رئيس هيئة الانتخابات في تونس لـ”عربي بوست”: لسنا معنيين بمقاطعة الأحزاب السياسية.. واتهامنا بموالاة سعيّد باطل

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/10 الساعة 12:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/10 الساعة 12:15 بتوقيت غرينتش
فاروق بوعسكر رئيسة هيئة الانتخابات في تونس / صفحة الهيئة على الفيسبوك

قال رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر في تونس، في حوار خاص مع "عربي بوست"، إن اتهام الهيئة بعدم الاستقلالية والانحياز لرئيس الجمهورية قيس سعيد اتهام سياسي بحت، وهو باطل بكلّ المقاييس بما فيها القانوني.

كما أكد رئيس الهيئة الأهمّ في تونس بعد 25 يوليو/تموز 2021 أنه وفريقه سيضعون كل إمكانيات الهيئة وما يتيحه القانون لإجراء انتخابات شفافة ونزيهة، تحاول بعض الأطراف السياسية التشويش عليها عبر ضرب الهيئة من داخلها، وفق ما رجّحه رئيسها فاروق بوعسكر في حواره مع "عربي بوست".

أين وصلتم في الاستعداد للانتخابات التشريعية، وما هي الضمانات أو المعايير التي تحاولون وضعها لتكون انتخابات شفافة ونزيهة في ظل هذا المناخ السياسي المتوتّر؟

بالنسبة للانتخابات التشريعية، نحن نتقدّم بصفة كبيرة في الاستعداد لها. نحن في مرحلة متقدّمة وكل الاستعدادات اللوجيستية والبشرية تقريباً جاهزة، نحن حالياً في فترة تحيين السجلّ الانتخابي قبل المرور إلى المرحلة الأهمّ وهي قبول الترشّحات للانتخابات التشريعية، ثم الحملة الانتخابية لينتهي المسار بالاقتراع كآخر مرحلة قبل الإعلان النتائج بطبيعة الحال.

المعايير التي سنضعها لبلوغ انتخابات يكون مشهوداً لها بالشفافية والنزاهة في ظل المناخ السياسي المتوتّر كما تفضلت وقلت، لن تبتعد عن نفس المعايير المعتمدة من هيئة الانتخابات خلال الاستفتاء على الدستور الجديد الذي نظمته في 25 تموز/يوليو 2022. 

الهيئة العليا المستقلة للانتخابات تعمل وفق القانون، وستُتيح ملاحظة ومراقبة المسار الانتخابي والعملية الانتخابية وخاصة يوم الاقتراع لمنظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المحلية والأجنبية وممثلي المترشّحين للانتخابات الذين لهم الحقّ في ملاحظة الانتخابات بكلّ مراحلها، والهيئة ستسهّل كثيراً عملية حصولهم على بطاقات الاعتماد لمواكبة العملية وستترك لهم الحرية في تدوين ملاحظاتهم يوم الاقتراع، وهو أهم ضمانة ستعمل الهيئة على دعمها.

وبالتالي الهيئة ستعمل على إجراء انتخابات شفافة ونزيهة بكل الوسائل المتاحة أمامها، وكل ما يُتداول حول التضييق على الملاحظين لعملية الاقتراع أو التوجه نحو ذلك المنحى لا صحّة له وبعيد كل البعد عن الواقع، ومخططات الهيئة لإنجاح الانتخابات التشريعية التي ستشهدها البلاد في 17 ديسمبر/كانون الأول 2022، في ظل هذا المناخ السياسي المتوتّر.

ولكن توتّر المناخ السياسي في تونس ليس بجديد، فالظروف التي أحاطت بعملية الاستفتاء على الدستور الجديد الذي نظمته كانت صعبة، ولكننا نجحنا في تنظيم أول عملية استفتاء بعد الثورة وشُهد لها بالشفافية والنزاهة.

فاروق بوعسكر، رئيس هيئة الانتخابات في تونس يترأس اجتماعاً للهيئة (صفحة الهيئة على الفيسبوك)
فاروق بوعسكر، رئيس هيئة الانتخابات في تونس يترأس اجتماعاً للهيئة (صفحة الهيئة على الفيسبوك)

صدور القانون الانتخابي قبل قرابة 3 أشهر عن الانتخابات التشريعية، ألا ترون أن إصداره كان متأخراً وسينعكس سلباً على الاستعداد الجيّد لخوضها، خاصة مع التغييرات الكبيرة التي حملها من تغيير تقسيم الدوائر الانتخابية وطريقة الاقتراع وغيرها؟

أولا، لنتّفق ونكن واضحين ودقيقين، فمضمون القانون الانتخابي وتوقيت إصداره ليس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات من يُسأل عليه، فنحن كهيئة انتخابات نطبّق القانون الانتخابي ونُستشار في مضامينه، ولكن دورنا استشاري بحت والسلطة التشريعية القائمة حاليّاً هي من لها سلطة القرار النهائي في وضع القانون الانتخابي ومضمونه وتوقيت إصداره.

