لمدة عام كامل استمر الإعداد من أجل القمة الأمريكية الصينية، والتي جمعت الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الصيني شي جين بينغ معاً يوم الأربعاء، 15 نوفمبر/تشرين الثاني، على أطراف مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية، حيث يجتمع الزعماء الآسيويون في قمة التعاون الاقتصادي السنوية لآسيا والمحيط الهادئ (APEC)
وخرج الرئيس الأمريكي من محادثات استمرت أربع ساعات مع الزعيم الصيني شي جين بينغ واثقاً من أن العلاقات الأمريكية الصينية المشحونة آخذة في التحسن، مروجاً لاتفاقيات بشأن الحد من إنتاج مخدر الفنتانيل واستعادة الاتصالات العسكرية، بينما لا يزال يعترف بأن التوترات العميقة تظل قائمة، حسبما ورد في تقرير لشبكة CNN الأمريكية.
بايدن يصف المحادثات بأنها بناءة ولكن لا يزال يعتبر الرئيس الصيني ديكتاتوراً!
وقال بايدن إنه وشي اتفقا على التحدث عبر الهاتف أثناء فترات الخلاف، ووصف المحادثات بأنها "من أكثر المناقشات البناءة والمثمرة التي أجريناها".
وأفادت وكالة Associated Press الأمريكية أنه، في علامة محتملة أخرى على المشاعر الدافئة، أشار شي في وقت لاحق من الليل إلى أن الصين سترسل حيوانات الباندا الجديدة إلى الولايات المتحدة بعد إعادة الثلاثة من حديقة حيوان سميثسونيان الوطنية في واشنطن في وقت سابق من هذا الشهر. وقال شي في كلمة له إنه يريد "تعميق العلاقات الودية بين شعبينا". وقال شي أيضاً إنه علم أن الأمريكيين، وخاصةً الأطفال، "لا يريدون حقاً" توديع هذه الحيوانات النادرة والمحبوبة.
ومع ذلك، قال بايدن، بعد مغادرته القمة بعد مؤتمر صحفي، إنه لا يزال يعتبر شي ديكتاتوراً، رغم التقدم الذي أحرزاه خلال اجتماعهما.
وكانت النتائج المتعلقة بالفنتانيل والاتصالات العسكرية متوقعة قبل المحادثات، وهي بمثابة تقدم مهم في تحسين العلاقة التي لا تزال متوترة بين واشنطن وبكين. وخلال مؤتمره الصحفي عقب القمة، لخص بايدن نهجه تجاه الزعيم الصيني، إذ كان بايدن يهدف إلى استغلال الاجتماع لوضع العلاقات بين الولايات المتحدة والصين على مسار أكثر ثباتاً بعد أشهر من التوتر بين القوتين العظميين.
وقبل المحادثات، حرص المسؤولون الأمريكيون على وضع التوقعات في إطارها، قائلين إنهم لا يتوقعون قائمة طويلة من النتائج أو حتى بياناً مشتركاً للقادة، كما هو معتاد بعد مثل هذه القمة.
الهدف الأهم بالنسبة لواشنطن من القمة الأمريكية الصينية هو استعادة الاتصالات العسكرية
ويبدو أن الهدف الأساسي للمحادثات التي جرت في القمة الأمريكية الصينية بالنسبة لواشنطن هو استعادة قنوات الاتصال، خاصة بين جيشي البلدين، لتجنب ذلك النوع من سوء الفهم أو سوء التقدير الذي يخشى المسؤولون الأمريكيون أن يؤدي إلى صراع مفتوح.
وقال بايدن إن الصين وافقت على ملاحقة الشركات التي تنتج المواد الكيميائية الأولية للفنتانيل، وهو المخدر القوي الذي أجج أزمة المخدرات في الولايات المتحدة. وستراقب الولايات المتحدة عن كثب لترى ما إذا كانت الصين ستتابع الالتزامات التي تعهدت بها في القمة.
