تتوالى زيارات المسؤولين في حكومة جورجيا ميلوني على القاهرة، فماذا تريد إيطاليا في ملفَّي السلاح والطاقة؟ وهل تكفي مصر ورقة الهجرة غير الشرعية، الذي يمثل أهمية قصوى لروما؟
منذ تولي رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، منصبها نهاية العام الماضي، قامت الحكومة الإيطالية بسلسلة من الزيارات الرفيعة لدول في شمال إفريقيا والشرق الأوسط تستهدف بالأساس تحقيق أهداف روما الرئيسية، والتي يأتي ملف الهجرة غير الشرعية على رأسها.
تحركات إيطاليا في ملف الهجرة غير الشرعية
وفي هذا السياق، يعتبر الملف الرئيسي على أجندة حكومة ميلوني اليمينية هو ملف الهجرة، فجورجيا ميلوني، أول سيدة تحكم إيطاليا، تقود تحالفاً من اليمين المتطرف المعادي للمهاجرين بشكل عام.
ومنذ اللحظة الأولى لتوليها المسؤولية، اتجهت زيارات ميلوني وكبار المسؤولين في حكومتها صوب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث عقدت اتفاقيات ثنائية متعددة تهدف إلى تقوية العلاقات مع الحكومات بهدف محاولة منع الهجرة غير الشرعية في مهدها، رغم صعوبة المهمة.
وفي السياق ذاته، استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، يوم 17 مايو/أيار الجاري، وزير الدفاع الإيطالي جويدو كروسيتّو ورئيس هيئة الأركان المشتركة الإيطالية اللواء جوزيبي دراجوني.
وبحسب بيان الرئاسة المصرية، تطرق لقاء مصر وإيطاليا إلى ملف الهجرة غير الشرعية ومستجدات الملفين الليبي والسوداني، فيما أشاد المسؤول الإيطالي بدور مصر "الجوهري" في استقرار منطقتي الشرق الأوسط والبحر المتوسط.
ورصدت منصة "أسباب"، المتخصصة في التحليل السياسي والاستراتيجي، ما تسعى كل من روما والقاهرة إلى تحقيقه من خلال تلك الزيارات والمشاورات الأخيرة.
إذ أنه منذ صعود حزب "إخوة إيطاليا" بقيادة جورجيا ميلوني إلى سدة الحكم، حضر إلى القاهرة لمناقشة الهجرة غير الشرعية، الذي يمثل أولوية قصوى للحزب الإيطالي الذي أجندة مناهضة للهجرة تركز على الهوية القومية، وزيرا الداخلية والخارجية الإيطاليين في زيارتين منفصلتين.
وتشعر روما بانزعاج شديد من تسجيل المواطنين المصريين حوالي خمس المهاجرين غير النظاميين الذين وصلوا إلى أراضيها خلال العام الماضي (2022)، بعدما بلغ عددهم 20 ألف مهاجر من بين 93 ألفاً عبروا البحر المتوسط، فضلاً عن تنامي هجرة الأطفال المصريين للاستفادة من القوانين الإيطالية التي تمنع ترحيل الأطفال، وتلزم السلطات بإيوائهم في مراكز تأهيل حتى بلوغهم 18 سنة، قبل منحهم حق الإقامة.
اشتباكات السودان
ومع اندلاع القتال في السودان، واحتمال تدهور الوضع وتحوله إلى حرب أهلية تستمر فترة طويلة، والتخوف من حدوث موجات نزوح كبيرة تجاه مصر، كون عدد سكان السودان أكثر من 46 مليون نسمة، فضلاً عن دور السودان كدولة عبور للاجئين من إثيوبيا وإريتريا وتشاد، فقد ازدادت المخاوف الإيطالية من حدوث زيادات كبيرة في أعداد المهاجرين نحوها، وهو ما تطلب حضور وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان لمناقشة الملف مع السيسي.
لكن من المهم هنا التوقف عند حقيقة أن صراع السلطة في السودان، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير باسم حميدتي، يمثل كارثة اقتصادية وسياسية وإنسانية بالنسبة لمصر، التي يعاني اقتصادها من حالة ضعف غير مسبوقة، أدت إلى فقدان العملة المحلية أكثر من 70% من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي خلال أقل من عام واحد.
كان السودان قد شهد، منذ يوم 15 أبريل/نيسان 2023، انفجاراً عنيفاً في الموقف المتوتر بين الرجلين القويين المتنافسين على السلطة في البلاد، الجنرال عبد الفتاح البرهان، الحاكم الفعلي للبلاد وقائد القوات المسلحة السودانية، والجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف على نطاق واسع باسم حميدتي، الذي يقود قوات الدعم السريع، حيث بدأت حرب شوارع في الخرطوم، ثم امتدت إلى جميع أنحاء البلاد.
