نتنياهو يحرق سفنه ويفتعل المشاكل مع الحلفاء والوسطاء.. هكذا يعزز الاتهامات بتوظيف الحرب لمصالحه

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2024/01/25 الساعة 12:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/01/25 الساعة 12:19 بتوقيت غرينتش
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو/رويترز

أدخل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه في خلاف مع -قطر ومصر- الوسيطين الوحيدين في مفاوضات إطلاق الأسرى مع حماس، على الرغم من أن وساطة قطر ومصر حاسمة بالنسبة لإسرائيل في هذه المفاوضات.

تأتي هذه الأزمات التي خلقها نتنياهو رغم أن في سياق مساعي التوصل إلى صفقة يأتي في ظروف شديدة السوء بالنسبة إلى إسرائيل، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت "Ynet" الإسرائيلية. 

وتصاعدت أولوية ملف التفاوض مع حماس للتوصل إلى اتفاق للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة منذ 110 أيام، إلا أن نتنياهو يهدد بأزمة مع وساطة قطر ومصر اللذين يمثلان القناة الوحيدة للتفاوض مع حماس، مرسخاً الانطباع بأنه يهدف لإطالة الحرب للاستمرار في السلطة، خاصة أن موقفه هذا يأتي في وقت يتبنى وزراء مثل بيني غانتس مقاربة تفيد بأنه لا يمكن اعتبار أن انتصاراً إسرائيلياً في غزة بدون إطلاق الأسرى، فيما يقول غادي آيزنكوت عضو مجلس الحرب الإسرائيلي وأحد أكثر الشخصيات شعبية في إسرائيل حالياً بأن الأسرى لن يعودوا إلا باتفاق وغير ذلك "أوهام".

وتقود قطر، التي تستضيف جزءاً من  القيادة السياسية لحركة حماس في الدوحة، جهود الوساطة بين الفلسطينيين وإسرائيل، بالتشاور الوثيق مع إدارة بايدن، وبالتعاون مع مصر وسمحت هذه الدبلوماسية لقطر بالتوسط بنجاح في إطلاق سراح 100 رهينة في نوفمبر/تشرين الثاني، بما في ذلك عدد من الأمريكيين.

ولكن الآن بسبب ممارسات نتنياهو تجاهل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمس الأربعاء 24 يناير/كانون الثاني مكالمة هاتفية حاول نتنياهو إجراءها معه، ثم لم تمر بضع ساعات حتى اتهمت وزارة الخارجية في قطر رئيسَ الوزراء الإسرائيلي بتقويض جهود الوساطة لأسباب سياسية. وقد جاء ذلك بُعيد الكشف عن تسجيل صوتي منسوب إلى نتنياهو ينتقد فيه الدوحة، حسب الصحيفة الإسرائيلية.

الأزمة جاءت في وقت تتواصل فيه وساطة قطر ومصر

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، في بيان: "لقد أفزعتنا التصريحات المزعومة المنسوبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي حول دور الوساطة القطرية". 

تأتي الإدانة القطرية غير المعتادة في وقت تتواصل فيه بقوةٍ أكبر مساعي الوساطة التي تبذلها قطر ومصر -ومعهما الولايات المتحدة- للتوصل إلى اتفاق مع حماس، وهو ما كشفت عنه تقارير عديدة صدرت في الأيام الماضية بشأن المحادثات الجارية. 

وعلى الرغم من أن إسرائيل أنكرت التقارير التي تفيد بأن المحادثات قد شهدت شيئاً من التقدم، فإن الاتصالات ما زالت مستمرة طوال الوقت. 

وساطة قطر ومصر
أطقم اللجنة الدولية للصليب الأحمر خلال عملية نقل أسرى إسرائيليين في غزة ضمن صفقة التبادل مع حماس التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني 2023- الأناضول

والتقى بريت ماكجورك، مبعوث الرئيس الأمريكي جو بايدن لشؤون الشرق الأوسط،، برئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في الدوحة يوم الثلاثاء.