وقال بايدن إن الاتفاق مع الصين للحد من المواد الكيميائية الأولية للفنتانيل من شأنه أن "ينقذ الأرواح"، وقال إنه يقدر التزام شي بشأن هذه القضية.
ووافق شي خلال القمة الأمريكية الصينية على الآليات التي من شأنها معالجة الأخطاء العسكرية المحتملة ووافق على إنشاء منتديات للجانبين لعرض مخاوفهم.
وقال مسؤولون كبار في إدارة بايدن، قبل قمة الأربعاء، إن نظراءهم الصينيين كانوا "مترددين" خلال الأشهر القليلة الماضية في الموافقة على إعادة الاتصالات العسكرية بين الجيشين.
لكن القضية أثارها بايدن نفسه وكبار مستشاريه مثل وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ووزير الدفاع لويد أوستن، "تقريباً في كل محادثة أُجرِيَت مع الصينيين"، بينما حاولت الولايات المتحدة وشددت على أنه من "المهم للغاية" إعادة فتح هذه القناة.
وقال مسؤولون أمريكيون إن حادثة منطاد التجسس الصيني، على وجه الخصوص، سلطت الضوء على أهمية الاتصالات بين الجيشين.
الزعيمان كانا حريصين، وهذا ما قاله الرئيس الصيني عن تايوان وحماس وإيران
ورغم العلاقة الشخصية العميقة والدافئة التي نشأت خلال فترة توليهما منصب نائب الرئيس، فقد شهد كلاهما تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين إلى أدنى مستوى منذ عقود.
ووفقاً للقراءات التي قدمها المسؤولون الأمريكيون ووسائل الإعلام الحكومية الصينية، يبدو أن كلا الزعيمين كانا صريحين للغاية مع بعضهما. وذكرت وسائل الإعلام الرسمية الصينية أن شي دعا الولايات المتحدة في وقت ما إلى "عدم التخطيط لقمع الصين أو احتوائها".
وتبادل الرجلان وجهات نظر "كبيرة" بشأن تايوان، وأوضح شي أن المخاوف بشأن الجزيرة هي أكبر وأخطر قضية في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين. وقال شي إن الصين تفضِّل إعادة التوحيد سلمياً ووضع الشروط التي تُستخدَم القوة بموجبها. ورد بايدن بتكرار الموقف الأمريكي المتمثل في الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة.
وقال مسؤول أمريكي كبير: "أجاب الرئيس شي قائلاً إن السلام جيد، ولكن في مرحلة ما نحتاج إلى التحرك نحو الحل بشكل أكثر عمومية". وحثَّ شي الولايات المتحدة على وقف تسليح تايوان ودعم "إعادة التوحيد السلمي" للصين، وفقاً لبيان نشرته وكالة أنباء شينخوا الصينية.
وفي القمة الأمريكية الصينية، طلبت الولايات المتحدة من الصين احترام العملية الانتخابية في تايوان في الفترة التي تسبق التصويت في يناير/كانون الثاني. ورغم المخاوف المستمرة بشأن الحشد العسكري الصيني الضخم حول تايوان، خرج المسؤولون الأمريكيون من الاجتماع وهم يعتقدون أن شي لم يكن يستعد لغزو واسع النطاق.
وقال مسؤول أمريكي كبير إنه خلال تبادل الحديث حول الحرب بين إسرائيل وحماس، أجرى بايدن معظم الحديث، فيما كان شي مستمعاً في الأغلب. وشجع بايدن شي على استخدام نفوذ الصين لدى إيران للتحذير من تصعيد أوسع نطاقاً.
ولم يكن من الواضح لمساعدي بايدن بعد ذلك مدى جدية إيران في التعامل مع رسائل الصين. وفي المحادثات، أوضح بايدن للرئيس شي أنه ينظر إلى حماس على أنها منفصلة عن الفلسطينيين.
وفي أحد الأحاديث المتبادلة حول القيود التي طبقتها الولايات المتحدة على صادرات التكنولوجيا إلى الصين، شبَّه شي هذه الخطوات بـ"الاحتواء التكنولوجي". ورد بايدن مباشرة بالقول إن الولايات المتحدة لن تقدم للصين التكنولوجيا التي يمكن استخدامها عسكرياً ضدها.
