هل التطبيع الإسرائيلي مع دول الخليج في خطر بسبب الممارسات المتطرفة لحكومة نتنياهو؟ أم أن الأمر لن يعدو كونه سحابة صيف بين إسرائيل وبعض دول الخليج التي ترى في علاقتها مع تل أبيب ضرورة؟!
وألقت الأحداث الدموية الأخيرة في جنين والقدس الشرقية وأريحا والمخاطر التي تهدد القدس، بظلالها على العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية المتوترة أصلاً، وتتطلع السلطة الفلسطينية لدعم عربي ودولي لها في مواجهة هذه الحكومة المتطرفة.
وفي هذا الإطار، عقد مؤتمر لدعم القدس في جامعة الدول العربية بمشاركة ممثلي دول الخليج، بعضهم وزراء خارجية وآخرون وزراء دولة، أو وكلاء وزارة، ولم توفر دول الخليج وغيرها من الدول العربية الكلمات في انتقاد إسرائيل، والتأكيد على دعم القدس، ولكن لم يعلن عن تقديم دعم مالي للمدينة في نهاية المؤتمر، كما كان الفلسطينيون يأملون.
ومع وجود الحكومة الأكثر توجهاً يمينياً في تاريخ إسرائيل في السلطة الآن، وقلق الفلسطينيين المبرر من تحريضها على عنف المستوطنين، يراقب مسؤولو مجلس التعاون الخليجي عن كثب الوضع شديد التقلب، حسب ما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
الإمارات قالت إن التطبيع يعزز فرصة إنهاء احتلال الضفة
بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي الأعضاء في اتفاقية إبراهيم -وهما الإمارات العربية المتحدة والبحرين- فإنَّ مثل هذا العنف يطرح معضلات. في عام 2020، كانت إحدى نقاط الحوار الرئيسية في أبوظبي لإقناع جماهير المنطقة بفوائد التطبيع هي أنَّ اتفاقيات إبراهيم تنص على أنَّ إسرائيل ستتخلى عن الضم الرسمي للضفة الغربية (على الأقل وفقاً للتفسير الإماراتي).
ومع ذلك، وبالنظر إلى أجندات المتطرفين؛ مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، فإنَّ الاستيلاء على نطاق واسع من الأراضي المحتلة سيكون أولوية قصوى للحكومة الجديدة، وهو تحدٍ مباشر لشرعية اتفاقات إبراهيم.
في مقابلة مع موقع Responsible Statecraft، أوضحت الدبلوماسية الأمريكية البارزة السابقة فريال سعيد أنَّ حقيقة أنَّ إدارة بايدن لا تبذل أية جهود جادة لتهدئة التوترات تزيد الوضع صعوبة على دول مجلس التعاون الخليجي. وأضافت: "صار العبء أثقل على دول المنطقة لفعل شيء، لكن لا أعتقد أنها اكتشفت ما هو هذا الشيء".
تريد الاستمرار في اتفاق إبراهيم ولكن الرأي العام لديها معارض للتطبيع
على الرغم من أنه من المستبعد أن تلغي الإمارات العربية المتحدة والبحرين، أو إحداهما، اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل، يجب على أبوظبي والمنامة تحقيق التوازن. فمن ناحية، تظل دولتا الخليج مهتمتين بجميع مزايا اتفاقيات إبراهيم، بما في ذلك التجارة وفرص الاستثمار ونقل التكنولوجيا وتنسيق الدفاع وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع إسرائيل، فضلاً عن المكاسب السياسية في واشنطن. ومن ناحية أخرى، لا يمكن للقادة الإماراتيين والبحرينيين تجاهل الاعتبارات المحلية والإقليمية.
كما تُظهِر استطلاعات الرأي، فإنَّ الرأي العام الإماراتي والبحريني يعارض التطبيع، كما هو الحال في جميع أنحاء العالم العربي.
وفي الوقت الذي يتصاعد فيه العنف الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، لا تستطيع حكومات المنطقة أن تتجاهل الآراء التي يتبناها ناخبوها العرب والمسلمون. ويكفي القول إنه من المحتمل ألا يحلّ بنيامين نتنياهو ضيفاً على أية دولة خليجية عربية في عام 2023، مقارنة بإجراء رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، نفتالي بينيت، زيارات إلى الإمارات والبحرين العام الماضي.
بدورها، أوضحت كورتني فرير، الزميلة في جامعة إيموري، في مقابلة مع موقع Responsible Statecraft: "حتى الآن، يحاول الإماراتيون والبحرينيون التعامل مع هذا الأمر على أنه عمل كالمعتاد. لكن أعتقد أنه سيكون من الصعب عليهم فعل ذلك، مع وجود حكومة نتنياهو في السلطة".
أبوظبي دعت بن غفير لزيارة سفارتها في إسرائيل
وقال عزيز الغشيان، الزميل في معهد دول الخليج العربية بواشنطن، إنَّ دعوة الإمارات إيتمار بن غفير لزيارة سفارتها في تل أبيب قبل منحه منصباً وزارياً كان هدفها محاولة "التخفيف من هذا الاضطراب"، مع الإشارة إلى موقف الإمارات بأنَّ تصرفات بن غفير "لا ينبغي لها تقويض تطورات اتفاقيات إبراهيم". في الأساس، كانت الرسالة الإماراتية إلى بن غفير: "لا تكن الشخص الذي يفسد هذا".
