تستعد مصر لإبرام أكبر صفقة أسلحة في تاريخها، تتضمن شراء أسلحة متنوعة من إيطاليا، من بينها 24 طائرة من طراز يوروفايتر تايفون، وستمثل صفقة التايفون المصرية إضافة كبيرة للقوات الجوية للبلاد، باعتبارها واحدة من أكثر طائرات العالم تقدماً، ولكنها تثير تساؤلات حول أسباب إبرام هذه الصفقة في ظل وجود الرافال لدى مصر والأعباء التي قد تضيفها على اقتصاد وجيش البلاد.
وستجعل صفقة التايفون المصرية سلاح الجو المصري من أكثر القوى الجوية في العالم تنوعاً من حيث عدد الطرازات التي يقتنيها.
أكبر صفقة أسلحة في تاريخ مصر تنتظر موافقة رئيس وزراء إيطاليا
وتبلغ قيمة صفقة التايفون المصرية نحو 3 مليارات دولار، وقد أوشكت على الانتهاء بعد ثلاث سنوات من المفاوضات مع إيطاليا، وهي جزء من صفقة ضخمة مع إيطاليا تتراوح قيمتها بين 10-12 مليار دولار
ويوروفايتر تايفون هي مقاتلة متعددة الجنسيات ذات محركين ومتعددة المهام، تم تصميمها في الأصل كمقاتلة تفوُّق جوي، وتم تصنيعها من قِبَل كونسورتيوم أوروبي، يشارك به كل من المملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا.
ونقلت صحيفة Il Fatto Quotidiano الإيطالية، قبل أيام، عن مسؤول بالحكومة الإيطالية، قوله إن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ينتظر تأكيداً من رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي، لإتمام صفقة الأسلحة التي تشمل سفناً حربية وطائرات مقاتلة وأخرى للتدريب وقمراً صناعياً عسكرياً.
وفي حالة اكتمالها، ستكون أكبر صفقة أسلحة في تاريخ مصر الحديث وواحدة من أكبر صفقات الأسلحة التي أبرمتها إيطاليا منذ الحرب العالمية الثانية، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
إضافة إلى طائرة التايفون، من المتوقع أن تشمل الصفقة الأوسع أربع فرقاطات أوروبية متعددة الأغراض (FREMM)، تصنعها شركة السفن الإيطالية Fincantieri، و20 سفينة دورية، و20 طائرة تدريب عسكرية من طراز M-346، وقمر مراقبة.
وأضاف المصدر أن شركة الطيران والدفاع الإيطالية "ليوناردو" ستتلقى نحو 60% من سعر الطائرة التي طوَّرها كونسورتيوم من شركات الطيران والدفاع من المملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا.
التوترات بشأن مقتل ريجيني تعرقل الصفقة
جرت مفاوضات صفقة الأسلحة وسط توترات بين مصر وإيطاليا أثارتها قضية تعذيب وقتل طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني عام 2016، والذي تم العثور على جثته في ضواحي القاهرة.
وكان تحقيق إيطالي قد اتهم عناصر من أجهزة الأمن المصرية بالوقوف وراء جريمة القتل، إلا أن القاهرة نفت مراراً وتكراراً أي تورط لها.
أغلقت مصر تحقيقها الخاص في ديسمبر/كانون الأول 2020، مما أثار غضباً وجدلاً كبيراً في إيطاليا حول صفقة السلاح مع القاهرة.
في الشهر نفسه، تلقت مصر أول واحدة من فرقاطتي FREMM من إيطاليا، وحصلت على الثانية في أبريل/نيسان 2021.
فصلت الحكومة الإيطالية في ذلك الوقت الصفقة عن مقتل ريجيني، مبررةً قرارها السماح بالبيع باعتباره "عملية تجارية لا علاقة لها بالبحث عن الحقيقة بشأن وفاة جوليو ريجيني".
ورفعت عائلة ريجيني دعوى قضائية ضد الحكومة الإيطالية بشأن بيع أول فرقاطة من طراز FREMM.
