مراكز التجميل في سوريا.. أخطاء لا يمكن علاجها وتشوهات مرعبة وأطباء بلا خبرة

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/15 الساعة 10:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/16 الساعة 06:30 بتوقيت غرينتش

بعد انتظار لعدة أيام نجحت سارة في الحصول على موعد من دكتورها المفضل، والذي تابعت صفحته عبر الفيسبوك لعدة أشهر، وأبدت إعجابها بالنتائج المميزة التي حصلت عليها زبوناته، وتمنت أن تحصل بدورها على أنف جميل وخدود ممتلئة بطريقة جذابة، وبعد اجتماعها مع الطبيب الشاب أخبرته بما ترغب فيه من تعديلات، فحدد لها على الفور موعداً للعمل الجراحي خلال أسبوع.

فرحة سارة لم تكن توصف، فهي تحلم بإطلالة شبيهة بإطلالة النجمات، لكن النتيجة خذلتها، ولم تحصل على ما كانت تريد، وحينما واجهت طبيبها تهرب وحملها المسؤولية، ومن ثم رفض الإجابة على اتصالاتها، ولم تستطع فعل شيء سوى محاولة التكيف مع شكلها الجديد.

تجربة هنادي لم تكن أفضل، فبسبب جلسة "ميزو"، وعناية بالبشرة تعرضت لما يشبه الحروق، التي اضطرتها لزيارة عدة أطباء جلدية والخضوع لسلسلة علاج طويل، تشرح هنادي أنها خضعت لهذه الجلسة في أحد مراكز التجميل، ولم يخطر لها أن الموضوع يحتاج لطبيب لكي يشرف على هذه الجلسة، فمراكز التجميل تغزو سوريا، والجميع يقدم كل هذه الخدمات من تنظيف بشرة وميزو، بالإضافة للبوتكس والفيلر، وتختم: "بالفعل أصبحت شغلة يلي مالو شغلة".

مراكز التجميل في سوريا

تشهد سوريا إقبالاً كبيراً على عمليات التجميل وجلسات العناية بالبشرة وشد الجسد وغيرها، ويمكن القول إن هذا الإقبال غير مسبوق، وما زاد من انتشاره هو كثرة المراكز والعيادات التي تقدم هذه الخدمات والتي لا يحمل بعضها أي صفة طبية وأي ترخيص، كما تنتشر صفحات الفيسبوك للترويج لمثل هذه الأمور، وتبادل الخبرات والأسئلة، ما يكشف عن هوس كبير بين الكثيرين للقيام بالتجميل وتحسين المظهر، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية خانقة

الناس يتأثرون بالعدوى 

ويفسر هذا الأمر الدكتور فادي عمروش، الباحث والخبير في الاقتصاد السلوكي، بأن الناس يتأثرون بالعدوى في المجتمع، ويميلون لتقليد الآخرين، ولا يشترون ما يريدون بناء على قناعاتهم، وإنما من أجل التماهي مع المجتمع، وبالتالي حين يصبح أمر ما ظاهرة يميل الناس لتقليده بغض النظر عن قناعاتهم به، وتلعب البيئة والمسلسلات دوراً واضحاً في رسم ذلك.

وعلى صعيد آخر، يشير الدكتور فادي إلى أحد التفسيرات التقليدية المحتملة، وهو تأثير قلم الحمرة، وهو ميل المستهلكين لشراء سلع كمالية منخفضة الثمن في حالات الركود الاقتصادي أو الأزمات الاقتصادية، وذلك للحفاظ على حد أدنى من الرفاهية في ظل صعوبات العيش وانعدام الأفق بتحقيق تقدم في الحياة ولرفع المعنويات التفاؤلية وتناسي الأزمة الخانقة، فهي تصبح متنفساً لهم.

لكن لا يرى الدكتور فادي أن هناك اقبالاً حقاً على عمليات التجميل، وإنما يرى الأمر بمنظور مختلف، فحسب رأيه يبدو للناظر كوهلة أولى أن هناك ارتفاعاً في نسبة العمليات التجميلية، ولكن يجب النظر بشكل مختلف للموضوع، إذ انخفضت كلفة العمليات التجميلية بشكل واضح عبر الزمن، وازدادت التنافسية بشكل كبير، حتى أصبح وصول الناس العاديين لها أسهل بشكل واضح، وهذا يعني أن زيادة الطلب مقرونة بسهولة الحصول على المنتج وليس بسبب حاجة الناس له، فالأسعار انخفضت تقريباً حوالي 38% مقارنة مع 1998، بينما ارتفعت أسعار كل شيء آخر، يمكن تشبيه ذلك بفترة صعود الهواتف النقالة، حيث بدأت زيادة الإقبال عليها مع انخفاض أسعارها.

