تونس: هل تكون معركة تنصيب الحكومة مثل معركة سحب الثقة من رئيس البرلمان؟

عدد القراءات
2,010
عربي بوست
تم النشر: 2020/08/08 الساعة 06:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/08/08 الساعة 06:52 بتوقيت غرينتش
October 24, 2014 - Tunis, Tunisia: Islamist leader Rached Ghannouchi attend a mass rally of his Ennahda party in avenue Bourguiba, the epicenter of Tunisia's 2011 revolution. The party's leader, Rached Ghannouchi, came to support his local candidates. The upcoming general elections, which pit the secular Nidaa Tounes party against the moderate islamist Ennahda party, is seen as a key test of the North African country's fragile transition to democracy. Le leader du parti Ennahda, Rached Ghannouchi, lors d'un meeting electoral avenue Bourguiba a Tunis.NO USE FRANCE

ثمة اتجاه في التحليل يحاول ربط حدث فشل الكتل الحزبية التي تدعو لسحب الثقة من رئيس البرلمان التونسي السيد راشد الغنوشي وبين معركة سياسية أخرى قادمة تتعلق باستحقاق تشكيل الحكومة وهل ستكون حركة "النهضة" ضمن توليفتها أم لا؟

الذين يربطون بين الحدثين يختلفون في تفسير نتيجة عملية التصويت على سحب الثقة من رئيس البرلمان على فريقين: الأول يرى أن فشل عملية سحب الثقة من رئيس البرلمان تعني الكثير بالنسبة إلى حركة "النهضة"، وأنها كسبت الرهان الأول، وهو مؤشر كافٍ على صعوبة بناء أي توليفة حكومية دون أن تكون "النهضة" المكون الأساسي فيها، ليس فقط باعتبار أنها تشكل أكبر كتلة برلمانية (54 مقعداً)، ولكن أيضاً بسبب التحالف الصلب الذي بنته مع "قلب تونس"، ومقدرة هذا التحالف على التفاوض مع رئيس الوزراء لتشكيل الحكومة ما دام تحالفها يبلغ النصاب القانوني المطلوب لتشكيل الحكومة.

أما الفريق الثاني فيرى أنه نجح في أن يحصل على 97 صوتاً لسحب الثقة من رئيس البرلمان في فترة وجيزة، وأن المساحة الزمنية المتبقية كفيلة بأن تدفع نحو إنتاج ديناميات سياسية أكثر  فاعلية لتأمين ما تبقى لمنع تحالف حركة "النهضة" من الضغط على رئيس الوزراء لتشكيل الحكومة من غير حركة "النهضة"، إذ لا يلزم هذا الفريق سوى 12 صوتاً لحسم المعركة الثانية.

والحقيقة أن الأمر ليس بهذه السهولة والتبسيط، فالمعركة الثانية ليست هي الأولى، لأن سلطة الرئيس كقوة وكفاعل سياسي ستكون حاضرة بشكل أكثر دينامية من حضورها في المعركة الأولى، إذ واضح منذ البداية أن الرئيس لم يكن متحمساً لفكرة إسقاط الثقة عن رئيس البرلمان، وما يتبعه ذلك من الجواب عن تبعات ذلك السياسية والدستورية، لكن واضح من خلال تعيين رئيس الوزراء، المقرب منه، والمعروف بحساسيته من "النهضة"، أن دينامياته السياسية ستكون بمنحى مختلف عن سابق دينامياته في المعركة الأولى.

الرئيس التونسي، كما تؤشر على ذلك بعض قراراته، يريد أن تميل الكفة إليه أكثر، أي يريد من النظام الدستوري المختلط (برلماني رئاسي) أن تصير رئاسيته أكثر من برلمانيته، ويريد توظيف الذين يرفعون شعار إزاحة "النهضة" لتحقيق هدفه، وذلك لسبب بسيط؛ لأنه لا يتمتع بحاضنة شعبية قادرة على تغطية دينامياته، فيريد اكتسابها من خلال صراع الأطراف وقدرته على إدارة هذا الصراع واستثمار ممكنات الدولة في ذلك لاسيما أن الوضعية الاقتصادية والمالية لتونس مقلقة بل ومنذرة بالخطر.

"النهضة" فهمت اللعبة، وأرادت إبطال جزء من مفعولها بالمبادرة من جهتها لتثمين قرار الرئيس بتعيين رئيس الوزراء وعدم الاحتجاج عليه في إشارة منها إلى جاهزيتها للدخول لحكومة يديرها رئيس وزراء مقرب من الرئيس ولو أنه يحمل حساسية مسبقة منها. وبدت في ديناميتها في المعركة الأولى أكثر ذكاء، ودخلت اللعبة كما ولو أن ما كان ينقصها في المباراة هو ألا يسجل الخصم هدفاً واحداً في مرماها، فاكتفت باستراتيجية الدفاع ومنع خصومها من الحصول على النصاب القانوني الكافي لحجب الثقة عن رئيس البرلمان، إذ لم يصوت بـ"لا" لسحب الثقة سوى 16 برلمانياً، مرجئة الدخول في المعركة بكل ثقلها إلى المعركة الثانية، أي معركة تنصيب الحكومة، وقد كسبت من ذلك سياسياً وإعلامياً ورمزياً وبدا خصمها فاقداً لإدارة الصراع معها بالجدية المطلوبة.

