رغم تحريض أمريكا لجيران الصين للابتعاد عنها.. لماذا تفضل الدول الآسيوية التجارة مع بكين عن واشنطن؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/06/22 الساعة 08:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/22 الساعة 08:53 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا يحضرون حفل إطلاق الإطار الاقتصادي للمحيطين الهندي والهادئ من أجل الرخاء (IPEF) في 23 مايو/أيار 2022 في طوكيو عاصمة اليابان/رويترز، أرشيفية

رغم حملات التحريض التي نفذتها إدارة بايدن فإن نتائج المنافسة الاقتصادية بين الصين وأمريكا حول آسيا التي تعد أكبر سوق بالعالم خيبت آمال الأمريكيين. 

وأثرت التوترات السياسية بين الصين وأمريكا على العلاقة التجارية بين البلدين، إذ تقول صحيفة The Economist البريطانية إن المنافسة المتزايدة بين الصين وأمريكا لم تكن في صالح الأسواق المفتوحة. فقد اتضح أن ترك وزراء الدفاع أو الخارجية ليملوا هم السياسات التجارية، لا يفضي إلى تيسير انتقال السلع والبضائع عبر الحدود. 

ومع ذلك، وحتى في ظل تداعي العولمة، انطلق سباق لكسب نفوذ تجاري في المنطقة الأسرع نمواً حول العالم والأشد ازدحاماً بالسكان وهي شرق آسيا، وهو سباق تنتصر فيه الصين، حصب الصحيفة.

ترامب أخلى الساحة الآسيوية للصين

كانت الولايات المتحدة عضواً باتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، التي كانت تعد أكبر منطقة تجارة حرة في العالم، قبل أن ينسحب منها الرئيس الأسبق دونالد ترامب عام 2017، قبيل دخولها حيز النفاذ بوقت قليل، أدى الانسحاب الأمريكي لتدمير الاتفاقية، رغم أن الاتفاق أُقر بالأساس بمبادرة من رئيس أمريكي هو باراك أوباما، وتم توقيعه في 2015 بعد مفاوضات استمرت سنوات.

كان انسحاب ترامب على الأرجح نابعاً من عدائه لاتفاقيات التجارة الحرة، كجزء من التيار الأمريكي اليميني الانغلاقي، وكذلك لعدائه لإرث أوباما.

لم يمت الاتفاق تماماً بعد الانسحاب الأمريكي، بل تم إعادة تشكيله، ولكن أصبح للصين القيادة، وتحول إلى ما يعرف باتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP)، تاركاً الصين تتصدر القيادة، وذلك بسبب عدائه لسياسات التجارة الحرة.

الآن تحاول الولايات المتحدة طرح بديل.

اتفاقية مقابل اتفاقية.. الصين وأمريكا تتنافسان على التجارة بآسيا

في 27 مايو/أيار 2023، بدفع من إدارة بايدن، وافقت مجموعة تتألف من 14 بلداً على إنشاء نظام إنذار مبكر ينذر بمشكلات سلاسل التوريد: وهو اللبنة الأولى للإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ (IPEF)، الذي يمثل العرض الرئيسي للرئيس الأمريكي جو بايدن. 

تضم الاتفاقية الولايات المتحدة وأستراليا وبروناي وفيجي والهند وإندونيسيا واليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا ونيوزيلندا والفلبين وسنغافورة وتايلاند وفيتنام. 

يمثل الشركاء الأربعة عشر في IPEF نحو 40% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، و28% من تجارة السلع والخدمات العالمية.

وفي 2 يونيو/حزيران، دخلت اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة (RCEP) حيّز التنفيذ بالنسبة للفلبين، ما يشير إلى سريان مفعول اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة لجميع الأعضاء الـ15، وهي اتفاقية تجارية تدعمها الصين وتضم كلاً من أستراليا واليابان ونيوزيلندا وجميع دول جنوب شرق آسيا (ما عدا تيمور الشرقية) وكوريا الجنوبية.

من يتفوق في المنافسة الاقتصادية بين الصين وأمريكا؟

إننا الآن أمام اتفاقيتين تجاريتين متنافستين مقدمتين من الصين وأمريكا، حيث تحرص كلٌّ من الولايات المتحدة والصين على الإعلان بقوة أمام الدول الآسيوية عن المزايا الكامنة في الاتفاقيات الإقليمية التي ترعاها (وهي اتفاقيات يستبعد منها كل طرفٍ الطرف الآخر المنافس). 

تبدو الاتفاقيتان للوهلة الأولى بلا قيمة، لا يُبدي المفاوضون الأمريكيون اهتماماً بالسماح بوصول أكبر للمصدرين الآسيويين، ما يجرد اتفاقية IPEF من سبب وجودها بوصفها اتفاقية تجارة.

في الوقت ذاته، لا يحبذ النقاد اتفاقية RCEP التي تقودها الصين، ويصفونها بأنها فضفاضة، لكنها سطحية، لأنها لا تغطي حقوق العمل والبيئة والشركات المملوكة للدولة.

