تقدمت "أدنوك" الإماراتية بعرض لشراء شركة نيوميد الإسرائيلية، فما دلالات الصفقة التي تبلغ قيمتها نحو 2 مليار دولار، رغم حالة الفتور السياسي السائدة حالياً بين الإمارات وإسرائيل؟
إذ إن الحكومة الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتنياهو وعضوية إيتمار بن غفير وبلتسئيل سموتريتش، هي الحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، ومنذ توليها المسؤولية أواخر العام الماضي، اقتربت الأمور من حافة الانفجار حرفياً، وارتفعت فرص اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة ضد الاحتلال.
وكانت صحيفة The New York Times الأمريكية قد نشرت تقريراً يرصد كيف أن حكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة تزيد من خطر التصعيد في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في ظل تصاعد اعتداءات المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، ووضع الحكومة الإسرائيلية الجديدة الاستيطان في طليعة ملفاتها.
وعدم تراجع إسرائيل عن تلك السياسات الاستفزازية يمثل إحراجاً لحلفائها الإقليميين والدوليين بطبيعة الحال، وهو ما انعكس في الانتقادات الحادة من جانب الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن الموجهة إلى نتنياهو وحكومته، كما خرج الغضب الإماراتي عن إطار السرية إلى العلن.
صفقة "أدنوك" و"نيوميد"
وفي إطار خطة تعزيز الروابط الاقتصادية بين الإمارات وإسرائيل، توصلت شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) وشركة النفط والغاز البريطانية بريتيش بتروليوم (BP) إلى اتفاق لتشكيل مشروع مشترك للغاز الطبيعي، حيث قدمتا عرضاً للاستحواذ على حصة 50٪ في شركة "نيوميد إنيرجي" الإسرائيلية.
العرض المشترك يشمل شراء 45٪ من أسهم "نيوميد" القابلة للتداول و5٪ من حصة تمتلكها مجموعة "ديليك المحدودة" (Delek Group) البالغة 55٪، وذكر بيان صادر عن بريتيش بتروليوم أن "بي بي وأدنوك قد تعقدان صفقات أخرى في البحر الأبيض المتوسط وما وراءه.
وتقدر قيمة الصفقة بنحو ملياري دولار، حيث عرضت الشركتان دفع 12.05 شيكل لكل سهم من أسهم "نيوميد" (3.38 دولار أمريكي)، وهو عرض يزيد بنسبة 72% عن سعر إغلاق سهم الشركة في البورصة قبل يومين من تقديم العرض.
شركة "نيوميد إنيرجي" الإسرائيلية تمتلك حصة 45٪ في حقل ليفيثان للغاز قبالة إسرائيل وحصة 30٪ في حقل أفروديت للغاز قبالة قبرص. وفي حال إتمام الصفقة ستؤدي إلى شطب "نيوميد" من بورصة تل أبيب، وستصبح شركة خاصة مملوكة بالتساوي لتحالف (أدنوك-بي بي) ومجموعة "ديليك" الإسرائيلية.
موقع أسباب، المتخصص بالتحليل السياسي والاستراتيجي، تناول ما تعنيه هذه الصفقة لشراكة الإمارات وإسرائيل التي تمضي قدماً اقتصادياً وأمنياً، على الرغم من الفتور السياسي الطافي على السطح حالياً.
إذ يمثل العرض علامة بارزة أخرى على تعزيز الروابط الاقتصادية بين الإمارات وإسرائيل منذ وقّع البلدان "اتفاق أبراهام" في عام 2020. ففي العام الماضي، استحوذت شركة مبادلة للبترول الإماراتية من شركة ديليك دريلنج Delek Drilling (مجموعة ديليك) على حصة 22٪ في حقل غاز تمار بشرق البحر المتوسط مقابل حوالي مليار دولار.
والآن، يشير عرض استحواذ أدنوك-بي بي على "نيوميد إنيرجي" إلى أن الفتور السياسي بين أبوظبي وحكومة اليمين الإسرائيلية لن ينعكس على جوهر العلاقات الأمنية والاقتصادية المتنامية بين الجانبين.
إذ كان تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية قد تناول تأثير سياسات حكومة نتنياهو على اتفاقيات أبراهام، رصد كيف توقف رئيس الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، منذ فترة عن إخفاء غضبه على تصرفات الحكومة الإسرائيلية.
وكانت الإمارات قد قررت إرسال 3 مليارات دولار للعائلات المتضررة من مذبحة المستوطنين المنظمة في بلدة حوارة الفلسطينية، كما تحدث الرئيس الإماراتي هاتفياً إلى البيت الأبيض وزعماء مصر، والأردن، والسعودية لمناقشة ما يمكن فعله حيال هذه الحكومة.
الشراكة بين الإمارات وإسرائيل
كانت الإمارات قد وقّعت اتفاقية تجارة حرة مع إسرائيل، لكن التقارير الإسرائيلية أشارت مؤخراً إلى أن أبوظبي تخشى أن تؤثر التعديلات القضائية التي تسعى حكومة نتنياهو لتمريرها، والتي تصفها المعارضة بأنها "انقلاب قضائي"، على التجارة بين تل أبيب وأبوظبي، التي يستقر حجمها حالياً عند نحو ملياري دولار سنوياً. بينما تُشير الطموحات المُعلنة إلى رغبةٍ في زيادة حجم التجارة إلى 10 مليارات دولار في السنوات المقبلة.
