كرة النار التي انطلقت بغزة تتدحرج في المنطقة.. توسع دائرة الصراع ينذر بخطر جسيم

عربي بوست
تم النشر: 2024/01/16 الساعة 22:12 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/01/16 الساعة 22:19 بتوقيت غرينتش
مشيعون يحملون نعوش مقاتلي كتائب حزب الله العراقي الذين قتلوا في غارة جوية أمريكية في جرف الصخر جنوب بغداد في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2023-رويترز

لم تقع الحرب الكبرى التي يحذر منها الكثيرون في المنطقة بعد، ولكن المعارك الناجمة عن حرب غزة تتوسع، رغم أنف الجميع، وفي كل الساحات كرة الثلج تتدحرج بين حلفاء إيران من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى، ولكن في تدحرجها عبر المنطقة يتراكم مزيد من النيران لا الثلوج، وسط مخاوف من اندلاع حرب إقليمية واسعة.

منذ بداية حرب غزة، كانت الولايات المتحدة حريصة على حصر الحرب في  القطاع المسكين، وألا تتسع لتشمل ساحات أخرى يتواجد فيها حلفاء إيران.

وبذلت الولايات المتحدة جهداً كبيراً لتحقيق هدف انفراد إسرائيل بحماس، فأرسلت سفنها الحربية بما فيها حاملات الطائرات لردع حزب الله وإيران وضغطت على إسرائيل لضبط النفس وعدم الرد على حزب الله بشكل واسع، وكانت إيران حريصة أيضاً على عدم الدخول في مواجهة.

حتى الآن لم تقع الحرب الواسعة في المنطقة، ولكن ما يحدث أصبح في رأي كثير من المحللين الغربيين لا ينطبق عليه توصيف القتال المنخفض الكثافة، ما نراه الآن مناوشات تتصاعد لتصل إلى اشتباكات واسعة النطاق تقل قليلاً عن الحرب.

البداية والنهاية من لبنان

كان لبنان أرض المقاومة الأولى للحركات الفلسطينية المشكلة لمنظمة التحرير الفلسطينية، كما كانت مقاومته المتمثلة في حزب الله ملهمة لحركتي حماس والجهاد.

وفي بداية حرب غزة  كان لبنان هو المنطقة الأكثر تأثراً بحرب غزة، في وقتٍ مبكر من الحرب، قال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إن الحزب لم يكن جزءاً من هجوم حماس ولم يكن على علم به، لكنه أشار إلى أن هدف إسرائيل بالقضاء على حماس يمثل الخط الأحمر الذي سيزيد تورط حزب الله في الصراع.

كانت الرسالة واضحة: لا نريد حرباً ولكن لن نسمح بالقضاء على حماس، وبعد ذلك بدأت كرة الثلج اللبنانية تتدحرج.

بدأ حزب الله بهجمات محدودة على شمال إسرائيل، ومع استمرار تصعيد الحرب ضد غزة، صعَّد الحزب من وتيرة هجماته باستخدام الصواريخ ومنها صواريخ بركان، إضافة للطائرات المسيرة، ويعتقد أن صواريخ بركان ألحقت دماراً كبيراً بالمواقع العسكرية الإسرائيلية.

ويعتقد الإسرائيليون بعد اكتشافهم للحجم المذهل من شبكة أنفاق حماس أن حزب الله قد بنى شبكة أنفاق مماثلة أو حتى أكبر، وهذه الأنفاق بُنيت بمساعدة كوريا الشمالية، حسبما أشار تقرير لمركز ألما في يوليو/تموز عام 2021 والذي أعده الباحث تال بيري، الذي يقول إن هذه الشبكة أكبر بكثير من أنفاق حماس (في تقديره، استعانت حماس بالخبرة الإيرانية والكورية الشمالية لبناء أنفاقها أيضاً)".

ويبلغ طول أحد هذه الأنفاق 45 كيلومتراً، وهي أنفاق استراتيجية يمكن للسيارات أن تتنقل خلالها أيضاً.

في 25 ديسمبر/كانون الأول 2023،  قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، إن المنطقة الحدودية الإسرائيلية مع لبنان بأكملها باتت مهجورة، حيث تسببت صواريخ حزب الله اللبناني في تدمير مئات المنازل في الشمال الإسرائيلي وأضرار بالمليارات في 20 بلدة من المستوطنات الإسرائيلية، وتعرضت أكثر من ألف شركة ومزارع لأضرار اقتصادية جسيمة.

