رفض شعبي وحماس حكومي.. هل تؤدي الانتهاكات بحق الأقصى إلى انتكاسة في التطبيع المغربي مع إسرائيل؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2023/04/06 الساعة 10:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/04/06 الساعة 10:26 بتوقيت غرينتش
FILE PHOTO: Israeli Foreign Minister Yair Lapid and Moroccan Foreign Minister Nasser Bourita meet in Rabat, Morocco August 11, 2021. REUTERS/Youssef Boudlal

يسعى المغرب لتحقيق التوازن بين تحالفه المتصاعد مع إسرائيل ودعم القضية الفلسطينية، ذات الشعبية الكبيرة محلياً، وهو تحدٍّ متزايد التعقيد، في ظل أن تل أبيب تحكمها أكثر الحكومات يمينية في تاريخها على الإطلاق، فكيف ستؤثر اقتحامات الأقصى الأخيرة على مسار تطبيع المغرب مع إسرائيل؟

ويشكل اقتحام الإسرائيليين للمسجد الأقصى بشكل وحشي في شهر رمضان، بطريقة استفزت المسلمين جميعاً، وأطلقت سلسلة من الإدانات العربية والدولية، تحدياً كبيراً للحكومة المغربية في ظل وجود انتقادات داخلية سابقة ضد التطبيع.

تطبيع المغرب مع إسرائيل جاء مقابل الاعتراف الأمريكي بسيادته على الصحراء 

وقامت الدولة الواقعة في شمال إفريقيا بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل في ديسمبر/كانون الأول 2020، في إطار سلسلة من الصفقات المعروفة باسم اتفاقيات أبراهام، بدعم من إدارة الرئيس الأمريكي آنذاك، دونالد ترامب، وأصبح المغرب بذلك رابع دولة عربية توافق على التطبيع مع إسرائيل، ضمن الاتفاق مع الإمارات والبحرين والسودان.

في مقابل، تطبيع المغرب مع إسرائيل حصل على تنازل رئيسي من واشنطن، وهو الاعتراف بسيادته على الصحراء الغربية المتنازَع عليها، حيث تسعى حركة البوليساريو المدعومة من الجزائر إلى الاستقلال.

لكن هذه الخطوة كانت على خلاف مع المزاج العام المؤيد بشدة للفلسطينيين في المغرب، حسبما ورد في تقرير نشر بصحيفة Times of Israel الإسرائيلية. 

تأييد المغاربة لفلسطين ظهر جلياً في المونديال، وانتقادات لدفاع وزير الخارجية عن إسرائيل

ظهر التأييد الشعبي الجارف للقضية الفلسطينية، الذي لم يتزعزع جراء التطبيع خلال مونديال قطر، حيث رفع لاعبو المغرب مراراً علم فلسطين، وكذلك الجماهير، بينما نفدت قمصان المنتخب المغربي من متاجر المدن الفلسطينية.

كان من الصعب الجمع بين هذين التناقضين في الأشهر الأخيرة، مع تصاعد العنف في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مع سلسلة من الهجمات الفلسطينية والمداهمات الإسرائيلية شبه اليومية، والتي غالباً ما توقع ضحايا. 

لكن الرباط سارعت بالدفاع عن نفسها.

ومن الأمثلة على ذلك رد فعل القصر الملكي بعد أن "استنكر" حزب العدالة والتنمية الإسلامي المعارض مواقف وزير الخارجية، ناصر بوريطة، لدفاعه عن إسرائيل علناً، حتى وهي ترتكب "اعتداء إجرامياً على إخواننا الفلسطينيين".

ورد الديوان الملكي في بيان انتقد حزب العدالة بشدة ووصفه تصرفاً "غير مسؤول" ويتضمن "مغالطات خطيرة" فيما يتعلق "بالعلاقات" بين المغرب وإسرائيل. 

وقال الديوان الملكي: "موقف المغرب من القضية الفلسطينية لا رجوع فيه"، مضيفاً أن العلاقات الخارجية للرباط من اختصاص الملك.