لكن، في المقابل، ليس ثمة ضمانة أكيدة في أن يستمر تحالف "النهضة" مع "قلب تونس" إلى لحظة التصويت على تنصيب الحكومة، فـ"قلب تونس" ليس حزباً نضالياً ديمقراطياً يمكن أن  يعتد بصلابة موقفه السياسي، وإنما يبني موقفه على رؤية براغماتية يرى فيها أنه سيكسب في تحالفه مع "النهضة" أكثر مما سيكسبه مع أي حليف آخر، لأنه يعلم أن أعداء "النهضة" يوجدون في الداخل والخارج، وأنها تخشى الخروج من الحكومة، ليس لأن  بحكم تحولها إلى يمين سياسي ينتعش في الحكومة ويموت مثل السمكة إذا أخرجت من البحر (الحكومة)، ولكن لأن ماضيها الأليم وذاكرتها السياسية، تحذرها من ذلك وترى أن أي خروج لها من مربع الحكم يعني بداية وضعها في مربع الإقصاء ثم الاستئصال ثم خوض تجربة مماثلة لتجربتها مع بن علي، وهي مع إشادتها برسوخ التجربة الديمقرطية في تونس، تقول ذلك من موقع الشراكة في الحكم، وتضم شيئاً معاكساً يتعلق بهشاشة هذه التجربة ما دامت  بعض الكتل السياسية تتداعى على مطلب الإقصاء ومحاولة إزاحة "النهضة" كلياً من مربع الحكم. ولذلك، تقدير "قلب تونس" فأن "النهضة" يمكن أن تخضع لأي ابتزاز سياسي للتنازل عن مواقع حكومية وازنة لصالحه، والقبول بالحد الأدنى الذي يفرضه تأمين تحالف يلعب فيه "قلب تونس" دور المنقذ لـ"النهضة" من المقصلة.

من جهة الخصوم، فإن ديناميتهم السياسية بمعزل عن دينامية الرئيس لن تثمر أكثر مما أثمرته في المعركة الأولى لسحب الثقة من رئيس البرلمان، لكن، من جهة الرئيس، فيمكن أن يوظف ديناميات خصوم "النهضة"، ويقويهم ويسندهم، ويلعب نفس لعبة "النهضة" في المعركة الأولى، وذلك بمحاولة قص الأطراف من حزب "قلب تونس" حتى يمنع التحالف من بلوغ نصابه القانوني، لاسيما أن الرئيس ورئيس الوزراء المقرب منه، يملكان خيارات إغرائية بمقاعد في الحكومة أو مناصب أخرى لمؤسسات في الدولة أو تمثيليات دبلوماسية وغيرها يمكن أن تفكك جزءاً من "قلب تونس".

الرئيس يملك بعض القدرة على التأثير في تحالف "النهضة"، ليس إلى الدرجة التي يفرض فيها إزاحتها من الحكومة، فذلك يفرض منعها من تشكيل تحالفها، وهو أمر ليس مضموناً، لكنه في الحد الأدنى، يملك أن يفاوض ويناور مع "قلب تونس" ومع غيرها على القبول بحكومة كفاءات تكنوقراطية بحد أدنى من السياسيين، بما يجعل "النهضة" ممثلة بحجم لا يعكس تمثيليتها البرلمانية، إذ يستطيع الرئيس من خلال رئيس الوزراء أن يدلي بحجة قوية مفادها أن تونس في ظل تعاظم الأزمة الاقتصادية والمالية تحتاج لحكومة كفاءات، وأن التوتر السياسي الذي أفضى لسقوط حكومات متوالية هو الذي منه منع تونس من أن تضع عجلتها على السكة الصحيحة.

من المتوقع جداً أن يكون تفاوض "النهضة" قوياً على حصصها في الحكومة حتى وهي تستشعر دنو الحبل من عنقها، لكن أسلوبها في التفاوض منذ حكومة "الجبالي" إلى اليوم، يبين أنها تدخل في ممانعة قوية، ثم ينتهي بها الأمر إلى تنازل أقل قليلاً من الذي طلب منها، وتكسب من ذلك سياسياً ورمزياً وتظهر، وكأنها دائماً تقدم ثمن التوافق السياسي وكلفة نجاح وصمود واستمرار التجربة الديمقراطية التونسية.

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

بلال التليدي
كاتب ومحلل سياسي مغربي
كاتب ومحلل سياسي مغربي
تحميل المزيد