بينما تراهن دول ممن توصف أحياناً بـ"حلفاء الصين" على دعم بكين لها في مواجهة الغرب، فإن الصين يبدو أنها تستغل هذه الدول لمآربها، ولكن تتهرب منهم عندما يكونون في أمس الحاجة إليها، حدث هذا مع إيران وكوريا الشمالية وأحياناً باكستان، ولكن هل يتكرر هذا مع روسيا أم يكون مسلك بكين مختلفاً مع موسكو حليفتها الكبرى؟
أحد الأسباب الرئيسية وراء مقاومة بكين لمثل هذه التشابكات في الماضي لم يكن لأن شركاء وحلفاء الصين المفترضين لم يكونوا مفيدين، ولكن لأنهم خاطروا بجرها إلى أسفل بأخطائهم، حسبما ورد في تقرير لموقع the Daily Beast الأمريكي.
تريد الصين من الدول التي تتطلع لأن تكون حليفة لها أن تشغل خصومها مثل الغرب والهند عنها، ولكنها لا تريد التورط في مشكلات هؤلاء الحلفاء المفترضين؛ لأن بكين تقيم علاقات اقتصادية وثيقة مع الغرب أو الهند لا تريد تعكيرها، لأن هذه العلاقة هي وسيلة للصعود والتفوق على الغرب.
أقرب حلفاء الصين تُركوا وحدهم وقت الحاجة
يظهر مأزق حلفاء الصين المفترضين واضحاً مع باكستان أقدم أصدقاء بكين.
كانت شروط الصين واضحة في العلاقة مع باكستان التي تعود لعقود، لم تكن بكين تريد أن تتورط في الدفاع عن كل تدخل باكستاني في كشمير أو الانجرار عن غير قصد إلى صراع مع الهند (خاضت نيودلهي وإسلام أباد نحو خمس حروب هُزمت باكستان في أغلبها، إضافة لعشرات النزاعات الصغيرة).
لذلك اقتصر دور الصين على توفير القدرات التي يحتاجها الصديق الباكستاني، لاسيما العسكرية، ولكنها لم تتورط في الصراع الهندي والباكستاني رغم أن نيودلهي جار ومنافس إقليمي مباشر لبكين؛ حيث دخل البلدان العملاقان في حرب محدودة في الستينيات، كما تقاتل جيشاهما بالأيدي والأسلحة البيضاء على الحدود قبل نحو عامين.
تكرر هذا مع كوريا الشمالية الدولة التي يحكمها حزب شيوعي مثل الصين، والمتورطة في مشكلات مع اليابان، منافس الصين الإقليمي، والولايات المتحدة، منافس الصين العالمي.
ورغم العلاقة التاريخية مع كوريا الشمالية والجذور الأيديولوجية الواحدة والقتال المشترك في حرب كوريا ضد الولايات المتحدة، فإن الصين لم تساعد بيونغ يانغ كثيراً، وبقيت الأخيرة في عزلة كبيرة، دون محاولة صينية لانتشال الجار الشيوعي الفقير، بل فضلت بكين أن تقدم نفسها للغرب كوسيط عاقل في صراعه مع كوريا الشمالية، تاركة الأخيرة تتلقى بدلاً منها جزءاً كبيراً من الضغط العسكري الأمريكي بالمنطقة، الأمر الذي قلل بدوره التركيز الأمريكي على الصين.
وفي كثير من الأوقات دعمت الصين العقوبات الدولية على كوريا الشمالية رداً على برامجها الصاروخية والنووية، ولم تستخدم الفيتو ضدها.
الصين استفادت من العقوبات الأمريكية ضد إيران
وقدمت إيران نموذجاً آخر لكيفية استفادة الصين من حلفائها المفترضين، راهنت طهران على الصين، للخروج من عزلتها ومساعدتها على تخطي العقوبات الأمريكية التي هي بطبيعتها غير ملزمة قانوناً؛ لأنها لم تصدر من مجلس الأمن، وخاصة العقوبات الأخيرة التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عندما خرج من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018.
ولكن الصين حافظت على توازن دقيق اعترضت فيها كلامياً على العقوبات الأمريكية التي فرضت على طهران، والتزمت بها رسمياً في الوقت ذاته، وخرقتها بشكل محدود وشبه سري.
فلقد أوقفت الصين استيراد النفط من إيران رسمياً، ولكن محللين يؤكدون أن النفط الإيراني لا زال يدخل إلى الصين على شكل صادرات من دول أخرى.
