كيف ضربت الحرب الروسية الأوكرانية السياحة العالمية في مقتل؟ هذه أبرز الدول التي ستدفع فاتورة الأضرار

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/12 الساعة 09:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/12 الساعة 09:26 بتوقيت غرينتش
السياح الروس في منتجعات شرم الشيخ في مصر، أغسطس 2021، رويترز

في ظل الاضطرابات الاقتصادية التي يشهدها العالم نتيجة الاجتياح الروسي لأوكرانيا، يتأثر القطاع السياحي العالمي الذي يمثل نحو 10% من النشاط الاقتصادي العالمي، والذي بلغ حجم توظيف العمالة به قبل وباء كورونا نحو 334 مليون موظف، بينما بلغ حجم إنفاق الزوار الدوليين في نفس الفترة 1.7 تريليون دولار.

كيف تتأثر السياحة العالمية بالحرب الروسية الأوكرانية؟

ويرجع تأثر قطاع السياحة إلى عدة عوامل يأتي في مقدمتها ارتفاع أسعار النفط  بشكل كبير، بالإضافة إلى السلع الغذائية وحبوب الغذاء الرئيسية مثل القمح، حيث تقوم الحرب بين كبرى مصدري القمح في العالم، الذي يبلغ إجمالي صادراتهما 25% من صادرات القمح العالمية.

وارتفعت أسعار النفط بشكل مبالغ فيه، حيث وصل سعر البرميل من 94 دولاراً إلى 130 دولاراً، قبل أن يعاود استقراره بشكل مؤقت عند حدود الـ 110 دولارات للبرميل، وسط توقعات للبنك المركزي الأوروبي باستمرار تلك الأسعار المرتفعة للطاقة لفترة أطول، ما يعني زيادة تكلفة السفر، وأسعار النقل عموماً حول العالم.

يأتي ذلك في وقت يعاني فيه الاقتصاد العالمي من معدلات تضخم مرتفعة، بالإضافة إلى أزمة سلاسل التوريد التي يعيشها العالم، وكذلك ارتفاع تكاليف الشحن.

تأتي تلك العوامل لتسهم في تقليص المساحة المالية الكافية للأفراد والأسر بهدف السفر والسياحة، الأمر الذي قد يعزز من السياحة الداخلية لدى مواطني كل دولة بدلاً من السفر الخارجي، رغم أن السياحة المحلية سترتفع أسعارها، لكنها ستكون أكثر أماناً وسط حالة عدم اليقين السائدة وانتظار الجميع ما ستؤول إليه الحرب الجارية.

تتجه نسبة كبيرة من السياح الروس والأوكرانيين إلى الشواطئ التركية في فصل الصيف، تعبيرية/ AA

تأثر السياحة الأوكرانية والروسية بشكل كبير

إلا أن الأمر الأبرز هو أن نسبة السياح الأوكرانيين والروس ستتراجع بشكل كبير نتيجة تلك الحرب، حيث ألغى الروس والأوكرانيون خلال الأسابيع الماضية حجوزاتهم للرحلات السياحية خلال الأشهر الثلاثة القادمة لمناطق مختلفة حول العالم أبرزها تركيا وبعض دول الشرق الأوسط.

كما يسهم تراجع العملة الروسية من مستويات تحوم حول الـ80 أمام الدولار إلى 131 روبل أمام الدولار، أي تراجع بنحو 63% منذ بداية الحرب، في تقلص عدد الروس القادرين على السفر إلى الخارج.

كذلك سيجد الروس أيضاً صعوبة في استخدام بطاقات الائتمان المعترف بها عالمياً في الخارج عندما يتمكنون من السفر، بعد أن أعلنت شركات مثل Visa وMastercard وقف تعاملاتها بموسكو عبر وقف دعم البطاقات الصادرة عن البنوك الروسية.