وحذر رجل أعمال إماراتي قائلاً مؤخراً: "إذا تشكّل موقفٌ يخشى خلاله المستثمرون التعامل مع إسرائيل تجارياً، فقد تذهب إنجازات اتفاقات أبراهام أدراج الرياح. وستكون الخسارة من نصيب إسرائيل بالكامل على الأرجح؛ لأن الإمارات لديها ما يكفي من الأماكن الأخرى لاستثمار ملياراتها حول العالم".
وفي هذا السياق، تعكس الصفقة الأخيرة بوضوح أن الإمارات متمسكة بنظرتها الاستراتيجية للعلاقات الاقتصادية مع إسرائيل، الأمر الذي تجلى في توقيع سفير الإمارات لدى الدولة العبرية، محمد محمود آل خاجه، ووزير خارجية الاحتلال إيلي كوهين بحضور رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو اتفاقية التعاون الجمركي، يوم 27 مارس/آذار، بما يتيح لاتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة التي تم توقيعها بين الجانبين في مايو/أيار 2022 الدخول إلى حيز التنفيذ.
جرى هذا في نفس الوقت الذي كشفت فيه تقارير إعلامية عبرية أن وزارة الخارجية الإماراتية طلبت من آل خاجه عدم مقابلة أي مسؤول حكومي إسرائيلي عقب تصريحات وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش التحريضية ضد الفلسطينيين.
ماذا تعني الصفقة من الناحية الجيوسياسية؟
ومن ناحية أخرى، توضح الصفقة واحدة من التداعيات الجيوسياسية لتطبيع العلاقات بين دول الخليج وإسرائيل، حيث لن يجلب التطبيع شركات الخليج مثل أدنوك إلى البحر الأبيض المتوسط للمرة الأولى فحسب، بل يشجع أيضاً شركات أوروبية رائدة مثل بريتيش بتروليوم كي تنخرط في القطاع البحري الإسرائيلي، بعد تردد لعقود من الزمن بسبب المخاوف من أن يتم إدراجها في القائمة السوداء من قبل قطاعات النفط الأكثر ربحاً في دول الخليج العربي.
وفي نفس الوقت؛ فإن تواجد الشركات العالمية، مثل بريتيش بتروليوم وقبلها عملاق الطاقة الأمريكي شيفرون – المشغل لحقلي تمار وليفثيان (تمتلك 39.7% من ليفثيان و32.5% من تمار)- هو من أهم مكاسب إسرائيل في شرق المتوسط.
وبالإضافة إلى المكاسب الاقتصادية المباشرة، يعد وجود هذه الشركات عامل جذب لشركات الطاقة العالمية الأخرى، الأمر الذي يعزز المكاسب الجيوسياسية لإسرائيل في شرق المتوسط.
أما بالنسبة لأدنوك، فإن الاستحواذ يمثل أول صفقة غاز دولية لها، والذي أصبح محور تركيز الشركة؛ حيث بات الغاز الطبيعي بمثابة وقود جسر لتقليل الانبعاثات. وتسعى الإمارات إلى توسيع طاقتها العالمية، وزيادة الإنفاق لتعزيز إنتاجها من النفط والغاز الطبيعي، وتستهدف أدنوك استثمار 150 مليار دولار في 5 سنوات حتى عام 2027، وفق ما أعلنته الشركة نهاية العام الماضي.
أما النقطة الأخيرة في هذا السياق التحليلي فتتعلق بتنامي أهمية غاز شرق المتوسط، وبصفة خاصة بالنسبة للقارة الأوروبية التي تعاني بشدة من نقص الغاز منذ بداية الهجوم الروسي على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.
إذ شهدت منطقة شرق المتوسط العديد من اكتشافات الغاز الطبيعي الكبرى في السنوات الـ15 الماضية، بما في ذلك في إسرائيل وقبرص ومصر. وفي ظل سعي أوروبا بشدة لاستبدال إمدادات الغاز من موسكو التي كانت تعتبر أكبر مورديها قبل الحرب، تصبح هذه الصفقة بمثابة أنباء جيدة للغاية للأوروبيين أيضاً. إذ يمكن النظر للصفقة كعلامة على الثقة في أن شرق البحر المتوسط سيصبح أحد الموردين المهمين للغاز إلى أوروبا.
لكن الدولة العبرية تعيش حالةً من التوتر الداخلي وتظاهرات غير مسبوقة خلال الفترة الحالية، تنذر بوقوع حرب أهلية، على خلفية التعديلات القضائية التي أعلن نتنياهو تجميدها مؤقتاً، لكن لا توجد مؤشرات على أن "الهدنة الملغومة" قد تنزع فتيل القنبلة بشكل نهائي.
وعلى الرغم من أن المسؤولين الإسرائيليين لا يشعرون بالقلق حيال اتفاقات أبراهام في الوقت الراهن، إلا أنهم أشاروا إلى أن أبوظبي تحوّلت اليوم إلى الراعي السياسي الرئيسي للفلسطينيين، بعد أن كانت تبرر توقيع اتفاقية السلام بأنها ستمنع ضم إسرائيل للضفة الغربية. وشهد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رعاية الإمارات لثلاثة قرارات تدعو لإدانة إسرائيل، بالتعاون مع الفلسطينيين، وقبلها حاول مسؤولون بارزون من الإمارات إقناع نتنياهو بتهدئة الجبهة الفلسطينية، لأن أي تداعيات عنيفة قد يمتد أثرها إلى مصر أو الأردن.