من الكركند إلى الكافيار، هناك العديد من المأكولات الفاخرة التي كانت ذات يوم طعاماً للفقراء فقط، لكنها مع مرور الوقت باتت أطعمةً لطبقات الأغنياء من الشعب، وكذلك الأمر مع مأكولات أخرى مثل الكاكاو والملوخية، التي كانت لصفوة الشعب، لكنها باتت اليوم موجودةً على رفوف أي سوبر ماركت في منطقتك.
أطعمة فاخرة كانت مخصصة للفقراء فقط
هذه الوجبات الفاخرة كانت تعتبر ذات يوم طعاماً مخصصاً للفقراء فقط، من كان ليخمّن ذلك؟
الكركند
اليوم يُعتبر سرطان البحر، أو كما يُسمى أيضاً الكركند، أحد الأطعمة الفاخرة التي تُقدم في المطاعم الفاخرة، والتي يتراوح سعر الوجبة الواحدة منها ما بين 50 إلى 100 دولار، وقد تصل أحياناً في بعض المطاعم إلى مئات الدولارات.
في الحقيقة لم يكن هذا هو الحال دائماً، فقد شقّ الكركند طريقه من بدايات متواضعة ليصبح طعاماً شهياً باهظ الثمن.
وفقاً لشبكة BBC البريطانية فإنّ الكركند كان من الأطعمة غير المرغوب فيها في الولايات المتحدة الأمريكية خلال القرن الـ18، خاصة أنّ القشريات كانت تملأ طول السواحل الشرقية للبلاد، وبدلاً من أكلها فقد كانت تستخدم كسماد في الزراعة، أو من خلال تقديمها للسجناء، كما أنّ رؤية قشور الكركند أمام منزل ما تعتبر دلالة على فقر هذه العائلة.
ولكن تطوير السكك الحديدية في الولايات المتحدة منتصف القرن الـ19 كان له أثر كبير في تحويل الكركند من طعام منبوذ إلى طعام مرغوب لدى الطبقة الغنية.
فقد قام مشغّلو القطارات بتقديم وجبات الكركند لركابهم الأثرياء الأجانب، الذين لم يكونوا على دراية بالسمعة السيئة للمأكولات البحرية في الولايات المتحدة.
وعندما أعجبهم طعمه نقلوه معهم إلى بلدانهم، وبدأوا بعرضه في قوائم المطاعم باهظة الثمن، وبحلول القرن الـ19 بات الكركند أحد أفخر الأطعمة في العالم.
المحار
مثل الكركند، لطالما ارتبط المحار بالطعام الفاخر والمناسبات الخاصة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ارتفاع سعره.
لكن المحار أيضاً لم يكن بهذه الحال في السابق، بل كان يأكله فقراء المجتمع في القرن الـ19، ويقول مؤرخ الطعام بولي راسل: "كان المحار متوفراً بكثرة ورخيصاً إلى حدٍّ كبير، حيث أُضيف إلى اليخنات والفطائر".
ولكن بحلول أوائل القرن الـ20 بدأت إمدادات المحار في إنجلترا تتضاءل بسبب الصيد الجائر والتلوث الناجم عن النفايات الصناعية.
ويضيف راسل: "عندما أصبح المحار أكثر ندرة ارتفعت مكانته، وأصبح يُنظر إليه على أنه شيء مميز".
سمك الراهب
أصبح سمك الراهب المُفضل لدى عشاق الطعام والطهاة المشاهير بسبب نكهته المميزة، ولذلك يتم تقديمه الآن كطبق ثمين في المطاعم الراقية حول العالم.
ولكن في السابق وقبل بداية أزمة المناخ العالمية، كان سمك الراهب غير مرغوب إطلاقاً، لدرجة أنّ فرنسا حظرت بيعه تماماً بسبب منظره القبيح، كما أنّ الصيادين كانوا يوزعونه على الناس بالمجان، وفقاً لما ذكره موقع Vocal Media.
