ضمن "أسبوع سينما فلسطين" الذي ينظمه المركز القومي للسينما في مصر، والمخصّص لعرض أفلام روائية ووثائقية تسلط الضوء على "أصحاب الأرض"، عُرض فيلم "من تحت الركام" خلال حفل الافتتاح الذي أُقيم في مسرح "الهناجر" بدار الأوبرا المصرية.
ولعلّ سبب اختيار فيلم "من تحت الركام" لعرضه في حفل الافتتاح نابع من أحداثه التي جاءت مطابقة إلى حدٍّ كبير لما تشهده غزة من حربٍ أقرب إلى إبادة جماعية يشنّها الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وقد يكون الفارق الوحيد هو العام، لأن فيلم "من تحت الركام" يوثق حرب إسرائيل على غزة عام 2008، والتي أطلق عليها الاحتلال اسم "عملية الرصاص المصبوب".
كل ما تريد معرفته عن فيلم "من تحت الركام"
من إنتاج عام 2017، يوثق فيلم "من تحت الركام" (From Under The Rubble) مجزرة عائلة السموني التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في حي الزيتون داخل قطاع غزة، في يناير/كانون الثاني 2009.
فخلال الاجتياح البري لغزة عام 2008-2009، ارتكب جيش الاحتلال مجزرة بشعة بحق عائلة السموني أسفرت عن استشهاد 7 أفراد منها، وأوقعت عشرات الجرحى من النساء والأطفال والرجال.
سقط في المجزرة الوالد وابنه الرضيع مع 5 أطفال آخرين، بعدما جمّعت قوات الاحتلال -التي توغلت بحي الزيتون- عشرات الأسر من عائلة السموني في بيتٍ واحد، ثم قصفته بشكلٍ متكرر وأطلقت النار على الأفراد، حتى استشهد 70 فرداً من العائلة.
الفيلم من إخراج الأسترالية آن تسوليس التي قررت توثيق جانبٍ من الحرب الإسرائيلية على غزة، بعد زيارتها للمدينة عقب حرب الاحتلال عليها عام 2014، وبعد سماعها قصص أهلها ورؤيتها للدمار الذي خلّفه الهجوم الإسرائيلي.
تأثرت تسوليس بقصة مجزرة عائلة السموني، وأرادت أن يكون فيلمها توثيقياً 100%، فاختارت أن تروي المجزرة على لسان الأطفال الذين عاشوا تجربة الحرب الإسرائيلية، فجعلتهم يقدّمون شهاداتهم الحيّة عنها.
اعتمدت المخرجة الأسترالية على مشاهد ميدانية جرت بالفعل في غزة، من دون اللجوء إلى الأرشيف، لكنها استعانت بفيلم الرسوم المتحركة Samouni Street -للمخرجة الإسبانية تيلدي دي وونديل- الذي ارتكز على رسومات أطفال عائلة السموني الذين نقلوا ما شاهدوه خلال مجزرة عام 2009.
وسنتابع شهادات أطفال عائلة السموني وهي تسير بشكلٍ سَلِس، جنباً إلى جنب مع الرسوم المتحركة، في تناغمٍ بسيط يحوّل فيلم "من تحت الركام" إلى عملٍ ممتع يوثق معاناة الأطفال في زمن الحرب.
أمل السموني.. بطلة الفيلم
سنتابع قصة الطفلة أمل السموني التي نجت بأعجوبة من المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال بحق عائلتها، رغم أنها بقيت تحت الركام 3 أيام بين جثث أقربائها، قبل أن يتم إنقاذها في اليوم الرابع لتعيش بعد ذلك مع 15 شظية في رأسها لا يمكن إزالتها، وإلا فستعرّض حياتها للخطر.
يمكن القول إن أمل هي بطلة فيلم "من تحت الركام"، الذي اعتمد في جزءٍ كبير منه على تجربتها لتوثيق المجزرة الإسرائيلية، فكانت شهادتها الأشدّ تعبيراً عن معاناة عائلتها ومعاناة أهل غزة عموماً.
تتذكر أمل جيداً اللحظة التي سمعت فيها دوي أصوات الطائرات ودوي القذائف على حيّ الزيتون، كما تتذكر جيداً أجساد الناس وهي تتطاير في الهواء. ولعلّ المشهد الأقسى هو حين تصف بدقةٍ مشهد إعدام جنود الاحتلال والدها وأخاها الرضيع داخل بيتهم، بدمٍ بارد أمام أعينهم، غير مهتمين بتوسلات العائلة.
وسنتابع في الفيلم، إلى جانب شهادة أمل، شهادات والدتها وإخوتها. وستسأل أمل في النهاية: "ليش بغزة هيك عايشة، وليش الناس هيك عايشين؟"، ثم تضيف: "ليش اللي برا عايشين بأمان وسلام، وهنا كلّه يهود وحروب، والمعابر مسكّرة وحصار؟".
تلك التساؤلات ترافقها مشاهد لأطفال غزاويين يلعبون أمام منازلهم في حاراتهم، واقتراب تدريجي للكاميرا من سواحل غزة وشاطئها، مع عبارات تظهر على الشاشة تعلن أنه مع وقف إطلاق النار الذي أُعلن في يناير/كانون الثاني 2009، كان 1400 فلسطيني قد قُتلوا، من بينهم أكثر من 300 طفل.
ويُعيدنا كل ذلك إلى حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 على قطاع غزة، حيث تمّ تهجير أكثر من مليون و700 ألف فلسطيني قسراً من منازلهم التي دمّرها الاحتلال عمداً؛ وهو سيناريو ما زالت فصوله تتكرر منذ نكبة 1948، مع ضحية ثابتة لا تتغيّر مطلقاً الفلسطينيون.