لا نتذكر طفولتنا المبكرة وهذا هو السبب، لكن: هل يمكننا التحكّم في الذكريات السيئة أو محوها؟

لا نتذكر ذكريات الطفولة الأولى، هل تسائلت لماذا يحدث هذا؟ هل تسائلت إذا كان يمكننا أن نمحو بعض ذكرياتنا المخيفة؟ في هذا التقرير ستجد الإجابة.

عربي بوست
تم النشر: 2019/02/18 الساعة 10:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/02/18 الساعة 10:32 بتوقيت غرينتش
Young woman with eyeglasses writing on post-it notes on glass wall, in front of two female coworkers. All wear casual clothes.

تتصفح الألبوم الخاص بصور طفولتك، تقلبه يميناً ويساراً على أمل أن تتذكر كواليس أيٍّ من تلك الصور، ولكن دون جدوى.

تشاهد شريط الفيديو الخاص بحفلة عيد ميلادك الأولى أو الثانية، ولا تتذكر الأحداث التي تشاهدها.

تقصّ عليك والدتك بعض الأحداث التي حدثت خلال طفولتك المبكرة، وتحاول جاهداً أن تتذكر أياً منها، ولكن أيضاً دون جدوى.

لست وحدك، فعملياً لا أحد يمكنه تذكُّر ذكريات من طفولته المبكرة. ولتعرف لماذا لا نتذكر طفولتنا المبكرة، وكيف تتكون الذكريات، وهل يمكن حذف الذكريات السيئة، أكمل قراءة هذا التقرير.

في الطفولة المبكرة نمتلك ذاكرة دلالية فقط

بالطبع، لا نتذكر طفولتنا المبكرة، ولكن ليس لأننا لا نحتفظ بالمعلومات كأطفال، ولكن قد يكون السبب أن أدمغتنا لم تكن تعمل بعد في هذا الوقت بطريقة تجمع المعلومات في الأنماط العصبية المعقدة التي نعرفها كذكريات.

الأطفال أقل من سنتين وأحياناً أربع سنوات يفتقرون إلى الذاكرة العرضية المتعلقة بتفاصيل حدث معين، في حين أن الذاكرة الدلالية الخاصة بالحقائق والأفكار تعمل قبل ذلك.

وهذا يفسّر معرفة الرضيع لأمه وأبيه بفضل الذاكرة الدلالية، في حين لا يتذكر الأحداث التي تتحكم فيها الذاكرة العرضية.

الذاكرة الدلالية تختص بمعالجة الذكريات غير المستمدة من التجارب الشخصية مثل أسماء الألوان، وتواريخ الأحداث التاريخية. أما الذاكرة العرضية، فهي تلك المستمدة من التجربة الشخصية كيومك الأول في المدرسة.

ومع الوقت، قد تتحوّل الذاكرة العرضية إلى ذاكرة دلالية، فأنت تعلمت الألوان خلال حصة دراسية على سبيل المثال، ولكنك لا تذكر هذه الحصة الدراسية، وإنما تتذكر الألوان.

منطقة قرن آمون في الدماغ تتحكّم بالذاكرة

يتم تخزين الذكريات في أجزاء متعددة من سطح الدماغ "القشرة الدماغية". على سبيل المثال، تتم معالجة ذاكرة الصوت في القشرة السمعية على جانبي الدماغ، بينما تتمّ إدارة الذاكرة البصرية بواسطة القشرة البصرية في الخلف.

وتربط منطقة قرن آمون hippocampus كل القطع معاً لتتكوَّن الذاكرة.

أمّا سبب عدم تكون الذكريات العرضية لدى الأطفال، فتقول عالمة النفس نورا نيوكومب من جامعة تمبل في فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا الأمريكية، إن السبب ربما يكون أن قرن آمون لم يبدأ بعد في ربط المعلومات معاً.

وأوضحت أن الذاكرة العرضية معقدة، كما أن الهدف من العامين الأوّلين في حياة الطفل الحصول على المعرفة الدلالية.

شاب ولا يمكنك أن تتذكر جيداً، أنت أبعد ما تكون عن الزهايمر.. هناك أسباب أخرى للنسيان بعضها عاطفي!

وحالة هذا المريض دعمت النظرية

من أكثر ما يدعم هذه النظرية حالة المريض هنري مولاسون أو كما يعرف في علم النفس المريض HM. كان مولاسون يعاني من فقدان الذاكرة التقدمي، فلم يعد بمقدوره تكوين ذكريات جديدة بعد خضوعه لعملية جراحية لعلاج الصرع.

