“لن نرحل مهما فعلت إسرائيل”.. كيف يهدد قرار تهجير الفلسطينيين من “مسافر يطا” بانفجار الأوضاع؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/05/11 الساعة 18:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/05/12 الساعة 04:46 بتوقيت غرينتش
اعتداء قوات الاحتلال على مسن فلسطيني في مسافر يطا / رويترز

أعلن آلاف الفلسطينيين في منطقة مسافر يطا جنوب الضفة الغربية تحدي قرار المحكمة العليا الإسرائيلية تهجيرهم من قراهم، فهل يؤدي إصرار إسرائيل على طردهم إلى تفجير الأوضاع؟

وازدادت خطورة الموقف المتأزم في منطقة مسافر يطا جنوب الخليل بالضفة الغربية المحتلة الأربعاء 11 مايو/أيار بعد جريمة اغتيال شيرين أبو عاقلة، مراسلة قناة الجزيرة، برصاص جيش الاحتلال، في أحدث استهداف للصحفيين الفلسطينيين من جانب إسرائيل.

وكالة Associated Press الأمريكية تناولت قصة آلاف الفلسطينيين في "مسافر يطا" في تقرير لها عنوانه "الفلسطينيون المعرضون لانتزاع أراضيهم على يد الاحتلال يتعهدون بالبقاء"، ألقى الضوء على مدى خطورة الموقف، في ظل تصعيد حكومة رئيس الوزراء نفتالي بينيت، من خططها لتهجير الفلسطينيين في القدس الشرقية والضفة الغربية بصورة لافتة.

إسرائيل تنتهك القانون الدولي بتهجير أهالي "مسافر يطا"

يعيش آلاف الفلسطينيين في تجمعات بدوية جنوب الضفة الغربية حياةً مُعلّقةً لأكثر من أربعة عقود، منذ قرار الاحتلال الإسرائيلي تصنيف أراضيهم التي يزرعونها ويعيشون عليها، كمنطقة إطلاق نار وتدريبات عسكرية.

وتحمّل سكان مسافر يطا بعد القرار الصادر أوائل عام 1981 كثيراً من عمليات الهدم، ومصادرة الممتلكات، والقيود، وتعطيل إمدادات الغذاء والماء، فضلاً عن التهديد الدائم بإبعادهم من أراضيهم.

وتصاعد ذلك التهديد، بشكلٍ كبير، في الأسبوع الجاري، بعد تأييد المحكمة العليا الإسرائيلية لأمر الإبعاد القديم الصادر بحق 8 من أصل 12 قرية فلسطينية تُشكّل منطقة مسافر يطا، مما قد يؤدي إلى تشريد 1000 شخصٍ على الأقل.

فبعد أن أعلن عن تأسيس إسرائيل عام 1948، احتلت الدولة العبرية الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية خلال حرب عام 1967، ويسعى الفلسطينيون لإقامة دولتهم المستقبلية على هذه الأراضي، من خلال عملية أوسلو للسلام التي انطلقت قبل أكثر من ثلاثة عقود وكان يفترض أن تشهد تأسيس دولة فلسطين المستقلة على أراضي ما قبل حرب 1967.

المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية / أرشيفية

المحكمة العليا الإسرائيلية رفضت التماساً ضد طلب دولة الاحتلال طرد أكثر من ألف فلسطيني من المنطقة الريفية بالضفة الغربية المحتلة لصالح إجراء الجيش الإسرائيلي تدريبات عسكرية منتظمة فيها.

وبعد نحو 20 عاماً من المناورات القانونية غير الحاسمة، أصدرت المحكمة العليا قرارها في وقت متأخر من الأربعاء 4 مايو/أيار، لتمهد الطريق أمام هدم ثماني قرى صغيرة في منطقة مسافر يطا بالقرب من الخليل.

وزعمت المحكمة في حكمها، أنها وجدت أن السكان الفلسطينيين، الذين احتفظوا بنمط حياة تطور في المنطقة لأجيال كثيرة ويكسبون عيشهم من الزراعة والرعي، لم يكونوا مقيمين، بشكل دائم، في المنطقة عندما بدأ الجيش الإسرائيلي إعلانها منطقة تدريب على إطلاق النار في الثمانينيات.

بينما يقول سكان مسافر يطا وجماعات حقوقية إسرائيلية إن العديد من العائلات الفلسطينية كانت تقيم، بشكل دائم، في مساحة 7400 فدان منذ ما قبل احتلال إسرائيل للضفة الغربية عام 1967، وإنّ طردها يشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي.

وقال نضال أبو يونس، رئيس مجلس محلي مسافر يطا، لـ"رويترز" عبر الهاتف: "المحكمة العليا رفضت الالتماس المقدم من أهالي المسافر، هذا الأمر يثبت أن هذه المحكمة جزء من الاحتلال، القاضي الذي حكم في القضية لم يحضر سوى جلستين من المحكمة وهو مستوطن!".

