الاعتقال وفرض الإقامة الجبرية والتهديد بقانون الحرب.. لماذا يعجز فلسطينيو الداخل عن التفاعل مع العدوان على غزة؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/10/21 الساعة 10:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/10/21 الساعة 12:01 بتوقيت غرينتش
تظاهرات عربية ضد نتنياهو، الناصرة/ مواقع التواصل

منذ بدء معركة طوفان الأقصى يواجه فلسطينيو الداخل حملة تحريض واسعة تقودها المؤسسة الأمنية والسياسية الإسرائيلية، التي تهدد باستهدافهم حال قرروا التحرك لمناصرة غزة، بأي شكل من الأشكال سواء أكان ذلك بشكل صريح أو تلميح.

هذا التحريض المتزايد دفع بالشرطة الإسرائيلية للشروع بحملة اعتقالات واسعة طالت العشرات من الطلبة الجامعيين والمؤثرين وحتى الشخصيات الاعتبارية، لمجرد أن أبدوا تضامناً مع غزة، وأدانوا السلوك الإجرامي للجيش الإسرائيلي في تعامله مع المدنيين.

فوفقاً لبيان صادر عن الشرطة الإسرائيلية فقد جرى التحقيق مع 100 شخص من فلسطينيي الداخل لمجرد تجاوزهم التعليمات والإجراءات التي بموجبها يُحظر على أي شخص داخل إسرائيل أن يبدي تعاطفاً مع من وصفهم بيان الشرطة بـ"الإرهابيين".

وحسب البيان نفسه فقد أُحيل عدد من فلسطيني الداخل إلى الاعتقال، فيما  فُرضت الإقامة الجبرية على آخرين، وفُرضت قيود على استخدام منصات التواصل الاجتماعي.

اعتقال أبرز المؤثرين 

ومن بين الأسماء التي تم اعتقالها من طرف سلطات الاحتلال الطبيبة والفنانة دلال أبو آمنة، التي اعتقلت بسبب منشور على فيسبوك قالت فيه: "لا غالب إلّا الله"، ونشرت بجانبه صورة لعلم فلسطين.

أما عامر الهزيل المرشح لرئاسة بلدية رهط فقد جرى اعتقاله بسبب نشره مقالاً تحليلياً يتحدث فيه عن الاجتياح البري للقطاع، علما بأنه حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، كما جرى اعتقال عضو سكرتارية لجنة المتابعة محمد كناعنة، والناشط والمؤثر الشهير مهند طه.

وأفاد مركز عدالة الحقوقي بأن عشرات الطلبة من فلسطينيي الداخل الذين يدرسون في الجامعات والكليات الإسرائيلية، جرى فصلهم وإبعادهم عن التعليم بسبب منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي التي صنفتها إدارة الجامعات بأنها تحريضية.

وأكد عضو من مركز الدائرة الطلابية في التجمع الوطني لـ"عربي بوست" أن "فلسطينيي الداخل يعيشون حكماً عسكرياً أجاز للشرطة فرض الإقامة الجبرية على نحو مليوني فلسطيني".

وأضاف: "هنالك محاولة لإسكات أي صوت لنا حتى لو لم يكن تحريضياً فقط لمجرد إسكاتنا، نعيش في واقع صعب، جميع منصاتنا مراقبة من قبل الشرطة والشاباك، فبمجرد أي تفاعل مع أحداث غزة بنشر الصور أو مشاركة الأحداث يجري استدعاؤنا واعتقالنا من قبل الشرطة بتهمة التحريض".

وتابع: "النظام السياسي في إسرائيل لم يكتفِ بذلك فقد منح المستوطنين الحرية الكاملة في التصرف ضد أي نشاطات تزعم الدولة بأنها تمسّ بأمنه القومي، فمثلاً بتنا نشهد في القرى والبلدات العربية استنفاراً من قبل المستوطنين على مفارق الطرق والساحات العامة، لتفادي أي دعوات للخروج بمظاهرات أو وتنظيم وقفات احتجاجية نصرة لغزة".

وشهدت بعض البلدات العربية في الداخل مظاهرات "خجولة" شارك بها بضع العشرات، وتحديداً في الطيبة وأم الفحم، إلا أن التفاعل معها لم يكن كبيراً.

وقال إيال زيسر، أستاذ الدراسات العربية في جامعة تل أبيب، في مقال بصحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، إن الجميع في إسرائيل لا يزالون تحت حالة صدمة، حتى فلسطينيو الداخل ليسوا بعيدين عن هذه المواجهة.

وأضاف المتحدث أن مستوى الأهداف الإسرائيلية هذه المرة مختلف عن كل الجولات السابقة، لذلك يشعر البعض بأن إسرائيل قد تستغل هذه الفوضى للزجّ بفلسطينيي الداخل للمواجهة ثم تدفعهم للرحيل، لذلك يتوقع أن يبقى الوضع هادئاً على الأقل حتى نهاية هذه الحرب.

التهديد بقانون الحرب

قال بيان للنيابة العامة الإسرائيلية إنه على خلفية كون إسرائيل في حالة حرب فإن المدعي العام للدولة عميت إيسمان ونائب المدعي العام للمهام الخاصة ألون إلتمان، قررا السماح للشرطة بشكل استثنائي بفتح تحقيق دون الحصول على موافقة مسبقة من النيابة في قضايا واضحة تتعلق بدعم من تصفهم بالمنظمات الإرهابية، أو أي أعمال إرهابية قد تؤدي للقتل.