لكن نحن بالنسبة لنا كهيئة نقول إن مدة 3 أشهر كافية لحسن تنظيم الانتخابات التشريعية، فنحن نظمنا الاستفتاء في ظرف شهرين، كما أن الانطلاق في التحضير لوجيستياً وبشرياً ومادّياً لتنظيم الانتخابات التشريعية المقبلة لن يكون من الصفر كما كان الحال مع الاستفتاء، خاصة أننا وقفنا بعد الاستفتاء على النقائص وسنتجاوزها في التشريعية.

أكثر من ذلك، فالقانون الانتخابي الحالي ينصّ على أن الأمر الرئاسي لدعوة الناخبين للاقتراع يصدر قبل 3 أشهر من يوم الاقتراع، وكما رأينا فقد صدر أمر دعوة الناخبين يوم 15 سبتمبر/أيلول 2022، فيما يمثل يوم 17 من نفس الشهر الأجل الأقصى لإصداره، وبالتالي بالنسبة لنا كهيئة ليس هناك أي تأخير أو تأثير لصدور القانون الانتخابي وأمر دعوة الناخبين للاقتراع في ذلك التاريخ.

هناك العديد من الانتقادات للقانون الانتخابي، على رأسها تعقيدات شروط الترشّح بفرض 400 تزكية متناصفة (نساء ورجال) مع نسبة معينة للشباب وفرض الإمضاء على هذه التزكيات، مما يفتح المجال أكثر لتأثير المال على العملية الانتخابية… ما رأيكم؟

تلك خيارات القانون الانتخابي الجديد، فالمشرّع اعتمد على منطق ارتأى أن تكون هناك تزكية للمترشّح للإنتخابات التشريعية بهدف ضمان جدية الترشحّات وتفادي الترشحّات التي لا هدف من ورائها سوى الظهور في وسائل الإعلام. 

ثانياً، فلسفة نظام الاقتراع على الأفراد تفرض وجود التزكيات ومن ثمّ إمكانية سحب الوكالة منه إذا لم يلتزم بوعوده الانتخابية، بالتالي هناك منطق كامل مرتبط بنظام الاقتراع على الأفراد خلال الانتخابات التشريعية، وبالنسبة للعدد كان يُمكن أن يكون أقلّ أو أكثر خاصة أننا نتذكر أن التزكيات للانتخابات الرئاسية كانت في حدود 10 آلاف تزكية بمال لا يقلّ عن 500 تزكية من كل دائرة انتخابية.

لكن التزكيات التي يفرضها القانون الانتخابي الجديد، "مُعرّف بالإمضاء عليها" ونحن نعرف في تونس تعقيد العملية وما تتطلّبه من وقت وجهد… مما يجعل تضحية مواطن بوقته وجهده لتزكية مترشّح دون مقابل أمراً مستبعداً، خاصة في ظل النقمة ضدّ السياسيين؟

التعقيدات المتعلقة بتجميع التزكيات، وما يفرضه القانون من تعريف بالإمضاء على التزكية من طرف المواطن، يعود إلى محاولة تفادي ما شهدناه من تدليس في التزكيات خلال الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد، والقضايا التي لا تزال منشورة أمام المحاكم إلى الساعة، وبالتالي المشرّع حاول التشديد والتضييق على ما يُمكن أن تشهده التزكيات من تدليس بفرض التعريف بالإمضاء.

لكن المشرّع بالتوازي وضع آليات لتسهيل عملية التعريف بالإمضاء على التزكيات، فبالإضافة إلى إمكانية المصادقة على الإمضاء في البلديات كما هو معروف، وضعت الهيئة مكتباً خاصاً بالتزكيات فقط في كل دائرة انتخابية يعمل به موظفان دورهما فقط التعريف بإمضاء المواطن على التزكية الانتخابية طيلة اليوم.

كما أن المدة لتجميع التزكيات محترمة وكافية لتمكين كل المترشحّين الجدد من تجميع الـ400 تزكية المطلوبة لقبول ترشّحهم.

وبالنسبة للتزكيات في الخارج نعلم تعقيد عملية جمع 400 تزكية للمترشّح عن الدوائر الانتخابية الـ10 في الخارج، وهو ما جعلنا نُتيح إمكانية التزكية عن بعد عبر إنشاء منصة خاصة بتلك العملية.

