يبدو أن حل الدولة الواحدة التي تضم إسرائيل وفلسطين تزداد فُرصه مع إصرار حكومة الاحتلال على ضم الضفة، وتخطيطها لإعادة احتلال غزة، وكأنها تريد أن تُفجّر قنبلة سكانية فلسطينية في نفسها؛ بسبب أطماعها في الأرض الفلسطينية، وإصرارها على منع قيام دولة فلسطينية.
ويحذر القادة الفلسطينيون من حين إلى آخر من أنه في حال غياب حل الدولتين القابل للتطبيق، قد يضطرون لمراجعة مطالبهم: ولن يعود مطلبهم دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل، بل حقوق ديمقراطية متساوية للجميع، داخل دولة واحدة تمتد بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط، حسبما ورد في تقرير لموقع Ynet الإسرائيلي.
عباس ودحلان يلوِّحان باللجوء إلى تبنِّي حل الدولتين
وأصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس تحذيراً مؤخراً بأنه إذا استمرت إسرائيل في فرض واقع وجود دولة "فصل عنصري" واحدة، فإن الظروف في المنطقة سوف تُجبر بالضرورة على حصول الفلسطينيين على حقوق سياسية كاملة. وفي نفس السياق، ردد خصمه السياسي، محمد دحلان، نفس الرسالة في مارس/آذار الماضي، حين قال: "حل الدولتين وَهْم، وقد انتهى ومات. .إسرائيل دمرته تماماً. علينا ألا نضيع الوقت، وأن نطالب بحل الدولة الواحدة لشعبين متساويين في الحقوق".
ومن سذاجة إسرائيل أن هذه التهديدات بشأن حل الدولة الواحدة جرى الاستخفاف بها على اعتبار أنها مجرد صخب وليست استراتيجية سياسية ملموسة، حسب موقع Ynet الإسرائيلي.
ولذلك، فإن المطالبة بدولة واحدة لم تصبح بعد السياسة الفلسطينية الرسمية. بيد أن التأثير المحتمل للحرب التي تشنها إسرائيل ضد غزة قد يثبت قوته بالنسبة للاعتبارات الفلسطينية. فهل يصدم مثل هذا التحول إسرائيل، مثلما صُدمت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول؟
المستوطنات قضت على حلم الدولة الفلسطينية
يجادل مؤيدو حل الدولة الواحدة الفلسطينيون بأن نمو المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية قضى على إمكانية إقامة حدود واضحة بين الشعبين.
فكثير من القادة الفلسطينيين اقتنعوا بأن توسع المستوطنات اليهودية في قلب الأراضي التي يُستهدف منها أن تكون أراضي الدولة الفلسطينية، يقود إلى نتيجة مفادها أن إسرائيل تتجه نحو الضم، وتعمل باستمرار من أجل ابتلاع هذه الأراضي.
وفقاً لنهجهم، إذا ألغى الفلسطينيون مطلبهم بإقامة دولة مستقلة، وطالبوا بدلاً من ذلك بالحصول على حقوق متساوية، فإن البلاد الغربية سوف تضطر إلى دعم مطلبهم. ومع مرور الوقت، سوف تجد هذه البلاد أنه من الصعوبة تبرير واقع لا يحق فيه للفلسطينيين المشاركة في العملية الديمقراطية التي تحدد الحكومة المسؤولة عن مصير إسرائيل، والتي تحكم الفلسطينيين بشكل غير ديمقراطي وعبر نظامَين قانونين منفصلين.
في الوقت الحالي هناك نظام للفصل العنصري بالضفة، حيث توجد عقوبتان للجريمة الواحدة
وفي ظل الوجود الكثيف للمستوطنين في الضفة الغربية، لفتت كثير من التقارير الغربية إلى أنه واقعياً، يعيش الفلسطينيون والمستوطنون جنباً إلى جنب في ظل نظامين قانونين مختلفين، فلو وقعت حادثة سير بين فلسطيني من مستوطن إسرائيلي، يحاسب الإسرائيلي وفقاً للقوانين الإسرائيلية، بينما يحاسب صاحب الأرض الفلسطيني وفقاً لقوانين العسكرية الإسرائيلية التي تطبق على الضفة.
وحتى تجارة المخدرات تشهد تمييزاً عنصرياً من قِبل الاحتلال الإسرائيلي.