دوافع القاهرة من صفقة التايفون العملاقة
ولكن بعيداً عن الجدل الإيطالي الداخلي، ما دوافع هذه الصفقة بالنسبة لمصر؟ وما الذي تضيفه طائرات "يوروفايتر تايفون" إلى القدرات الجوية المصرية وتأثيرها على التوازن العسكري للمنطقة؟ وكذلك ما الأعباء التي تمثلها هذه الصفقة على ميزانية البلاد وعلى لوجستيات القوات الجوية المصرية؟
وأصبحت مصر الثالثة عالمياً في صفقات الأسلحة بعد السعودية والهند، حيث أبرمت القاهرة منذ تولي الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، السلطة عقب الإطاحة بحكم الرئيس المنتخب محمد مرسي، صفقات أسلحة بقيمة تبلغ نحو 50 مليار دولار.
شهدت صفقات السلاح لمصر في الفترة من 2013 وحتى 2017، بداية تولي عبد الفتاح السيسي مقاليد الأمور في البلاد بعد الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي، طفرة ضخمة؛ إذ ارتفعت مشتريات الدولة من السلاح بنسبة 225% مقارنة بمتوسط شراء السلاح خلال السنوات السابقة من 2011 إلى 2013، وذلك بحسب تقرير أصدره معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "SIPRI" يغطي تجارة السلاح عالمياً خلال العقد الماضي (2011-2020).
تقع مصر في منطقة من أشد مناطق العالم توتراً، وجارتها هي إسرائيل الدولة القوية، التي كانت بينها وبين مصر عداوة تاريخية، كما أنها تواجه تحدياً فيما يتعلق بمياه النيل بعد تقدم إثيوبيا في بناء سد النهضة، إضافة إلى أنها جزء من منطقة شرق المتوسط الغنية بالغاز الذي يعرقل استخراجه خلافات الحدود بين دول المنطقة.
ولكن حتى رغم كل هذه التحديات، لا يبدو التهافت المصري على صفقات السلاح، يمكن تفسيره فقط بالأسباب الأمنية.
إذ يبدو كثير من هذه الصفقات التي أبرمتها مصر خليطاً من الحاجة العسكرية، والأهداف السياسية، فلقد استخدمت القاهرة منذ الإطاحة بمرسي، صفقات السلاح الأوروبية- وتحديداً مع فرنسا وألمانيا- لتطبيع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي ليقبل الوضع الجديد.
وكانت فرنسا هي بوابة النظام المصري لتقوية العلاقات مع الدول الأوروبية، عبر صفقات شراء الرافال، وكذلك فرقاطات فرنسية وحاملتي مروحيات كانت باريس قد صنعتهما لروسيا، ثم أوقفت الصفقة بعد ضم موسكو للقرم.
ولهذا لم يكن غريباً أن يكون الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند هو الرئيس الغربي الوحيد الذي حضر حفل افتتاح قناة السويس.
وفي الوقت ذاته، أرادت القاهرة تنويع مصادر تسليحها بعدما تبين مقدار ارتهان الجيش المصري للولايات المتحدة بعد فرضها قيوداً على تصدير الأسلحة وقطع الغيار إثر الإطاحة بمرسي.
القوات الجوية المصرية تقترب من أن تصبح أكثر سلاح جو تنوعاً في العالم
والنتيجة أنه في مجال الطيران، نجحت القوات الجوية المصرية في تنويع طائراتها بشكل كبير، بعد أن كانت تعتمد بشكل تام على نحو 220 طائرة إف 16 أمريكية، (جاءت معظمها من المعونة العسكرية المصرية) جعلت مصر صاحبة رابع أسطول جوي من هذا الطراز بعد أمريكا وإسرائيل وتركيا بالترتيب.
ولكن أصبح الأسطول الجوي المصري يتكون من الـ"إف 16″ ونحو 45 طائرة روسية من طراز ميغ 29، إضافة إلى الرافال الفرنسية التي سيصل عددها بعد استكمال الصفقة مع باريس إلى نحو 55 طائرة، إضافة إلى طائرات ميراج 2000 التي تعود للثمانينيات، وبعض الطرز الروسية والفرنسية التي تعود للسبعينيات.