أيضاً سيضع إغلاق المجال الجوي أمام روسيا مزيداً من العقبات والصعوبات للسياح الروس، حيث أدى الغزو الروسي لأوكرانيا إلى حظر واسع للطيران بالمنطقة، وإغلاق عدة دول لمجالها الجوي أمام الخطوط الجوية الروسية، ما تسبب في إنشاء مناطق محظورة ضخمة في السماء، الأمر الذي قد يعيد تشكيل خريطة الطيران العالمية.

يُضاف إلى ذلك وجود توقعات بتراجع نسبة السياح البولنديين نظراً لانشغالهم باستقبال المهاجرين الأوكرانيين، حيث استقبلت وارسو التي تقع على حدود أوكرانيا مباشرةً 1.2 مليون لاجئ أوكراني منذ بدء الغزو الروسي حتى الآن.

من هم أكبر المتضررين سياحياً من الحرب الروسية الأوكرانية؟

تعد الدول الأبرز المتضررة هي الدول المحيطة بكلٍّ من روسيا وأوكرانيا، ويأتي في مقدمتها تركيا التي تستقطب عدداً كبيراً من سياح كلا البلدين، فوفق اتحاد منظمي الرحلات السياحية في روسيا فإنه خلال عام 2021 قام الروس بأكثر من 10.1 مليون رحلة سياحية إلى الخارج، نحو 46.5% من بينهم  يتوجهون إلى تركيا.

ووصل أعداد السياح من كلا البلدين نحو 4.7 مليون روسي و2.1 مليون أوكراني إلى تركيا خلال عام 2021، وفقاً لبيانات وزارة الثقافة والسياحة، أي نحو 27.34% من إجمالي 24.7 مليون سائح أجنبي وصلوا على مدار العام.

يأتي ذلك وسط توقعات بأن يتسبب الغزو الروسي في خسارة قطاع السياحة التركي نحو 30% وفق تصريحات لنائب رئيس الاتحاد الفندقي التركي، بولنت بول أغلو.

كما ستتضرر بولندا التي تعد الوجه الأكثر إقبالا من قبل الأوكرانيين بل في بعض السنوات تعد القبلة الأولى بالنسبة لهم، حيث يأتي أوكرانيا في المرتبة الثانية بعد ألمانيا من حيث عدد الزائرين لوارسو، إلا أن القادمين من كييف الآن لن يمثل إقبالهم مصدراً للدخل بقدر ما سيتم تقديم المساعدات إليهم.

السياحة الروسية في دبي، تعبيرية/ twitter

أيضاً سريلانكا تعد أحد أبرز المتضررين من تراجع السياح الروس الذين يأتون في المرتبة الأولى بين أكثر الدول الوافدة إلى كولومبو بنحو 15.9% من إجمالي الزوار الأجانب، الأمر الذي دفع هيئة تنمية السياحة في البلاد للحديث عن أن تراجع الوفود الروسية سيمثل أزمة بعيدة المدى على السياحة المحلية.

كذلك قبرص تعد أحد أبرز الخاسرين حيث يأتي السياح الروس في المرتبة الثانية بعد بريطانيا من حيث الدول الأكثر سياحة، ويمثلون نحو 26% من إجمالي زوار الجزيرة، وبإضافة الأوكرانيين نجد أنها ستخسر نحو ما يزيد عن 30% من سياحها الوافدين من البلدين المتنازعتين.

من بين تلك الدول التي ستتأثر أيضاً بتراجع السياح الروس هي: أوزبكستان، والصين، وطاجيكستان، وأرمينيا، وألمانيا، وقرغيزستان، وبيلاروسيا، وأذربيجان، واليونان، وكازاخستان، ومولدوفا، وإيطاليا، والمجر، والولايات المتحدة، وفرنسا، وهولندا، والمملكة المتحدة، وبلغاريا، وإسبانيا، والهند، وجمهورية التشيك، وفق شركة Mabrian المتخصصة في تحليل البيانات السياحية. بينما الدول التي ستتأثر بتراجع الوفود الأوكرانية هي: هولندا، ورومانيا، وسلوفاكيا، ومولدوفا، وألمانيا، وبيلاروسيا، وإسرائيل.

