تواجه الجاليات المسلمة في بريطانيا صعوبات جمّة في الوصول إلى الخدمات المالية، وإغلاق حسابات دون تقديم تفسير أو أسباب، فماذا يعني ذلك؟ وما تأثيره على من يتعرضون له؟
شبكة Bloomberg الأمريكية رصدت عدداً من العملاء الذين عانوا من هذا النظام، في تقرير عنوانه "المسلمون في بريطانيا يقولون إن البنوك تدمر حياتهم بسياساتها"، يلقي الضوء على نوعيات المشاكل من التأخير في التقديم ومشاكل اجتياز فحوصات الفرز، إلى "التصحيح" المفاجئ دون تفسير، أي إغلاق الحساب دون سابق إنذار.
لماذا أغلقتم حسابي؟ "جرب بنك الطعام"!
ساعي البريد السابق عقيل أحمد أحد هؤلاء الذين تعرضوا للمعاناة. فقد أغلق حسابه دون سابق إنذار، وعندما أبلغ الموظفين في فرع هاليفاكس المحلي أنه لا يستطيع إطعام أسرته لأن حسابه البنكي قد حُظِر، كان ردهم أنه ربما عليه أن يجرب اللجوء إلى أقرب "بنك طعام"!
بعد رفض بطاقته لأول مرة، ولمدة ستة أسابيع، كان يزور البنك بالقرب من منزله في لوتون، بمقاطعة بيدفوردشير، بحثاً عن إجابات. أودِعَ راتب الشاب البالغ من العمر 45 عاماً من خدمة البريد الملكي، لكن ديونه المباشرة ارتدَّت، مما جعله غير قادر على دفع الفواتير.
اتصل مدير فرع هاليفاكس في النهاية وقال إن أحمد يمكنه استخدام حسابه مرة أخرى إذا قدم بطاقة هويته. بعد شهرين من استعادة الحساب، تلقَّى كل من أحمد وزوجته، إيرام خان، رسائل تفيد بأن البنك لا يمكنه الاحتفاظ بهما في قائمة عملائه. وأُغلِقَت حسابات التوفير لأطفاله الصغار.
بدا الأمر محيِّراً، واعتقد أحمد في البداية أن الرسائل كانت خدعة. يتذكر أنه ذهب إلى الفرع في اليوم الذي جُمِّدَت فيه بطاقته لإعلام البنك بأنه سيذهب في إجازة عائلية إلى المغرب -وهي التفاصيل التي دارت في ذهنه لأنه لم يتلقّ قط تفسيراً أفضل لما حدث.
قال متحدث باسم مجموعة لويدز المصرفية، التي تمتلك فرع هاليفاكس، لبلومبيرغ إنه لا يمكنهم التعليق على الحالات الفردية ما لم تُقدَّم لهم التفاصيل الشخصية للعميل. وقال: "إننا نلبي جميع المتطلبات التنظيمية والقانونية ولا نغلق أي حساب أو نمنع فتح حساب، بناءً على المعتقدات السياسية أو الشخصية للعميل".
إغلاق حسابات مسلمين دون تقديم تفسير
منذ أن أعلن نيغل فاراج، الناشط في حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أنه فقد حسابه المصرفي في بنك كوتس، التابع لمجموعة نات ويست في يونيو/حزيران، وجد مصطلح "تصحيح الحسابات" طريقه إلى دائرة الضوء. وأصر رؤساء البنوك على أنهم لا يأخذون المعتقدات الشخصية أو السياسية في الاعتبار عند إلغاء الوصول إلى الخدمات المالية. لكن الرئيس التنفيذي لمجموعة نات ويست، أليسون روز، اضطر للاستقالة، بعد أن كشف فاراج عن وثائق تُظهر أن العكس هو الصحيح في حالته.
وفي أوائل أغسطس/آب، دعا المجلس الإسلامي في بريطانيا إلى مراجعة محايدة لما إذا كانت البنوك تغلق حساباتها بشكل غير ذي تفسير ملائم. أظهرت الأرقام الصادرة عن سلطة السلوك المالي العام الماضي أن واحداً من كل خمسين بالغاً في المملكة المتحدة لا يتعامل مع البنوك – لكن هذه النسبة ترتفع إلى واحد من كل عشرة بالنسبة للمسلمين تحديداً.
