تسعى تركيا لتحديث قواتها الجوية مع استمرار الحرب بين روسيا وأوكرانيا، على أعتابها البحرية، وفي هذا الإطار، أفادت تقارير بسعى أنقرة إلى امتلاك طائرات التايفون الأوروبية، والعمل على تصنيعها محلياً.
وأدت الأزمة الأوكرانية إلى تحسن ملحوظ في العلاقات بين تركيا وحلفائها الغربيين، وهو تحسن كان قد بدأ في الأصل قبل الأزمة، وخاصة مع تولِّي الرئيس الأمريكي جو بايدن الحكم، ولكن الأزمة الروسية- الأوكرانية، غيَّرت وجهة السياسات الغربية وأظهرت لأوروبا أن روسيا هي الخطر الحقيقي عليها، وأهمية تركيا الاستراتيجية بعدما كان اليمين المتطرف وبعض اليمين المحافظ يحاول التركيز على العداء للإسلام، بينما اليسار الراديكالي الغربي مشغول بإشعال المعارك مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بسبب توجهاته المحافظة، ورفضه لأي وصاية غربية على بلاده.
وتمتلك أنقرة ثاني أكبر جيش في الناتو وأغلقت مضائق البحر الأسود أمام السفن الحربية الروسية، كما أنها تتوسط في المحادثات المتعثرة بين روسيا وأوكرانيا، والتي تمثل النافذة الوحيدة بين البلدين حالياً.
طائرة انتقالية
يبدو أن واحداً من أهم مساعي تركيا الحالية هو تعزيز قوتها الجوية، بطائرات من جيل حديث، انتظاراً لاستكمال مشروع الطائرة الشبحية التركية الصنع من الجيل الخامس الذي قد يستغرق سنوات.
وفي هذا الإطار، قطعت أنقرة شوطاً في التفاوض مع الولايات المتحدة حول شرائها 40 طائرة من مقاتلة من طراز إف 16، ولكن لا يعرف موقف الكونغرس من الصفقة، كما نقلت تقارير عن مسؤولين أتراك سعيهم إلى امتلاك واقتناء طائرات يوروفايتر الأوروبية عن طريق الشريك البريطاني في التكتل الأوروبي المصنع للطائرة بالأساس.
ولن تكون مساعي تركيا لاقتناء تايفون البريطانية، بديلاً بالضرورة عن الإف 35 التي استبعدت الولايات المتحدة تركيا منها بسبب شرائها صفقة صواريخ إس 400 الروسية؛ إذ أحيت الأزمة الأوكرانية فرص أنقرة للعودة لمشروع الإف 35 التي كانت طرفاً في صناعتها وعملية صيانتها.
ولكن توفر التايفون ميزة لتركيا لسد المرحلة الانتقالية بين الإف 16، وبين الطائرة التركية الشبحية المحلية أو العودة المحتملة لبرنامج الإف 35.
ومما يزيد من أهمية الصفقة المحتملة لشراء تركيا للتايفون، الغزو الروسي لأوكرانيا، أوقف احتمال إبرام أي صفقة لشراء طائرات من روسيا، حسبما نقل موقع Defense News عن دبلوماسي تركي بارز يتعامل مع الناتو والشؤون الأمنية.
وقال أحد مسؤولي المشتريات الأتراك، غير المصرح له بالتحدث إلى الصحافة، إن التايفون يمكن أن تكون خياراً بالنسبة لتركيا؛ حيث يحتمل أن تتوجه تركيا لشراء حوالي 80 طائرة منها.
وقال: "يمكن حتى تجميع هذه الطائرات في تركيا، على الرغم من أنها ستأتي بعد ذلك بسعر أعلى".
لماذا التايفون وليس الرافال؟
وتعد الرافال الفرنسية هي المنافس الأول للتايفون، وهي مرشح طبيعي لتركيا في الأحوال العادية، ولكن العلاقات الفرنسية- التركية توترت بشدة لأسباب متعددة خلال السنوات الماضية، وكانت فرنسا وتركيا في جبهتين متعارضتين في العديد من الأزمات من ليبيا إلى القوقاز والخلاف التركي اليوناني، مروراً بالمنافسة بين البلدين في إفريقيا جنوب الصحراء.