حرب إقليمية
الحدود الإسرائيلية اللبنانية/الأناضول

ردت إسرائيل بتصعيد عمليات القصف، وتنفيذ عمليات اغتيال لشخصيات رفيعة المستوى.

في 2 يناير/كانون الثاني اغتالت صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في الضاحية الجنوبية لبيروت معقل حزب الله، وتوعد الحزب بالانتقام للعاروري.

في 5 يناير/كانون الثاني 2024، أعلن الأمين العام لـ"حزب الله" أن حزبه نفذ ما يزيد على 670 عملية ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة لا تريد توسيع الحرب لانشغالها بأوكرانيا.

وقال إن "المقاومة الإسلامية استهدفت أيضاً التجهيزات الفنية والاستخبارية على طول الحدود، وتم تدميرها بالكامل"، وأضاف: "الجنود الإسرائيليون هربوا من المواقع في اتجاه المستوطنات؛ خشيةً من تقدم المقاومين في اتجاه المواقع واحتلالها"، مشيراً إلى أنه "تمّ تدمير عدد كبير من الآليات والدبابات على طول الحدود أيضاً، وأن العمليات كانت مستنزفة جداً للعدو، الذي مارس تكتماً شديداً على خسائره الكبيرة"، وفق قوله.

في اليوم التالي 6 يناير/كانون الثاني 2024، أعلن حزب الله، إطلاق عشرات الصواريخ تجاه شمال فلسطين المحتلة، كرد أوّلي على اغتيال صالح العاروري نائب رئيس حركة حماس.

ورداً على مقتل العاروري، استهدف حزب الله قاعدة جبل الجرمق (ميرون) في الشمال بـ62 صاروخاً.

واعترف جيش الاحتلال الإسرائيلي، في 7 يناير/كانون الثاني 2024، بأن أضراراً لحقت بقاعدة المراقبة الجوية العسكرية "ميرون" (شمال) والتي استهدفها "حزب الله" اللبناني

وفي 8 يناير/كانون الثاني 2024، اغتال الاحتلال الإسرائيلي وسام الطويل الملقب بـ"الحاج جواد" وهو نائب رئيس قوة الرضوان التي تمثل قوات النخبة لدى حزب الله، في استهداف سيارة جنوبي لبنان.

وفي اليوم ذاته أفادت تقارير بأن إسرائيل نفذت موجة غير مسبوقة من الضربات القاتلة في سوريا تستهدف شاحنات بضائع وبنية تحتية وأفراداً مشاركين في نقل أسلحة إيران إلى جماعات متحالفة معها في المنطقة، ومن بينهم مسؤول بالمخابرات العسكرية السورية وقائد في التحالف الإقليمي الذي يدعم الحكومة السورية.

رد الحزب بشن هجوم بالطائرات المسيرة على القيادة الشمالية الإسرائيلية بعد مقتل الطويل. واستهدفت تلك الهجمات أهدافاً عسكرية عالية القيمة، أي أن حزب الله أراد إرسال ردّه الخاص إلى إسرائيل بشأن مدى دقة وتطور المدى العسكري للحزب. 

وفي 9 يناير/كانون الثاني، وجهت وزارة الصحة الإسرائيلية المستشفيات بشمال فلسطين المحتلة للاستعداد لاستيعاب آلاف الجرحى، على خلفية تزايد وتيرة التصعيد مع حزب الله اللبناني.

واستمر تصاعد حدة القصف الصاروخي المتبادل على الحدود اللبنانية الجنوبية لتصل إلى عشرات الكيلومترات على جانبي الحدود بالعمق اللبناني والإسرائيلي، مما يهدد بتحول التصعيد إلى مواجهة أوسع مع وصول القصف الإسرائيلي إلى معقل حزب الله في ضاحية بيروت الجنوبية.

حزب الله ينتقل 1500 من عناصره من سوريا للبنان

وتفيد تقارير بأن حزب الله نقل ألفاً و500 من قواته من سوريا للبنان استعداداً للتصعيد.