وأضاف: "هذه القضية أمام القضاء منذ ما يزيد على عشرين عاماً. سنعقد جلسة مع المحامين؛ للبحث عن أي ثغرة قانونية في القرار". وتابع: "لن نترك منازلنا وسنبقى فيها".

بينما موفد الاتحاد الأوروبي لدى الفلسطينيين قال إن الطرد يمثل خرقاً للقانون الدولي. وأضاف على تويتر: "بصفتها قوة محتلة، فإن على إسرائيل واجب حماية السكان الفلسطينيين وعدم تهجيرهم".

أهالي مسافر يطا يرفعون راية التحدي

بينما قال بعض السكان لوكالة أسوشييتد برس الأمريكية الجمعة، السادس من مايو/أيار، إنهم عازمون على البقاء في أراضيهم. وعرضت إسرائيل على السكان تسوية يمكنهم بموجبها استخدام المنطقة للزراعة الموسمية فقط، أي إن وصولهم إلى أراضيهم التي يعيشون فيها سيصبح مقصوراً على المواسم الزراعية فقط، بحسب ما تقوله إسرائيل.

لكن الفلسطينيين قالوا إن تطبيق الحكم سيفتح الباب أمام إجلاء سكان القرى الـ12 بالكامل، الذين يصل تعدادهم إلى 4000 نسمة، وغالبيتهم من البدو الذين يعملون في رعي الحيوانات والزراعة الصحراوية التقليدية.

ويرى الأهالي أن ما تقول إسرائيل إنه تسوية ليس سوى "فخ" يهدف إلى طردهم من أراضيهم بالتدريج، وهي التسوية نفسها التي عرضتها إسرائيل على أهالي حي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة ورفضوها أيضاً.

وتعود قصة تهجير الفلسطينيين في أحياء القدس الشرقية المحتلة، ومنها حي الشيخ جراح، إلى قرار اتخذته إسرائيل عام 2001، بإعطاء جمعية استيطانية تدعى "عطيرت كوهنيم" حق التصرف في الأراضي الفلسطينية بأحياء القدس الشرقية، بهدف هدم بيوت الفلسطينيين وبناء مستوطنات يهودية مكانها.

وتزعم الجمعية اليهودية في القدس المحتلة أن ملكية الأراضي قبل أكثر من قرن ونصف القرن ترجع إلى يهود، أي قبل إعلان إسرائيل دولةً عام 1948، ومن ثم جاء قرار حكومة الاحتلال عام 2001 بإعطاء منظمة "عطيرت كوهنيم" الاستيطانية حق إدارة تلك الجمعية اليهودية المزعومة، لتبدأ خطوات تنفيذ التهجير القسري للفلسطينيين وهدم منازلهم.

ورغم إقرار هيئة القضاة في المحكمة الإسرائيلية العليا، بأن إجراءات منظمة "عطيرت كوهنيم" في الاستيلاء على الأرض قد شابتها عيوب، وأثارت أسئلة حول قانونية نقل الأرض إلى المنظمة اليمينية، إلا أن المحكمة نفسها سمحت لتلك المنظمة بالاستمرار في إجلاء وتهجير الفلسطينيين من منازلهم في حي الشيخ جراح وحي "بطن الهوى" في سلوان.

شاب فلسطيني يلحق جندياً إسرائيلياً بسكين، خلال "انتفاضة السكاكين" عام 2015/ GETTY

والآن تواجه العائلات الفلسطينية الطرد من منازلها في حي الشيخ جراح، وتضع هذه العائلات نصب أعينها خطوتها التالية بعد أن رفضت مقترحاً من محكمة إسرائيلية سيقضي في نهاية المطاف بإجلائهم من منازلهم من أجل المستوطنين اليهود، بحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، عنوانه "هل يمكن أن ينقذ (تضامن شعبي) جديدٌ أهالي حي الشيخ جراح من عمليات الإجلاء؟".

وتتعقد القضية أكثر، يوماً بعد يوم، في ظل مواصلة مطالبة المستوطنين الإسرائيليين بملكية عقار مساحته نحو 4.5 فدان يؤوي 500 لاجئ فلسطيني مُنحوا وحدات سكنية في حيّ كرْم الجاعوني، عن طريق الحكومة الأردنية ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا).

وفي 2 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعلن سكان حي كرم الجاعوني في الشيخ جراح بالإجماع رفض التسوية التي اقترحتها المحكمة الإسرائيلية العليا، التي تصنّف أهالي الحي "مستأجرين محميين" عند الجمعية الاستيطانية "نحلات شمعون"، التي تُمهد لمصادرة حق الأهالي في أراضيهم تدريجياً.

