من إيران والخليج حتى إسرائيل وأمريكا.. ما موقف كل طرف من إحياء الاتفاق النووي؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/09 الساعة 12:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/09/09 الساعة 21:07 بتوقيت غرينتش
الملف النووي الإيراني- تعبيرية / getty images

تتضارب الأنباء والتقارير مؤخراً حول الاقتراب من إعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني بين طهران وواشنطن، أو استبعاده بالكامل بفعل الضغوطات الإسرائيلية المتواصلة على إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، وحديث واشنطن عن رفض إيران لبعض الشروط الأمريكية، فيما لم يعلن أي من الأطراف انسحابه من طاولة المفاوضات حتى الآن. وفي هذا التقرير نرصد موقف كل طرف من الاتفاق، وما الذي يسعى له.

1- إيران.. كيف ستستفيد من إحياء الاتفاق النووي؟

تؤكد إيران مراراً تمسكها بالاتفاق النووي، لكنها في الوقت نفسه ترفض الانصياع لشروط واشنطن الجديدة حيال نسب تخصيب اليورانيوم المسموح بها، وكذلك صلاحيات فرق مراقبي الطاقة الدوليين، وكذلك ملف الحرس الثوري الإيراني وأنشطته في المنطقة.

وتتمسك طهران التي تمر بظروف اقتصادية قاسية، بإحياء الاتفاق، من أجل رفع العقوبات الأمريكية وتنشيط اقتصادها، وعودتها لتصدير النفط بشكل طبيعي دون عراقيل، وفتح الاستثمار الغربية على البلاد مجدداً، وهو ما يعني ضخ مليارات الدولارات في عجلة الاقتصاد.

لكن إيران تسعى هذه المرة للحصول على ضمانات اقتصادية وقبلها ضمانات سياسية، وربما تطالب بأخرى قانونية من أجل إتمام الاتفاق وجعل تكلفة إلغائه مجدداً مكلفة على أي إدارة أمريكية قادمة، وهو ما كان يناقش طوال الأشهر الماضية في الغرف المغلقة دون معرفة ما تم التوافق عليه حتى اللحظة.

ويقول الأمريكيون إن إطار الاتفاق النووي الجديد كان سيُلزم إيران بعدم تخصيب اليورانيوم بدرجةٍ تزيد على 3.76%، وألا تصل لمعدلات يمكن معها إنتاج سلاحٍ نووي، بموجب الاتفاق المقترح.

بينما أدلى الأمريكيون بتصريحات قالوا خلالها إن إيران يجب أن تتخلى عن كامل حيازاتها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% و60% بموجب الاتفاق أيضاً، مما يعني ضرورة إخراج مئات الكيلوغرامات من اليورانيوم المخصب إلى خارج إيران، أو إذابتها. 

كما سيجري تفكيك أجهزة الطرد المركزي الخاصة بتخصيب اليورانيوم وتخزينها على الأراضي الإيرانية داخل مستودعٍ خاضع لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بحسب الاتفاق. 

وقال الأمريكيون إن إيران لن تتمكن من معالجة البلوتونيوم على الإطلاق؛ لأن بالإمكان استخدامه في صنع الأسلحة، كما ستُعيد تصميم مفاعل البلوتونيوم في آراك بحيث لا يتمكن من إنتاج مواد تدخل في تصنيع القنابل النووية.

كما تعهد الأمريكيون بتمكين الوكالة الدولية للطاقة الذرية من تجديد مراقبتها الصارمة للمنشآت النووية داخل إيران في حال توقيع الاتفاق، وذلك بعد أن عرقل الإيرانيون عمليات المراقبة بشكلٍ كبير.

وبغض النظر عن الآثار الاقتصادية للاتفاق الجديد المحتمل، لا يزال لدى قادة إيران أسباب متعددة لعرقلة المفاوضات. وقد يرى قادة إيران أن سياسة العقوبات لم تفلح في تهديد قبضتهم على السلطة وبالتالي ليس هناك سبب للقلق في المستقبل المنظور.

ونجت طهران من 4 سنوات من العقوبات الأمريكية القاسية مع تداعيات سياسية محدودة، وقد أثبتت أجهزة الأمن الإيرانية أنها قادرة على السيطرة على الاحتجاجات الواسعة ذات الدوافع الاقتصادية.

ورغم معدلات التضخم المرتفعة وضعف العملة المحلية، فإن الاقتصاد الإيراني لم ينهر، فيما يعزى جزئياً لأن إيران تمكنت من بيع بعض النفط إلى بلدان مثل الصين، التي ترغب في الالتفاف على العقوبات جزئيًا.

