قبل نحو 18 عاماً، وضعت بريطانيا استراتيجية هدفها المعلن مكافحة الإرهاب، فهل تحقق الغرض أو كاد، وما هو برنامج "المنع"، ولماذا يثير الجدل حتى اليوم؟
كانت الحكومة البريطانية برئاسة توني بلير قد أقرت هذه الاستراتيجية عام 2005، في أعقاب الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها العاصمة لندن، ولا يزال ذلك البرنامج قائماً ويثير الجدل بصورة لافتة، فما تفاصيل قانون "المنع" البريطاني؟
نشر موقع Middle East Eye البريطاني تقريراً يجيب عن هذه التساؤلات، عنوانه "ما هو برنامج المنع البريطاني ولِمَ يثير الجدل؟"
ما هو قانون "المنع" البريطاني؟
"المنع" هو برنامج مثير للجدل ضمن استراتيجية حكومة المملكة المتحدة لمكافحة الإرهاب، الذي يقول النقاد إنه يستهدف المجتمعات المسلمة أكثر من غيرها، ويقوض الحقوق والحريات الأساسية.
ويسعى هذا البرنامج، الذي أطلقته حكومة حزب العمال برئاسة بلير قبل 18 عاماً إلى حماية "المعرضين للتطرف" ودعمهم، لمنعهم من التحول لإرهابيين أو دعم الإرهاب.
بيد أنه لم يمر وقت طويل على إطلاق البرنامج حتى أثار تركيزه على المسلمين شكاوى من التمييز، ومخاوف من أنه مُصمَّم لجمع المعلومات الاستخبارية ضد أفراد المجتمع المسلم.
ونتيجة لذلك، في ظل حكومة ديفيد كاميرون الائتلافية في عام 2011، توسّع اختصاص برنامج المنع ليشمل جميع أشكال التطرف. وبرنامج المنع هذا هو جزء من استراتيجية الحكومة البريطانية لمكافحة الإرهاب، التي تهدف إلى "حماية ودعم أولئك المعرضين للتطرف؛ لمنعهم من أن يصيروا إرهابيين أو يدعموا الإرهاب".
أعلنت الحكومة عن إطلاق البرنامج في أعقاب تفجيرات لندن عام 2005 واستهدف في البداية المجتمعات المسلمة استهدافاً مباشراً؛ ما أدى إلى استمرار الشكاوى من التمييز، والمخاوف من أنَّ البرنامج كان يُستخدَم لجمع المعلومات الاستخبارية عنهم.
لكن في عام 2011، توسَّع نطاق اختصاص برنامج المنع ليشمل جميع أشكال التطرف، التي حددتها الحكومة بأنها "معارضة صريحة أو نشطة للقيم البريطانية الأساسية، بما في ذلك الديمقراطية وسيادة القانون والحرية الفردية والاحترام المتبادل والتسامح بين الأديان والمعتقدات المختلفة".
ماذا يعني "واجب المنع"؟
في عام 2015، استحدثت الحكومة البريطانية "واجب المنع" الذي يتطلب من موظفي القطاع العام، بمن في ذلك الأطباء والمعلمون وحتى العاملون بالحضانات "إيلاء الاهتمام الواجب لضرورة منع الناس من الانجرار إلى الإرهاب".
ويتمثل أحد العناصر الأساسية لبرنامج المنع في "التوجيه"، وهو برنامج يقدم التوجيهات والدعم للأشخاص المُقيَّمين على أنهم معرضون لخطر التحول إلى إرهابيين. وقد ثبت أنَّ إحالات بعض الأطفال الصغار ضمن البرنامج كانت شائكة ومثيرة للتساؤلات، فقد تلقى 114 طفلاً دون سن 15 عاماً دعم البرنامج في عام 2017/ 2018.
ويشمل النقد المُوجَّه إلى "واجب المنع" أنه أحدث "تأثيراً مخيفاً" على حرية التعبير في الفصول الدراسية والجامعات، كما حوّل العاملين في القطاع العام إلى مُخبرِين يُتوقَّع منهم مراقبة التلاميذ والمرضى بحثاً عن "علامات التطرف". وقال بعض النقاد إنَّ ذلك قد يأتي بنتائج عكسية.