الكينوا
الكينوا هو في الواقع طعام "شخص ثري" جديد إلى حد ما، وقد اكتسب شعبية متزايدة بفضل الاهتمام الذي تلقّاه من المكسرات الصحية.
على الرغم من أنك قد ترى عادة أكياساً من الكينوا تُشترى مقابل 7 دولارات أو 8 دولارات في السوبر ماركت، فإن الحقيقة هي أن هذا يمثل تضخماً هائلاً في الأسعار، مقارنة بالطريقة التي كان عليها قبل 15 عاماً فقط.
في بيرو ودول أمريكا الجنوبية الأخرى، كان يُنظر إلى الكينوا على أنه غذاء يقدم إلى شديدي الفقر فقط.
لم يرغب معظم الأثرياء في بيرو في رؤيتهم يأكلونه، لأنه كان وصمة عار، ولكن عندما بدأ الأشخاص المهتمون بالصحة في رؤية الفوائد التي تقدمها حبوب الكينوا، ارتفعت أسعاره بشكل كبير.
فوا جوا (كبد الأوز)
يصل سعر طبق فوا جوا إلى 125 دولاراً مقابل 2 رطل (0.9 كغ)، أي أنه مخصص للأثرياء، ويقدم في المطاعم الفاخرة فقط.
طبق فوا غرا هو عبارة عن كبد البط أو الإوز، التي يتم تسمينها عبر تغذيتها بشكل قسري، تُعرف هذه الطريقة باسم "الإغراق"، وتعود هذه العملية إلى العصور القديمة، عندما كان المصريون القدامى يجبرون الإوز المدجن على تناول الطعام، وذلك بعد اكتشافهم أن الطيور المائية تتناول كميات كبيرة استعداداً للهجرة، وبالتالي تتضخم أحجام أكبادها وتصبح مدهنة، وكان هذا الطبق متاحاً لجميع الناس.
وفي أواخر القرن الـ16 وصل الطبق إلى فرنسا عن طريق الطباخ جان جوزيف كلوز، الذي حصل على براءة اختراع الطبق في العام 1779، وحوّله إلى طبق باهظ الثمن.
يذكر أنّ هذا الطبق يُصنع عبر تغذية الطيور قسرياً لكي يصل حجم كبدها إلى 10 أضعاف حجمه الطبيعي، لذلك يصف العديد من الناشطين في حقوق الحيوان هذه العملية بأنها قاسية، الأمر الذي دفع العديد من الدول حول العالم إلى حظرها.
السوشي
على الرغم من فخامة السوشي الآن وارتفاع أسعاره، فإنه كان يوماً ما طعاماً مميزاً للصيادين الفقراء.
في الأساس اختُرع السوشي كوسيلة للحفاظ على الأسماك، وذلك عن طريق تغطية الأسماك بغلاف من الأرز المخمر للحفاظ عليها طازجة لفترة أطول.
وفي وقت ما من القرن الـ17 قام الصيادون بالحد من تبذير الأرز عن طريق جعل هذا الاختراع قابلاً للأكل، وبات طعامهم المفضل والرخيص.
ومع مرور الوقت بدأ صانعو السوشي بتصغير حجمه وتزيينه بألوان مختلفة كنوع من المنافسة، ومع ذلك لم ترتفع أسعار السوشي بشكل كبير إلا بعد الحرب العالمية الثانية.
وعلى الرغم من عدم وجود سبب قوي لحدوث الازدهار بعد الحرب العالمية الثانية، يعتقد الكثيرون أنه كان بسبب استخدام طهاة السوشي بشكل متزايد للأسماك الأكثر حساسية وإثارة إعجاب المسافرين من الخارج بإبداعاتهم.
كافيار
الكافيار هو طعام الأثرياء هذه الأيام، في الواقع 200 غرام فقط منه يمكن أن يصل سعرها إلى 400 دولار بحسب المكان الذي تشتريه منه.
لكن إذا أعدت عقارب الساعة إلى الوراء 100 عام، فسترى أنّ الأمور كانت مختلفة تماماً.
