بأصواتهم لاختيار زعيم جديد للحزب.
وفي الجولة الأخيرة، التي تستمر من يوليو/تموز وحتى أوائل سبتمبر/أيلول المقبل، يطلق المرشحان حملتهما الانتخابية، ويعملان على كسب أصوات أعضاء الحزب. ويمكن لأعضاء حزب المحافظين التصويت بالبريد أو عبر الإنترنت، مع احتساب آخر بطاقة واردة من كل عضو في حالة تلقي بطاقتين. ويجب تسلّم بطاقات الاقتراع بحلول الساعة 1600 بتوقيت غرينتش، يوم الثاني من سبتمبر/أيلول، بحسب رويترز.
وفي الخامس من سبتمبر/أيلول، يتم الإعلان عن الفائز بمنصب رئيس الحزب خلفاً لجونسون، ويكون الفائز هو رئيس الوزراء الجديد لبريطانيا. ويوم السادس من سبتمبر/أيلول، يتوجه جونسون إلى القصر الملكي لتقديم استقالته رسمياً إلى الملكة إليزابيث الثانية، حسب تصريحات المتحدث باسم رئيس الوزراء.
كان ثمانية مرشحين من حزب المحافظين قد خاضوا الجولة الأولى من السباق على خلافة بوريس جونسون في منصبي زعيم الحزب ورئيس الوزراء، بعد أن حصلوا على التأييد الكافي من زملائهم المشرعين للوصول إلى الجولة الأولى من السباق، التي أُجريت الأربعاء 13 يوليو/تموز، بينما استُبعد 3 طامحين للترشح.
وشملت قائمة المرشحين، بخلاف سوناك وتراس، ناظم الزهاوي، وزير المالية الحالي، وكيمي بادنوك وسويلا بريفرمان وجيريمي هانت وبيني موردنت وتوم توجنهات.
وحصل سوناك، الذي عجلت استقالته من منصبه كوزير للمالية الأسبوع الماضي بسقوط جونسون، إذ حظي بدعم 88 من أعضاء الحزب في البرلمان، البالغ عددهم 358، متقدماً على بيني موردنت، التي حصلت على 67 صوتاً، بينما حصلت ليز تراس على 50 صوتاً فقط. وتم استبعاد ناظم الزهاوي ووزير الخارجية السابق جيريمي هانت، بعد فشلهما في الحصول على الحد الأدنى المطلوب من الأصوات، وهو 30 صوتاً، وتم استبعاد مرشحين آخرين حصلا على أقل الأصوات.
بينما خاض الباقون- ومن بينهم وزيرة المساواة السابقة كيمي بادنوك، ورئيسة الادعاء العام سويلا بريفرمان، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان توم توجندهات- جولة التصويت الثانية التي أُجريت الخميس 14 يوليو/تموز.
وفي الجولة الثانية من التصويت، حصل سوناك على أعلى الأصوات مرة أخرى، بحصوله على 101 صوت، تلته وزيرة التجارة بيني موردنت بحصولها على 83 صوتاً، ثم وزيرة الخارجية ليز تراس بحصولها على 64 صوتاً. بينما حصل النائب البرلماني توم توجنهات على 32 صوتاً، وكيمي بادنوك على 49 صوتاً. وتم استبعاد المدعية العامة سويلا بريفرمان، التي حصلت على 27 صوتاً.
وتكرر الأمر في الجولة الثالثة، التي أُجريت الإثنين 18 يوليو/تموز، حيث حافظ ريشي سوناك على صدارة السباق المحتدم، بحصوله على 115 صوتاً، متقدماً على وزيرة الدفاع السابقة بيني موردنت، التي حصلت على 82 صوتاً، ووزيرة الخارجية ليز تراس، التي نالت 71 صوتاً. وحلّت وزيرة الدولة للمساواة السابقة كيمي بادنوك في المركز الرابع في اقتراع الإثنين، بحصولها على 58 صوتاً.