وقال المسؤول إن بايدن أثار أيضاً مخاوف مباشرة مع شي بشأن مضايقة الشركات الأمريكية في الصين.
ناقش الرجلان الذكاء الاصطناعي، واتفقا على العمل معاً للمضي قدماً في التكنولوجيا الجديدة. وقال بايدن لشي إنه من المهم أن تكون الصين أكثر شفافية بشأن القضايا النووية، في الوقت الذي تقوم فيه بتوسيع ترسانتها.
ومع احتدام الصراعات في الشرق الأوسط وأوروبا، بينما يستعد بايدن لخوض سباق إعادة انتخابه، كان يأمل في منع حدوث أزمة أخرى أثناء ولايته. فهو لم يكن يتطلع إلى أن يبرهن للأمريكيين فحسب -بل لشي أيضاً بشكلٍ مباشر- لماذا يعتبر تحسين العلاقة مع بكين في مصلحة الجميع.
كوكب الأرض كبير بما يكفي لتحقيق النجاح للبلدين
وفي حديثه بعد ذلك، عرض شي وجهة نظره الخاصة بشأن اللحظة المعقدة في العلاقات الأمريكية الصينية. وقال: "كوكب الأرض كبير بما يكفي لتحقيق النجاح للبلدين".
وقال بايدن إن الزعماء يتحملون مسؤولية تجاه مواطنيهم للعمل معاً، بما في ذلك قضايا تغير المناخ ومكافحة تهريب المخدرات والتعامل مع الذكاء الاصطناعي. وأضاف أن المنافسة بين الولايات المتحدة والصين لا يمكن أن تميل نحو الصراع.
وأضاف: "لم تكن العلاقات بين الصين والولايات المتحدة سلسة على الإطلاق على مدار الخمسين سنة الماضية وأكثر، وكانت دائماً تواجه مشكلاتٍ من نوع أو آخر. ومع ذلك، فقد استمرت في المضي قدماً وسط التقلبات والمنعطفات".
وتابع: "بالنسبة لدولتين كبيرتين مثل الصين والولايات المتحدة، فإن إدارة ظهرهما لبعضهما البعض ليست خياراً".
القمة لن تغير الكثير ولكنها توقف التدهور في العلاقات
وبحسب ما جاء في وكالة Associated Press، وصفت زوي ليو، زميلة دراسات الصين في مجلس العلاقات الخارجية، الاجتماع بين بايدن وشي بأنه خطوة إيجابية، وإن كانت تدريجية.
وأضافت: "هذه الاتفاقيات لن تغير التحديات الهيكلية في العلاقات الثنائية، لكنها تمهد الطريق لإجراء مناقشات أكثر تفصيلاً على مستوى العمل، وهو الأمر الأكثر أهمية".
وتقول مصادر مطلعة على تلك الجهود التحضيرية للاجتماع، إن واشنطن شهدت دلائل في الأشهر الأخيرة على أن الصينيين بدأوا في قبول الحكمة المتمثِّلة في عمل البلدين معاً لتعزيز خطوط الاتصال بينهما وتخفيف سوء التفاهم.
والجمهوريون غاضبون من بايدن
ومع ذلك، بينما كان بايدن يستعد لقمة الأربعاء، شكك الجمهوريون في قراره بالسعي لعقد اجتماع مع شي. وزعمت نيكي هيلي، حاكمة ولاية كارولينا الجنوبية السابقة التي تسعى للحصول على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة، أن بايدن "توسل" من أجل عقد الاجتماع.
وكان الجمهوريون في لجنةٍ مُختارة بمجلس النواب بشأن الصين قد بعثوا رسالةً إلى بايدن توضح المجالات التي يعتقدون أنه يجب عليه تحدي شي فيها، بما في ذلك الاحتجاز غير المشروع للأمريكيين وإنتاج الفنتانيل.