وفي 10 يناير/كانون الثاني 2023، أعلن حزب الله أن عدد من قضوا نحبهم من مقاتليه في القتال مع إسرائيل منذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الثاني وصل إلى 159.

في المقابل قتل 15 إسرائيلياً عند الحدود مع لبنان، منذ اندلاع المواجهات بين جيش الاحتلال و"حزب الله" في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حسبما أعلنت القناة "12" الإسرائيلية، في 11 يناير/كانون الثاني 2024.

وقتل 29 مدنياً جراء القصف الإسرائيلي على جنوب لبنان خلال 100 يوم الماضية، منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بينهم 3 صحفيين و3 أطفال.

وفي 16 يناير/كانون الثاني 2024، أعلن الجيش الإسرائيلي أن قوة خاصة تابعة له نفذت عملية برية في منطقة "عيتا الشعب" في الجنوب اللبناني، في خطوة هي الأولى منذ الحرب على لبنان عام 2006.

وخلال كل هذا التصعيد لم تتوقف إسرائيل عن التلويح بالحرب، ولم يتوقف المسؤولون الأمريكيون عن الذهاب للبنان لنقل التحذيرات عبر مسؤوليه إلى حزب الله بضرورة وقف التصعيد، كما تؤكد إسرائيل مراراً، أنه لا تهدئة دون عودة المهجرين الإسرائيليين للشمال، وإبعاد حزب الله عن الحدود الإسرائيلية لينتقل إلى الشمال من نهر الليطاني، ولكن الحزب لم يغير موقفه، ويؤكد أنه لا حديث عن أي ترتيبات على الحدود دون إنهاء الحرب على غزة.

ومسلسل التصعيد ما زال مستمراً، وإسرائيل تسرب تقارير بأن سحبها لبعض الوحدات من غزة قد يكون تمهيداً ِلإشعال حرب ضد حزب الله في الشمال، ولكن في الوقت ذاته يعترف بعض مسؤوليها أن اشتعال حرب قد يكون معناه إمطار المدن الإسرائيلية بالصواريخ.

العراق.. تصاعد في الاشتباكات بين الحشد والأمريكيين، وإيران تضرب الأكراد

في  22 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تعرضت قاعدة "عين الأسد" الجوية التي تضم قوات أمريكية وغربية أخرى غرب العراق، إلى هجوم بصواريخ "كاتيوشا"، وذلك بعد يومين من تعرّض القاعدة نفسها لهجوم، كرد من الفصائل العراقية الشيعية الموالية لإيران على الدعم الأمريكي لإسرائيل.

في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أفاد تقرير لـ"عربي بوست" أن عدداً من قادة الفصائل العراقية زاروا جنوب لبنان لمقابلة الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، بصحبة 500 مقاتل من الفصائل العراقية الشيعية الموالية لإيران.

في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، ظهر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن وهو يرتدي سترة واقية من الرصاص أثناء زيارته للعاصمة العراقية بغداد، وهو ما أثار تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل. 

في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، كشفت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" أن 56 جندياً من الجيش الأمريكي تعرضوا لإصابات طفيفة أو ارتجاج دماغي في 46 هجوماً بالعراق وسوريا منذ 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقالت البنتاغون إنه إذا استمرت الهجمات ضد قواتنا "فلن نتردد في اتخاذ إجراءات ضرورية إضافية لحماية أفرادنا".

ولكن بعد ذلك تواصلت الهجمات على القواعد الأمريكية وأغلبها كانت هجمات بطائرات مسيرة، ولا توقع إصابات في صفوف الأمريكيين أو توقع إصابات طفيفة.

في 8 ديسمبر/كانون الأول 2023، ذكر مسؤول عسكري أمريكي، أن نحو سبع قذائف مورتر سقطت بمجمع السفارة الأمريكية في بغداد.

في 27 ديسمبر/كانون الأول، قالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي إن الرئيس جو بايدن أمر بتوجيه ضربات ضد مناطق تمركز مقاتلي كتائب حزب الله العراقية، بعد استهداف قاعدة عسكرية أمريكية في أربيل أُصيب على إثرها ثلاث جنود أمريكيين من بينهم جندي بإصابة خطيرة.

