يسعى بنيامين نتنياهو إلى استرضاء حلفائه في الائتلاف الحاكم، من الأحزاب الدينية، حتى يمكن تمرير الموازنة العامة قبل 29 مايو/أيار، وإلا انهارت الحكومة في إسرائيل، فماذا يريدون؟
تعيش إسرائيل حالةً من التوتر الداخلي والانقسام غير المسبوق، منذ تولي الائتلاف الحالي برئاسة نتنياهو الحكم، أواخر ديسمبر/كانون الأول الماضي، وتفاقم ذلك الانقسام على خلفية التعديلات القضائية التي يريد نتنياهو وحلفاؤه في الحكومة إيتمار بن غفير وزير الأمن الداخلي، وبتسلئيل سموتريتش وزير المالية، وياريف ليفين وزير العدل تمريرها.
تمكن نتنياهو من تفادي انفجار الموقف الداخلي مؤقتاً، عندما قرر تأجيل التصويت على تلك التعديلات، التي تصفها المعارضة بأنها "انقلاب قضائي"، رغم استمرار الاحتجاجات الرافضة لها، لتأتي معركة إقرار الموازنة العامة لإسرائيل وتضفي مزيداً من الضوء على مدى عمق الانقسامات داخل الدولة العبرية.
الأحزاب الدينية تساوم نتنياهو
يواجه نتنياهو حالياً مفاوضات صعبة مع الأحزاب الشريكة له بالحكومة، قبيل حلول 29 مايو/أيار الجاري، وهو الموعد الأخير لمصادقة الكنيست (البرلمان) على ميزانية الدولة. فطبقاً للقانون الإسرائيلي، ما لم يصادق الكنيست على الميزانية حتى ذلك التاريخ فإن البرلمان يكون معرضاً للحل، وتحديد موعد لانتخابات مبكرة.
ويخشى نتنياهو، الذي شكل حكومته الأكثر يمينية في إسرائيل بعد 5 انتخابات في أقل من 4 سنوات خسر خلالها رئاسة الحكومة لأكثر من عام ونصف العام، حينما تشكلت حكومة نفتالي بينيت ويائير لابيد، من انهيار الائتلاف والتوجه إلى انتخابات عامة، بسبب ما يواجهه من محاكمات بالرشوة وخيانة الأمانة والفساد، وهي اتهامات ينفيها. على أية حال يحتاج نتنياهو لأن يكون على رأس الحكومة في الوقت الذي تنظر فيه المحكمة المركزية الإسرائيلية في تلك الاتهامات.
وتعتبر أزمة الميزانية الحالية هي الملف الأكثر خطورة أمام حكومة نتنياهو بمقاعدها الـ64 بالكنيست المكون من 120 مقعداً. وحال حصوله على موافقة الأحزاب الشريكة له، يمكن لنتنياهو نيل ثقة الكنيست لميزانية العامين 2023 و2024، ولكنه يواجه إشكاليات مع أحزاب حكومته.
فالأحزاب اليمينية المتشددة تقايض بنيامين نتنياهو بالمال مقابل بقائه على رأس الحكومة، وذلك بطرحها مطالب نظير موافقتها على مشروع الميزانية السنوية.
كانت لجنة المالية البرلمانية الإسرائيلية قد وافقت، يوم 16 مايو/أيار، على مشروع قانون موازنة الدولة لعامي 2023 و2024. وقال الكنيست في بيان: "بموجب مشروع القانون ستصل موازنة الدولة لعام 2023 إلى 484 مليار شيكل (132 مليار دولار)، و514 مليار شيكل (140 مليار دولار) لعام 2024".
وتهدد الأحزاب الدينية واليمينية القومية بعدم التصويت لصالح مشروع قانون الميزانية، ما لم تحصل على ميزانيات، وسط تحذيرات من تأثير القبول بها على مستقبل إسرائيل، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.
هيئة البث الإسرائيلية الرسمية قالت الأحد، 21 مايو/أيار، إن زعيم حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف إيتمار بن غفير، طالب بميزانية قيمتها 700 مليون شيكل (192 مليون دولار)، تُخصص لتطوير النقب والجليل (جنوب)، على حسب تعبيره. أما حزب "يهودوت هتوراه" فيطالب بمبلغ 600 مليون شيكل (164 مليون دولار أمريكي)، تُخصص للمدارس الدينية.
ماذا قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي من تنازلات؟
نقلت هيئة البث عن نتنياهو قوله إن "إعادة فتح الميزانية لتوزيع الأموال مجدداً يعد انتحاراً، لأن ذلك يعني عدم الانتهاء من المطالب الحزبية قريباً، وذلك يعني عدم إمكانية تمرير الميزانية في موعدها الأقصى، وهو يوم 29 من الشهر الجاري".