وعدت الحكومة بدراسة قضية الديون، بشكل عام والسياسيين على وجه الخصوص، الذين تعتبرهم البنوك أكثر من مخاطر غسل الأموال والفساد. وسوف يُلزَم المقرضون قريباً بإعطاء أصحاب الحسابات إشعاراً مدته 90 يوماً وسبباً محدداً لإيقاف حساباتهم، بحسب التصريحات الحكومية.
ويرى البعض أن البنوك ربما يكون لديها سبب وجيه للقلق من غسيل الأموال، الذي نُظِّمَت مكافحته عالمياً منذ التسعينيات وصار خاضعاً لقواعد أكثر صرامة بعد 11 سبتمبر/أيلول للحد من تدفقات الأموال الإجرامية. ويمكن أن تكون عواقب المرونة في هذه القواعد هائلة، فبعد غرامة قياسية بقيمة 1.9 مليار دولار بسبب تسهيلات قدمت لكارتلات المخدرات في عام 2012، انسحبت مجموعة إتش إس بي سي المصرفية من عدة بلدان وخطوط أعمال، جزئياً لتجنب مخاطر السمعة.
أصبح المقرضون في المملكة المتحدة أحرص على إغلاق الحسابات، إذ أُغلِقَ 350 ألفاً تقريباً العام الماضي، مقارنة بحوالي 45 ألفاً في عام 2017، وفقاً لبيانات هيئة مراقبة السلوكيات المالية التي حصلت عليها صحيفة Mail on Sunday البريطانية. واشتكى أكثر من 1300 شخص لأمانة المظالم المالية في المملكة المتحدة من إغلاق حساباتهم العام الماضي، وكثيرٌ من من المتضررين لا يحصلون على تفسير.
كان هذا هو الحال بالنسبة لأحد عملاء مجموعة نات ويست، الذي تلقى قبل شهرين خطاباً، اطلعت عليه شبكة Bloomberg، يبلغه أن حسابه سوف يُوقَف بعد 14 عاماً من فتحه. عندما اشتكى الشخص، الذي طلب عدم ذكر اسمه أثناء مناقشة شؤونه المالية، من التمييز، كتب البنك أنه لا يرغب في إعادة النظر في القرار أو "الكشف عن السبب الدقيق". وقال الشخص إن البنك أخبره أن هذه القرارات نادراً ما يتراجع عنها، ويعتقد أن لا جدوى من تقديم شكوى إلى أمانة المظالم المالية. وأُغلِقَ الحساب بالفعل في أواخر يوليو/تموز.
رفضت مجموعة نات ويست، كغيرها من البنوك، التعليق على الحالات الفردية. وقال متحدث باسم جميع المؤسسات المصرفية الخاضعة للتنظيم في المملكة المتحدة: "نحن نخضع للمتطلبات القانونية والتنظيمية، ونتعامل مع الامتثال لها كأولوية". وأضاف: "قد يعني هذا أننا مطالبون بالتأخير أو رفض التصرف بناءً على تعليمات العميل و/أو تقييد أو إغلاق حساب العميل".
وقالت الرابطة التجارية لقطاع الخدمات المصرفية والمالية إن "قرار إغلاق الحساب لا يُتَّخَذ إلا بعد مراجعة شاملة. إذا استنتجت إحدى الشركات أنها لا تستطيع الاستمرار في تقديم الخدمات، فيجب عليها إبلاغ العميل بذلك بقدر ما هو مسموح به، وأن تعامل العميل معاملةً منصفة في كل حالة".
ماذا يعني إلغاء الحسابات المصرفية في بريطانيا؟
يتعامل واصف محمود، المحامي المتخصص في الخدمات المالية، مع العديد من قضايا كشف الحسابات التي تؤثر على المجتمعات المهمشة في بريطانيا، بما في ذلك أصحاب الأعمال الصغيرة والطلاب الأجانب. وقال إن إلغاء الحسابات البنكية له آثار بعيدة المدى على هذه المجموعات، مما يؤدي إلى حلقة مفرغة من الفرص الضائعة.