حرب إقليمية
مقاتل من ميليشيا كتائب حزب الله العراقية ورجل يتفقدان موقع غارة جوية أمريكية في الحلة بالعراق في 26 ديسمبر/كانون الثاني 2023- رويترز، أرشيفية

وأدى الانتقام الأمريكي، إلى مقتل منتسب عراقي وإصابة 18 من أعضاء الفصائل الشيعية، وأدانت الحكومة العراقية الهجوم ووصفته بأنه فعل عدائي واضح، وغير بنّاء، ولا يصبُّ في مسار المصالح المشتركة طويلة الأمد، في بسط الأمن والاستقرار.

وقال قيادي في كتائب حزب الله العراقية لـ"عربي بوست": "لقد قام الأمريكيون بتغيير الخطوط الحمراء بشكل مفاجئ لم تتوقعه فصائل المقاومة العراقية، كان هناك اتفاق ضمني بعدم قتل أي جندي أمريكي في هجمات فصائل المقاومة بشرط إلا تقوم واشنطن باستهداف مقاتلي المقاومة العراقية".

وتبنَّت "المقاومة الإسلامية في العراق"، الخميس 28 ديسمبر/كانون الأول 2023، الهجوم الذي نُفذ في الجولان المحتل بطائرة طائرة مسيرة مفخخة، ما أسفر عن أضرار في أحد المباني بالمنطقة، حسب ما نشرته مواقع محلية

في  4 يناير/كانون الثاني 2024، قالت مصادر بالشرطة العراقية إن 4 على الأقل من مقاتلي فصيل متحالف مع إيران قُتلوا، بينما أصيب 6 آخرون في هجوم بطائرة مُسيرة استهدف مقر الفصيل في شرق بغداد.

في 5 يناير/كانون الثاني أعلن تشكيل يُسمى "المقاومة الإسلامية في العراق"، استهداف قاعدة حرير الأمريكية، قرب مطار أربيل شمال العراق، بالطيران المسيّر.

وأدى تصاعد الهجمات الأمريكية إلى اكتساب الدعوات، لرحيل التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، زخماً خاصة أن الهجمات استهدفت فصائل تشكل جزءاً من قوات الأمن العراقية الرسمية.

في 9 يناير/كانون الثاني، نفت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، الثلاثاء 9 يناير/كانون الثاني 2024، أي خطط لسحب قواتها من العراق، وهو ما يتعارض مع تصريحات من جانب الحكومة العراقية تؤكد العمل على إنهاء الوجود الأمريكي في البلاد.

في اليوم التالي، قال رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إن العراق يريد خروجاً سريعاً ومنظماً للقوات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة من أراضيه عن طريق التفاوض، لكنه لم يحدد موعداً نهائياً، ووصف وجود تلك القوات بأنه مزعزع للاستقرار في ظل التداعيات الإقليمية لحرب غزة.

في ليل الإثنين 15 يناير/كانون الثاني، أعلنت إيران عن شن هجوم صاروخي على "مجموعات وصفتها بالإرهابية" في أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق، مشيرة إلى تدمير "مقرات تجسس وتجمع لمجموعات إرهابية معادية لإيران في أجزاء من المنطقة باستخدام صواريخ باليستية".

وأعلن الحرس الثوري الإيراني أنه هاجم "مراكز تجسس" لإسرائيل في إقليم كردستان العراقي، فضلاً عن استهداف تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا.

ونددت وزارة الخارجية الأمريكية بالهجمات التي وقعت قرب أربيل، ووصفتها بأنها "متهورة". وقال مسؤولون أمريكيون إنه لم يتم استهداف أي منشآت أمريكية، ولم تقع خسائر في صفوف الأمريكيين.

واستدعى العراق سفيره لدى إيران "للتشاور"، وقالت الخارجية العراقية، إن بغداد "ستتخذ كافة الإجراءات القانونية" الضرورية، بما في ذلك "تقديم شكوى إلى مجلس الأمن" الدولي.

وفي 16 يناير/كانون الثاني، تعرضت قاعدة حرير الأمريكية في مدينة أربيل العراقية إلى هجوم بالصواريخ والطائرات المسيرة.