ألحقت العملية الضرر بقرن آمون على الرغم من أنها عالجت الصرع، فلم يعد بمقدور مولاسون تكوين ذكريات جديدة، في حين كان لا يزال قادراً على تعلم أنواع أخرى من المعلومات.

ولذا استنتج العلماء أنه عندما كنا صغاراً لم تكن منطقة قرن آمون قد تطورت بشكل يسمح بتشكيل ذكريات، وأن هذه المنطقة تتطور مع الوقت ما يسمح بتذكر بعض الأحداث فيما بعد.

ولكن يحذر العلماء من إمكانية تذكر بعض الذكريات الزائفة، فربما تستمع إلى رواية أحد الأشخاص بشأن طفولتك، فتبدأ في تكوين تصورك الخاص، لتصبح مثل الذكريات، ولكن في الحقيقة هي ذكريات زائفة.

وللتعرف أكثر على الذكريات الزائفة يمكنك قراءة هذا التقرير.

إنتاج الخلايا العصبية المتسارع يسبِّب توقف عمل قرن آمون

كما يقول العلماء إن السبب في عدم عمل قرن آمون في تجميع الذكريات في مرحلة الطفولة المبكرة يرجع إلى أن الرضَّع ينتجون خلايا عصبية جديدة بمعدلٍ متسارع، ويكون هذا الإنتاج في منطقة قرن آمون التي نعتمد عليه للوصول على جميع الذكريات التي نخزنها.

وعندما وضع الباحثون القوارض محل اختبار، استخدموا العقاقير لتقليل الخلايا العصبية الجديدة التي شكّلتها القوارض، فتمكّنت القوارض من التذكُّر بصورةٍ أفضل، أي أنّ زيادة الخلايا العصبية لها تأثير عكسي على الذكريات.

ولكن هل من الممكن أن نتحكّم في الذكريات؟

في البداية لنتعرف كيف تتكون الذكريات المخيفة. فوفقاً للعلماء عندما نشاهد حدثاً مخيفاً، ينقل المهاد thalamus المعلومات الحسيّة إلى اللوزة الدماغية amygdala، التي تطبع الذاكرة باعتبارها ذات أهمية عاطفية وتخزّنها للاستخدام في المستقبل، لمساعدتنا في تجنب التهديدات ذات الصلة.

تبدأ الشبكات العصبية في قرن آمون في بناء خريطة لسياق الذاكرة في الساعات القليلة الأولى بعد وقوع الحدث، وتزداد قوة الروابط الشبكية المرتبطة في عملية تسمى التقوية على المدى الطويل ما يعزز الذاكرة.

في عام 2000، اكتشف باحثون في جامعة نيويورك أنهم يستطيعون محو ذاكرة مليئة بالخوف في الفئران عن طريق الصدمة، ثم تذكيرها بالصدمة المخيفة بينما يحقنوها بمواد كيميائية تمنع تكوين بروتينات في الدماغ.

النظرية وراء هذه التجارب أن الذاكرة تتطلب تخليق بروتينات عندما تتشكل الذكرى في البداية في الدماغ وتسمى عملية التوحيد. وفي كل مرة يتم استدعاء هذه الذكرى مرة أخرى، تُخلّق هذه البروتينات في عملية تسمى إعادة التوحيد.

يحاول بعض العلماء التلاعب في عملية إعادة التوحيد باستخدام تقنية تسمى optogenetics. حيث يتم إدخال بروتينات مشفرة وراثياً مستجيبة للضوء إلى الخلايا. فتمكن العلماء بذلك من تحديد المكان الذي تكونت فيه الذاكرة السلبية لدى القوارض عند اصطدام قدمها.

بعد ذلك تلاعب الباحثون بتلك الخلايا العصبية بالليزر، وفي كل مرة تصل القوارض إلى مكان انصدام أقدامها، تتنشط لديها الذاكرة السلبية، فتظهر آثار الخوف.
وحينما تحكم الباحثون في تلك الخلايا بشكل آخر، اختلفت ردود أفعال القوارض.

وكشفت العديد من الأبحاث أن التدخلات الفيزيولوجية بما في ذلك التيارات الكهربية يمكن أن تساعد في زعزعة استقرار الذكريات المخيفة.

يقول ستيف راميريز، عالم الأعصاب في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: "عندما تتعلم شيئاً ما، تتحدث زوايا متعددة من الدماغ مع بعضها البعض لتمثل المشاهد والأصوات والروائح التي تتعلمها، ومع ذلك، فإن عملية الاستذكار الفعلي للذاكرة تجعلها عرضة للتعديل، وكأنها تمثيل حقيقي للماضي، ولكن يتم تعديل الذكريات باستمرار بمعلومات جديدة".

تحميل المزيد