هذا التوازن كفل عدم إغضاب واشنطن، والاستفادة في الوقت ذاته بأقصى قدر من النفط الرخيص الذي يأتي من إيران.
كما تستخدم الصين إيران ورقة للضغط على الولايات المتحدة، فهي تقترب من طهران إذا غضبت من واشنطن، وتفعل الالتزام بالعقوبات كثمن لأي تسوية مع أمريكا.
في المقابل، حافظت بكين على علاقة وثيقة مع دول الخليج غريمة إيران، بل قد تكون علاقتها مع دول الخليج أوثق من علاقتها بطهران، حتى أنها زودت السعودية بصواريخ باليستية منافسة للصواريخ الإيرانية، كما كانت الإمارات من أوائل المستوردين للطائرات المسيرة الإيرانية.
وفي الوقت ذاته، استفادت بكين من العزلة الإيرانية عن الغرب، في إغراق الأسواق الإيرانية بمنتجاتها الرخيصة التي نافست الصناعات المحلية.
ولم تقدم بكين دعماً يذكر لإيران في مجال الأسلحة التي تعاني فيها الأخيرة من نقص كبير.
وعندما عرضت الصين على إيران اتفاقية شراكة ضخمة قيمتها مئات المليارات، بدا أنها حسب ما تسرب منها استغلالاً لعزلة إيران للحصول على النفط الإيراني بسعر رخيص أكثر منها شراكة استراتيجية، ولقد قوبلت بانتقادات داخلية إيرانية.
ويرى البعض أن اتفاق الشراكة الصيني الإيراني الذي يشوبه كثير من الغموض، لا يؤشر إلى تحالف عميق أو طموح بشكل فريد بين بكين وطهران، بل يعكس الاتفاق الموقع حديثاً جهود إيران المحبطة منذ فترة طويلة لحمل الصين على توفير نفس المستوى من التعاون الاقتصادي والأمني الذي تقدمه لدول أخرى في الشرق الأوسط.
ولكن هل تتعرض روسيا لنفس المعاملة من قبل الصين؟
رغم أن روسيا أكبر وأهم وأغنى من أن تلقى معاملة إيران وكوريا الشمالية، فإن هناك أموراً قد تجعل الصينيين مترددين في الوقوف بجانب حليفهم الروسي المفترض الذي أبرمت معه بكين قبل الغزو الروسي لأوكرانيا ما وصف من قبل الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الروسي فلاديمير بوتين بأنه شراكة بلا حدود.
ولكن يبدو أن الصين كانت تعتقد أن روسيا ستنتصر في حرب سريعة جداً في أوكرانيا، ولكنها وجدت نفسها في حفرة لا تعرف كيف تخرج منها.
ويزعم تقرير موقع thedailybeast الأمريكي أن الصين بدأت حقاً تأسف على صداقتها مع روسيا.
وكانت أكبر مفاجأة بالنسبة للصين هي أن روسيا أخطأت تماماً في تقدير قوتها، ونقل الموقع الأمريكي عن خبير صيني قوله بأسى، بعد أسابيع قليلة من الغزو "اعتقدنا أن روسيا ستنتصر في حرب بشكل سريع للغاية".
لدى الصين علاقات اقتصادية وسياسية وثيقة مع روسيا، وشبه تحالف ونظرة مشابهة للعالم بدءاً من الخوف من الديمقراطية للرغبة في تحدي الهيمنة الغربية، لموقف مشابه من الأزمات في الشرق الأوسط، ولكن بينهما تنافس قديم في الشرق الأقصى أدى لحروب محدودة عدة انتصرت فيها روسيا دوماً، وكان آخرها مناوشات بين الصين والاتحاد السوفييتي في ستينيات القرن العشرين، وهو التنافس الذي أدى للانفتاح الأمريكي على الصين في السبعينيات.
ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي توثقت العلاقة بين موسكو وبكين بشكل كبير، قد يكون أكثر مما كان عليه الأمر في بداية العهد الشيوعي الصيني.
خلال السنوات الماضية، كانت روسيا تستورد المنتجات الصناعية من الصين بشكل كبير، ولكنها الآن أكثر اعتماداً على بكين من ذي قبل، بالنظر للحصار الغربي وانسحاب الشركات الغربية من روسيا.
وبدأت الشركات الصينية العاملة في مجال صناعة السيارات على سبيل المثال في الدخول للسوق الروسية على حساب الشركات الغربية التي انسحبت من هناك (خاصة الفرنسية والكورية واليابانية).