فلو زرع تاجِرَا ممنوعات، أحدهما إسرائيلي والآخر فلسطيني، قطعتي أرض متجاورتين بالمخدرات في الضفة الغربية في المنطقة الخاضعة للسلطة الفلسطينية، وألقيا القبض عليهما في اللحظة نفسها، فقد يقضي التاجر الفلسطيني سنوات في السجن، وفقاً لقوانين السلطة، بينما يغادر الإسرائيلي إلى منزله مصحوباً بالاعتذار، وإذا كانت سلطات الاحتلال معنية بالجريمة، فإنه سوف تعاقب الفلسطيني بقوانين الاحتلال الصارمة، بينما تفرض عقوبات هينة على الإسرائيلي، وفقاً لقوانين الدولة العبرية المتساهلة في قضايا المخدرات.
إذ يبدو أن عنصرية إسرائيل تتوسع لتشمل كل شيء حتى المخدرات، فيما يمكن تسميته بـ"عنصرية المخدرات الإسرائيلية".
فمن الطبيعي أن قوانين السلطة الفلسطينية باعتبارها دولة عربية إسلامية لا تتسامح في تجارة وتعاطي المخدرات، ولكن المفارقة أن القوانين التي تمنع المخدرات في الضفة لا تطبق على المستوطنين أو الإسرائيليين القادمين من أراضي 48، حتى لو فعلوا ذلك في الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية.
ويستغل كثير من الإسرائيليين هذا الوضع للقيام بنشاط إجرامي متعلق بالمخدرات داخل الضفة.
فنظراً إلى أنَّ الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية لا يستطيعون مقاضاة الإسرائيليين، فقد أقام بعض الإسرائيليين عمليات زراعة كبرى في المدن التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية مثل رام الله وقلقيلية والخليل وجنين، لخدمة مطالب السوق الإسرائيلية وليس الفلسطينية (رغم أنه من الصعب الفصل بينهما).
وعندما تداهم السلطة الفلسطينية عمليات الزراعة هذه في الضفة الغربية، غالباً ما يواجه الفلسطينيون المتورطون في الأمر وحدهم العواقب، بينما لا تتم معاقبة الإسرائيليين، وبسبب غياب التداعيات أو العقوبات، سرعان ما يعود الإسرائيليون لإعادة تأسيس عمليات زراعة المخدرات في أراضي السلطة.
يحظى بتأييد ثلث الفلسطينيين.. لماذا قد يعزز عدوان إسرائيل على غزة فرص الدولة الواحدة؟
تكشف الدراسات الاستقصائية الدورية، التي يجريها الدكتور خليل الشقاقي، أستاذ العلوم السياسية ومدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله، عن أن حل الدولة الواحدة يحظى بدعم من ثلث الشعب الفلسطيني، وأن النسبة الأكبر من هذا الدعم تأتي من الجيل الأصغر.
على الجانب الإسرائيلي، تشير التصريحات الذي يدلي بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزراء حكومته، إلى أن الحرب ضد غزة تعزز معارضة إسرائيل لحل الدولتين، وأنه ليست هناك فكرة سياسية بديلة غير تعميق الاحتلال.
ولكن مساعي الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، ولاسيما الوزراء الأكثر تطرفاً، إلى ضم الضفة الغربية، تعني أن نهاية الاحتلال ليست قريبة، وتعزز ما تقوله المنظمات الدولية من أن إسرائيل هي دولة نظام فصل عنصري.
يقول موقع Ynet الإسرائيلي: "إن الرد الإسرائيلي القاسي على عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، سوف يعزز على الأرجح التطلعات الفلسطينية لإقامة دولة مستقلة عبر الوسائل العنيفة. وبدون عملية سياسية، يكون الخيار المتبقي هو حل الدولة الواحدة".
التهديد باحتلال غزة يعني إدخال سكانها في المعادلة
يجادل علماء الديموغرافيا عما إذا كان هناك بالفعل تكافؤ ديموغرافي بين اليهود والعرب الذين يعيشون بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. ويجادل هؤلاء الذين يقللون من قيمة العامل الديموغرافي بأن العرب البالغ عددهم 2.1 مليون نسمة الذين يعيشون في غزة "التي تسيطر عليها حماس"، يجب اقتطاعهم من السكان العرب، لكن هذا الطرح قد ينهار إذا احتلت إسرائيل غزة كما تخطط على ما يبدو.
وقال نتنياهو في السابق: "في اليوم التالي لما وصفه بتفكيك حماس، يجب أن يكون هناك حضور نشط للجيش الإسرائيلي في هذه المنطقة. نحن من نريد مكافحة الإرهاب"، حسب تعبيره.