2- إسرائيل: العودة للاتفاق سيضرّنا

على الجانب الآخر، يمكن القول إن الاتفاق المحتمل مع إيران قد تسبب في خلافٍ وجدل كبيرين بين الولايات المتحدة وإسرائيل، فضلاً عن كثير من التوترات الداخلية في تل أبيب.

كان رئيس الموساد، دافيد بارنياع، قد حذّر من مخاطر عودة الاتفاق النووي، في جلسة إطلاع لمراسلي الدفاع مؤخراً، حيث نقل تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت أن بارنياع حذّر في اجتماعه برئيس الوزراء من أن الصفقة ستسمح لإيران بالحصول على قدرات كبيرة.

أفاد بارنياع بأن مئات المليارات من الدولارات ستتدفق على إيران بعد رفع العقوبات، فضلاً عن أن الأموال ستُستخدم لتقوية الجماعات التي تطوق الاحتلال مثل حزب الله، وحركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين.

وأردف أن الإيرانيين سيعجلون بتنفيذ رؤية "الهلال الشيعي" الذي يمتد من حدودهم مع العراق وصولاً إلى البحر المتوسط، مما سيقوي الحوثيين في اليمن والميليشيات المؤيدة لإيران بالمنطقة. وأضاف بارنياع أن توقيع الاتفاق سيمثل "كارثة استراتيجية"، وأعلن أنه لن يكون مُلزماً لإسرائيل.

ويبذل المسؤولون الإسرائيليون جهودهم لإفشال الاتفاق النووي في وقت حساس، حيث تجري إسرائيل، التي تشرف عليها حالياً حكومة تصريف الأعمال، انتخاباتها الخامسة قريباً في أقل من أربع سنوات. 

ويعتقد العديد من القادة السياسيين الإسرائيليين أيضاً أن الحكومة الإيرانية لن تتخلى أبداً عن طموحاتها النووية، وأن إيران الأكثر قوة اقتصادياً ستسعى مرة أخرى إلى مثل هذا البرنامج. والعديد من بنود الاتفاق النووي لها تواريخ انتهاء صلاحية.

ولكن بعض الإسرائيليين في المؤسسة الأمنية -وغالباً ما يكونون ضباطاً متقاعدين يتمتعون بحرية أكبر في التحدث علناً- انفصلوا عن قادتهم السياسيين بشأن هذه القضية. وهم يجادلون بأنه على الرغم من أن الاتفاق النووي قد يكون غير كامل، فإنه أفضل من عدم وجود قيود أو مراقبة لبرنامج إيران.

3- أمريكا وأوروبا تريدان النفط والغاز

منذ دخوله البيت الأبيض سعى جو بايدن إلى العودة مرة أخرى إلى الاتفاق النووي، حيث جادل هو ومساعدوه بأنه لا يظل أفضل وسيلة لاحتواء التهديد النووي الإيراني. وعلى مدى ما يقرب من عام ونصف العام، وهي الفترة التي تضمنت بعض التوقفات الطويلة، انخرط مبعوثو بايدن في محادثات غير مباشرة مع المسؤولين الإيرانيين حول إحياء الاتفاق. وتشابك الجانبان، اللذان توسط المسؤولون الأوروبيون في مناقشاتهما في المقام الأول، حول مجموعة متنوعة من الموضوعات الشائكة.

في الوقت نفسه، بدأ الغرب في التطلع إلى "يد العون" الإيرانية، في ظل ضغط روسيا على أوروبا بتعليق إمدادات الغاز الطبيعي، بالتزامن مع حظر أوروبا النفط الروسي. لكن الأمر يتوقف بالطبع على قيام طهران وواشنطن بإعادة إحياء الاتفاق النووي الإيراني الخاص بعام 2015، ورفع العقوبات الاقتصادية القاسية المفروضة على إيران، والتي حدّت من قدرتها على تصدير موارد الطاقة.

لكن التنفيذ سيظل معقداً وتدريجياً، حتى في حال التوصل إلى اتفاق قريباً، ومن المرجح أن يستغرق رفع العقوبات بالكامل عدة أشهر. وربما نشهد تأثيراً فورياً على سوق النفط بتهدئة مخاوفها، لكن الإمدادات لن تصل في الوقت المناسب لتخفيف الضغط على الأسواق العالمية في الشتاء، بحسب ما يقول خبراء، لصحيفة New York Times الأمريكية.