وجاهرت فرنسا بالتنسيق السياسي والعسكري مع اليونان غريمة تركيا، والإمارات التي تقود المحور المعادي للديمقراطية والإسلام السياسي المعتدل في المنطقة العربية.
ولكن خفت التوترات الفرنسية التركية خاصة بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية، ولكن هذا لا يعني أن يصل الأمر للتعاون في مجال تصدير وتصنيع الطائرات.
كما أن اليونان اشترت الرافال من فرنسا، إضافة إلى أن الرافال قد تكون إضافة لتركيا من حيث قدرات كفاءة الرادار والقصف الأرضي، ولكن في مجال القتال الجوي البعيد لن تمثل إضافة كبيرة في ظل سرعتها غير الكبيرة ومدى رادارها القصير.
شراء التايفون قد يعزز مشروع الطائرة التركية الشبحية
أولى مميزات التايفون بالنسبة لتركيا هي مميزات سياسية؛ إذ تعتبر بريطانيا أوثق الدول الأوروبية الرئيسية علاقة مع تركيا، ولم تفرض لندن أي حظر للسلاح على أنقرة عندما أرسلت قواتها في شمال سوريا ضد الإدارة الكردية الذاتية المدعومة من حزب العمال الكردستاني المصنف كحزب إرهابي في تركيا وأغلب الدول الغربية.
وبريطانيا توترت علاقتها مع فرنسا والاتحاد الأوروبي بعد البريكسيت (الانفصال البريطاني عن الاتحاد الأوروبي)، لتجد لندن نفسها مع أنقرة التي تشكو من السياسات الأوروبية.
كما أن هناك ميزة كبيرة أخرى في هذه الصفقة المحتملة للبلدين، هي أن شراء تركيا للتايفون قد يعزز مشروعها الخاص الرامي لإنتاج طائرة شبحية من الجيل الخامس محلية الصنع ( TF-X).
بريطانيا شريك لتركيا في مشروع المقاتلة ( TF-X)
كبار المصنعين البريطانيين مثل BAE Systems وRolls-Royce هم شركاء لتركيا في برنامج TF-X، ولكن التعاون بين الجانبين في هذا المشروع يتسم بالبطء لأسباب تتعلق باشتراط الأتراك نقل كامل للتكنولوجيا وحقوق الملكية الفكرية، وهناك شكوك بأنه تأثر بتوتر العلاقات الأمريكية التركية أيضاً.
والتعاون بين الجانبين في مشروع الطائرة التركية الشبحية يعود لسنوات، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2016، عرضت شركة رولز رويس البريطانية لصناعة المحركات شراكة إنتاج مشتركة لتركيا بهدف تشغيل المنصات التركية المخطط لها والمبيعات المحتملة لأطراف ثالثة. تضمن اقتراح الشركة البريطانية إنشاء وحدة إنتاج في تركيا لتصنيع محركات TF-X، وكذلك لطائرات الهليكوبتر والدبابات والصواريخ.
في يناير/كانون الثاني 2017، وقَّعت شركة BAE وشركة Turkish Aerospace Industries صفقة تزيد قيمتها على 100 مليون جنيه إسترليني (131 مليون دولار أمريكي) لتطوير الطائرة المقاتلة التركية.
في مطلع عام 2020، قال عثمان أوكتاي، رئيس مجلس الأعمال التركي البريطاني ونائب رئيس مجلس إدارة مجموعة Kale المتخصصة في صناعة الطائرات، إنه "بصفتنا مجموعة Kale أحد الشركاء في مشروع الطائرة الشبحية التركية فإننا نلاحظ أن الشركات البريطانية تعمل على القيام بدور نشط في الطائرة التي يرمز لها ب " TF-X".
وأضاف: "لقد بدأت شركة BAE Systems وTurkish Aerospace Industries TAI العمل في تصميم هيكل الطائرة. استمرت هذه الأعمال في السنوات القليلة الماضية". من ناحية أخرى، هناك عرض قدمناه مع Rolls-Royce لمحركات الطائرة المقاتلة والمحادثات مع الحكومة التركية مستمرة بشأن هذا العرض.
