وشهد شاهد من إسرائيل.. لماذا هذه “الزيادة المجنونة” في عدد الشهداء في الضفة الغربية والقدس؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/16 الساعة 12:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/16 الساعة 15:35 بتوقيت غرينتش
جنود الاحتلال الإسرائيلي في القدس - رويترز

ترى رئيسة حزب إسرائيلي أن هناك "زيادة مجنونة" في عدد الشهداء الفلسطينيين، مطالبةً بمزيد من "الحزم" من جانب الجيش تجاه المستوطنين. فكيف سجّلت كاميرات المراقبة ما يتعرض له الفلسطينيون في محالّهم وبيوتهم؟

يعيش الفلسطينيون في القدس المحتلة والضفة الغربية واقعاً مريراً، ازدادت حدته خلال الأشهر الماضية، وسط اقتحامات متكررة من المستوطنين والسياسيين اليمينيين المتطرفين للمسجد الأقصى، وهجمات شبه يومية يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على البلدات والمخيمات الفلسطينية.

وبحسب تقرير صادر عن "التجمع الوطني لأُسر شهداء فلسطين"، بلغ عدد الشهداء في الأراضي الفلسطينية برصاص الجيش الإسرائيلي أكثر من 170 قتيلاً منذ مطلع العام الحالي، "من بينهم 119 قتلتهم قوات الاحتلال في مواجهات بالضفة الغربية، و51 استشهدوا خلال العدوان الأخير على قطاع غزة".

والأحد 16 أكتوبر/تشرين الأول، أطلق جنود إسرائيليون النار على فلسطيني خلال اشتباك في الضفة الغربية المحتلة، وتوفي في وقت لاحق متأثراً بجراحه، بينما زعم بيان للجيش الإسرائيلي أن فلسطينيين بدأوا "أعمال شغب عنيفة" بالقرب من بلدة قراوة بني حسان، السبت، وفتح جنود، كانوا يعملون هناك النار.

هذا ما قالته رئيسة حزب "ميريتس" عما يحدث

زهافا غلؤون، رئيسة حزب "ميرتس" الإسرائيلي، وجّهت انتقادات حادة للجيش ووزير الدفاع بيني غانتس، على خلفية التوترات الأمنية المتزايدة بالضفة الغربية، بما في ذلك في القدس الشرقية المحتلة.

وقالت غلؤون، خلال مقابلة لها على القناة 12 الإسرائيلية: "وزير الدفاع بحاجة إلى كبح جماح جنود الجيش الإسرائيلي وضبطهم، هناك زيادة مجنونة في عدد القتلى الفلسطينيين"، معتبرة أن "التخفيف في تعليمات إطلاق النار الصادرة للجنود أسهم في تفاقم الأمر".

وأضافت غلؤون: "المستوطنون يقومون بأعمال شغب ضد الفلسطينيين، وهذا يسبب تصعيداً. الجيش يؤمّن قوافل من المستوطنين في مختلف المسيرات، وهذا يشكل استفزازاً. كل مَن يقترح إدخال المزيد من القوات إلى المناطق الفلسطينية، عليه أن يعرف أن هذه المنطقة ستدخل في تصعيد لا داعي له، يجب أن تكون هناك يد أكثر حزماً تجاه المستوطنين".

كما شنَّت رئيسة حزب "ميرتس" هجوماً حاداً ضدّ عضو الكنيست المتطرف إيتمار بن غفير، ووصفته بأنه "بلطجي ومحرّض"، مضيفة أنه يجب على غانتس أن يعلن جماعة "شبيبة التلال" الاستيطانية التي ترافقه لدى اقتحام المسجد الأقصى كـ"تنظيم إرهابي"، إضافة إلى ضرورة "سحب الحصانة عن بن غفير، لدوره في التحريض والتشجيع على الإرهاب".

زيهافا غالؤون، رئيسة حزب "ميرتس"

"هدف بن غفير كله هو تحويل الصراع إلى صراع ديني في القدس. إنه مستعد لسفك دماء اليهود والعرب حتى يتمكن من التقاط صور لحملته الانتخابية"، بحسب غلؤون.