وأعلن البيت الأبيض أن بريت ماكغورك، وصلَ إلى قطر للحديث عن صفقة أخرى لتبادل الأسرى، وقد جاء ذلك بعد زيارته للقاهرة في اليوم السابق.

وقال مصدر لموقع Axios الأمريكي إن قطر كان قد أطلعت إسرائيل وحماس يوم الثلاثاء الماضي على مواقف كل جانب وتنتظر المزيد من الاقتراحات من الجانبين. وقالت أربعة مصادر إسرائيلية وعربية وأمريكية إن المحادثات تركز على وقف القتال في غزة لمدة شهرين مقابل إطلاق سراح الرهائن، حسبما ورد في تقرير Axios.

والآن حماس تعلق المفاوضات

ولكن عقب الانتقاد القطري لتصريحات نتنياهو المسربة، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن قطر أبلغت تل أبيب بأن حماس قررت تعليق المفاوضات وتطالب بانسحاب فوري من غزة، مما قد يمثل نكسة لإسرائيل بالنسبة للمفاوضات الجارية بشأن الأسرى، حيث تفيد المؤشرات بأن التفاوض كان يناقش فكرة هدنة طويلة الأمد.

وقالت الهيئة، نقلاً عن المصدر، إن "حماس نقلت للوسطاء القطريين أنها تطالب إسرائيل بسحب كافة قواتها من قطاع غزة منذ المرحلة الأولى للصفقة (تبادل الأسرى) ووقف الحرب". 

وحتى الساعة 7:50 (بتوقيت غرينيتش) لم يصدر تعقيب من قطر على ما أوردته الهيئة العبرية اليوم الخميس. 

أزمات نتنياهو طالت قبل ذلك الحليف الأمريكي، وهناك قناعة بأنه يطيل الحرب لأهداف سياسية

وتقول صحيفة يديعوت أحرونوت إن واقع الأمر أن خلافات نتنياهو لم تقتصر على الوسطاء مثل وساطة قطر ومصر، فقد أوردت التقارير أكثر من مرة أن علاقات نتنياهو بالإدارة الأمريكية تشهد توترات كبيرة أيضاً، وقيل إن مسؤولين في الإدارة الأمريكية نصحوا بايدن بالتبرؤ علناً من نتنياهو وقراراته، والتصريح بأنه قد فقد الثقة به، لأن هؤلاء المسؤولين يرون أن نتنياهو يماطل في الحرب لأغراض سياسية. 

وعلى الرغم من أن بايدن ونتنياهو قد تحدثا بعد انقطاع طويل للمكالمات الهاتفية بينهما، فإن تلك المحادثة أعقبها موجة أخرى من التوترات بعد معارضة نتنياهو لما قيل إنه ضغوط أمريكية تُطالبه بالتوافق على خطوط عريضة لإنهاء الحرب على أساس حل الدولتين. 

وقد ذكرت تقارير واردة من واشنطن أنه حتى أصدقاء إسرائيل في الكونغرس، ومنهم نواب ينتمون إلى الحزب الجمهوري [الذين يفترض أنهم أقرب إلى نتنياهو]، قد أصابهم موقفه بالإحباط، وباتوا يخشون عواقب تأثر قراراته باعتباراته السياسية الذاتية.

تصريحات قطر تلمح إلى أنه يعرقل جهود الوساطة لإبرام صفقة حول الأسرى

وتقول صحيفة يديعوت أحرونوت إن التصريحات القطرية أثارت الاتهام نفسه لنتنياهو الذي تطرق إليه حلفاؤه الأمريكيون.

فقد استنكر المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، التصريحات المنسوبة إلى نتنياهو، وما ورد فيها من انتقادات حادة لجهود وساطة قطر. 