وتتسابق الدول الأوروبية من أجل توفير مصادر بديلة للطاقة حالياً، لكن المسؤولين الغربيين يصرون على أن توقيت الاتفاق النووي لا علاقة له بأزمة الطاقة، مشيرين إلى أن أسعار النفط تراجعت بشكلٍ كبير من أعلى مستوياتها في الصيف الجاري بالفعل.

ربما يساعد تدفق النفط الإيراني إلى السوق في الحفاظ على انخفاض الأسعار، لكن البعض يقترحون أن إيران، صاحبة رابع أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم، قد تُصدِّر بنهاية المطاف أكثر من مليوني برميل من النفط الخام يومياً، أي نحو ضعف الكمية التي تصدرها الآن بحسب التقديرات.

ومن المؤكد أن كمية النفط الإيراني تستطيع صنع الفارق؛ إذ تُنتج مجموعة أوبك+ بقيادة السعودية ودول الخليج، نحو 2.7 مليون برميل يومياً في الوقت الراهن، أي أنها لا تحقق أهدافها الإنتاجية رغم ضغوطات إدارة بايدن وحكومات أخرى عليها من أجل زيادة الإنتاج وفقاً للوكالة الدولية للطاقة.

ولمَّحت السعودية كذلك إلى أنها قد تخفض إنتاجها في حال عودة إيران للأسواق، وذلك من أجل ضمان الحفاظ على ارتفاع أسعار النفط. وأوضحت حليمة كروفت، رئيسة السلع في مصرف RBC Capital Markets، لصحيفة نيويورك تايمز: "تستطيع أوبك خفض إنتاجها بالتأكيد بمجرد أن تبدأ عودة البراميل الإيرانية للسوق. ولا شك أن مثل هذه الخطوة قد تقضي بالتبعية على المكاسب السياسية للاتفاق المثير للجدل الذي تريده إدارة بايدن".

4- ماذا عن دول الخليج؟

تشارك بعض دول الخليج إسرائيل في المخاوف من أن أقصى ما قد تفعله الاتفاقية هو كبح التقدم الإيراني نحو التحول إلى دولة نووية، لكن الاتفاق لن يفعل شيئاً لإيقاف برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، ولن يحدَّ من مساندة طهران لوكلائها وحلفائها من غير الدول، مثل حزب الله في لبنان، والميليشيات الموالية لإيران في العراق، والحوثيين في اليمن.

ترفض إيران مناقشة هذه القضايا حتى الآن، وترد على المطالبات بالتعامل مع برنامجها الصاروخي بأن إسرائيل ودول الخليج لديها قدرات عسكرية في المجال الجوي، إضافة لامتلاك الرياض لصواريخ باليستية (حصلت عليها من الصين بموافقة أمريكية)، فضلاً عن البرنامج الصاروخي الإسرائيلي الأكثر تقدماً في المنطقة.

إلا أن وضع البرنامج الصاروخي وأنشطة وكلائها، ذلك يمكن أن يخضعا لقدر من التغيير إذا فُتح لها الباب للمشاركة في "مناقشة شاملة للأمن الإقليمي"، كما يقول موقع  Responsible Statecraft  الأمريكي الذي يرى أنه يجب أن تضم هذه المناقشة جميع الأطراف، ومنهم إسرائيل ودول الخليج، وتشمل قضايا الأمن في جميع أنحاء المنطقة.

في الوقت نفسه، ليس من مصلحة بعض دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات، عودة طهران إلى الاتفاق النووي بعد تقاربها مع إسرائيل، وعقد بعضها لاتفاقيات تطبيع مع تل أبيب، والانفتاح السياسي والاقتصادي والعسكري بين الطرفين.

كما أن الاتفاق يمكن طهران من العودة إلى سوق الطاقة العالمي بقوة كما ذكر آنفاً، بحيث قد يصل حجم الإنتاج اليومي والضخ الإيراني للنفط في الأسواق إلى نحو 2 مليون برميل، وهو ما يحتاجه الأمريكيون والأوروبيون بالفعل، حيث سيعمل ذلك على خفض أسعار النفط التي تسببت بها الحرب الروسية الأوكرانية، والتي تغضب في الوقت نفسه المواطنين الأمريكيين والأوروبيين من حكوماتهم، وهو ما يعني خسارة مدوية للديمقراطيين في الانتخابات القادمة، وكذلك شركائها من الحكومات الليبرالية في أوروبا.

تحميل المزيد