وأجريت الجولة الرابعة الأربعاء 19 يوليو/تموز، وفيها أيضاً حافظ سوناك على الصدارة، بحصوله على 118 صوتاً، بينما حلت بيني موردنت ثانية بحصولها على 92 صوتاً، وجاءت ليز تراس ثالثة بحصولها على 86 صوتاً، وتم استبعاد كيمي بادنوك التي حظيت على 59 صوتاً.
لماذا تعتبر فرص تراس أقوى من سوناك؟
أظهرت نتائج جولات التصويت أن وزير المالية السابق، ريشي سوناك، هو المنافس الأكثر شعبية بين نواب البرلمان من أعضاء حزب المحافظين، إذ تصدّر الجولات جميعها بفارق واضح عن أقرب منافسيه.
ورغم ذلك كان استطلاع رأي أجرته شركة يوجوف للأبحاث، على ما يقرب من 900 من أعضاء حزب المحافظين الحاكم، قد أظهر أن وزيرة الدفاع السابقة، بيني موردنت، هي المرشحة الأوفر حظاً لخلافة بوريس جونسون، وتقدمت موردنت في ذلك الاستطلاع بشكل كبير على سوناك، الذي كان أداؤه سيئاً أمام جميع منافسيه تقريباً.
لكن استطلاع الرأي ذلك تم إجراؤه قبل الجولة الثانية من التصويت، ومع انحسار المنافسة الآن بين سوناك وتراس، التي دائماً ما حصلت على عدد أصوات أقل بكثير من منافسها، وخروج موردنت من المنافسة بعد الجولة الرابعة، لا يعني أن وزير المالية السابق قد حسم الأمور.
فرغم تقدم سوناك في جميع جولات التصويت بين النواب المحافظين، لكن تراس تكتسب، فيما يبدو، ميزة حتى الآن بين نحو 200 ألف عضو في الحزب الحاكم، هم من سيختارون الفائز في نهاية المطاف، حسب تقرير لرويترز.
وتضع المرحلة الأخيرة من السباق، والتي تستمر لأسابيع، سوناك، المصرفي السابق في بنك غولدمان ساكس، والذي رفع الأعباء الضريبية إلى أعلى مستوى منذ خمسينيات القرن الماضي، ضد تراس، التي أيدت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتعهدت بخفض الضرائب واللوائح التنظيمية.
وسيرث من سيفوز عند إعلان النتيجة بعضاً من أصعب الظروف في بريطانيا منذ عقود، فالتضخم في طريقه ليبلغ 11% سنوياً، مع توقف معدلات النمو واقتراب الجنيه الإسترليني من أدنى مستوياته مقابل الدولار.
وتُظهر استطلاعات الرأي أن تراس ستتغلب على سوناك فيما يتعلق بأصوات أعضاء الحزب، لكن كل شيء يمكن أن يتغير مع بدء المتسابقين حملة انتخابية لأسابيع في أنحاء البلاد أمام أعضاء الحزب، والتي تنطلق رسمياً الإثنين 25 يوليو/تموز.
وذكر تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC، أنه على الرغم من صعوبة الحكم على من هو المرشح الأكثر حظاً للفوز بالانتخابات، إذ تظهر المشاركة في استطلاع أخير للرأي انخفاض عدد المشاركين، أشار استطلاع موقع "يوغوف"، الذي أجري بين 725 من أعضاء الحزب يومي الإثنين والثلاثاء- قبل الجولة الرابعة من التصويت- إلى أن سوناك سيخسر إما لصالح موردانت، وإما لصالح تراس.
ولا يُعرف العدد الإجمالي لأعضاء حزب المحافظين على وجه اليقين، لكن هذا العدد في انتخابات زعامة الحزب الأخيرة في عام 2019 كان حوالي 160 ألف عضو، ويُعتقد أنه ارتفع بعد ذلك الحين. ويقول موقع المحافظين على الإنترنت إن الأعضاء يمكنهم توقع تسلم أوراق الاقتراع الخاصة بهم في الفترة ما بين 1 إلى 5 أغسطس/آب.