ووفق الدكتور فادي تعتبر العمليات التجميلية سوقاً كأي سوق آخر يبدأ بكلفة غالية للطبقة الثريةـ، ومن ثم يبدأ بالانتقال للطبقات المتوسطة فالطبقات العامة، وعليه فإنّ انتشاره لا يعني بأي حال من الأحوال ظاهرة غريبة، وإنما ظاهرة اقتصادية طبيعية بقابلية شراء المنتج من الطبقات الأخرى، وبالتالي تكون الزيادة مؤقتة بشكل هائل لإمكانية دخولهم هذا السوق، لا يعني مثلاً زيادة إقبال الناس على اقتناء الهواتف الذكية في العقد الماضي حبّهم للمظاهر، وإانما زاد الإقبال بسبب انخفاض أسعار الموبايلات الذي مكّن شرائح كبيرة من الشراء بعد أن كانت غالية الثمن.

موت للجلد والشفة

وبعيداً عن التفسيرات السلوكية، ومع كثرة الجهات العاملة في هذا المجال من غير ذوي الاختصاص كثرت الكوارث الناتجة عن هذا التجميل، والتي كما يقول الدكتور وائل برازي، رئيس الرابطة السورية للجراحة التجميلية والترميمية والحروق، بعض هذه الكوارث غير قابل للإصلاح والحل، لدرجة أن إحدى المريضات فكرت في الانتحار للتخلص من النتيجة التي حصلت عليها.

ويشرح الدكتور برازي أن المؤسف في الموضوع هو تحول عملهم لسوق رائج يدخل إليه كل من رغب، وأحياناً يكفي حضور دورة لعدة أيام والحصول على شهادة من جهة غير معنية حتى يبدأ المستفيد بممارسة حقن الفيلر والبوتكس وغيرها من الخدمات، رغم أن هذه الأمور يجب أن تمارس من قبل طبيب مختص، درس عدة سنوات وتخصص بمجال الجلدية أو الجراحة التجميلية، ويعبر الدكتور برازي عن غضبه من هذا الفلتان، ويؤكد أن السبب هو عدم وجود عقوبة رادعة، موضحاً أن هذا الأمر بات يهدد سمعة الطبيب السوري الاختصاصي، خاصة أن سوريا رغم ظروف الحرب مازالت لليوم تستقطب مرضى من دول أخرى، يرغبون في العلاج والخضوع لعميات تجميل في أراضيها على أيدي خبرات محلية.

ويشدد الدكتور على كل من يرغب في القيام بأي إجراء تجميلي أو جراحي التوجه لأهل الاختصاص حصراً، وعدم البحث عن السعر الأرخص فقط، لأن معالجة المشكلة في حال وقعت سيكلف أضعاف أجرة الطبيب المختص، ومن الأخطاء التي تقع كما ذكر الدكتور برازي، أنه قد يتسبب استخدام خاطئ للفيلر في موت الجلد، أو جرعة بوتكس غير دقيقة قد تسبب هبوطاً في الجفن وغيرها من الأخطاء، ويختم بأن عدد الأطباء الأعضاء في الرابطة السورية للجراحة التجميلية والترميمية والحروق، والمخولين بممارسة المهنة هم 150 طبيباً، في حين أن مقدمي الخدمة الموجودين في سوريا أضعاف ذلك.

ويشرح الدكتور مرعي عبد اللطيف، اختصاصي جراحة تجميلية وترميمية، بأن أكثر الإجراءات التجميلية المنتشرة اليوم هي البوتكس والفيلر، ومن الناحية الجراحية يوجد إقبال كبير على عمليات شد البطن والترهلات وشفط الشحوم، وعن الأخطاء المنتشرة اليوم يوضح الدكتور مرعي أن السبب ممارسة المهنة من قبل أشخاص غير مؤهلين، وبرأيه العبرة في الممارسة ليست بمجرد القيام بالحقن، وإنما القدرة على مواجهة أي مشكلة يتعرض لها الزبون في حال وقعت، كما يجب أن يمتلك الممارس الدراية بطبيعة المواد المستخدمة والمستوى الصحيح لها، والمكان المناسب بدقة لحقنها، فقد تسبب حقنة خاطئة بالشفة لموتها، لأن المادة حُقنت في الشريان المغذي للشفة.

ويشرح بأنه يتعرض دائماً لمراجعين يرغبون في معالجة أخطاء تعرضوا لها بسبب قيامهم بإجراءات تجميلية لدى مراكز، يجب أن يقتصر عملها على الشعر والمكياج، وألا تدخل في مجال آخر، ويتابع بأن المشكلة أيضاً بدخول أطباء من غير اختصاصات على المهنة، كأطباء الأسنان الذين دخلوا لمجال التجميل بمجرد خضوعهم لدورات تدريبية مدتها أيام محدودة.

تحميل المزيد