وقال الأنصاري: "إذا تبين أن التصريحات المتداولة صحيحة، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي يعرقل ويقوض وساطة قطر لأسباب سياسية ضيقة، بدلاً من إعطاء الأولوية لإنقاذ الأرواح، بما في ذلك الرهائن الإسرائيليون"، ولكنها ليست مفاجئة. فمنذ شهور، وبعد وساطة ناجحة في العام الماضي أدت إلى إطلاق سراح أكثر من مائة رهينة، انخرطت قطر في حوار مستمر مع الأطراف كافة، بما في ذلك الطرف الإسرائيلي، في محاولة لوضع إطار لاتفاق جديد للرهائن وضمان دخول المساعدات الإنسانية اللازمة إلى قطاع غزة".

وأضاف المتحدث القطري: "بدلاً من الانشغال بعلاقات قطر الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، نأمل أن ينشغل نتنياهو بالعمل على تذليل العقبات أمام التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن"، وذلك في إشارة إلى ما ورد في التسجيل المسرب لنتنياهو عن رغبته في أن تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً أكبر على قطر لكي تستغل الدوحة ما توافر لديها من أدوات نفوذ للضغط على حماس.

وقد سُمع نتنياهو في التسجيلات كذلك وهو يقول إنه لا يشكر قطر على جهودها، لأنها -وفقاً له- "لا تختلف في الجوهر عن الأمم المتحدة"، بل هي "أكثر إشكالية على نحو ما"، لكنه أشار إلى أنه "مستعد حالياً لاستخدام أي عامل يساعده في إعادة المختطفين". ومع ذلك، شدَّد نتنياهو على أنه "ليس لديه أوهام" بشأن قطر ودعمها لحماس، "فهم يموِّلونها. وقد أغضبني هذا الأمر في الآونة الأخيرة، ولم أخف ذلك عن الولايات المتحدة، لا سيما بعد أن جدَّدت اتفاق تمديد قاعدتها العسكرية في قطر. و[سألتهم] لماذا لم تطلبوا عودة المختطفين؟ أهذا هو الضغط! قطر لديها نفوذ على حماس، ومن ثم عليكم أولاً أن تضغطوا على قطر".

وزير ماليته المتطرف يصعد بدوره ضد قطر

وفي تصريحات مشابهة، أدعى بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي المتطرف وزعيم حزب الصهيونية الدينية، أن "قطر دولة تدعم الإرهاب، وتموله. إنها راعية حماس وهي مسؤولة إلى حد بعيد عن المذبحة التي ارتكبتها حماس بحق المواطنين الإسرائيليين. وزعم أن موقف الغرب تجاه قطر يتسم بالنفاق، ويقوم على مصالح اقتصادية معيبة. ويمكن للغرب، بل وينبغي له، أن يمارس نفوذاً أقوى عليها لكي يُطلق سراح المختطفين على الفور. ولا شك لدينا أننا لن نسمح لقطر بأن يكون لها علاقة بما يجري في غزة بعد انتهاء الحرب".

تجدر الإشارة إلى أن استطلاعاً للرأي أجري في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، أظهر أن 27% فقط من الإسرائيليين يعتبرون بنيامين نتنياهو ملائماً لمنصب رئيس الوزراء، فيما يرى 52% أن الوزير بمجلس الحرب بيني غانتس الأنسب لتوليه، وأنه للمرة الأولى فإن حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف برئاسة سموتريتش لن ينجح بالانتخابات".

كل ذلك ونتنياهو يتعرض لأزمة داخلية وحرج بسبب عملية المغازي

ويأتي تلاعب نتنياهو الذي يهدد جهود وساطة قطر، في ظل أزمة داخلية يتعرض لها، بعد عملية مخيم المعازي التي قتلت فيها حماس 21 جندياً إسرائيلياً في أكبر خسارة لجيش الاحتلال منذ عملية طوفان الأقصى، وذلك بالتزامن مع صعود مؤشرات لضغوط أمريكية وأوروبية لكي يبدي قبولاً بحل الدولتين، إضافة لانتقادات داخل وخارج إسرائيل له تتهمه بأنه ساهم في صعود حماس للتملص من الاتفاقات مع السلطة الفلسطينية والفصل بين غزة والضفة ومنع إقامة دولة فلسطينية، عبر السماح بإدخال أموال لحماس ضمن ترتيبات لوقف إطلاق النار بين الاحتلال والحركة الفلسطينية عقب كل حرب، وكان مقتنعاً أن حماس ستنهمك في إدارة القطاع وتخفف دورها كحركة مقاومة شاملة لكل فلسطين.