كما أن هناك شروطاً أخرى لم تضعها الهيئة بالنسبة للتزكيات في الخارج من المناصفة بين الجنسين في التزكيات، وتحديد نسبة لا تقلّ عن 25٪ من الشباب في قائمة الـ400 تزكية لضمان كل التمثيليات في التزكيات ومنه قبول المترشّح من فئات مختلفة من شرائح المجتمع.

وبالنسبة للمال السياسي الذي تحدثت عنه وقلت إن المجال لتدخّله كبير جداً، هو في النهاية مسألة أخلاقية للناخب الذي يقبل على نفسه بيع صوته ومستقبله وأولاده وبلاده، كما أنه مسألة قانونية بالنسبة لنا كهيئة نعمل وفق قانون يتيح تسليط عقوبات مالية وسالبة للحرية صارمة تصل إلى 5 سنوات سجناً في حال تفطّننا لعمليات شراء أصوات أو تدخّل المال السياسي في عملية الاقتراع والتزكية.

فاروق بوعسكر رئيسة هيئة الانتخابات في تونس / صفحة الهيئة على الفيسبوك
فاروق بوعسكر رئيسة هيئة الانتخابات في تونس / صفحة الهيئة على الفيسبوك

بالإضافة إلى التزكيات، تقسيم الدوائر الانتخابية قوبل بتخوّفات من إثارة النعرات القبلية خاصة في المناطق الداخلية، ما رأيكم؟

نفس ما قلته عن التزكيات ينطبق على تقسيم الدوائر الانتخابية التي هي مسألة قانونية وسياسية، ففي نهاية الأمر هي خيار من جملة خيارات تتيحها الأنظمة الانتخابية المتعددة، وبالنسبة لتقسيم الدوائر الانتخابية حاليّاً بالاعتماد على البلدية (تقسيم ترابي أقل من المحافظة) عوض المحافظة هو يتناغم بصفة كبيرة جدّاً مع نظام الاقتراع على الأفراد الذي يتطلّب التضييق في المجال الجغرافي للدوائر الانتخابية.

وبالتالي التقسيم الجديد للدوائر الانتخابية فرضه التخلي عن نظام الاقتراع على القائمات لصالح نظام الاقتراع على الأفراد، كما أن الهدف الثاني هو التقليص في عدد أعضاء مجلس نواب الشعب من 217 كما كان في السابق إلى 161 حاليّاً باعتبار أن كل دائرة انتخابية تُمثّل بمقعد واحد في المجلس التشريعي.

وكذلك التقسيم الجديد مبني على مؤشرات وأرقام صادرة عن المعهد الوطني للإحصاء، فمثلاً نلاحظ أنه تم تحديد معتمدية (تقسيم ترابي في تونس أقلّ من المحافظات التي تتكون من عدد من المعتمديّات ويقصد بها البلدية) كدائرة انتخابية.

فيما تمّ تقسيم البلديات كبرى إلى دائرتين انتخابيتين أو جمع بلديات صغيرة 2 أو 3 أو 4 متقاربة جغرافيّاً في دائرة انتخابية واحدة، وتجميعها في دائرة انتخابية واحدة لم يكن بطريقة اعتباطية بل وفق معايير موضوعية وعلمية من تقارب جغرافي كبير؛ حيث إن البلديات التي كونت دائرة واحدة متلاصقة جغرافياً وعدد سكانها صغير والأهم هناك انسجام ديمغرافي وسوسيولوجي كبير بينها.

وبالتالي فمسألة تقسيم الدوائر مدروسة وكانت وفق معايير موضوعية وعلمية.

وحين تقول لي إن التقسيم الحالي للدوائر الانتخابية يمكن أن يثير النعرات القبلية، خاصة في المناطق الداخلية، أقول إن التقسيم تم منذ مُدة ونُشر في الجريدة الرسمية ولم يثر أي ردود فعل رافضة أو يُمكن تصنيفها كمؤشر لصراع قبلي أو خلال الانتخابات على المقعد الوحيد الذي يمثّل الدائرة الانتخابية في البرلمان.

وفي الخلاصة التقسيم الترابي للدوائر الانتخابية ناجح في اعتقادي لكونه مبنياً على مؤشرات ومعطيات علمية، وهناك انسجام كبير بين البلديات التي تُشكل دائرة انتخابية واحدة، ومن الممكن أن تتفق فيما بينها لترشيح مرشّح مشترك يكون ممثلاً لها في البرلمان، حيث لا توجد أي دائرة انتخابية تتكون من بلديتين أو أكثر نعلم أنها غير منسجمة أو هناك إشكالات تاريخية بين القبائل والسكان في تلك البلديات.