هل السفر إلى أوروبا سيتأثر في ظل الغزو الروسي لأوكرانيا؟

تظهر الدراسات الاستقصائية وبيانات الحجز الأخيرة أن غزو أوكرانيا قد أدى بالفعل إلى انخفاض الثقة والطلب على السفر إلى أوروبا من الولايات المتحدة وغيرها من الدول، خاصة مع ملاحظة أصحاب الوكالات السياحية تساؤل السياح عن مدى سلامتهم في حال سفرهم إلى فرنسا وإيطاليا اللتان تبعدان عن أوكرانيا بنحو 1500 ميل.

وقام قسم الأبحاث في شركة Travel Intelligence بإجراء استطلاع على بعض السياح الأمريكيين حول وجود خطط قادمة لزيارة أوروبا، ليجد أن 62% منهم لديهم مخاوف من انتشار الحرب في أوكرانيا واتساعها لتشمل بعض البلدان الأوروبية المجاورة.

ويريد نحو 47% من بين هؤلاء المسافرين الأمريكيين الانتظار ليروا كيف يتطور الوضع في أوكرانيا قبل التخطيط لزيارة أوروبا هذا العام.

كذلك أجرت مجلة The Vacationer استطلاعاً حول تأثير الغزو الروسي لأوكرانيا على تطلعات المسافرين الأمريكيين السياحية وتأثيرها على قراراتهم، لتجد المجلة أن نحو 40% أعادوا النظر في خطط السفر الخاصة بهم، بينما يشعر 36% بأمان أقل في السفر الآن مما كان عليه قبل الغزو الروسي.

ووفق تقرير نشره  موقع hopper لحجز التذاكر والفنادق، عن ردود فعل المتعاملين لديهم عقب الغزو الروسي  لأوكرانيا، فإنه منذ منتصف فبراير/شباط الماضي تحولت الحجوزات لديهم بعيداً عن أوروبا لتتجه إلى وجهات مثل المكسيك وأمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي، ما أدى إلى تراجع الحجوزات المتجه لأوروبا من 21% إلى 15%.

وذكر التقرير، أنه منذ 24 فبراير/شباط الماضي، انخفضت عمليات البحث عن رحلات الذهاب والعودة من الولايات المتحدة إلى أوروبا بمتوسط ​​9% عن المستويات المتوقعة، موضحاً أن هذا التأثير ليس موسمياً، ولا يُلاحظ حتى في الرحلات الجوية المتجهة إلى مناطق أخرى ولا في سوق الولايات المتحدة المحلي.

ويمثل السياح الأمريكان الوافدين إلى القارة العجوز نحو ما يزيد عن 15 مليون سائح أي بواقع 3.3% من إجمالي السياحة الوافدة إلى أوروبا.

وفي ظل المخاوف التي تثير حفيظة المسافرين الأجانب واتساع الشعور بعدم الأمان الذي يدفع العديد من الجنسيات للبحث عن بدائل تغني عن السياحة الأوروبية، واتجاه الأنظار إلى البحث عن ساعات الترفيه في دول أمريكا اللاتينية وما يحيط بها.

ما تأثير الغزو الروسي على النشاط السياحي في المنطقة العربية؟

لم تسلم بعض الدول العربية من تبعات الغزو الروسي لأوكرانيا على قطاعها السياحي المهم، الذي حقق 313.6 مليار دولار في عام 2019 والذي كان يسعى لاستعادة تلك الأرقام مرة أخرى خلال العام الجاري، ووفق صندوق النقد العربي فإن ارتفاع العائدات السياحية بنسبة 1% يساعد على رفع النمو الاقتصادي في الدول العربية بنحو 0.36 نقطة مئوية.