ماذا يعني فوز "عدوة" روسيا والاتحاد الأوروبي معاً؟
شغلت ليز تراس مناصب وزارية متعددة في حكومات ديفيد كاميرون وتيريزا ماي وبوريس جونسون، حيث لا تزال تشغل منصب وزيرة الخارجية. وكانت تترأس تنظيم حزب الديمقراطيين الأحرار في جامعة أوكسفورد، لكنها انضمت إلى حزب المحافظين منذ عام 1996.
وتعتبر تراس من أكثر المسؤولين البريطانيين معاداة للاتحاد الأوروبي، إذ كانت بريطانيا قد اتخذت، في عهد جونسون، وبمساعدة تراس، موقفاً متشدداً ضد بروكسل في مفاوضات ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بشأن قضية أيرلندا الشمالية، ما أدى إلى اتخاذ إجراءات قانونية من الاتحاد الأوروبي، وتهديد العلاقات التجارية بين الجانبين في المستقبل. وبالتالي فإنه في حالة فوز تراس برئاسة الوزراء في بريطانيا من المتوقع أن تزداد علاقات لندن وبروكسل توتراً.
ومعروف عن تراس، رغم أنها تدير وزارة الدبلوماسية (الخارجية)، تصريحاتها النارية الحادة، وكادت بعض تلك التصريحات أن تتسبب في حرب نووية بالفعل. ففي اليوم التالي لبداية الهجوم الروسي على أوكرانيا، دعت تراس المواطنين البريطانيين للتطوع للدفاع عن أوكرانيا، وهو التصريح الذي أدانته موسكو بطبيعة الحال.
وكان الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، قد أعلن عن فتح باب التطوع وتشكيل "الفيلق الدولي" للدفاع عن أوكرانيا، وعندما واجهت تراس سؤالاً بشأن تلك الخطوة شجّعتها، وطالبت المواطنين البريطانيين القادرين على القتال بالتوجه إلى كييف.
لكن أخطر تصريحات تراس كان ذا طبيعة نووية، إذ هاجمت الرئيس الروسي بألفاظ حادة، وقالت إن الغرب لا بد أن يُلحق الهزيمة بروسيا على الأراضي الأوكرانية، مضيفة أنه "إذا كان البعض يخشى من أسلحة بوتين النووية، فحلف الناتو أيضاً لديه أسلحة نووية".
وأصدر بوتين، الأحد 27 فبراير/شباط، أوامره لوزارة الدفاع بوضع قوات الردع النووي الروسية في "حالة تأهب"، وبرَّر بوتين تلك الخطوة بأنها رد على مسؤولي الغرب، الذين "لم يكتفوا باتخاذ خطوات عدائية اقتصادية وحسب، بل أدلى مسؤولهم بحلف الناتو بتصريحات عدوانية ضد روسيا". ولاحقاً قالت مصادر في الخارجية الروسية إن تصريحات وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس، بشأن دعوة البريطانيين للتطوع للقتال في أوكرانيا، وإشارة الوزيرة إلى أن حلف الناتو يمتلك أسلحة نووية كانت السبب المباشر لقرار بوتين.
لكن تراس، بعد أن تأهلت لجولة الحسم أمام سوناك، قالت إنها لا تدعم التدخل المباشر للقوات البريطانية في أوكرانيا، وذلك رداً على سؤال خلال مقابلة مع بي.بي.سي عما إذا كانت ستدعم إرسال قوات بريطانية إلى أوكرانيا إذا أصبحت رئيسة للوزراء. وقالت تراس "نبذل قصارى جهدنا لدعم أوكرانيا، لقد قُدنا التحالف الدولي بشأن إرسال أسلحة (لأوكرانيا)، ونفرض العقوبات، لكنني لا أؤيد التدخل المباشر للقوات البريطانية".