وأضافت: "أما وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، فيؤكد للحزبين أن فتح الميزانية والتصرف بها على نحو مختلف يعني إسقاط الحكومة وفتح الإمكانية لبقية أحزاب الائتلاف، بطرح مطالب جديدة، ما يعني عدم التمكن في نهاية المطاف من تمرير الميزانية المعدة للتصويت".
وذكرت أن "عامل الوقت حاسم في مثل هذا الخلاف القائم في الائتلاف الحكومي، إذ من المتوقع أن يبدأ التصويت على بنود الميزانية المعدة لعامي 2023 و2024، في الهيئة العامة للكنيست، الثلاثاء، على أن تنتهي عملية التصويت صباح الأربعاء من هذا الأسبوع، وفقاً للبرنامج المعد مسبقاً".
وفي كلمة له في القدس الغربية، الخميس، بمناسبة مرور 56 عاماً على احتلال إسرائيل للقدس الشرقية وفق التقويم العبري، وصف نتنياهو حكومته بأنها "حكومة وطنية تهتم بالتراث اليهودي والاستيطان في أرض إسرائيل". وذكر أن "الوقت حان للتوقف عن توجيه التهديدات، والتوقف عن المقاطعة"، وحث شركاءه على "العمل معاً لتمرير الميزانية من أجل الشعب".
ويدرك نتنياهو أن الأحزاب الشريكة ستضطر في نهاية الأمر للتصويت لصالح الميزانية، خشية سقوط الحكومة والتوجه لانتخابات مبكرة، ومع ذلك فإن شركاءه يواصلون الضغط عليه حتى اللحظات الأخيرة.
وبحسب تقرير لصحيفة جيروزاليم بوست، رضخ نتنياهو لمطالب بن غفير والحريديم، ووافق على منح المدارس الدينية الأموال التي تريدها تلك الأحزاب، وهو ما أثار حفيظة اتحاد الطلاب الإسرائيليين في المدارس غير الدينية، فقرروا رفع قضية عاجلة أمام المحكمة الإسرائيلية العليا، لوقف ما يرونه "تمييزاً" لصالح طلاب المدارس الدينية.
فقد أرسل عضو الكنيست عن حزب إسرائيل بيتنا، عوديد فورير، خطاباً إلى النائبة العامة جالي بهاراف-ميارا، قال فيه إن الاتفاق بين الليكود (نتنياهو) والأحزاب الدينية غير قانوني، حيث لا يمكن وضع بنود إنفاق في الموازنة العامة بدون وجود مصدر للأموال المخصصة.
فالاتفاق ينص على تخصيص الأموال التي تريدها المدارس الدينية وبن غفير من خلال "فائض بنود أخرى من الموازنة العامة خلال العامين المقبلين"، دون أن يكون هناك بند أو بنود محددة تمثل مصدراً لتلك المخصصات.
ماذا تقول المعارضة الإسرائيلية؟
في وقت يعاني فيه الإسرائيليون من ارتفاع كلفة المعيشة، يقول قادة المعارضة إن نتنياهو "يقدم رشوة لشركائه بالحكومة على حسابهم". ووفق المعارضة فإن اليهود المتشددين أو "الحريديم" الذين يمثلون 13% من سكان إسرائيل، يحظون بنصيب الأسد في الميزانية.
وقال زعيم المعارضة يائير لابيد: "نحب أطفالنا، ونرى كيف تستخدم أموالنا لتدمير مستقبلهم، إن سرقة الخزانة العامة التي تجري أمام أعيننا هي أيضاً سرقة المستقبل"، وأوضح في تغريدة له، الخميس 18 مايو/ أيار، أن "السياسيين المتشددين لا يحكمون على أطفالهم بالفقر فحسب، بل يحكمون على المجتمع الإسرائيلي بأكمله بالفقر".
ويأخذ السياسيون الإسرائيليون على المتشددين اليهود أن غالبيتهم لا يخدمون بالجيش، ويعتمدون على الإعانات من الدولة. وفي هذا الصدد قال لابيد: "هذا عقد اجتماعي غير عادل، لأن حصة متزايدة من دخل الطبقة الوسطى الإسرائيلية ستستخدم لدعم الأشخاص الذين لا يعملون"، مضيفاً: "المشكلة أنه حتى الآن %51 فقط من الرجال الأرثوذكس المتدينين يعملون، وفي المستقبل سيعملون أقل بكثير، لأن هذا سيكون نتيجة الميزانية التي يتم إقرارها الآن".
أما زعيم حزب "الوحدة الوطنية" المعارض ووزير الدفاع السابق بيني غانتس، فوصف الميزانية المقترحة بأنها "خطة تقسيم تميز بين قطاعات المجتمع التي تمثلها أحزاب الائتلاف الحالية وبقية المواطنين الإسرائيليين". وأشار غانتس في اجتماع لحزبه، في 15 مايو/أيار الجاري، إلى أنه "بدلاً من تسميتها بميزانية الدولة، يجب أن تسمى ميزانية ائتلافية".