وتكرر الرباط بانتظام التزامها بحقوق الفلسطينيين، ويرأس الملك لجنة القدس الدولية التي تعمل على الحفاظ على "الطابع العربي الإسلامي" للقدس.

وقال وزير الخارجية المغربي، في تصريح صحافي عقب مباحثات مع وزير التنمية الاجتماعية الفلسطيني، أحمد مجدلاني، في العاصمة الرباط، إن بلده "له علاقات مع إسرائيل، وهذه العلاقات لم ولن تمسّ بعلاقة المغرب مع الشعب الفلسطيني ودفاع المغرب عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني".

لا تزال القضية الفلسطينية تستقطب تعاطفاً كبيراً من المغاربة، وقد أطلقت مجموعات المجتمع المدني حملة لردع التطبيع.

تطبيع المغرب مع إسرائيل
لاعبو منتخب المغرب يرفعون علم فلسطين (رويترز)

ومع ذلك، يرى الصحفي والكاتب المغربي، جمال عميار، أن "إقامة علاقات مع إسرائيل ودعم القضية الفلسطينية لا يستبعد أحدهما الآخر، إذا دافعنا عن حل الدولتين". 

وتؤيد الرباط رسمياً إقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعاصمتها القدس الشرقية.

الرباط اشترت أسلحة من تل أبيب وهذا أغضب الجزائر

منذ اتفاق عام 2020، تطورت علاقات المغرب مع إسرائيل بسرعة، حيث اشترت الرباط طائرات مسيَّرة متطورة ومعدات عسكرية أخرى، بالإضافة إلى منتجات الأمن السيبراني. 

وقال عميار: "لقد غيّرت اتفاقات إبراهام قواعد اللعبة، والكثير من الأشياء تتغير بسرعة".

وقال إن "شراكة الرباط مع إسرائيل تقوم على المصالح الأمنية المشتركة والعلاقات طويلة الأمد التي ساعدت في بناء الثقة".

لكن بعض المراقبين حذّروا من حدوث سباق تسلح بين المغرب وخصمه الإقليمي اللدود الجزائر التي تدعم كلاً من الفلسطينيين وجبهة البوليساريو.

قطعت الجزائر العلاقات مع المغرب بعد أشهر من الاتفاق الإسرائيلي بدعوى "الأعمال العدائية".

والتجارة قد نمت بينهما ولكن السياحة تبدو كأنها من جانب واحد

ينمو التعاون الإسرائيلي المغربي في مجالات أخرى أيضاً.

نمت التجارة الثنائية بمقدار الثلث في عام 2022، في حين زار حوالي 200 ألف إسرائيلي المغرب، وفقاً للأرقام الرسمية. وهناك حوالي 700 ألف إسرائيلي من أصل مغربي، وحافظ العديد منهم على علاقات قوية بموطنهم الأصلي. 

في المقابل كان عدد الزوار المغاربة لإسرائيل أقل بكثير، حيث بلغ عام 2022 (حتى نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم) 3500، أغلبهم من رجال الأعمال والطلبة والحجاج في إطار استئناف الرحلات الجوية المباشرة مع إسرائيل وثيرة 4 رحلات أسبوعية. بحسب ما نقله موقع i24news الإسرائيلي عن صفحة "مغاربة مع استئناف العلاقات مع إسرائيل" على حسابها الرسمي على الفيسبوك، والقدس هي الوجهة الرئيسية للسياح المغاربة، حيث إن من الواضح أن الإحصاءات الإسرائيلية تصنف السياح الذين يزورونها كأنهم ذاهبون لإسرائيل رغم أنها، وفقاً للقانون الدولي، أرض محتلة.

وقال زكريا أبو الذهب، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن ما وصفه بـ"هذا الارتباط الإنساني والثقافي" يعزز فكرة تعزيز الصلة بالدولة اليهودية، بغضّ النظر عن الوضع السياسي والجيوسياسي". 

ماذا سيفعل المغرب في ظل جرائم حكومة نتنياهو بحق الأقصى؟

لكن صعود الأحزاب الإسرائيلية القومية المتطرفة التي أصبحت الآن جزءاً من الائتلاف الحاكم بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي استأنف وجوده في السلطة في ديسمبر/كانون الأول، يهدد بتقويض العلاقات الأعمق. 