فالتعبير عن الرأي، الذي قد يراه الطبيب أو المدرس أو مشرف الحضانة أو أستاذ الجامعة "تطرفاً" من وجهة نظره، قد ينتج عنه "الإبلاغ" عن صاحب الرأي، ومن ثم إخضاعه "لبرنامج المنع".
على الجانب الآخر، يجادل المدافعون عن البرنامج بأنَّ هذا شكل من أشكال الحماية التي كانت فعّالة في تحديد الأفراد المضطربين ومساعدتهم، ويشيرون إلى عدد متزايد من الإحالات لأشخاص يمينيين متطرفين، باعتبار ذلك دليلاً على أنَّ البرنامج ليس تمييزياً ضد المسلمين.
وقد شهد الغرب صعوداً صاروخياً لتيار اليمين المتطرف خلال العقدين الماضيين، وأصبح هذا التيار يحكم كثيراً من الدول الأوروبية بالفعل. وتشترك جماعات اليمين المتطرف في بعض السمات الرئيسية، كالنزعة القومية، أو ما يمكن وصفه بالشعور بأن بلداً ما وشعب هذا البلد أرقى من غيره. ولدى تلك الجماعات شعور قوي بالهوية الوطنية والثقافية، إلى درجة اعتبار أن اندماج ثقافات أخرى يشكل تهديداً على تلك الهوية، ومن ثم فإنها ترفض فكرة التنوع.
وفي يناير/كانون الثاني 2019، أذعنت الحكومة البريطانية للضغوط وأعلنت أنها ستفوض بإجراء مراجعة مستقلة لبرنامج المنع. وكان من المفترض إنجاز هذه الخطوة بحلول أغسطس/آب 2020، لكن بعد إجبارها على التخلي عن المراجع الأول المُعيّن، اللورد كارلايل؛ بسبب مناصرته السابقة لبرنامج المنع، أقرت الحكومة بأنَّ المراجعة ستتأخر، ثم في يناير/كانون الثاني 2021، عيّنت ويليام شوكروس مراجعاً للبرنامج المثير للجدل.
من هم المستهدفون بـ"المنع"؟
وضعت الوثائق الحكومية البريطانية المتعلقة بالاستراتيجية تعريفاً فضفاضاً لها على أنها "معارضة صريحة أو نشطة للقيم البريطانية الأساسية، بما في ذلك الديمقراطية وسيادة القانون والحرية الفردية والاحترام المتبادل والتسامح بين الأديان والمعتقدات المختلفة".
وبعد أن وسّعت الحكومة نطاق البرنامج إلى حد كبير ليشمل المدارس والمستشفيات وغيرها من أماكن القطاع العام، من خلال إدخال برنامج "واجب المنع" ضمن قانون مكافحة الإرهاب والأمن، أصبح العاملون في القطاع العام؛ بمن في ذلك الأطباء والمعلمون وحتى أطقم عمل الحضانات، ملزمين الإبلاغ عن علامات التطرف المحتملة و"منع الناس من الانجرار إلى الإرهاب".
وصدر توجيه للعاملين في القطاع العام بشأن المعتقدات والسلوكيات التي قد تتطلب الإحالة، الذي شمل التشكيك في السياسة الخارجية الغربية، والشعور بالقلق أو التحفظ في الفصل، أو الشعور بالرغبة في التغيير السياسي أو الأخلاقي.
لكن رغم الصلاحيات الموسعة لبرنامج المنع بالتركيز على جميع أنواع التطرف، لا يزال المسلمون يشكلون عدداً غير متكافئ من الإحالات إلى البرنامج.
فقد أظهرت الأرقام الصادرة في عام 2017 أنَّ أكثر من 65% من الإحالات بموجب البرنامج في إنجلترا وويلز كانوا مسلمين، بما في ذلك ما يقرب من 2000 طفل مسلم، رغم أنَّ المسلمين كانوا يشكلون أقل من 5% من إجمالي السكان في ذلك الوقت.
إضافة إلى ذلك، تشمل العناصر الأساسية لبرنامج المنع التي ثبت أنها مثيرة للجدل، برنامج التوجيه، الذي يقدم الإرشاد والدعم للأشخاص الذين صُنِّفوا بأنهم معرضون لخطر التطرف.