عدد من الأحزاب السياسية أعلنت مقاطعتها للانتخابات التشريعية استباقاً لما أكدته من توجّهه لإقصائهم أساساً، هل أثّر ذلك الموقف سير وضع القانون الانتخابي وهل سيؤثّر على الانتخابات ومشروعيّتها في تقديركم؟

المقاطعة موقف سياسي من الأحزاب السياسية في البلاد، ولا دخل لنا فيها كهيئة مستقلة للانتخابات رغم أن التشجيع على المشاركة في الانتخابات والتصويت من صميم دورنا كهيئة، لكن في حالة المقاطعة من طرف الأحزاب في هذا الظرف ليس لنا ما نقوم به لثنيها عن موقفها السياسي، ونعتبر أنهم أحرار في خياراتهم.

ما يهمّنا في الأمر كهيئة هو أن القانون الانتخابي لم يتضمن موانع للمشاركة في الانتخابات التشريعية أو شروطاً للترشح موجهة ضدّ ذلك الحزب أو ذاك لمنعه من الترشح والتضييق في مساحة تحركه السياسي في الانتخابات التشريعية التي ستشهدها بلادنا بعد أقلّ من 3 أشهر.

فمشاركة الأحزاب السياسية في الانتخابات لا تقف على نظام الاقتراع على القائمات، بل يُمكن أن يرشح أي حزب أحد قياداته في دائرة انتخابية ويدعمه كما الحال في الاقتراع على القائمات، فالقانون لا يمنع ذلك ولا يجرم مشاركة الأحزاب في الانتخابات التشريعية أو دعم مرشّح بعينه أو أكثر.

وبالتّالي المقاطعة موقف سياسي لا يعني هيئة الانتخابات في شيء ما دام القانون الانتخابي لم يتضمن موانع أو تعقيدات لتصعيب مشاركة الأحزاب في الانتخابات مما دفعتها للمقاطعة.

هل تعتقد أن الاقتراع على الأفراد وفي دورتين بديل ناجع عن الاقتراع على القائمات، وعموماً ما رأيكم بفكرة البناء القاعدي؟

هناك العديد من النظم الانتخابية في العالم الديمقراطي، منها الاقتراع على الأفراد، وهو خيار سياسي، ولكنه نظام بشروط ذكرت بعضها كالتقسيم الترابي الناجع في دوائر انتخابية أصغر من الدوائر المعمول بها في نظام الاقتراع على القائمات، وفرض دورتين لصعود المترشح بتمثيلية شعبية محترمة، بالإضافة إلى متطلّبات الحملة الانتخابية.

وبالنسبة لنجاعته كبديل عن نظام الاقتراع على القائمات لا يمكن الحديث عنها إلا بعد تجربة النظام فعلياً على أرض الواقع، ولكن كل ما أستطيع قوله الآن هو أن نظام الاقتراع على الأفراد في دورتين معمول به في العديد من الديمقراطيات الرائدة في العالم.

وبالنسبة للبناء القاعدي، ما رأيكم فيه كمشروع سياسي يعتمد على الاقتراع على الأفراد وسحب الوكالة كما ورد في القانون الانتخابي؟

البناء القاعدي! لا أعرف سبب أو داعيَ ربطِ القانون الانتخابي وما ورد فيه بما تسمونه بـ"البناء القاعدي". 

بالنسبة لي كرئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وللهيئة ككلّ ما لدينا هو قانون انتخابي ينصّ على الاقتراع على الأفراد ويتيح سحب الوكالة منهم، ومن يريد أن يرى فيه بناءً قاعدياً أو لا فهو حرّ، والمسألة والتوصيف سياسي بحت، لكن في الخلاصة نحن في الهيئة لم نتعرّض مطلقاً للفظ البناء القاعدي، وكما قلت ما لدينا هو قانون انتخابي مبنيّ على نظام الاقتراع على الأفراد في دورتين.

تُوجه للهيئة اتهامات بالانحياز للرئيس قيس سعيّد، كيف تتعاملون مع هذه الوضعية التي تجعل كل ما تفرزه الهيئة رُبّما محل "طعن سياسي" إن صحَّ التعبير من معارضي الرئيس وكل مسار 25 يوليو/تموز؟

بالنسبة لي، الاتهامات الموجهة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات واهية وغير صحيحة، حتى لا أقول إنها تمثّل تحاملاً سياسياً مجانيّاً، فالهيئة الحالية ومنذ الإعلان عن تركيبتها وحتى قبل أداء أعضائها اليمين بدأ توجيه الاتهامات لها بعدم الحياد والاستقلالية والقرب من الرئيس قيس سعيد، وهو دليل على أنه حكم مسبق وحكم سياسي على هيئة لم تقُم حينها بأي فعل أو نشاط يُمكن محاسبتها أو الحكم عليها وعلى مدى استقلاليتها وحيادها بناءً عليه.