اليمن.. كرة الثلج تؤلم أصابع العالم كله

في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أعلن الحوثيون احتجاز سفينة بريطانية تدعى "Galaxy Leader" تديرها شركة يابانية ولكنها مملوكة جزئياً لرجل أعمال إسرائيلي، في إطار ما يعتبرونه دعماً لغزة.

وشدد الحوثيون على أنهم سيستهدفون السفن فقط المملوكة لإسرائيليين، ثم وسعوا نشاطهم ليشمل السفن الذاهبة أو القادمة لإسرائيل، وقالوا إنهم لن يتوقفوا عن هذا العمل إلا بتوصيل الإمدادات لغزة المحاصرة، وإنهاء الحرب، وشددوا على أنهم لن يمسوا أمن الملاحة البحرية في البحر الأحمر ولن يهاجموا السفن غير المرتبطة بإسرائيل.

واصل الحوثيون استهداف السفن المرتبطة بإسرائيل، باستخدام الطائرات المسيرة وصواريخ كروز وحتى الصواريخ الباليستية، وأسقطت السفن الحربية الأمريكية أغلب مقذوفات الحوثيين، وأصرت أمريكا على أن ما يحدث هو استهداف لحرية الملاحة الدولية رغم تأكيد الحوثيين أنهم لا يستهدفون سوى السفن المرتبطة بإسرائيل.

في 19 ديسمبر/كانون الثاني، أعلنت الولايات المتحدة عن تشكيل تحالف بحري مضاد للحوثيين، يحمل اسم حارس الازدهار، ويضم 11 دولة هي البحرين، كندا، فرنسا، إيطاليا، هولندا، النرويج، إسبانيا، سيشيل، والمملكة المتحدة، إضافة للولايات المتحدة.

ثم أعلنت إسبانيا أنها ليست عضواً في التحالف كذلك إيطاليا.

مروحية تابعة للحوثيين خلال مشاركتها في عملية احتجاز السفينة "Galaxy Leader" المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي/رويترز

في 11 يناير/كانون الأول شنّت القوات الأمريكية والبريطانية ضربات جوية على ما يقرب من 30 موقعاً في اليمن وضربة أصغر في اليوم التالي، في أعقاب سلسلة من الهجمات الحوثية الواسعة النطاق على سفن الشحن المرتبطة بإسرائيل داخل البحر الأحمر.

رد الحوثيون بالتعهد بأنهم لن يتوقفوا عن دعم فلسطين، متوعدين باستهداف السفن الأمريكية وليس المرتبطة بإسرائيل فقط.

في 15 يناير/كانون الثاني، أعلن الحوثيون، مسؤوليتهم عن هجوم استهدف سفينة أمريكية في خليج عدن، قائلين إنهم أطلقوا عدداً من الصواريخ عليها، وتعهد بأن أي ضربات مستقبلية على اليمن "لن تمر دون رد"، واعتبروا أن أي سفن أمريكية وبريطانية "تشارك في العدوان على اليمن تمثل أهدافاً معادية".

وقال متحدث حوثي إن "القوات المسلحة اليمنية تؤكد أن الرد على الاعتداءات الأمريكية والبريطانية قادم لا محالة وإن أي هجوم جديد لن يبقى دون رد وعقاب".

وفي المقابل، قالت القيادة المركزية الأمريكية، في بيان، إن السفينة تعرضت لأضرار طفيفة، ولم تبلغ عن أي إصابات.

وفي 16 يناير/كانون الثاني، أعلن مسؤولون أمريكيون أن بلادهم نفذت، ضربة جديدة على صواريخ مضادة لسفن تابعة للحوثيين في اليمن.

بينما تستطيع أن تدعي الولايات المتحدة أنها انتقمت من الحوثيين فإن هناك إجماعاً بين المحللين على صعوبة القضاء على قدرتهم في ظل خبرتهم الطويلة أمام حملة القصف السعودي والإماراتي التي استمرت لسنوات، في المقابل، لم يؤد التحرك الأمريكي ولا حارس ازدهارها إلى تسهيل الملاحة البحرية، فواقعياً، ازداد الأمر تعقيداً، وازدادت دائرة السفن المستهدفة لتشمل السفن المرتبطة بأمريكا.