كان إيتمار بن غفير قد اقتحم المسجد الأقصى بصحبة عشرات المستوطنين، يوم الأربعاء الماضي، في حماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي، التي اعتدت على المصلين، واعتقلت اثنين من حراس المسجد الأقصى أثناء تأدية عملهم، بحسب المركز الإعلامي الفلسطيني.

ورغم أن اقتحام المستوطنين المتطرفين للمسجد الأقصى ليس جديداً في حد ذاته، فإن وتيرته تسارعت بشكل لافت، وسط حماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي، فيما يبدو أنه سياق مخطط لفرض التقسيم الزماني والمكاني، الذي يسعى رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت لتنفيذه.

كاميرات المراقبة "شاهد" آخر

يمكن وصف تصريحات رئيسة حزب "ميرتس"، التي تأتي في سياق صراع سياسي داخلي قبيل الانتخابات الإسرائيلية المقررة مطلع نوفمبر/تشرين الثاني، بأنها قمة جبل الجليد بشأن ما تشهده الأراضي الفلسطينية.

إذ رصد تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني بعضاً من تفاصيل اعتداءات المستوطنين وجنود الاحتلال المتكررة على الفلسطينيين. عبد الله عودة واحد من هؤلاء، حيث كان جالساً في مكتبه بمنتزه الملاهي الذي يملكه في بلدة "حوارة" شمالي الضفة الغربية المحتلة، حين بدأ الهجوم الإسرائيلي على المنطقة.

وقال عودة لموقع Middle East Eye: "في نحو الساعة 2:20 بعد الظهر سمعنا صافرات الإنذار الصادرة عن السيارات المتوقفة في الخارج. سارعنا إلى الصوت، فرأينا مجموعة كبيرة من المستوطنين الملثمين ينزلون نحونا من أعلى التل. وبدأوا بغتة في إلقاء الحجارة علينا، فحطَّموا نوافذ السيارات خارج الحديقة، وانهمرت الحجارة علينا كالمطر".

سجَّلت كاميرات المراقبة لدى عودة مشاهد لعشرات المستوطنين الملثمين يقذفون الحجارة على السيارات والمباني المحيطة بالمنتزه الترفيهي، والمنازل القريبة. وقال عودة: "بينما كانت مجموعة من المستوطنين تقذف السيارات بالحجارة، بدأت مجموعة أخرى منهم بإشعال النار في أشجار الزيتون في المنطقة. ومكث المستوطنون نحو 20 دقيقة، تمكنوا خلالها من إحراق عشرات أشجار الزيتون، وتدمير ثلاث سيارات وتكسير نوافذها بالكامل".

خرج عودة وعماله ومجموعة من السكان الفلسطينيين للدفاع عن المنطقة، ورشقوهم بالحجارة وغيرها لإبعادهم. ويقول عودة إنهم كادوا ينجحون في ذلك، وبدأ المستوطنون في التراجع، لولا أن وصلت مجموعة من الجنود الإسرائيليين.

الفلسطينيون يشيعون جثمان شاب قُتل برصاص الجيش الإسرائيلي في مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية( Nedal Eshtayah – وكالة الأناضول )

يروي عودة: "كاد المستوطنون ينسحبون، إلا أنهم حين رأوا الجنود قادمين تدافعوا نحونا مرة أخرى، وأقبلوا يكسرون كل شيء في طريقهم. لم يحاول الجنود دفعهم إلى التراجع، بل أخذوا يهاجموننا وأطلقوا النار علينا".

جاءت اللقطات التي عرضها عودة لموقع MEE من كاميراته الأمنية لتؤكد صحة روايته لما حدث. وتابع عودة: "بينما كان الجنود يدفعوننا ويهاجموننا، بدأ المستوطنون بإشعال النار في إحدى عرباتنا التي كانت متوقفة على ارتفاع من التلة، واقتربت مجموعة أخرى لإشعال النار في شاحنة لنا. وكل هذا كان يحدث على مرأى من الجنود، إلا أنهم منعوني والعاملين لدي من إخماد النيران التي اشتعلت في السيارات وأشجار الزيتون. لم يحاولوا كبح المستوطنين، بل كانوا يساعدونهم طوال الوقت".