نحن قمنا باستفتاء على مشروع الدستور الجديد في 25 تموز/يوليو، وهو عمل للهيئة يُمكن تقييم حيادها واستقلاليتها بناءً عليه، وهنا سأكشف لأول مرة أنه من بين مطاعن الطاعنين في نتائج الاستفتاء أن هيئة الانتخابات غير مستقلة وغير محايدة، ولكن القضاء ممثلاً في المحكمة الإدارية أسقط كل التهم المقدمة من منظمة أنا يقظ وحزب آفاق تونس.

وبالتالي اتهام الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بعدم الحياد وعدم الاستقلالية هو خطاب سياسي وليس قانونياً مبنياً على حجج وإثباتات ووقائع، بل تدخل في إطار المناخ السياسي المتوتّر، والهيئة إحدى ضحايا هذا المناخ السياسي المتوتّر والمتشنّج. 

من الواضح أن هناك خلافات داخل مجلس الهيئة، وقد وجهتم طلباً لرئيس الجمهورية لتغيير عضو الهيئة سامي بن سلامة (بالإضافة لسدّ شغور في صنف قاضٍ)، هل فعلاً تعمل أطراف سياسية معارضة للرئيس قيس سعيّد على ضرب الهيئة من الداخل للتشويش على مسار 25 يوليو؟

طبعاً طبعاً، لا يخفى على أحد أن الهيئة محلّ هجمات من العديد من الأطراف السياسية، وأنا شخصيّا لا أستبعد فرضية عمل أطراف سياسية مُعارضة للرئيس قيس سعيّد على ضرب الهيئة من الداخل للتشويش على مسار 25 يوليو، ليس لديّ أي دليل مادي على ذلك، ولكني لا أستبعد عمل أطراف نعرفها جميعاً على ضرب الهيئة من داخلها.

وهنا أريد أن أؤكّد للجميع أنه خلافاً لما هو متداول فمجلس الهيئة متجانس بشكل كبير جداً وإلى درجة من التجانس لم يبلغها أي مجلس من مجالس الهيئات السابقة التي كنت عضواً فيها، وكان هناك عنصر وحيد وهو عضو من مجلس الهيئة (في إشارة إلى سامي بن سلامة) تجاوز كل الحدود والضوابط، وخرج مراراً وتكراراً عن واجب التحفّظ واستعمال ألفاظ نابية في حق زملائه وغير زملائه.

وبالنسبة لنا كهيئة رأينا أن ذلك العضو وما يصدر عنه في الفضاء الافتراضي والحقيقي يُهدد وحدة مجلس الهيئة من الداخل، ولم نقف مكتوفي الأيدي، وطبقنا عليه القانون، ونحن حريصون على استبداله بعضو يحترم القانون خلافاً لذلك العضو الذي لا يحترم القانون، ويلجأ إلى المنابر الإعلامية للهجوم على مجلس الهيئة وتشويهه في أوقات حساسة.

لكن بالنسبة لي كرجل قانون قبل أن أكون رئيساً لهيئة الانتخابات، تلك الهجمات الإعلامية من طرفه لا تعنيني، قدر ما يمكن أن يعنيني قرار من المحكمة يقرّ بحقه في العودة للعمل في مجلس الهيئة.

ولكنه لم يتظلم للقضاء بل يخصص كل وقته وجهده لشنّ هجمات وتوجيه اتهامات لا تنتهي للهيئة ورئيسها وأعضائها؛ مما يجعلني لا أستبعد أن تكون الخلفيات والغايات والجهات التي تحرّكه سياسية هدفها التشويش على مسار الانتخابات التشريعية، كما كان الحال خلال فترة الاستفتاء على مشروع الدستور القديم.

وهنا أريد أن أكشف لأول مرة أننا أنقذنا الموقف خلال يوم الإعلان عن نتائج الاستفتاء بقصر المؤتمرات بالعاصمة باتخاذ قرار بإجماع مجلس الهيئة بعدم السماح لذلك العضو، وهو سامي بن سلامة (لم يذكره بالاسم رئيس الهيئة) إلى المركز الإعلامي لقصر المؤتمرات؛ لأننا كنا على قناعة بأنه يريد التشويش على الإعلان عن النتائج بأي طريقة، حتى بمنع الإعلان عنها.

تحميل المزيد