ولكنه قال في عام 2003 إن التركيبة السكانية العربية في إسرائيل يجب ألا تتخطى عتبة الـ50% للمحافظة على الشخصية اليهودية لدولة إسرائيل. وفسَّر ذلك قائلاً: "إن دمج الأقلية العربية في المجتمع هو مسألة تتعلق بالأرقام أيضاً. فإذا وصلت إلى 40%، سوف تكون الدولة اليهودية إلى زوال"، وتصبح دولة ثنائية القومية؟ سوف تفقد إسرائيل ما تصفه بـ"شخصيتها اليهودية"، مما يجلب نهاية للحلم الصهيوني.
ويقول الموقع العبري: "في هذه الحالة سوف يصبح القانون الأساسي: إسرائيل بوصفها دولة قومية للشعب اليهودي، الذي ينص على أن "ممارسة حق تقرير المصير الوطني في دولة إسرائيل هي أمر فريد بالنسبة للشعب اليهودي"، كما لو أنه مجرد كلام فارغ".
ويضيف قائلاً: "يكفي أن نتخيل كيف ستتغير صورة القدس، إذا قرر سكان المدينة من العرب ممارسة حقهم في المشاركة في الانتخابات البلدية (انخفضت الأغلبية اليهودية في المدينة مع مرور السنوات، وتبلغ الآن 60%)".
هل يصبح مصير إسرائيل مثل نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا أم تستطيع الإفلات من الضغط الدولي؟
اعتبرت كل من منظمة هيومن رايتس ووتش الأمريكية والعفو الدولية بالفعل إسرائيل دولة فصل عنصري، ورغم تبنّي بعض المعلقين لهذا التوصيف لم تتبنّاه بعد أي حكومة غربية، ولكن مع ضم الضفة واحتلال غزة، واستمرار الممارسات الإسرائيلية العنصرية، قد يتحول هذا التوصيف إلى توصيف رسمي.
وتماماً مثلما انهار نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا تحت الضغط الدولي، قد تُجَبر إسرائيل أيضاً على منح حقوق سياسية إلى أي شخص يعيش ضمن ولايتها القضائية، وهو أمر قد يؤدي إلى حل الدولة الواحدة بين النهر والبحر.
ويقول موقع Ynet الإسرائيلي: يجب أن تقاتل إسرائيل بشراسة ضد هؤلاء الذين ينتفضون ضدها، حسب تعبيره، لكنها لا ينبغي لها أن تنسى أنه بدون مبادرة تسعى وراء حل الدولتين، فإنها تتخلى عما يصفه بـ"مستقبلها" التغير في المطلب الفلسطيني ليصير حل الدولة الواحدة هو في متناول أيديهم. ولعلنا سوف نُصدم قريباً صدمة سياسية، تماماً بنفس قدر الصدمة العسكرية التي أُصبنا بها بسبب عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها حماس.
في حال ضم الضفة واحتلال غزة، كما تخطط الحكومة المتطرفة التي تحكم إسرائيل، قد يصبح الفلسطينيون أغلبية في الأرض بين البحر والنهر، وبدون شكل من أشكال الدولة الفلسطينية، يرسخ هذا حقيقة أن إسرائيل دولة عنصرية، ورغم أن احتمال فرض عقوبات على إسرائيل في ظل الوضع الحالي يبدو صعباً، ولكن مع استمرار الاحتلال وإلغاء الشخصية السياسية المستقلة للأراضي الفلسطينية، ومع صعود أجيال جديدة في الغرب أكثر حساسية للتفرقة العنصرية، وأشد جرأة في انتقاد إسرائيل، قد تجد الدولة العبرية نفسها مهددة بفرض عقوبات بسبب إقامتها نظاماً للفصل العنصري.
عندما أسس البيض في جنوب أفريقيا نظام الفصل العنصري عام 1948 على أنقاض النظام الاستعماري البريطاني، لم يتخيلوا وهم المنحدرون من أصول بريطانية وهولندية وألمانية، أن أوروبا والغرب الذين يمثلون رعاة لهم يمكن أن يفرضوا عليهم يوماً عقوبات على بلادهم، خاصة أن العنصرية كانت قائمة بالفعل في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة في جنوبها.
ولكن مع الوقت تحولت العنصرية إلى سُبَّة في الغرب دفعت حتى أقرب الدول الغربية مثل بريطانيا والولايات المتحدة إلى فرض عقوبات على جنوب أفريقيا.
وبينما صمدت جنوب أفريقيا لعقود أمام العقوبات الغربية؛ لأنها دولة غنية بالموارد (واحد من أكبر منتجي الذهب في العالم)، فإن السؤال الآن: هل تستطيع إسرائيل الصمود أمام أي عزلة دولية مماثلة؟