مثل إدانات أبوظبي السابقة للانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان عقب توقيع الإمارات لاتفاقات إبراهيم، نددت القيادة الإماراتية بغارة جنين في 26 يناير/كانون الثاني. وطالبت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية السلطات الإسرائيلية "بتحمل مسؤولية الحد من التصعيد وعدم الاستقرار في المنطقة"، مع التأكيد على "ضرورة دعم كافة الجهود الإقليمية والدولية لدفع عملية السلام في الشرق الأوسط، وإنهاء الممارسات غير القانونية التي تهدد حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية".
نتنياهو يريد إدخال السعودية في مسيرة التطبيع الإسرائيلي مع دول الخليج
كما وصفت المملكة العربية السعودية الغارة بأنها تشكل "انتهاكات جسيمة للقانون الدولي"، ودعت إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. ورغم حديث نتنياهو إلى مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوى ووسائل إعلام حول طموحه في إدخال الرياض إلى اتفاقات إبراهيم، يبدو هذا الهدف غير واقعي في ظل غياب تقدم جاد من جانب إسرائيل فيما يتعلق باحترام حقوق الفلسطينيين.
وأخبر جوزيف كيشيشيان، الزميل القديم في مركز الملك فيصل في الرياض، موقع Responsible Statecraft: "قليلون يجب أن يتفاجأوا بإدانات الرياض الشديدة للعنف الإسرائيلي في الأراضي المحتلة. بل ويجب أن تتراجع التصورات بشأن تحسُّن العلاقات السعودية الإسرائيلية ما ظلت الظروف على ما هي عليه".
ورسمياً الرياض تقول إنها ملتزمة بمبادرة السلام العربية
وقالت فرير: "يتمتع السعوديون الآن بالقدرة على التراجع، ورؤية ما سيحدث، وإلامَ سيؤول الوضع مع الدول المُوقّعة على اتفاقيات إبراهيم الآن. وقد أثار السعوديون مبادرة السلام العربية في السنوات الأخيرة. أتساءل عمّا إذا كانت ستصير جزءاً من أية مفاوضات نشطة أو أي نوع من العلاقات المستقبلية المحتملة مع إسرائيل.
وقال السعوديون في الماضي إنَّ لديهم نموذجاً لكيفية عمل هذه العلاقة، لكنهم لم يحاسبوا الإسرائيليين بالضرورة على التزامهم بهذا النموذج. لذلك هذا يمثل شيئاً آخر مهماً".
ومبادرة السلام العربية هي في الأصل مبادرة سعودية تبنتها الدول العربية مجتمعة في القمة العربية ببيروت في 28 مارس/آذار 2002، وهي تتضمن قبول العرب للتطبيع الشامل مع إسرائيل مقابل انسحابها من الأراضي العربية عام 1967، بما فيها الجولان السوري والأراضي اللبنانية المحتلة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وحل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفقاً للقرارات الدولية التي تشمل العودة أو التعويض.
ومع ذلك، لا تفسر الدبلوماسية الأمريكية البارزة السابقة فريال سعيد إدانة السعودية لهجوم 27 يناير/كانون الثاني في القدس الشرقية على أنها تشكل أي تغيير في العلاقات بين الرياض وتل أبيب التي تشهد نمواً تجارياً سريعاً. وقالت: "أرى أنَّ الإدانة السعودية، في ضوء ذلك، تتيح استمرار النمو في علاقات الأمر الواقع. وما حدث هو أنَّ التطبيع تراجع ضمن أولويات السعوديين، لحين اكتشاف كيفية المرور عبر حقل الألغام السياسي هذا".
ورغم أن القلق المشترك من إيران، خاصة برنامجها النووي والصاروخي، يعد أحد الدوافع الرئيسية وراء صعود التطبيع الإسرائيلي مع دول الخليج، إلا أن هناك مؤشرات على تراجع التوتر بين دول الخليج لاسيما الإمارات والسعودية مع طهران، لكن لا يعرف مدى تأثر التنسيق الأمني والعسكري في هذا الملف.
الكويت تقول إنها ستكون آخر المطبعين
أما الكويت، باعتبارها الدولة الخليجية الأكثر معارضة لاتفاقات إبراهيم، فمن المرجح أنَّ موقفها المناهض للتطبيع سيشتد. وبالنظر إلى الطبيعة شبه الديمقراطية للحكم الكويتي، فلا بد أنَّ قيادة الدولة حساسة جداً للرأي العام.
وفي هذا الصدد، أشارت كورتني فرير، الزميلة في جامعة إيموري، إلى أنَّ "الكويت قالت إنها آخر دولة قد تُطبِّع مع إسرائيل. وأعتقد أنَّ هذا صحيح. وبسبب قوة البرلمان في الكويت، لا يمكن للدولة أن تتجاهل حقاً مدى عدم شعبية اتفاقيات إبراهم في… الكويت. وببساطة، لن تكون قادرة على غض الطرف عنها أو تنحيتها بعيداً نظراً لمدى صراحة الهيئات التشريعية في الكويت".
وبالنظر إلى المستقبل، يمكن توقع استمرار البحرين والإمارات العربية المتحدة في تعزيز التعاون مع إسرائيل على المستويات التكنوقراطية في مجالات الاقتصاد والدفاع والاستخبارات والتكنولوجيا والتجارة.
ومع ذلك، من المحتمل أن تتخذ كل من أبوظبي والمنامة خطوات لتجنب الظهور بمظهر ودود للغاية تجاه حكومة إسرائيل المتطرفة. بينما دول مجلس التعاون الخليجي، التي لم تُطبِّع العلاقات، يُستبعَد أن تفعل ذلك مع حكومة نتنياهو الحالية في السلطة، وربما لن تفعلها مطلقاً.