والآن تحولت شركات الملاحة لطريق رأس الرجاء الصالح الأطول؛ مما يهدد بارتفاع أسعار المنتجات بما فيها النفط، بل إن بريطانيا تتحدث عن مخاطر على الدواء لديها بسبب هذه الأزمة.

إيران تنقل التوتر من جبهة لأخرى لتوزيع الأعباء على حلفائها ولتجنب وقوع حرب إقليمية واسعة

في الساحات الأربع الرئيسية العراق ولبنان واليمن وبصورة أقل سوريا، يبدو منحنى القتال في تصاعد، ووتيرة الانتقام المتبادل تتزايد، وسقف التفاهمات المتفق عليها أو المفهومة للأطراف يخترق تدريجياً.

من الواضح إن إيران تعمل على موازنة التصعيد بدقة، فكلما اشتعلت جبهة ووصلت لمرحلة خطيرة حرَّكت جبهة أخرى لتحمل عنها العبء وتشغل الأمريكيين والإسرائيليين، بدا ذلك عندما تصاعد الوضع بشكل خطير في جبهة حزب الله في لبنان، وهي جبهة مهمة؛ لأنها تشغل جزءاً من الجيش الإسرائيلي عن حرب غزة، ولكن عندما وصلت لمرحلة خطيرة قد يؤدي فيها أي تصعيد إلى اندلاع حرب، تم تحريك جبهة اليمن، واليوم مع وصولها لمرحلة خطيرة، تم تحريك جبهة العراق عبر استهداف إيران مباشرة لإقليم كردستان الحليف الوثيق للولايات المتحدة الأمريكية.

هل تستطيع واشنطن وطهران الاستمرار في موازنة هذه الحرب التي لم تعد منخفضة الكثافة؟

يجيد الإيرانيون بشدة هذه التوازنات ويحاول الأمريكيون أن يلعبوا بنفس الدقة.

ولكن قد يقع خطأ من أحد الأطراف يشعل فتيل حرب إقليمية كبرى، قد يكون هذا الخطأ مقتل قيادي كبير في حزب موالٍ لإيران مثلاً، أو عدد كبير من الجنود الأمريكيين، أو إصابة مؤثرة تلحق بسفينة حربية أمريكية.

وقد لا يحدث الانفجار الكبير، وتستمر نيران الاشتباكات في التصاعد لتصل لمستوى حرب كبرى دون أن يكون هناك إعلان رسمي بذلك.

يريد الأمريكيون إطفاء الحرائق المتعددة في المنطقة دون إطفاء المحرقة الجارية في غزة، في المقابل يريد محور المقاومة الاستمرار في الضغط على الأمريكيين بسلسلة من الحرائق المسيطر عليها دون أن تتحول المنطقة كلها لمحرقة كبيرة مماثلة لغزة.

لكن هذه المقاربة بدأت تخرج عن السيطرة، ولقد بدأت دول المنطقة وكثير من دول العالم تعاني من شلل حقيقي في التجارة بسبب أزمة البحر الأحمر، وقناة السويس مصدر الدخل لأكبر دولة عربية مهددة بنكسة كبيرة في وقت مصر في حاجة لكل دولار.

ولا تستطيع الدول العربية رغم تضررها حتى انتقاد الحوثيين؛ لأن شعوبها ترى ما يحدث من حرب وتجويع في غزة، وهذه الشعوب تعتبر أن أي عمل لعرقلة التجارة يبدو مبرراً بالنظر لما يحدث بغزة، حتى لو تضررت منه هذه الشعوب.

لذا لم يكن غريباً أن يتفق وزيرا خارجية السعودية فيصل بن فرحان وقطر الشيخ محمد بن عبد الرحمن  في منتدى دافوس على أن الأولوية لخفض التصعيد في المنطقة، وأن هذا يبدأ من وقف الحرب غزة، مع إعطاء أولوية خاصة للبحر الأحمر؛ لأنه أزمة عالمية.

لكن أمريكا مصرّة على إبقاء غزة مشتعلة، مع محاولة منع نشوب حرب أخرى بالمنطقة.

لا أحد يعلم متى وأين قد تتحول كرة الثلج المتدحرجة إلى كرة نيران تشعل الجميع.

ولكن كثيراً من الحروب على مدار التاريخ اندلعت رغم أنف من ساهموا بإشعالها بها.

تحميل المزيد