ويأتي في مقدمة تلك الدول العربية المتضررة من تضرر قطاع السياحة بشكل عام وتراجع الإقبال الروسي والأوكراني  بشكل خاص كل من مصر والإمارات، حيث يمثل السياح الروس والأوكران نحو ما يزيد عن 33% من مجموع السياحة الوافدة إلى القاهرة.

ما قد يؤثر سلباً على إيرادات مصر من السياحة التي بلغت 13 مليار دولار خلال العام الماضي، وسط توقعات بخسارة نحو 1.5 مليون سائح من الجمهوريتين، وهو ما انعكس على حجم الإشغالات التي انخفضت في شرم الشيخ أو الغردقة بأكثر من 50%.

كما دفع غزو كييف حتى الآن الروسيين، الذين يسهمون بنحو 3.5 مليار دولار من إجمالي عائدات القطاع السياحي بمصر، إلى تراجع رحلاتهم بنحو 52%، بينما تراجعت الرحلات الأوكرانية بنحو 28.7%.

وتعد الإمارات البلد العربي الثاني الأكثر تأثراً بتراجع السياحة الروسية تحديدا، خاصة بعد تعزيز الروابط بين البلدين وتخفيف لوائح التأشيرات للمواطنين الروس وإدخال خطوط طيران إضافية، حيث أصبحت فلاي دبي أول شركة طيران في الخليج تقدم رحلات مباشرة بين البلدين.

واستقبلت دبي نحو ما يزيد عن 374 ألف زائر روسي خلال عام 2021، حيث يمثل الروس نحو 7.6% من إجمالي الزوار للإمارة خلال عام 2021 البالغين 4.88 مليون زائر.

ومع الانخفاض الكبير في تدفقات السياحة الصينية الوافدة إلى دبي بسبب قيود السفر المتعلقة بفيروس كورونا في الصين، أصبحت روسيا أكثر أهمية كمصدر سوق للزوار.

وهو الأمر الذي يضع قطاع السياحة في الإمارات في مأزق، خاصة وأن إيرادات هذا القطاع يمثل أحد أهم الإيرادات حيث أنتجت ما يقل قليلاً عن خمس إجمالي ناتجها المحلي قبل جائحة فيروس كورونا للدولة.

وتستحوذ كل من مصر والإمارات والسعودية على أعلى حصة من إجمالي ناتج قطاع السياحة في الدول العربية مجتمعة، حيث بلغت حصة الدول الثلاث مجتمعة حوالي 59% من إجمالي ناتج القطاع على مستوى الدول العربية بواقع 186 مليار دولار خلال عام 2019.

ويعيق الغزو الروسي لأوكرانيا مستهدفات مجلس التعاون الخليجي الرامية إلى تحقيق عائدات من الوافدين الروس بنحو 1.22 مليار دولار بحلول عام 2023.

وتأتي تونس ضمن الدول المتضررة حيث كانت تستهدف استقبال نحو 600 ألف روسي و30 ألف أوكراني خلال عام 2022، ما يعني خسارة نحو 6.6% من السياحة الوافدة إلى البلاد البالغة نحو 9.5 مليون سائح أجنبي.

بينما لن تتأثر الأردن بشكل كبير بتراجع التوافد الروسي والأوكراني الذي لا يزيد عن 30 ألف سائح في أفضل الحالات من إجمالي 2.3 مليون سائح أجنبي وافد للمملكة الهاشمية، أي نحو 1.2% فقط، كذلك المغرب التي تسعى إلى جذب مزيد من السياح الروس القادمين إليها، وأيضاً الجزائر.

يبقى على الدول العربية استغلال الفرصة لاستقطاب السائحين الباحثين عن بدائل للدول الأوروبية وروسيا وأوكرانيا، عبر الترويج لما تتمتع به من فرص سياحية وأماكن وشواطئ جذابة وسياحة رخيصة، بالإضافة إلى تسخير جميع العوامل الداعمة لتوفير مناخ سياحي يتواكب من مختلف الجنسيات الباحثة عن الاستجمام والرفاهية. 

تحميل المزيد