بكين زادت تجارتها مع آسيا بشكل كبير

في ظل وجود هذه القيود توسع اتفاقية RCEP بالفعل من الثقل التجاري للصين.

ففي حين أن قيمة الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تراجعت بنسبة 15% و5% على التوالي، في الأشهر الخمسة السابقة ليونيو/حزيران، مقارنة بنفس المدة في عام 2022، فإن صادراتها إلى دول رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، ارتفعت بنسبة 8% عن نفس المدة.

وقد صار هذا الاتحاد المكون من 10 أعضاء أكبر شريك تجاري للصين.

الاتفاقية التي تقودها الصين تخلق سوقاً واحداً في أكبر مركز تصنيع بالعالم

يساعد هذا الأمر في أن المنطقة التي حققت فيها اتفاقية RCEP أكبر تقدم لها- عبر مواءمة قواعد المنشأ بالنسبة لصادرات السلع- تحمل أهمية كبرى لسلسلة التوريد المعقدة التي تمر عبر أكبر مركز تصنيع في العالم. 

تخلق هذه الاتفاقية، في واقع الأمر، سوقاً واحدة على صعيد السلع الوسيطة التي تذهب إلى المنتجات النهائية، ما يساعد اتفاقية RCEP على منع ما يُعرف بـ"تأثير وعاء السباغيتي"، وفقاً لتوصيف الخبير الاقتصادي الأمريكي ذي الأصول الهندية، جاغديش باغواتي، والذي تتداخل فيه عشرات الاتفاقيات التجارية (التي شبهها باغواتي بشرائح السباغيتي) بين بلدين، ما يُصعِّب على المصدرين التعامل معها.

يقول أديتيا جهلوت، وهو مدير إداري ببنك "إتش إس بي سي"، إن ذلك الأمر يجعل المنطقة كما لو أنها "شبكة إمدادات خالية من الرسوم الجمركية". يبدو الحد من التعقيد أشد جذباً للشركات الآسيوية الصغيرة التي لا يُحصى عددها، ويشجع على الاستثمار في الإنتاج الذي يُنفذ داخل البلاد التي تسري فيها اتفاقية RCEP، بدلاً من الاستثمار في بلاد أخرى.

المنافسة الاقتصادية بين الصين وأمريكا حول آسيا
اتفاقية الشراكة الإقليمية تضم عدداً كبيراً من دول شرق آسيا إضافة لأستراليا ونيوزيلندا/ويكيبيديا

ثمة موطن جذب آخر يتمثل في أن اتفاقية RCEP قد تجعل كذلك أعضاءها أثرى، لن يكون ذلك بفضل تخفيضات الرسوم الجمركية، التي تعد ضعيفة للغاية على أن تحمل أهمية. تتنبأ دراسة حديثة للبنك الدولي بأنهم سوف يرفعون الدخول الفعلية المحلية بنسبة 0.07% فقط بحلول عام 2035، وبدلاً من ذلك سوف تأتي المكاسب في صورة التطورات التي ستطرأ على الإنتاجية، بسبب تقليل النزاعات التجارية وزيادة قواعد المنشأ الحرة. يعتقد البنك أن التجارة بين البلاد المنضمّة إلى اتفاقية RCEP سوف ترتفع بنسبة كبيرة، تصل إلى 12% خلال المدة نفسها، مقارنة بالسيناريو البديل الذي لا توجد فيه مثل هذه الاتفاقية.

بينما الاتفاقية الأمريكية لا تتضمن رفع الجمارك، ووجود الهند فيها محبط لأعضائها

وبينما تسعى الولايات المتحدة إلى استخدام اتفاقية الإطار الاقتصادي الهندي والمحيط الهادئ للازدهار (IPEF)، لمنافسة النفوذ الاقتصادي الصيني في آسيا، إلا أن الاتفاقية لم تصل إلى حد خفض التعريفات مثل اتفاقية التجارة الحرة التقليدية، التي سعت إليها بعض الدول.

لا يزال هناك وقت أمام اتفاقية IPEF كي تواكب نظيرتها التي ترعاها الصين. يأمل بعض حلفاء أمريكا الآسيويين أن يغير فوز بايدن بولاية رئاسية ثانية المزاج المسموع في واشنطن، ما يفضي إلى تسريع التقدم. 

يبدو هذا سبباً للتفاؤل في الوقت الراهن، يمزح مفاوض تجاري سابق بأن الحقيقة التي تقول إن الهند عضو في اتفاقية IPEF، هي إشارة بأن أي اتفاقيات مستقبلية ستكون بلا أنياب، إذ إن حكومتها- التي انسحبت من كل من اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ (وهي الاتفاقية الأشد جرأة السابقة لاتفاقية IPEF) ومن اتفاقية RCEP- تتجنب بقوة الاتفاقيات التجارية متعددة الأطراف التي تهتم بالأعمال حقاً. فمن خلال رمي شبكة واسعة، ضمنت أمريكا أن اتفاقية IPEF يمكنها أن تتقدم فقط بالوتيرة التي يتقدم بها أبطأ أعضائها.

تحميل المزيد