وتستضيف مصر حالياً نحو 5 ملايين سوداني فروا من ويلات الفقر والقتال، وهناك اتفاقية لحرية الحركة بين البلدين، والتي تسمح للمواطنين من الجانبين بالتنقل بينهما في الاتجاهين للإقامة والعمل. ومن الصعب ألا نلاحظ الزيادة الكبيرة في أعداد المهاجرين السودانيين في العاصمة المصرية القاهرة في السنوات القليلة الماضية، وأصبح الجميع يرى بوضوح تلك الزيادة في أعداد السودانيين في مصر لدرجة ظهور محطتين للحافلات في وسط القاهرة يطلق عليهما المصريون مازحين اسم "المطار السوداني".
الخلاصة هنا هي أنه إذا كانت روما قلقة من تأثير صراع السودان المرير على تدفق المزيد من المهاجرين غير الشرعيين عبر السواحل المصرية، فإن القاهرة لديها مخاوف أكبر من هذه التدفقات من المهاجرين هرباً من جحيم القتال في الجارة الجنوبية للبلاد.
ملفَّا السلاح والطاقة
وبالإضافة إلى ملف الهجرة غير الشرعية، تنشغل إيطاليا أيضاً في الشرق الأوسط، بملف مبيعات الأسلحة. وبحسب بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "سيبري" عن الفترة من 2018 إلى 2022، تُعد دول الشرق الأوسط أكبر مستورد للأسلحة الإيطالية، حيث تحتل قطر المرتبة الأولى بنسبة 24%، ثم مصر بنسبة 23% ثم تركيا بنسبة 12% من إجمالي صادرات السلاح الإيطالية.
وهناك كذلك ملف الطاقة، الذي يشغل مكانة محورية في السياسة الإيطالية، وهو ما يتضمن تعويض واردات الغاز الروسي بغاز مستورد من الشرق الأوسط.
وضمن هذا السياق زارت رئيسة الوزراء الإيطالية ليبيا في يناير/كانون الثاني الماضي، ووقعت اتفاقية للتنقيب عن الغاز بين الجانبين بقيمة 8 مليارات دولار، بينما يزور الرئيس التنفيذي لشركة إيني الإيطالية للبترول القاهرة بشكل دوري لمناقشة تطوير مشاريع التنقيب عن الغاز.
كانت قضية الغاز قد أثارت الذعر في جنبات القارة الأوروبية منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، وهو ما تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة" بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر". إذ كانت أوروبا تعتمد بشكل أساسي على واردات الغاز الروسي.
فقد كانت روسيا تغطي 40% من إمدادات الغاز المتجهة إلى الاتحاد الأوروبي قبيل الحرب، وكانت غالبية إمدادات الغاز تصل عبر شبكةٍ من خطوط الأنابيب. وعاشت حكومات الاتحاد الأوروبي كابوساً حقيقياً خلال سعيها لتأمين بدائل للغاز الروسي، في ظل الحاجة أولاً لتطوير شبكة خطوط أنابيب القارة لاستقبال الواردات من الدول المصدرة القريبة الأخرى، ثم تأمين الإمدادات نفسها في ظل ارتفاع الأسعار وشح المعروض.
وفي هذا السياق تسعى كل دولة أوروبية، ومنها إيطاليا بطبيعة الحال، إلى تأمين مصادر مستدامة للغاز كبديل للغاز الروسي. وإيطاليا مرشحة بقوة إلى لعب دور البطولة في هذا المجال، نظراً لموقعها الجغرافي القريب من مصادر الغاز الطبيعي في شمال إفريقيا والشرق الأوسط من جهة، وإمكانية تطوير البنية التحتية لديها لنقل فائض الغاز إلى باقي دول الاتحاد الأوروبي.
ووقعت إيطاليا مع الإمارات في مارس/آذار الماضي اتفاقاً لرفع العلاقة الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية بالأخص في ملفي الطاقة والدفاع، وهي تحركات وإن كانت محدودة، إلا أنها تشير لاهتمام إيطاليا المتزايد بالمنطقة والقوى الفاعلة فيها.
مصر وورقة الهجرة غير الشرعية
تشير زيارة المسؤولين الإيطاليين إلى القاهرة إلى واحدة من الديناميات التي تسعى بها مصر لتجاوز الأزمة الاقتصادية المتفاقمة، والإبقاء على فاعليتها الإقليمية المتراجعة، حيث يُعد ملف الهجرة غير النظامية من الملفات التي يضعها النظام المصري في قلب علاقاته مع أوروبا منذ تولي الرئيس المصري السلطة في عام 2014، من أجل ضمان الدعم الاقتصادي والتعاون العسكري والأمني.
وتراهن القاهرة في الوقت الراهن على أن أهميتها في المنطقة ستدفع شركاءها في أوروبا لعدم تجاهل الأزمة الاقتصادية الطاحنة في ظل ضغوط صندوق النقد الدولي وتعقد العلاقة مع الداعمين الرئيسيين من دول الخليج.
وبينما ستظل مصر مهمة؛ فإنه من المرجح أن تعمل إيطاليا وغيرها من القوى الأوروبية على مساعدة الحكومة المصرية، لكن ستظل هذه المساعدة غير كافية لإنقاذ الاقتصاد المصري.