معمرين يتخطون 100 عام.. ولكن أكبر الناس سناً في العالم ربما ليسوا كما نظن

تقترح دراسةٌ جديدةٌ أن السر وراء أعمار المعمرين قد يكون المبالغة مع شيءٍ من التزوير. على الأقل يفسِّر ذلك وجود بضع مناطق في أنحاء العالم معروفةٍ باسم "المناطق الزرقاء"، التي تشتهر بسكانها الذين يعيشون لما يزيد على 100 عامٍ.

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/08/21 الساعة 06:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/08/21 الساعة 12:59 بتوقيت غرينتش
هناك الكثير من المعمِّرين يتخطون 100 عام.. ولكن أكبر الناس سناً في العالم ربما ليسوا كما نظن

ما سر الحياة الطويلة جداً؟ تقترح دراسةٌ جديدةٌ أن السرَّ وراء بقاء المعمرين على قيد الحياة قد يكون المبالغة مع شيءٍ من التزوير. على الأقل يفسِّر ذلك وجود بضع مناطق في أنحاء العالم معروفةٍ باسم "المناطق الزرقاء"، التي تشتهر بسكانها الذين يعيشون لما يزيد على 100 عامٍ.

من بين هذه المناطق الزرقاء: جزيرة سردينيا الإيطالية، ومدينة أوكيناوا اليابانية. وهناك عاملٌ مشتركٌ بين كلتا المنطقتين (بخلاف قُراهُما الهادئة على شواطئ البحر): عددٌ استثنائيٌّ من "المعمِّرين الفائقين"، أي المواطنين الذين تتجاوز أعمارهم 110 سنين. 

لكن على الجانب الآخر، قد يتوقع المرء أن يكون متوسط الأعمار في هذه المناطق الزرقاء عالياً، ولكن في الحقيقة، العكس هو الصحيح. فقد وجدت الدراسة الجديدة المنشورة في دورية bioRxiv للدراسات السابقة لمراجعة الأقران والنشر يوم 16 يوليو/تموز الماضي أن هذه المناطق التي تفتخر بامتلاكها بعض أكبر الناس سناً في العالم لديها أيضاً أقل متوسط أعمار.

فما هو السبب؟

لكي نفهم ما قد يكون وراء هذا التناقض، علينا اتِّخاذ الولايات المتحدة دراسة حالةٍ. في نهاية القرن التاسع عشر، تمتَّعت الولايات المتحدة بعددٍ أعلى كثيراً من المعمِّرين الفائقين. ولكن بحلول القرن العشرين، تناقص هذا العدد بثباتٍ. ولم يكن لذلك الانخفاض علاقةٌ بتدهور صحة الأفراد. 

بل في الحقيقة، كان متوسط الأعمار الإجمالي في ازديادٍ ثابتٍ خلال تلك الفترة (واستمرَّ هذا الازدياد، حتى في ظل تراجع أعداد المعمِّرين الفائقين). لكن ما تغير هو نظام حفظ السجلَّات في الولايات المتحدة. بمعنىً أصح، تحسَّن النظام كثيراً.

هناك الكثير من المعمِّرين يتخطون 100 عام.. ولكن أكبر الناس سناً في العالم ربما ليسوا كما نظن

إذ وجد مؤلف الدراسة أن جميع الولايات الأمريكية قد بدأت تسجيل البيانات الحيوية -باستعمال شهادات الميلاد والوفاة- في أوقاتٍ مختلفةٍ. وكلما شرعت ولايةٌ في تسجيل المواليد، انخفضت في غموضٍ نسبة من تتجاوز أعمارهم 110 ما يتراوح بين 69% و82%.

وبحسب Vox، معنى ذلك أنه من ضمن كل 10 معمِّرين فائقين، كان سبعةٌ أو ثمانيةٌ أصغر مما حدَّدته السجلَّات. ولا يعني ذلك أنهم كانوا يكذبون، ولكنه يعني أنه بسبب أخطاء التسجيل، فالمعمِّرون الفائقون على الأرجح أقل كثيراً مما تصوَّرنا، لا سيما في المناطق ذات الأنظمة الرديئة لحفظ السجلَّات.

فما علاقة كل هذا بإيطاليا واليابان؟ إن الولايات المتحدة مثالٌ على كيفية تأثير الأعمار المغلوطة في عدد المعمِّرين الفائقين الذين نراهم في سجلَّات السكان تأثيراً هائلاً. وكما تبيَّن، فقد احتفظت إيطاليا بسجلَّاتٍ حيويةٍ منذ مئات السنين. لكن ذلك ليس برهاناً على استحقاق سردينيا انضمامها إلى قائمة المناطق الزرقاء. إذ عثر الباحثون على دلائل تشير إلى أن ثمة مصادر أخرى للبيانات المغلوطة في هذه المجتمعات المُفتَرَض كونها معمِّرةً.

مفقودون أو متوفَّون!