وقال إن من بين عملاء محمود أشخاص لديهم متاجر من أصول مهاجرة، مسلمة، والذين تعتبرهم البنوك شبهةً لغسيل الأموال. وأضاف أن المقرضين كانوا يقدمون تقارير الأنشطة المشبوهة التي بدت لا صحة لها كأساسٍ لإغلاق الحسابات.
يقتصر الوصول إلى قواعد البيانات بشكل صارم على موظفي إنفاذ القانون والهيئات الحكومية المعينين، وغالباً ما لا يُخبَر أولئك الذين لديهم ملف ضدهم، وذلك لتجنب مخاطر توجيه المعلومات للمجرمين. قال محمود إن الاشتباه في غسل الأموال أصبح أمراً شائعاً، مضيفاً أنه رأى النظام يستهدف أفراداً من خلفيات اجتماعية واقتصادية أكثر هشاشة بصورةٍ غير متناسبة.
وبشكل عام، فإن تقييد الوصول المصرفي للمسلمين ليس قضية جديدة، ففي عام 2014، واجه بنك إتش إس بي سي انتقاداتٍ من جانب جماعاتٍ حقوقية لإغلاقه حسابات اللاجئين السوريين، ومسجد فينسبري بارك، وصندوق رعاية الأمة، من بين حسابات أخرى.
واعتذرت قاعدة بيانات وورلد تشيك ودفعت 10 آلاف جنيه إسترليني كتعويضٍ عن الضرر بعد ربط المسجد وأفراد آخرين بأنشطة إرهابية بشكل خاطئ. وأُعيدَ افتتاح المسجد، الذي قاده الداعية المتشدد أبو حمزة حتى حملة مكافحة الإرهاب في عام 2003، من قبل مديرين جدد نددوا بحمزة وعملوا على إعادة بناء العلاقات المجتمعية.
أُغلِقَت حسابات منظمة الإغاثة الإسلامية، وهي وكالة إغاثة كبرى، في بنك إتش إس بي سي في ذلك الوقت تقريباً، بعد عامين من إغلاق حسابها بمصرف يو بي إس الاستثماري. قال ألون ماكدونالد، رئيس قسم الإعلام والعلاقات الخارجية: "بعض البنوك مترددة في التعامل مع الجمعيات الخيرية الإنسانية التي تعمل في أكثر دول العالم هشاشة وتعقيداً لأنه من الأسهل أن تقول لا". وقال إن البنوك بحاجة إلى تحديث إدارة المخاطر لتأخذ في الاعتبار إعفاء الأمم المتحدة للمساعدات الإنسانية من الأنظمة الخاضعة للعقوبات.
وتلقى أنس التكريتي، مؤسس مركز أبحاث قرطبة، رسالةً من بنك إتش إس بي سي تفيد بأن حساباته الحالية والتجارية، وكذلك حسابات زوجته وأبنائه المراهقين، سوف تُغلَق خلال تلك الفترة. فتح التكريتي حساباً لدى مجموعة لويدز المصرفية، لكنه وجد أنه غير قابل للاستخدام بسبب المكالمات الهاتفية المستمرة حول المدفوعات داخل وخارج حسابه، ثم أُغلِقَ لاحقاً أيضاً.
قال إنه على مر السنين، أُغلِقَت حساباته في مجموعة بانكو ستاندرز المصرفية وهاليفاكس ونات ويست. وفي أغسطس/آب، علم أن حسابه في باركليز بي إل سي قد أُغلِقَ أيضاً. ولم يعلق أي من هذه البنوك على الحالات الفردية.
بعد أن نظر الصحفي الاستقصائي بيتر أوبورن في قضيته، اكتشف التكريتي أنه مدرج في قائمة المخاطر المتزايدة التي جمعتها مؤسسة استخبارات التحقق من المخاطر العالمية. ويعتقد أن ذلك بسبب آرائه حول الإمارات والسعودية والحقوق الفلسطينية. والده سياسي أيضاً في العراق. ونتيجة لذلك، لديه دائماً حسابان أو ثلاثة حسابات في متناول يده، متوقعاً إغلاقها.