مجموعة من الهجمات المنظمة في الوقت نفسه

في الوقت الذي كانت فيه تلك المجموعة من المستوطنين تهاجم منتزه ملاهي عودة والمنازل المحيطة به، كانت مجموعة أخرى من المستوطنين المسلحين والملثمين تشن هجوماً على المنازل والمحال التجارية على طريق حوارة الرئيسي، الذي يربط البلدة بمدينة نابلس، الواقعة على بُعد بضعة كيلومترات إلى الشمال.

قال محمد خلف، المتحدث باسم بلدية حوارة، لموقع MEE: "وصلت سيارتان محملتان بالمستوطنين، ونزل منهما مسلحون بالحجارة والعصى والبنادق وبدأوا في رشق السيارات المارة بالحجارة، وتحطيم المحال التجارية على طول الطريق الرئيسي".

وتابع خلف: "كسَّروا نوافذ المحال واعتدوا على المنازل وخربوا الممتلكات. ووقف أكثر من 50 جندياً إسرائيلياً يدافعون عنهم. كان الجنود متمركزين طوال الوقت لحماية المستوطنين، ويهاجمون أي فلسطيني يحاول الدفاع عن نفسه".

بعد ساعات من الهجوم الذي وقع ظهر يوم الخميس، 13 أكتوبر/تشرين الأول، رجع المستوطنون إلى طريق حوارة في نحو الساعة 10 مساء، وهاجموا المزيد من المتاجر والمنازل، فاشتعلت المواجهات مع شباب المنطقة.

ويقول خلف إن المستوطنين رجعوا مرة أخرى نحو الساعة الثالثة صباح الجمعة، 14 أكتوبر/تشرين الأول، وخرَّبوا المزيد من المتاجر، منها مطعم كنتاكي بالمنطقة. وقال مالك المطعم إن حارساً لديه كان داخل المبنى في ذلك الوقت، وأصيب بزجاج نافذة حطَّمها المستوطنون، ما استدعى نقله إلى المستشفى لتلقي العلاج.

الهجوم الرابع للمستوطنين على حوارة خلال يوم واحد بدأ بعد الساعة الواحدة ظهراً بقليل، فبينما كان الناس محتشدين في مساجد البلدة لصلاة الجمعة، انتشر جنود الاحتلال على طول الطريق الرئيسي وحضروا منذ بداية الهجوم.

مستوطنون يهاجمون مركبات فلسطينية"أرشيفية"/ الأناضول

قال خلف: "عاد المستوطنون مرة أخرى خلال صلاة الجمعة، وأغلقت مجموعة منهم الطريق بالكامل من بدايته إلى نهايته. وتحت حماية أكثر من 100 جندي، هاجموا الفلسطينيين المارين في الشارع وخربوا المزيد من المنازل والمتاجر".

وأشار خلف إلى أن المستوطنين أحرقوا منذ بدء الاعتداءات يوم الخميس ما بين 20 إلى 30 دونماً (نحو 5 إلى 7 أفدنة) من بساتين الزيتون، وخرَّبوا أكثر من 30 محلاً ومنزلاً. واعتقلت قوات الاحتلال ما لا يقل عن ثمانية فلسطينيين من بلدة حوارة، وأصابت آخرين خلال المواجهات.

أما عن الخسائر المادية، فقال خلف: "ربما تزيد الخسائر المادية حتى الآن على 113 ألف شيكل (113 ألف دولار)، لكن الناس لم يتمكنوا بعد من تحديد خسائرهم لأن المستوطنين والجنود ما زالوا يهاجموننا، وأعدادهم في زيادة".