وجد الباحثون أن جميع المناطق الزرقاء تتبع نمطاً مثيراً للريبة: لا يملك أيٌّ منها الصفات التي تتوقَّع وجودها لدى المواطنين الأصحاء كبار السن. فمثلاً، كلما ارتفع عدد المعمِّرين الفائقين في هذه المناطق، انخفض متوسط الأعمار. وبدلاً من وجود رعايةٍ صحيةٍ عالية الجودة وشريحةٍ كبيرةٍ من البالغة أعمارهم 80 عاماً وجودة حياةٍ مرتفعةٍ، وجدوا نسبةً كبيرةً من الأمية، ووارتفاعاً في معدلات الجريمة، وحالاتٍ صحيةً هزيلةً. 

وتوحي هذه العوامل بحدوث تلاعبٍ ما في البيانات. ويقترح الباحثون أن اللوم قد يقع جزئياً على الأخطاء في تسجيل البيانات، ولكن المرجَّح أيضاً أن يقع على تزوير المعاشات؛ أي سرقة هوياتٍ أخرى لأجل صرف المعاشات.

وهذا زعمٌ مثيرٌ للجدل، ولكنها ليست أول مرةٍ نشهد فيها تشكيكاً بالمناطق الزرقاء. إذ ورد في تقريرٍ من BBC أن تحقيقاً أُجرِي عام 2010 في السجلَّات اليابانية قد وجد أن 238 ألفاً من المتجاوزة أعمارهم 100 عامٍ في الحقيقة مفقودون أو متوفَّون، مما يترك 40,399 شخصاً فقط لهم عناوين معروفة. وآنذاك، أبلغ المسؤولون عن أن كثيراً من المعمِّرين الفائقين المفترَضين في الحقيقة قد توفُّوا أو هاجروا من البلاد عقب الحرب العالمية الثانية. 

فيما قدَّم تحقيقٌ آخر أُجرِي في وقتٍ سابقٍ من العام الجاري أدلةً على أن جين كالمينت، التي كانت أكبر امرأةٍ موثَّقة العمر -إذ بلغت سنُّها 122 عاماً- هي في الحقيقة ابنتها صاحبة الـ99 عاماً، التي سرقت هويتها لأجل صرف معاشها. 

وقد يبدو التزوير والبيانات المغلوطة مستبعدةً على وجه الخصوص في حالة كالمينت نظراً لجودة توثيق حياتها، ولم تؤكَّد حتى الآن مزاعم التحقيق بارتكاب جريمة التزوير. لكن هذا يحدث طيلة الوقت، حتى بين أشهر المعمِّرين الفائقين، على حدِّ قول سول نيومان، وهو عالم بياناتٍ بالجامعة الوطنية الأسترالية ومؤلِّف الدراسة الحديثة في دورية bioRxiv.

هل هناك سرٌّ للعيش لأكثر من 100 سنةٍ؟

وكتب نيومان في بريدٍ إلكترونيٍّ إلى موقع Live Science: "جرى التحقُّق من أول شخصَين يبلغان 112 عاماً، ثم أُنكِرا. ولاقى أول ثلاثة أشخاصٍ يبلغون 113 المصير ذاته. الوسائل التي تحمي هذه الأخطاء من التقاطها -حتى تحت المراجعة- هي متنوعةٌ".

وفي الختام، استشهد بمثال كاري وايت، كبرى النساء سناً السابقة بفارق ثلاث سنواتٍ. إذ قال نيومان إنه "تُحُقِّق من" كون كاري معمِّرةً فائقةً لمدة 23 سنةً حتى عُثِر على غلطةٍ مطبعيةٍ في سجلاتٍ قديمةٍ للمستشفيات النفسية. وأضاف: "بصراحةٍ، إذا كانت بياناتك تتوقَّف على خطِّ يد مساعدي ممرضاتٍ من القرن العشرين، فهل يفاجئك اقتراح أن هذه البيانات ربما لا تكون محل ثقة؟". 

من غير المعقول تصوُّر أن كل مجموعةٍ من المعمِّرين الفائقين تُعزَى أعمارهم إلى البيانات غير الدقيقة أو التزوير. لكن الدراسة في الواقع لا تقترح أن قرىً كاملةً من الناس يكذبون بشأن أعمارهم. بل هي تبرز وجود مشكلةٍ شائعةٍ في العلوم: عند النظر إلى شرائح سكانيةٍ أو ظروفٍ شديدة الندرة، يمكن بسهولةٍ أن تُحرَّف البيانات، وإدراكنا للعالم.

خذ الأمر من هذا الجانب: تخيَّل مجموعةً من ألف شخصٍ تتخطَّى أعمارهم جميعاً 100 سنةٍ. إحصائياً، ينبغي لواحدٍ منهم فقط أن يبلغ 110، وفقاً لتقرير Vox. والآن تخيَّل أن شخصاً آخر في هذه المجموعة لم يبلغ 110 كذب وقال إنه قد بلغها. ليس رقماً كبيراً من الأكاذيب، ولكنه ما زال يؤدِّي إلى مضاعفة أعداد المعمِّرين الفائقين التي نقيسها.

فهل هناك سرٌّ للعيش لأكثر من 100 سنةٍ؟ ربما. لكن وفقاً لهذه الدراسة، لن نتعرَّف إلى هذا السرِّ من خلال النظر إلى الشرائح السنية الكبرى في إيطاليا واليابان. ما زالت هذه الدراسة بانتظار مراجعة الأقران والنشر في مجلةٍ علميةٍ.

تحميل المزيد