ونهاية الشهر الماضي، دعا حقوقيون وأكاديميون ورموز مجتمعية في المغرب، الخميس، إلى وقف تطبيع الرباط مع الاحتلال الإسرائيلي، وطالبوا بقطع العلاقات معها.

وجاء ذلك في بيان يحمل توقيع أكثر من 100 شخصية مغربية من مجالات مختلفة، ولا يزال مفتوحاً لمزيد من التوقيعات.

وتوحد القضية الفلسطينية أطياف المعارضة المغربية، خاصة الإسلاميين واليسار، حيث شهدت البلاد وقفات مشتركة بين التيارين ضد الاعتداءات على الأقصى.

وأدت الاقتحامات الواسعة للأقصى من قبل الجنود والمستوطنين الإسرائيليين مؤخراً لوضع الدبلوماسية المغربية في وضع حرج، خاصة أن العاهل المغربي يترأس لجنة القدس في منظمة التعاون الإسلامي، كما أن الأسرة الملكية وفقاُ للأعراف الملكية سليلة النبي عليه الصلاة والسلام، مما يجعل لديها مسؤولية تاريخية تجاه المقدسات الإسلامية.

ورداً على هذه الاقتحامات، قالت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج إن المملكة المغربية تابعت بقلق بالغ الأحداث العنيفة المتواترة في القدس الشريف والمسجد الأقصى، وما شهدته باحاته من اقتحام وترويع للمصلين الآمنين خلال شهر رمضان المبارك.

إسرائيل اعتقلت العشرات من الفلسطينيين خلال اقتحامها للأقصى/الأناضول

وأكدت الوزارة، في بلاغ لها، أن المملكة المغربية، التي يرأس عاهلها الملك محمد السادس لجنة القدس، تعتبر "هذه الانتهاكات عملاً مرفوضاً، ومن شأنها أن تزيد من حدة التوتر والاحتقان".

حتى الآن ليس هناك مؤشرات للتراجع عن التطبيع المغربي مع إسرائيل أو التطبيع من قبل أي دولة عربية أخرى.

فبعد تصريحات وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش، التي أنكرت وجود الشعب الفلسطيني وعرَّضه لخريطة تظهر الأردن كجزء من إسرائيل، ذكر موقع إيلاف المقرب للحكومة السعودية أن الإمارات تفكر في تخفيض تمثيلها في إسرائيل، وأن الأردن ومصر والمغرب تدرس إجراءات مماثلة. 

ولكن مرت الأسابيع على هذه التصريحات، ولم يحدث ذلك.

المعارضة للتطبيع تتحول عادة بالدول العربية لمساحة عمل مشتركة للتيارات السياسية المتباينة

والآن، فإن النهج التصعيدي غير المسبوق من قبل إسرائيل تجاه الأقصى، سيضع المغرب وكل الدول العربية المطبّعة مع إسرائيل في اختبار عسير. 

في حال عدم وجود رد فعل حكومي مغربي في مجال التطبيع على انتهاكات إسرائيل بحق الأقصى (خاصة إذا كسرت الخطوط الحمراء)، فإن ذلك من شأنه تزايد التعاطف الشعبي مع الحركات السياسية المعارضة المغربية الرافضة للتطبيع، خاصة أن المغرب عكس معظم الدول العربية المطبعة الأخرى بلد فيه معارضة نشطة ومساحة حرية وعمل سياسي.

وكما ظهر في في البلدان العربية شبه الديمقراطية ذات النظام القوي ولكن المتعدد سياسياً، مثل المغرب ومصر قبل ثورة يناير/كانون الثاني 2011، يوفر الحراك السياسي الرافض للتطبيع مساحة تلاقٍ نادرة بين القوى السياسية المعارضة المتناحرة، وخاصة الإسلاميين واليسار والقوميين، باعتبار القضية الفلسطينية نقطة مشتركة بينهم، ولكن سرعان ما تتطور هذه المساحة لمناقشة قضايا مشتركة أخرى مثل الحريات والإصلاح السياسي.  

تحميل المزيد