وقال: "نحن نرى نهجاً بناءً بشكل كبير من جانب المملكة المتحدة بشأن هذه المسألة أيضاً".
وقالت شركة BAE في تغريدة بتاريخ 15 فبراير/شباط 2022: "نحن نعمل مع شركة Turkish Aerospace لجلب المعرفة والخبرة الهندسية لبرنامج TF-X".
وفي مقابلة تلفزيونية مؤخراً، قال إسماعيل دمير، كبير مسؤولي المشتريات الدفاعية في تركيا، إن الحكومة ستتفاوض الآن بشأن صفقة تصنيع محرك محتملة للطائرة التركية من الجيل الخامس، مع شركة رولز رويس البريطانية.
وسوف تتيح أي صفقة لشراء اليورو فايتر لتركيا، ميزة تعزيز المساعدات الفنية لبرنامج المقاتلة الخاص بها، TF-X من قِبَل الشركات البريطانية.
مميزات وعيوب الطائرة يورو فايتر تايفون
وفي الوقت ذاته، فإن التايفون في حد ذاتها تعد واحدة من أفضل طائرات الجيل الرابع والنصف وأقربها لإمكانيات الجيل الخامس.
ويوروفايتر تايفون هي مقاتلة متعددة الجنسيات ذات محركين ومتعددة المهام.
تم تصميمها في الأصل كمقاتلة تفوق جوي وتم تصنيعها من قِبَل كونسورتيوم من Airbus وBAE Systems وLeonardo، ويشارك في المشروع كل من المملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا.
وتم بيع الطائرة لعدد كبير من الدول من بينها السعودية والكويت وقطر.
مواصفات يورو فايتر تايفون
الطول: 15.96 م
الوزن الفارغ: 11000 كغم
الوزن الإجمالي: 16000 كغم
أقصى وزن للإقلاع: 23500 كغم
المحرك: محركا قوة الدفع لكل منهما 60 كيلونيوتن بدون استخدام حارق لاحق و90 كيلونيوتن مع احتراق لاحق
السرعة القصوى: 2125 كم / ساعة 2.0 ماخ
الطواف الخارق: 1.5 ماخ
المدى: 2900 كم
مدى القتال: 1.389 كم
المدى الأكبر: 3790 كم مع 3 خزانات وقود يتم إسقاطها
حمولة الذخائر: 9 أطنان
طائرة باهظة
ولكن اليوروفايتر تايفون بها العديد من العيوب، أول عيوب هذه الطائرات ارتفاع ثمنها بشكل هائل، لدرجة تفوق ثمن بعض طائرات الجيل الخامس، وكذلك ارتفاع تكلفة الصيانة، وهناك حديث عن قصر عمر البدن، فاليورو فايتر طائرة باهظة التكلفة على أكثر من صعيد.
إلى جانب المشكلات اللوجستية الناتجة عن أن الطائرة تصنع في أربع دول هي: بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، وما قد ينتج عن ذلك من مشكلات سياسية، خاصة فيما يتعلق بإمكانية فرض حظر على تصدير قطع الطائرة من قِبَل بعض الدول بالأخص ألمانيا التي لديها معايير شديدة التشدد في هذا الشأن.
كما تعاني الطائرة من تأخر دمج بعض أنواع الأسلحة عليها، خاصة الأسلحة المستخدمة في الغارات الهجومية وكذلك تأخر دمج رادارات أيسا المتطورة عليها، ولكن عمليات الدمج جارية في النسخ الجديدة.
ميزات لا تضاهى في التايفون مقارنة بمنافسيها
ولكن هناك ميزات كبيرة في المقابل في التايفون، وواحدة من أهم مميزات هذه الطائرات، هي حركيتها الهائلة وسرعتها وقدرتها اللافتة على المناورة، خاصة على المسافات البعيدة بدرجة قد تتفوق فيها حتى على الطائرة إف 35 الأمريكية الشبحية الشهيرة في هذا المجال.