ورأى وزير المالية السابق زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المعارض، أفيغدور ليبرمان، أن من شأن الميزانية الجديدة حال إقرارها أن تشجع المتدينين على عدم العمل.
وقال في اجتماع بالكنيست إنه "تمت مضاعفة ميزانية المدارس الدينية وزادوا أيضاً المخصصات بنسبة 50%، ويقومون أيضاً بتوزيع مليار شيكل على شكل قسائم طعام، كما يتم تخفيض تكلفة وسائل النقل العام إلى ما يقرب من الصفر بالنسبة للجمهور الأرثوذكسي المتدين". وأضاف ليبرمان: "كل هذه حوافز لعدم الذهاب إلى العمل"، محذراً من أن "ضعف الشيكل يؤثر على الصادرات وتكلفة المعيشة".
وكان موقع "تايمز أوف إسرائيل" الإخباري، قال الأحد، إن "مجلس الوزراء وافق على تخصيص 13.7 مليار شيكل (3.7 مليار دولار) لدعم المؤسسات والبرامج الدينية". وأضاف: "من أصل 13.7 مليار شيكل هناك وعد بإنفاق حوالي 3.7 مليار شيكل على زيادة ميزانية رواتب المؤسسات الطلابية الدينية، وتم توجيه حوالي مليار شيكل كبدل لبرنامج قسيمة طعام يدفعه زعيم حزب شاس أرييه درعي".
كما تم "تخصيص 1.2 مليار شيكل آخر للمؤسسات التعليمية الخاصة غير الخاضعة للإشراف الحكومي، والتي لا تدرس المواد الأساسية مثل الرياضيات واللغة الإنجليزية، وسيتم توجيه أموال إضافية للتعليم الأرثوذكسي الديني، وبناء المباني الدينية ودعم الثقافة والهوية اليهودية الحريدية".
وأشار الموقع إلى أن الأحزاب الدينية اشترطت الحصول على هذه الأموال من أجل دعم الميزانية في الكنيست، موضحاً أن "وزارة الخزانة حذرت من أن الأموال الموعودة قد تؤدي إلى خسارة تريليونية في الناتج المحلي الإجمالي في السنوات المقبلة".
لكن حتى إذا تمكن نتنياهو من إنقاذ نفسه وائتلافه من مأزق إقرار الموازنة العامة، لا تزال قضية التعديلات القضائية مفتوحة على مصراعيها، حيث انضم عشرات الآلاف من الإسرائيليين، السبت 20 مايو/أيار، إلى الاحتجاجات المنتشرة في أنحاء البلاد، للتنديد بالتعديلات المثيرة للجدل لتشديد القيود على المحكمة العليا.
كان نتنياهو قد أوقف التعديلات المزمعة مؤقتاً، بعدما نظم المعارضون لها بعضاً من أكبر احتجاجات الشوارع في تاريخ إسرائيل، والتي تدخل حالياً أسبوعها العشرين. وغطى فيض من الأعلام الإسرائيلية بلونيها الأزرق والأبيض، التي أصبحت رمزاً للاحتجاجات، طريقاً سريعاً في وسط تل أبيب. وهتف المحتجون "إسرائيل تكاد تكون ديكتاتورية"، وحملت الحشود لافتات تقول "أوقفوهم".
وقال ساجي مزراحي (40 عاماً)، ويعمل مبرمج كمبيوتر، لرويترز في تل أبيب "تفزعني فكرة أننا لا نزال في أي لحظة على بُعد ساعات قليلة من التحول من ديمقراطية إلى دكتاتورية… أنا هنا بسبب النظام القضائي والقوانين التي لا تزال مطروحة على الطاولة، إنه أمر مرعب".
وكانت الاحتجاجات قد شهدت مشاركة أقل السبت الماضي مع بدء سريان الهدنة بين إسرائيل وحركة الجهاد الإسلامي، التي أوقفت تصعيداً إسرائيلياً استمر خمسة أيام في أسوأ قصف عبر الحدود منذ حرب غزة الأخيرة، التي استمرت عشرة أيام في 2021. وزاد الإقبال على المشاركة في الاحتجاجات فيما يبدو، إذ قدرت وسائل الإعلام العبرية عدد المشاركين بما بين 90 و100 ألف.
وقالت هافا جولان، أستاذة علم الأحياء البالغة من العمر 65 عاماً "أفقد أنا وأبنائي وأحفادي الأمل بالتدريج في العيش هنا في دولة ديمقراطية، وأن نحظى بحياة طبيعية كالتي يستحقها كل إنسان".