لا أحد يحمي الفلسطينيين من إسرائيل

استمرت المواجهات بين أهالي حوارة وقوات الاحتلال إلى مساء الجمعة، وقالت وزارة الصحة الفلسطينية إن قرابة 80 فلسطينياً أصيبوا بالاختناق من جراء الغاز المسيل للدموع، وأصيب آخرون بضربات من هراوات، فضلاً عن إصابة فلسطينيين على الأقل بطلقات ذخيرة حية.

قال الطبيب عصام ناصر لموقع MEE: "كثير من الإصابات التي رأيناها أمس تسبَّب فيها جنود كانوا يحمون المستوطنين. فقد أطلق الجنود الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية والرصاص المطاطي على كل من حاول الدفاع عن منزله أو متجره".

أشار ناصر إلى أنه ومسعفين آخرين عالجوا عشرات ممن أغشي عليهم بعد استنشاق الغاز المسيل للدموع. و"تمكنت سيارة إسعاف لنا من دخول المنطقة، وحاولت نقل المصابين إلى المستشفى، إلا أن المستوطنين بدأوا في مهاجمة سيارة الإسعاف، حتى إن أحد المستوطنين صوّب بندقيته نحو سيارة الإسعاف وهي تحاول إجلاء الجرحى".

وروى ناصر: "وقف المستوطن في منتصف الشارع موجهاً البندقية نحو سيارة الإسعاف، فانحرفت نحو الرصيف، وكادت تنقلب. وقد شاهد الجنود كل ذلك ولم يحركوا ساكناً".

مع ذلك، قال ناصر إن الهجمات على المسعفين وسيارات الإسعاف في حوارة "ليست بالأمر الجديد" على المسعفين والأطباء في الضفة الغربية، فقد منعهم الجيش الإسرائيلي كثيراً من القيام بعملهم.

أوردت الأخبار أن القوات الإسرائيلية أطلقت النار صباح يوم الجمعة على طبيب فلسطيني، اسمه عبد الله الأحمد، أثناء معالجته للجرحى خلال مداهمة عسكرية إسرائيلية لمخيم جنين للاجئين في شمال الضفة الغربية.

قال ناصر: "في فلسطين، لا أمان لنا، خاصة الأطباء والمسعفين، فنحن نُهاجَم في منازلنا وفي مقرات عملنا وحتى في الشارع ونحن نؤدي واجبنا. ولا أحد يحمينا".

الأقصى
مستوطنون يكثفون اقتحاماتهم للمسجد الأقصى – Getty Images

يقول أهالي بلدة حوارة إن المستوطنين ما كان لهم أن يتمكنوا من إحداث هذا القدر من التخريب لو لم يكن الجنود الإسرائيليون يحمونهم.

حاول سعيد عودة أن يعود إلى المنتزه لحمايته، إلا أن الجنود منعوه وفلسطينيين آخرين وسط هيجان من المستوطنين. وقال سعيد: "حاولنا دفع المستوطنين إلى الوراء، فكان الجنود يضربوننا، وضربني أحدهم على رأسي بعقب بندقيته"، وأشار إلى جرح في جبهته، احتاج إلى 14 غرزة لمعالجته، و"لولا حماية الجنود لَما تجرّأ المستوطنون على القدوم وتنفيذ هذه الهجمات".

قال عبد الله عودة إننا اعتدنا هجمات المستوطنين علينا في حوارة، لكن وطأة الهجمات كانت أشد يوم الخميس، "فالمستوطنون يزدادون كل يوم جرأة وعدوانية في هجماتهم علينا، وهم يفعلون ذلك لأن جيش الاحتلال وحكومته يسمحون لهم بفعل ما يريدون".

أشار عودة إلى أنه تقدم بعشرات الشكاوى إلى الشرطة والسلطات الإسرائيلية بشأن هجمات المستوطنين على أرضه وتجارته، غير أنه لم يتلقَّ أي رد على شكواه. وقال: "ليس لدينا من يحمينا من المستوطنين، ولا من الجنود، لأنهم لا يحمون إلا أنفسهم. هذا واقعنا في فلسطين".

تحميل المزيد