وأظهرت التسريبات للإرشادات التي ينص عليها البرنامج أيضاً أنَّ شرطة مكافحة الإرهاب في المملكة المتحدة تحث الممارسين في برنامج المنع على إحالة الأشخاص المرتبطين بمختلف الجماعات المناهضة للعنصرية، والجماعات اليسارية، والجماعات المؤيدة لفلسطين، ونشطاء مناهضة الأسلحة في بريطانيا.
هل يحقق "المنع" غرضه؟
أي أن الشخص الذي يعلن تأييده للفلسطينيين الذين يعانون من قمع واضطهاد وجرائم الاحتلال الإسرائيلي، أو الشخص الذي يعبر عن رفضه لحيازة الأسلحة النارية في بريطانيا، يصبحون- في نظر "واجب المنع"- بحاجة إلى الخضوع لبرنامج "المنع" قبل وقوعهم في "براثن الإرهاب".
ونتيجة لذلك تصاعدت الانتقادات، إذ يتحدث المعارضون عن كيف أصبح لبرنامج "واجب المنع" هذا "تأثير مخيف" على حرية التعبير في الفصول الدراسية والجامعات. وفي هذا الصدد، قال بعض معارضي الاستراتيجية، بما في ذلك الجمعية الطبية البريطانية والمدرسون والمحاضرون الجامعيون، إنها قد تأتي بنتائج عكسية.
وفي تقرير عام 2017، صرحت ماينا كياي، مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحرية التجمع السلمي، بأنَّ "المنع هو عكس تأثيره المقصود: من خلال تقسيم ووصم وتنفير قطاعات من السكان، يمكن أن ينتهي الأمر ببرنامج المنع إلى تشجيع التطرف، بدلاً من مواجهته".
ما تفاصيل مراجعة استراتيجية "المنع"؟
في يناير/كانون الثاني 2019، أعلنت الحكومة أنها ستكلّف شخصاً بمراجعة مستقلة لبرنامج المنع. وكان من المفترض أن تكتمل المراجعة بحلول أغسطس/آب 2020، لكن لندن أقرت بأنَّ المراجعة ستتأخر بعد إجبارها على سحب التكليف من المراجع الأول المعين، اللورد كارلايل، بسبب دعمه السابق للاستراتيجية.
وفي يناير/كانون الثاني 2021، عيّنت الحكومة ويليام شوكروس، الذي ترأس مفوضية المؤسسات الخيرية بين عامي 2012 و2018، مراجعاً للاستراتيجية. لكن القرار أثار انتقادات فورية من جماعات حقوقية وشرائح كبيرة من الجالية المسلمة، بسبب التعليقات السابقة التي أدلى بها شوكروس عن الإسلام.
ففي عام 2012، قال شوكروس، بصفته مديراً لمركز أبحاث المحافظين الجدد، Henry Jackson Society: "الإسلام في أوروبا من أعظم المشكلات وأكثرها ترويعاً التي يواجهها مستقبلنا، أعتقد أنَّ جميع الدول الأوروبية بها عدد كبير ويتزايد بسرعة جداً من السكان المسلمين".
وفي الوقت نفسه، دافع شوكروس في كتابه "Justice and the Enemy- العدالة والعدو" عن الاستخدامات الأمريكية لأساليب الاستجواب؛ بما في ذلك أسلوب الإيهام بالغرق، الذي يُنظَر إليه على نطاق واسع على أنه تعذيب، فضلاً عن اعتقال أشخاص يُشتبَه بأنهم مقاتلون في تنظيم القاعدة في خليج غوانتانامو.
بالإضافة إلى ذلك، أثناء رئاسة شوكروس، اتهم مركز أبحاث Claystone مفوضية المؤسسات الخيرية في إنجلترا وويلز بالتحيز المؤسسي ضد المسلمين. ونتيجة لذلك، قاطعت أكثر من 450 منظمة إسلامية، بما في ذلك 350 مسجداً وإماماً، مراجعة الحكومة لبرنامج مكافحة التطرف. وعقب الانتقادات المتزايدة ضد تعيينه، قال شوكروس إنَّ بعض آرائه قد تعرضت "للتحريف أو التفسير المغلوط".