عاد بنيامين نتنياهو، المتهم بالفساد والرشوة وخيانة الأمانة، إلى سدة الحكم في إسرائيل على رأس حكومة لم يكن ممكناً أن ترى النور دون تشريعات برلمانية تسمح لمدانين بالاحتيال بتولي مناصب وزارية. فمن هي أبرز وجوه الحكومة اليمينية الأكثر تطرفاً؟
تؤدي الحكومة الإسرائيلية الجديدة، الخميس 29 ديسمبر/كانون الأول 2022، اليمين الدستورية أمام الكنيست، وهو ما يمثل استكمالاً لعودة بنيامين نتنياهو، أطول من تولى منصب رئيس الوزراء في تاريخ الدولة العبرية، إلى الساحة السياسية.
ويواجه الزعيم المخضرم، البالغ من العمر 73 عاماً، والذي يُحاكم بتهم فساد، انتقادات عنيفة واتهامات داخلية وخارجية، بعد أن توصل إلى اتفاق مع أحزاب دينية قومية وصهيونية لتشكيل الحكومة.
نتنياهو رئيساً لحكومة "السوابق" في إسرائيل
كان الكنيست، البرلمان الإسرائيلي، قد عقد جلسة، الثلاثاء 27 ديسمبر/كانون الأول، خصصها لإقرار تشريعات تهدف إلى تمهيد الطريق لخروج الحكومة إلى النور، وذلك لأن بعض المرشحين لتولي مناصب وزارية إما متهمون في قضايا فساد أو مدانون في قضايا احتيال أو متهمون بالإرهاب.
فنتنياهو نفسه يخضع للمحاكمة في ثلاث قضايا، تحمل الأولى الرقم 4000. في هذه القضية يواجه الرجل الذي جلس على مقعد رئيس الوزراء في إسرائيل أطول من أي شخص آخر الاتهام بأنه قدم مجاملات عبر قنوات تنظيمية في حدود 1.8 مليار شيكل (حوالي 500 مليون دولار) لشركة بيزك الإسرائيلية للاتصالات.
ويواجه نتنياهو في هذه القضية تهمة الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، بينما يواجه إلوفيتش وزوجته إيريس تهمتي الرشوة وعرقلة العدالة. وينفي المتهمون الثلاثة التهم الموجهة إليهم.
والقضية الثانية تحمل الرقم 1000، ويواجه فيها نتنياهو تهمتي الاحتيال وخيانة الأمانة، على أساس أنه حصل هو وزوجته سارة دون وجه حق على هدايا قيمتها نحو 700 ألف شيكل، من المنتج السينمائي أرنون ميلشان، الإسرائيلي الجنسية، والذي يعمل في هوليوود، ومن رجل الأعمال الأسترالي الملياردير جيمس باكر.
والقضية الثالثة تحمل الرقم 2000، ويواجه فيها نتنياهو تهمة التفاوض على صفقة مع أرنون موزيس، صاحب جريدة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، من أجل تحسين تغطيته إخبارياً. وتقول عريضة الاتهام إن نتنياهو طرح في المقابل تشريعاً لإبطاء انتشار صحيفة منافسة. ووُجهت لنتنياهو تهمة الاحتيال وخيانة الأمانة، ولموزيس تهمة الرشوة، ونفى موزيس التهمة.
وتتضمن الأدلة في القضايا الثلاث تسجيلات سرية وشهادات موثقة لمساعدين سابقين لنتنياهو انقلبوا عليه، وشهادات لآخرين قدموا تفاصيل بشأن تلك الاتهامات.
كانت إسرائيل قد أجرت 5 انتخابات عامة خلال أقل من 3 سنوات، ويواجه نتنياهو اتهامات من معارضيه بأنه السبب الرئيسي وراء حالة عدم الاستقرار السياسي بسبب سعيه لاستصدار تشريع من الكنيست يحميه من شبح دخول السجن الذي يطارده.
لكن أخيراً حقق نتنياهو مبتغاه بالتحالف مع الأحزاب اليمينية المتطرفة ليحصد معها أغلبية برلمانية جعلت استصدار تلك التشريعات أمراً ممكناً. حيث أقر الكنيست بالفعل عدداً من التشريعات فتحت الباب أمامه لتشكيل حكومة يمينية متطرفة.
وستمكّن التعديلات التي أُدخلت على قانون الحكومة الإسرائيلية حزب الصهيونية الدينية المؤيد للمستوطنين من تولي منصب وزير ثانٍ في وزارة الدفاع، ما يمنحه سلطة واسعة لبناء المزيد من المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة. وسيسمح تعديل ثانٍ لأرييه درعي، زعيم حزب شاس المتشدد، بتولي منصب وزاري بارز رغم أنه مدان من قبل بتهمة الاحتيال الضريبي.
مدان بالاحتيال الضريبي وزيراً في حكومة نتنياهو
وأقر نواب الكنيست بالقراءات الثلاث قانوناً يسمح لأي شخص مدان بجريمة ولم يحكم عليه بالسجن الحصول على حقيبة وزارية، ويستفيد من هذا القانون النائب أرييه درعي من حزب شاس، الذي عرض نتانياهو عليه منصباً بارزاً رغم أنه أدين في وقت سابق بارتكاب مخالفات ضريبية، بحسب موقع فرانس24.
وأقر البرلمان أيضاً قانوناً يسمح بتسليم حقيبة وزارية بعينها لوزيرين، وهو إجراء يعني بشكل رئيسي وزارة الدفاع، والهدف منه السماح لزعيم "الصهيونية الدينية" المتطرفة، بتسلئيل سموتريش، بتسلم شؤون الإدارة المدنية في الضفة الغربية المحتلة التابعة لوزارة الدفاع.