كما أبدت إدارة بايدن للكونغرس رغبتها في تزويد القاهرة بطائرة التفوق الجوي والقصف البعيد، "إف 15" الأمريكية الصنع، بدلاً من طائرات سوخوي 35 الروسية التي كانت القاهرة قد تعاقدت على شرائها من موسكو، في صفقة لا يُعرف مصيرها، حيث كان يُعتقد أن 5 طائرات منها وصلت لمصر، بينما يرجَّح إلغاء بقية صفقة السوخوي استجابة للضغوط الأمريكية.
وإذا انضمت اليوروفايتر إلى طابور الطائرات المصرية، فقد يعني ذلك أن القوات الجوية المصرية يتكون واحدة من أكثر القوى الجوية في العالم تنوعاً من حيث أعداد الطائرات، لتنافس الهند في هذا المجال وتتقدم على قطر التي أبرمت صفقات بدورها لشراء طائرات رافال وإف 15 ويوروفايتر.
وتنويع مصادر التسليح يعد أحد الدروس المهمة التي يجب على أي جيش مراعاتها.
ولكن التنوع بهذا الاتساع ليس ميزة على الإطلاق، إذ يُنظر إليه على أنه كارثة لوجستية، لأن كل نوع طائرة يتطلب تدريب الفنيين بشكل مختلف، وأساليب صيانة وإمدادات لوجستية مختلفة تمثل عبئاً على أي قوات جوية في العالم، وهي من الأمور التي يُنتقد بسببها الجيش الهندي، كما سعى الجيش الأمريكي لإنتاج الطائرة الشهيرة إف 35 بنسخ مختلفة للبحرية والقوات الجوية ومشاة البحرية؛ لمنع تعدد الطائرات لدى كل سلاح كما هو حاله الآن.
وحتى دولة قطر، التي أبرمت ثلاث صفقات مختلفة لطائرات غربية، فهي دولة ثرية، وكان واضحاً أن من بين أهداف الصفقات الثلاث تعزيز علاقاتها بالدول الغربية الرئيسية: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، في ظل تعرضها للحصار الخليجي المصري الذي فُرض عام 2017، كما أن قطر لم تبرم صفقات طائرات كبيرة منذ سنوات، فبالتالي هي في حاجة لتعزيز قوتها بهذه الطائرات، إضافة إلى أنها دولة غنية بالنفط والغاز يمكنها تحمُّل تكلفة هذا التنوع.
ولكن إضافة إلى الضرر الناجم عن التعدد المبالغ فيه لأنواع الطائرات، فإن هناك شكوكاً خاصة بحاجة مصر للتايفون تحديداً وقدرة القاهرة على تحمُّل الأعباء الخاصة بهذه الطائرة.
ورغم القدرات الهائلة المثبتة لهذه الطائرة فإن صفقة التايفون تثير تساؤلات حول الجديد الذي تقدمه مقارنة بما لدى مصر أصلاً من طائرات أو الطائرات التي تعتزم التعاقد عليها.
طائرة الأثرياء
التايفون تحديداً معروفة بارتفاع سعرها بشكل مبالغ فيه، حتى إنه وعلى الرغم من كونها طائرة جيل رابع ونصف فإنها أغلى من الطائرة الأمريكية الـ"إف 35″ الشبحية التي تنتمي للجيل الخامس.
والأسوأ في سجل هذه الطائرة الشكوى الكبيرة من مشغِّليها من ارتفاع تكلفة الصيانة بشكل كبير، وتعقُّد عملية توفير قطع الغيار، بسبب توزع عملية إنتاجها بين أربع دول أوروبية هي بريطانيا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا، وكذلك الانتقادات الموجهة لها بقِصر عمرها، ودفعت هذه الشكاوى النمسا- واحدة من أوائل زبائن هذه الطائرة- إلى الإعلان عن رغبتها في التخلص منها بسرعة، بسبب التكلفة الباهظة لتشغيلها.
كل هذا يجعل هذه الطائرة تحديداً طائرة الدول الغنية مثل الدول الأوروبية الكبيرة أو السعودية والكويت وسلطنة عمان وقطر زبائنها الخليجيين، وقد يفسر ذلك تفضيل العديد من الدول الأوروبية منافِستها السويدية "غريبين" أو الرافال الفرنسية أو الطائرات الأمريكية.