وأكدت النيابة العامة على موقفها بعدم التسامح بشكل مطلق مع من ينشر بشكل صريح أو ضمنياً أي عبارات تؤيد وتدعم من يصفهم البيان بالعدو، أو أي تحريض ضد مواطني الدولة الذين تعرضوا للقتل والتعذيب والإذلال.

كما أوعز النائب العام بأنه كقاعدة عامة يجب فتح تحقيق واعتقال وملاحقة كل من ينشر كلمات مديح ودعم من تصفهم النيابة بالمحرضين على  الأعمال الوحشية.

ويجيز قانون الحرب الذي أقرّه الكنيست وصادقت عليه الحكومة منح صلاحيات واسعة ومفتوحة أمام أجهزة الأمن الإسرائيلية للتعامل وفقاً لمبدأ "الاحتياجات الأمنية"، وبذلك يحظر السماح بأي مخالفات أو مظاهر احتجاج أو تحريض يعرفها القانون على أنه مسّ بأمن الدولة أو أعمال قد تعرض الجبهة الداخلية للخطر.

يعني ذلك أن مليوني فلسطيني في الداخل باتوا الآن في نظر إسرائيل على أنهم قنبلة موقوتة، إذ لا يجب منحهم أي فرصة للتحرك، ولعل ما يزيد من هذا القلق هو تولي المتطرف إيتمار بن غفير وزارة الأمن القومي الموكل إليه مسؤولية إدارة جهاز الشرطة والأمن الداخلي، وهو معروف بمواقفه العنصرية تجاه العرب.

نظير مجلي الكاتب والمحلل السياسي من الداخل أكد لـ"عربي بوست" أن "قانون الطوارئ المعمول به في إسرائيل يجيز منح الوزراء والمديرين التنفيذيين في الدولة صلاحيات واسعة منها إغلاق المدارس وفرض حظر للتجوال، والفصل التعسفي للطلبة والموظفين، ومراقبة أي اتصال بين فلسطينيي الداخل مع أي شخص داخل إسرائيل وخارجها".

وأضاف المتحدث: "بموجب القانون للدولة كامل الحق في مسألة التعامل مع التهديدات الداخلية على أنه مسّ بالأمن القومي، وهذا ما يفسر ضعف التفاعل الشعبي مع مسألة الحرب الدائرة في غزة، ولكن على المستوى السياسي هنالك أصوات في الكنيست أدانت الحرب ودعت لوقفها، ولكنها ليست على قدر التطلعات المأمولة".

إسرائيل تخشى من تكرار "هبة الكرامة"

ولا تزال الذاكرة الإسرائيلية حاضرة وبقوة لأحداث هبة الكرامة التي اندلعت في خضم خوض إسرائيل لمعركة "سيف القدس" في مايو/أيار 2021 مع حركة حماس في قطاع غزة.

وكشفت هذه المعركة عن نقاط ضعف في المجتمع الإسرائيلي، منها الحضور القوي والإسناد الشعبي الذي وفره فلسطينيو الداخل نصرة لغزة، والذي كان سبباً من أسباب خسارة إسرائيل لهذه الجولة بعد أن اضطرت لوقفها تحت ضغط الاحتجاجات الداخلية.

ومن أشكال التضامن الذي أبداه فلسطينيو الداخل آنذاك في حرب إسرائيل مع غزة، تنفيذ عصيان مدني وإضراب عن العمل، واحتجاجات شملت اقتحام المقار الحكومية والشرطية.

ولعلّ الإسرائيليون أكثر من يدرك خطورة انقلاب الأوضاع في الداخل، خصوصاً وأن الفلسطينيون في الداخل يشكلون ما نسبته 20% من التركيبة السكانية في إسرائيل بما يوازي 2.2 مليون نسمة.

لذلك يبدي الإسرائيليون في حربهم الجارية مع غزة حرصاً على إجراء مراجعات دقيقة للاحتجاجات العربية في الداخل، تفادياً لتكرار سيناريو هبة الكرامة من جديد.

بن غفير يرفع التحدي أمام فلسطينيي الداخل

منذ أن تشكلت حكومة اليمين الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو، وضع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير محددات صارمة لمنع تكرار نموذج هبة الكرامة من جديد، فسارع إلى استحداث جهاز أمني جديد من آلاف المتطوعين مهمته تأمين الجبهة الداخلية من أي اضطرابات في البلدات والقرى العربية.

كان هذا شرطاً حدده بن غفير أمام نتنياهو للانضمام لحكومته، وقد نجح في انتزاع موافقة من الحكومة على تدشين جهاز شرطي جديد يتبع له بشكل مباشر، عناصره مشكلة من جماعات الاستيطان التابعة له، كما منحوا تسليحاً وتدريباً مكثفاً للتعامل مع أي اضطرابات أو احتجاجات قد تندلع في البلدات العربية.

نظير مجلي قال لـ"عربي بوست": "صحيح أن بن غفير لا يشارك في اجتماعات الحرب، ولكنه عنصر أساسي في المعادلة السياسية والأمنية، فالمهمة الملقاة على عاتقه تتمثل في تأمين الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وتاريخه الإجرامي هو من أحد الأسباب التي تقف خلف تردد الكثيرين من تنظيم مظاهرات أو إسناد شعبي لغزة".

وأضاف، "في بعض المدن العربية تم تنظيم وقفات احتجاجية ولكن تم قمعهم بالرصاص الحي، حتى منصات التواصل الاجتماعي تخضع لمراقبة دقيقة لكل ما ينشر، وهذه سياسة لم نعتد عليها من قبل في الأزمات التي واجهت إسرائيل".

تحميل المزيد