ويبلغ عمر هذا المحامي والمستوطن 42 عاماً، وهو زعيم حزب الصهيونية الدينية. وتحدث سموتريش من قبل عن رغبته في "إجهاض" أية آمال لدى الفلسطينيين بتحقيق المساواة على "أرض بني إسرائيل"، من خلال رحيلهم أو عيشهم كخدم لليهود أو قتلهم.
واتُّهِمَ سموتريش بتضارب المصالح عام 2017، عندما ضغط للتصديق بأثرٍ رجعي على بناء المستوطنات غير القانونية بعد أن تبيّن أن منزله بُنِيَ بشكلٍ غير قانوني في مستوطنة كدوميم، التي تقع على أراضي قرية كفر قدوم قرب نابلس.
وشارك سموتريش في تأسيس منظمة ريجافيم اليمينية المتطرفة، التي أدارها في سنواتها الأولى، ونسّقت هذه المنظمة انتشار العصابات الأهلية المسلحة التي اجتاحت مدينة اللد بالحافلات، وذلك خلال الهجمات التي استهدفت فلسطينيي المدينة المحتلة، في مايو/أيار عام 2021. وسيتولى سموتريش، إلى جانب منصب وزير ثانٍ في وزارة الدفاع، حقيبة المالية.
وبعد عرض الحكومة الإسرائيلية الجديدة أمام الكنيست، الخميس، تنتهي ولاية الحكومة السابقة التي تناوب كل من نفتالي بينيت ويائير لابيد على رئاستها، واستمرت 18 شهراً، وتشكلت من تحالف من أحزاب ذات توجهات أيديولوجية مختلفة.
إيتمار بن غفير و"زمرته"
القانون الثالث الذي صوت عليه الكنيست الإسرائيلي يتعلق بتوسيع مسؤوليات وزير الأمن الداخلي، وهو منصب سيشغله زعيم حزب "القوة اليهودية" اليميني إيتمار بن غفير.
ويبلغ السياسي اليميني المتطرف 46 عاماً، وبدأ نشاطه السياسي وهو في عمر الـ14. إذ كان عضواً في حزب كاخ الفاشي، الذي جرى تصنيفه منظمةً إرهابية وحظره داخل دولة الاحتلال عام 1994. وامتنع جيش الاحتلال عن تجنيد بن غفير بسبب عضويته السابقة في المنظمة.
وكرّس بن غفير مسيرته القانونية للدفاع عن نشطاء العنف اليمينيين، وقال بنفسه إن الاتهامات وُجِّهَت إليه في 53 قضية، ولم تجر إدانته سوى في ثمانٍ منها فقط.
وكان بن غفير يُعلّق في غرفة معيشته صورةً لباروخ غولدشتاين، الذي قتل 29 فلسطينياً في الخليل عام 1994، لكنه أُجبِرَ على إزالتها لاحقاً.
وبعد أن أصبح عضواً في الكنيست عام 2021، افتتح بن غفير مكتبه البرلماني في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية المحتلة، في خطوة استفزازٍ واضحة أثناء شهر رمضان المبارك.
كما سبق له اجتياح باحات المسجد الأقصى المقدس في أكثر من مناسبة، وجرى تصويره من قبل وهو يهدد الفلسطينيين بمسدسه.
وهناك أيضاً عوفر سوفر، رائد مشاة جيش الاحتلال السابق (48 عاماً)، الذي انضم لعضوية ثلاثة أحزاب سياسية مختلفة، هي الليكود، والبيت اليهودي، والصهيونية الدينية. وتتمحور أجندته السياسية الرئيسية في الكنيست حول زيادة ميزانية الأمن و"تهويد" دولة الاحتلال. وسيتولى حقيبة "الهجرة والاستيعاب" في حكومة نتنياهو.
كما سيتولى ألموج كوهين منصب نائب وزير الاقتصاد، فمن هو؟ ينتمي كوهين، عضو الكنيست البالغ من العمر 35 عاماً، إلى حزب القوة اليهودية، وخدم في شرطة الاحتلال لمدة 11 عاماً كعضوٍ في فرقة التدخل السريع، بعد أن أنهى خدمته العسكرية في جيش الاحتلال.
ونشر كوهين مؤخراً صورةً لنفسه قبل تسع سنوات وهو يجثو بركبتيه فوق ثلاثة فلسطينيين من مدينة رهط، وهم طالب الطوري ونجلاه رؤوف ونضال، بينما كانوا مقيدين أرضاً.
وكتب كوهين التعليق التالي على الصورة: "يتذكر هؤلاء الأشخاص ما كنت أفعله وأنا في الجيش"، مع رمزٍ تعبيري يغمز. وتشير الصورة إلى أن الرجال الثلاثة نجحوا في التعرف على كوهين، باعتباره واحداً من رجال الشرطة الذين اعتدوا عليهم.
إذ شهد الثلاثة بأن رجال الشرطة قيدوهم، وضربوهم في منطقة المغبن، وتبوّلوا على وجوههم، وهددوهم "بإطلاق الرصاص على رؤوسهم". ولم تُتخذ أية إجراءات تأديبية بحق أي من ضباط الشرطة مطلقاً.
وفي مايو/أيار، أسسّ كوهين جماعة أهلية مسلحة لتمشيط جنوب إسرائيل من أجل "مكافحة الجريمة بين البدو". وحذف كوهين حساباته على الشبكات الاجتماعية في أغسطس/آب الماضي. حيث سبق له أن وصف وحدة التحقيقات الداخلية في الشرطة بأنهم "كلاب هجومية من حقبة ما بعد النازية". كما أعلن عن دعمه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الهجوم على أوكرانيا، ودعا إلى شن عمليةٍ عسكرية شاملة ضد البدو في النقب.