في المقابل، فإن مصر دولة نامية، تعاني من أزمة مالية حادة، مع تفاقم ديونها التي جعلتها أكثر دولة مستدينة من صندوق النقد الدولي حالياً، بعد الأرجنتين لدرجة أنها وصلت للحد الأقصى من رصيدها في الديون، كما تعاني من أزمة نقص في الدولار، لا تنكرها حكومتها.
علماً بأن جزءاً من مشتريات السلاح السابقة تم عبر قروض مثلما حدث مع صفقة الرافال، وهو ما قد يتكرر في الصفقة الحالية، الأمر الذي يثير تساؤلات حول تداعيات هذه الصفقة على الاقتصاد المصري، خاصةً أنها تتزامن مع صفقة بقيمة 20 مليار دولار لإنشاء شبكة قطارات سريعة مع شركة سيمنز الألمانية.
ما هي الإضافة التي تقدمها صفقة التايفون المصرية لقدرات البلاد العسكرية؟
وبعيداً عن النواحي المالية واللوجستية، هناك تساؤلات ملحة حول الإضافة التي يمكن أن تقدمها التايفون للقوات الجوية المصرية والقدرات العسكرية المصرية في ظل امتلاك مصر للرافال والميغ 29 والإف 16، سعيها لشراء الإف 15؟
والتايفون في حد ذاتها تعد واحدة من أفضل طائرات الجيل الرابع والنصف وأقربها لإمكانات الجيل الخامس.
مواصفات يوروفايتر تايفون
الطول: 15.96 م
الوزن الفارغ: 11000 كغم
الوزن الإجمالي: 16000 كغم
أقصى وزن للإقلاع: 23500 كغم
المحرك: محركا قوة الدفع لكل منهما 60 كيلونيوتن بدون استخدام حارق لاحق، و90 كيلونيوتن مع احتراق لاحق
السرعة القصوى: 2125 كم/ساعة 2.0 ماخ
الطواف الخارق: 1.5 ماخ
المدى: 2900 كم
مدى القتال: 1.389 كم
المدى الأكبر: 3790 كم مع 3 خزانات وقود يتم إسقاطها
حمولة الذخائر: 9 أطنان
ميزات لا تضاهى في التايفون مقارنة بالرافال
هناك ميزات كبيرة في التايفون، فواحدة من أهم مميزات هذه الطائرات، هي حركيتها الهائلة وسرعتها وقدرتها اللافتة على المناورة، خاصة على المسافات البعيدة بدرجة قد تتفوق فيها حتى على الطائرة إف 35 الأمريكية الشبحية الشهيرة في هذا المجال، حسب بعض الآراء.
يأتي ذلك من مزج الطائرة بين محركين قويين (أقوى بشكل لافت من محركَي الرافال)، وخفة الوزن، إضافة إلى التكنولوجيا المتقدمة التي تتسم بها.
كما سيكون إصدار ECRS2 من التايفون الخاص بالمملكة المتحدة مزوداً برادار متطور للغاية مع خرائط أرضية متقدمة، إضافة إلى نظام PIRATE المتقدم للبحث بالأشعة الحمراء القديمة.
ولكن هذه القدرات متوفرة في الإف 15
ولكن كثير من ميزات التايفون متوافرة في الطائرة الأمريكية، إف 15 التي تنوي مصر شراءها، حيث إن الـ"إف 15″ مشهورة بقدراتها العالية على المناورة والسرعة الهائلة والمدى البعيد للرادار، وقدرات قصف مثبتة تتفوق على التايفون، كل ذلك بسعر أرخص، وقد تكون الميزة الرئيسية للتايفون على الـ"إف 15″، هي أن حجم التايفون الأصغر وحداثة تصميمها يجعلانها أكثر قدرة على التخفي من الرادارات المعادية.
كما أن كثيراً من مجالات تفوق التايفون مقارنة بقدرات الرافال، قد لا تكون مفيدة كثيراً لمصر، فالتايفون تتفوق كطائرة تفوق جوي قادرة على منازلة الطائرات الحديثة، الموجودة لدى إسرائيل جارة مصر وعدوها القديم.