يأتي ذلك من مزج الطائرة بين محركين قويين (أقوى بشكل لافت من محركي الرافال)، وبين خفة الوزن، إضافة إلى التكنولوجيا المتقدمة التي تتسم بها.
كما سيكون إصدار ECRS2 من التايفون الخاص بالمملكة المتحدة مزوداً برادار متطور للغاية مع خرائط أرضية متقدمة، إضافة إلى نظام PIRATE المتقدم للبحث بالأشعة الحمراء القديمة.
بصفة عامة تم تصميم التايفون للتميز في التسارع ومعدل الصعود والأداء الأسرع من الصوت وخفة الحركة على ارتفاعات عالية لتحقيق أقصى قدر من قدرة في النطاق المرئي.
يجعل هذا اليورو فايتر واحدة من أفضل المقاتلات في القدرة على القتال الجوي، لاسيما البعيد مع بعض من أفضل القدرات الشبحية في هذا الجيل من الطائرات (جيل 4.5)، وإن كانت لا تقارن بالقدرات الشبحية للإف 35.
ولكن في المقابل، قد تكون قدرات اليوروفايتر في مدى الطيران وقدرة القصف الأرضي (بما في ذلك عدم قدرتها على حمل أسلحة نووية)، والقتال القريب أقل من الرافال الفرنسية.
يمكن أن تكون طائرة نخبوية لتركيا
مزيج العيوب والمميزات قد يكون مناسباً لتركيا إلى حد كبير، فاليورو فايتر تايفون قد تكون طائرة النخبة للقوات الجوية التركية التي لا تستخدم بكثافة، تاركة المهمات اليومية لاسيما حراسة الأجواء في الأوقات العادية أو عمليات القصف ضد المتمردين الأكراد للأسطول التركي الكبير من الإف 16.
أما التكلفة العالية للطائرة فقد يكون الحل هو شراء تركيا عدد متوسط من الطائرات (نحو 80 طائرة كما هو مقترح)، لتكون بمثابة مرحلة انتقالية إلى حين دخول الطائرة الشبحية التي تطورها أنقرة للخدمة.
في المقابل، فإن التايفون ستكون مخصصة لتنفيذ مهام حساسة في بيئة جوية معادية أو لتأكيد مطالبات تركيا البحرية على سبيل المثال، في مواجهة القوات الجوية للدول المجاورة التي بدأت بدورها تكدس طائرات حديثة.
كما أن طبيعة العلاقة الجيدة نسبياً بين البريطانيين والأتراك قد تسمح ليس فقط بشراء هذه الطائرات، بل أيضاً بتجميع وتصنيع أجزاء منها في تركيا، والأهم بالنسبة لأنقرة نقل بعض التكنولوجيا الموجودة الطائرة (ولاسيما تقنيات المحركات) إلى أيديهم لتوظيفها في تصنيع الطائرة الشبحية التركية من الجيل الخامس.
وإحدى المميزات المحتملة لشراء تركيا للتايفون إنه حينما جرت مفاوضات لشراء إندونيسيا لهذه الطائرة قيل، إنه جرى بحث إمكانية انضمام جاكرتا للتكتل الأوروبي المنتج للطائرة ونقل خط التجميع الخاص بإسبانيا إليها باعتبار أن مدريد تريد التخلص منه؛ لأنها ستتوقف عن إنتاج نسخ جديدة من هذه الطائرة.
لكن يظل احتمال توقيع مثل هذه الصفقة مرتبط بمدى قدرة تركيا على إقناع واشنطن بالعودة إلى برنامج الإف 35، وهو أمر كان مستبعداً قبل الأزمة الأوكرانية، ولكن تزايد احتمالاته الآن.
فقد تؤدي العودة لبرنامج الإف 35 إلى إرجاء أو إلغاء أو حتى تصغير صفقة اليورو فايتر التركية.
فالعلاقات التركية- الغربية على المحك، وقد يكون هناك مراجعة لكثير من ملفاتها، وهو ما يبدو أنه سيحدث بعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رفضه لانضمام فنلندا والسويد لحلف الناتو، وإقرار الولايات المتحدة والعديد من الدول الغربية بضرورة مراجعة دواعي القلق التركية.