وسبق لنتنياهو أن دافع عن قرار السماح لقطر بتحويل ملايين الدولارات إلى قطاع غزة الذي تديرها حماس، كما فعل في عام 2018 في مواجهة الانتقادات الإسرائيلية الداخلية لهذه القرارات، وقال في ذلك الوقت إن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أيدت هذه الخطوة وأن الوزراء في حكومته الأمنية وافقوا عليها، وأضاف: "أعتقد أننا نتصرف بطريقة مسؤولة وحكيمة".

مصر غاضبة من حديث إسرائيل عن انتهاك معاهد السلام عبر الدخول لمحور فيلادلفيا

التصريحات القطرية الحادة تأتي في الوقت الذي تتصاعد فيه التوترات مع مصر، فقد ورد أن نتنياهو حاول أمس الأربعاء إجراء مكالمة هاتفية مع السيسي، لكن الأخير رفض المكالمة. إلا أن مسؤولين إسرائيليين حاولوا التقليل من الأمر، وقالوا إنهم لم يبالغوا بتحميل الأمر أكثر مما يحتمل، وزعموا أنها ليست توترات لا نهاية لها، وأكدوا أن المحادثة ستتم في نهاية المطاف. 

لكن تقول الصحيفة الإسرائيلية إن حقيقة الأمر هو أن السيسي ونتنياهو لم يتحدثا طوال الحرب، وآخر مكالمة كُشف عنها بينهما كانت في 6 يونيو/حزيران من العام الماضي، وجاءت بعد الهجوم الذي تجاوز فيه شرطي مصري الحدود وقتل ثلاثة جنود إسرائيليين.

وتجرى محادثات منتظمة بين تل أبيب والقاهرة، وقد توافد مسؤولون إسرائيليون على مصر في الأسابيع الماضية، ومع ذلك يبدو أن التوترات بين الطرفين تتزايد، حسب الصحيفة الإسرائيلية.

وساطة قطر ومصر
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي/ رويترز، أرشيفية

إذ أعربت القاهرة حديثاً عن استنكارها للتصريحات الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين، وعلى رأسهم نتنياهو، بشأن ضرورة سيطرة إسرائيل على الممر الحدودي بين مصر وقطاع غزة المعروف بمحور فيلادلفيا، وهو أمر مخالف لاتفاق السلام بين البلدين.

واستنكرت السلطات المصرية كذلك الاتهامات التي وجهها فريق الدفاع الإسرائيلي إلى مصر أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، والتي ألقت فيها إسرائيل باللوم على القاهرة في صعوبة إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

واتهم السيسي إسرائيل أمس الأربعاء 24 يناير/كانون الثاني بتعطيل إدخال شاحنات المساعدات إلى قطاع غزة، وقال: "مصر ليست السبب في عدم دخول المساعدات إلى غزة. معبر رفح بين مصر وقطاع غزة مفتوح من جهتنا على مدار 24 ساعة في اليوم، و7 أيام في الأسبوع. ولكن الإجراءات التي تتخذها إسرائيل -للسماح بدخول المساعدات دون أن يتعرض لها أحد- تعرقل العملية"، وقال السيسي أن "هذا شكل من أشكال الضغط الذي تمارسه إسرائيل على القطاع وسكانه لإطلاق سراح الرهائن".

يؤشر كل ذلك إلى أن نتنياهو قرر لأسباب قد تكون متعلقة بمصالحه السياسية، تهديد وساطة قطر ومصرالتي قدمت الصفقة الوحيدة التي أدت لإطلاق سراح أسرى فلسطينيين مقابل أسرى إسرائيليين، بينما فشلت أكثر من 110 أيام من المعارك في إعادة أسير إسرائيلي واحد. 

تحميل المزيد