واتهم الفلسطينيون المحكمة بالتهرب من مسؤوليتها بالوصول إلى حكم باتٍّ، بل إكراههم على الاختيار بين الإجلاء من منازلهم والخضوع لاتفاق خبيث، إذ يرى الفلسطينيون أن هذا امتداد للسياسات الاستعمارية التي تستهدف تعطيل التضامن الاجتماعي، منذ مايو/أيار، خلال حراك الاحتجاجات الشعبية الأخيرة. وينظر الفلسطينيون أيضاً إلى هذا المسار القانوني بوصفه محاولة لإخفاء ما يقولون إنه يرتقي إلى "التطهير العرقي" عن طريق إسرائيل ومستوطنيها.

مواجهة قادمة بين الاحتلال والفلسطينيين

سكان قرية جنبا، إحدى قرى مسافر يطا، قالوا للوكالة الأمريكية إنهم رفضوا أي تسوية، لأنهم قطنوا هذه المنطقة قبل وقتٍ طويل من احتلال إسرائيل للضفة الغربية في حرب 1967.

وُلِدَ عيسى أبو عرام داخل كهفٍ في المنطقة الجبلية قبل 48 عاماً، وتحمل عناء الحياة الشاقة، لأن البناء ممنوعٌ في المنطقة. ولهذا يعيش مع أفراد عائلته داخل كهفٍ في الشتاء. وفي الصيف، يُقيمون داخل مقطورات سفر بالقرب من الكهف. وتُمثّل الماعز مصدر دخله، حيث يضع في صباح الجمعة عشرات كرات الجميد (لبن الماعز المجفف) على سطح كوخٍ ويتركها لتجف.

وقال إن أطفاله نشأوا وسط التهديدات بالإبعاد منذ نعومة أظافرهم، وقد التحقوا رغم ذلك بمدرسةٍ مؤقتة في جنبا، إذ وصل أكبر أبنائه الآن إلى الصف الـ12. وأردف: "لم يعش ابني في أي مكانٍ آخر باستثناء جنبا. فكيف ستقنعه… بالعيش في مكانٍ آخر؟".

وقد أدانت القيادة الفلسطينية، يوم الجمعة، قرار المحكمة العليا الإسرائيلية الذي جرى تسليمه يوم الأربعاء، 4 مايو/أيار، بينما كانت غالبية المؤسسات الإسرائيلية مغلقةً بسبب احتفالات الاستقلال.

رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت/رويترز

من جانبه قال نبيل أبو ردينة، المتحدث باسم الرئيس محمود عباس، إن أمر الإبعاد "يرقى إلى مستوى التهجير القسري والتطهير العرقي، وينتهك القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة".

وشهد يوم الجمعة كذلك تصريحاً من وزير داخلية الاحتلال يقول فيه إنّ إسرائيل تنوي المضي قدماً في خططها لإنشاء منازل تتسع لـ4000 مستوطن داخل الضفة الغربية المحتلة. وسيمثل القرار، في حال الموافقة عليه، أكبر تقدمٍ تُحرزه المخططات الاستيطانية منذ تولّي إدارة بايدن السلطة.

البيت الأبيض يُعارض نمو المستوطنات، لأنها تُقوّض أكثر من احتمالية التوصل إلى اتفاقٍ على حل الدولتين في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وتقع الضفة الغربية تحت الحكم العسكري الإسرائيلي منذ نحو 55 عاماً. بينما تقع مسافر يطا تحديداً داخل الأراضي التي يُحظر على السلطة الفلسطينية العمل داخلها، حيث تمثل تلك الأراضي 60% من مساحة الضفة الغربية إجمالاً. في حين يُريد الفلسطينيون أن تُشكّل الضفة الغربية الجزء الرئيسي لدولتهم المستقبلية.

من ناحيتهم شيّد المستوطنون بؤرهم الاستيطانية في المنطقة دون تصريحٍ رسمي من إسرائيل، ولكن الجيش يحميهم رغم ذلك. وفي الخريف الماضي، هجم عشرات المستوطنين على قريةٍ في المنطقة وأسفر هجومهم عن نقل صبيٍ عمره أربع سنوات إلى المستشفى، بعد تعرضه لإصابةٍ بحجرٍ في رأسه. وتقول العائلات الآن إنه لم يعد أمامها سوى خيار واحد: البقاء والتمسك بالأرض.

حيث قال المزارع خالد الجبارين، من أمام حظيرة ماعز: "ليس لدي بديل ولن يستطيعوا إبعادي. ولا تستطيع حكومة إسرائيل بكاملها أن تطردني من أرضي. لن نرحل… ولن نخرج من هنا لأننا سكان هذه الأرض".

وبسؤاله عن مستوطني الضفة الغربية الذين جاءوا من دول أخرى، قال: "لماذا يجلبون بديلاً لنا من جنوب إفريقيا حتى يحل محلنا ويعيش على أراضينا في أعالي الجبل، بينما يقومون بإبعادنا نحن؟! لماذا؟!".

تحميل المزيد