ولكن علاقة البلدين أصبحت في أفضل أحوالها في عهد الرئيس السيسي، وحتى إذا افتُرض أن الجيش المصري مازال يتعامل معها باعتبارها العدو الكامن له، فإن التايفون لن تغير ميزان القوى كثيراً، لأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي انتقلت للجيل الخامس من الطائرات عبر شرائها الطائرة الأمريكية إف 35، وهي تعتبر أكثر دول العالم نجاحاً في إدخال هذه الطائرة للخدمة.
في المقابل، ففي أي صراع محتمل مع إثيوبيا، فإن التايفون لا تقدم جديداً مقارنة بالرافال التي تمتلكها مصر، لأن الأخيرة طائرة مميزة في القصف الجوي بعيد المدى، مما يجعلها قادرة على تنفيذ عمليات في إثيوبيا، انطلاقاً من مصر، بينما التايفون أقصر من الرافال في المدى والحمولة، وأكثر تكلفة، وأقل اعتمادية.
فمشكلة مصر في معركة جوية محتملة مع إثيوبيا هي المسافة، وقدرات القصف وليس كفاءة القتال الجوي، لأن إثيوبيا تمتلك قوات جوية ضعيفة جداً مقارنة بمصر.
كما تعاني التايفون من تأخر دمج بعض أنواع الأسلحة عليها، خاصةً الأسلحة المستخدمة في الغارات الهجومية، وكذلك تأخر دمج رادارات أيسا المتطورة عليها، ولكن عمليات الدمج جارية في النسخ الجديدة.
يعني هذا أن مصر في أي صراع محتمل مع إثيوبيا سوف تحتاج إلى مزيد من طائرات الرافال أو الـ"إف 15″ الأمريكية، والأخيرة تكاد تجمع بين مميزات القصف الخاصة بالرافال، ومميزات القتال الجوي الخاصة بالتايفون.
مصر كان بإمكانها أن تؤسس صناعة عسكرية بدلاً من هذه الصفقات
الأهم من كل ذلك أن صفقات السلاح المليارية المتعددة التي جرت في السنوات الماضية، على الطريقة الخليجية، لتحقيق النفوذ والهيبة، كان يمكن أن تستبدل بصفقات تحاول تجميع أو تصنيع طائرات غربية أو روسية في مصر، مثلما تسعى الهند وتركيا، وكانت قيمة هذه الصفقات الضخمة وتوقيت بعضها مثل صفقة الرافال أو الميغ، كفيلَين بإغراء بلد مثل روسيا أو فرنسا، بالسماح بنقل التكنولوجيا والتصنيع لمصر.
فمصر كانت أول مشترٍ للرافال، في وقت كانت فرنسا تعاني في محاولة بيعها، وعرضت على الهند تصنيعها محلياً، كما أن روسيا كانت تتطلع في وقت إبرام مصر لصفقة الميغ 29 إلى بيع طائرتها الجديدة ميغ 35 وقدمت للهند عرضاً منافساً للرافال.
وفرنسا وروسيا على السواء، علاقتهما جيدة بمصر خاصة في عهد السيسي، وهما من أقل الدول فرضاً للقيود على بيع الأسلحة بسبب حقوق الإنسان، أو حتى لأسباب استراتيجية، والقاهرة كان يمكنها عقد صفقة واحدة كبيرة أو اثنتين متوسطتين لشراء الرافال أو ميغ 35 أو سوخوي 35 مع اشتراط التصنيع ونقل التكنولوجيا، خاصةً أن لمصر تجربة سابقة محدودة مع فرنسا لتجميع الميراج 2000 وطائرات التدريب ألفا جيت.
فمصر هي الدولة العربية الوحيدة التي تمتلك القدرات البشرية لإطلاق محاولة جدية لتوطين صناعة السلاح، وفي الوقت ذاته، وكما أثبتت التجارب مراراً، لا يوفر شراء الأسلحة ضمانات أمنية كافية، لأن هذه الأسلحة في أوقات الحاجة لها تصبح رهينة لمُصنِّعيها عبر قطع الغيار والصيانة.