في روسيا مثلاً كان أصحاب الحانات يقومون بوضع الكافيار مجاناً للزبائن داخل ساندويتشاتهم، والسبب هو أن الكافيار مالح، وتلك الساندويتشات ستجعل الزبائن أكثر عطشاً، ما يزيد من نسبه شرائهم.
مع زيادة الطلب، بدأ الأثرياء يهتمون به بشكل متزايد، وهو ما رفع سعره إلى هذه المبالغ الجنونية.
أطعمة ومشروبات فاخرة لم تكن متاحة للجميع سابقاً
مثلما كانت هناك أطعمة متاحة للجميع وباتت مخصصة الآن للأغنياء، فإنّ هناك أطعمة أخرى أيضاً كانت في السابق مخصصة لطبقات محددة من الشعب، وباتت اليوم متاحة للجميع، ويمكن شراؤها من أي سوبر ماركت بأسعار زهيدة.
القهوة
يُعتقد أن شعب الأورومو في إثيوبيا هو أول من لاحظ التأثيرات المُحفزة لحبوب القهوة، ولكن كيف ومتى انتشرت هذه الحبوب خارج إثيوبيا؟ لا يزال الموضوع معقداً بعض الشيء.
لكن السجلات التاريخية المُتاحة تشير إلى أن الصوفيين في اليمن كانوا أول من شربوا القهوة من خارج إفريقيا في العصور الوسطى، حيث كان هذا المشروب مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بطقوسهم الصوفية، وفقاً لـBBC.
وسرعان ما انتشرت المقاهي في جميع أنحاء الشرق الأوسط والإمبراطورية العثمانية، حيث لفتت انتباه التجار الغربيين، الذين أخذوا المشروب إلى بلدانهم الأصلية في القرن السابع عشر، وبدأوا في تقديمه في المقاهي.
فتحولت القهوة من مشروب باهظ الثمن إلى مشروب صباحي اعتيادي لمعظم سكان الأرض.
الكاكاو
في ذروة حضارة المايا، كانت حبوب الكاكاو عملة ذات قيمة، وتستخدم لدفع أجور العمال وتداولها في مقابل البضائع في السوق.
جلب التجار الإسبان الكاكاو إلى أوروبا، حيث أصبح وسيلة تدليل شعبية في البلاط الملكي.
في عام 1828، اخترع الكيميائي الهولندي كوينراد يوهانس فان هوتين عملية لمعالجة حبوب الكاكاو بالأملاح القلوية وإنتاج مسحوق الشوكولاتة الذي يمكن خلطه بالماء، وحولت هذه العملية الشوكولاتة إلى منتج ميسور التكلفة، يمكن إنتاجه بكميات كبيرة.
الملوخية
إحدى الروايات الشائعة عن وجبة الملوخية هي أنّها لم تكن طعاماً متوفراً للجميع كما هو الحال الآن، وأنّ اسمها جاء في الأساس من كلمة "ملوكية".
ووفقاً لموقع "الشروق" المصري المحلي، فإنّ الحاكم بأمر الله أصدر أمراً بمنع عامة الناس من تناولها، وجعلها حكراً فقط على السلاطين والأمراء، ومن هنا جاء اسمها "الملوكية".
في حين تقول رواية ثانية إنّ الحاكم الفاطمي، المعز لدين الله، كان يعاني من آلام شديدة في المعدة، فوصف له الأطباء الملوخية كعلاج يقضي بدوره على هذه الآلام، وبالفعل شُفي بعد أكلها، فأراد أن يحصر تناول هذه النبتة عليه وعلى حاشيته، فأطلق عليها "ملوكية"، أي أنها أكلة الملوك فقط.
ولكن مع مرور الوقت وزيادة نسبة زراعتها أصبحت الملوخية من أشهر المأكولات في مصر وبلاد الشام، وباتت متاحة للجميع، سواء الأغنياء أو الفقراء.