ولكن حتى الآن، ليس هناك تقارير غربية تذكر عن تقديم بكين أسلحة لموسكو، ويبدو أن الصين انصاعت للتحذيرات الغربية من فعل ذلك، وقد يكون لجوء روسيا لإيران الدولة النامية المعزولة لشراء طائرات مسيرة، وعدم استخدامها لطائرات مسيرة صينية الصنع (باستثناء بعض المسيرات التجارية التي تشترى من الأسواق) لدليل واضح على تمنع بكين عن دعم موسكو عسكرياً.
بكين لم تعد في حاجة لموسكو في مجال الأسلحة كما كانت من قبل
تعتمد الصين بشكل كبير على روسيا في مجالين شديدي الأهمية لها؛ الأول الأسلحة، والثاني الطاقة، وتحديداً الغاز والنفط، وبصورة أقل الفحم، إضافة لبعض المنتجات الزراعية والخامات المعدنية.
لعقود ظلت روسيا هي المصدر شبه الوحيد للسلاح والتكنولوجيا العسكرية لبكين (وأوكرانيا أحياناً)، إضافة للقرصنة والتقليد للأسلحة الغربية التي جاء بعضها من باكستان.
ولكن اليوم تبدو الصين أقل حاجة للسلاح الروسي، ليس فقط لأنه تعرض للإحراج في حرب أوكرانيا، ولكن أيضاً لأن بكين تقترب أكثر من أي وقت مضى لغلق الفجوات لديها في مجال التصنيع العسكري، وبالتحديد في مجال المحركات وبالأخص محركات الطائرات، وهو المجال الذي كانت الصين متأخرة فيه بشكل كبير، وحتى عندما أنتجت محركاتها الخاصة لم تكن قريبة من المستوى الروسي (وبالطبع الغربي) وظلت تعتمد على المحركات الروسية لتسيير طائراتها، الأمر الذي اضطرها لإبرام صفقات طائرات مع روسيا لا تحتاج إليها كثيراً، وذلك لضمان تزويد موسكو لها بالمحركات.
لكن تقارير عدة أفادت بأن الطائرات الصينية بدأت تحلق بشكل مستمر بمحركات محلية الصنع بعد أن أوشكت بكين على معالجة أوجه قصورها في هذا المجال.
ويُعتقد أنه في مجال الرادارات والصواريخ المضادة للطائرات أصبحت بكين متفوقة على معلمتها القديمة موسكو مستفيدة من تطورها في مجال تقنيات الاتصالات.
هل تستطيع الصين الاستغناء عن النفط والغاز الروسيين في حال فرض عقوبات غربية عليهما؟
يعد النفط والغاز أهم صادرات روسيا للصين والعالم، ومصدر لقمة عيش موسكو الأساسية، فهل يمكن للصين الاستغناء عنهما تحت ضغط الغرب؟
من المستحيل في الوقت الحالي للعالم الاستغناء عن الغاز الروسي لارتفاع نسبة حصة موسكو من الإنتاج العالمي، حيث توفر نحو ربع الصادرات العالمية حتى بداية الأزمة الأوكرانية؛ مما يجعل من الصعب إيجاد بديل لها، وبالتالي، فإن مطالبة الغرب للصين بوقف استيراد الغاز الروسي أمر صعب ويهدد بإشعال أسعار الغاز العالمية أكثر مما هي عليه، في وقت توجه فيه دول الشرق الأوسط غازها المسال لأوروبا بدلاً من أسواق آسيا التقليدية بينما توجه روسيا غازها بعيداً عن سوقه التقليدي في أوروبا ليذهب للصين.
أما النفط الروسي فقد يكون قابلاً للاستبدال، وقد يضغط الغرب على الصين لتقييد استيراده وهو ما يظهر في سعيه حالياً لفرض حد أقصى على أسعار النفط الروسي (وهو أمر قد تستفيد منه الصين كثيراً).
فصادرات روسيا من النفط تبلغ نحو 5 ملايين برميل، والطاقة الفائضة في الأوقات العادية لدى السعودية تبلغ نحو مليوني برميل، وأقل من مليون برميل للإمارات، وإذا رفعت العقوبات الأمريكية من على إيران، قد تستطيع إنتاج مليون أو حتى مليوني برميل خلال فترة ليست بالطويلة، وفنزويلا لديها أكبر احتياطي في العالم من النفط، وقد تستطيع ببعض الجهد أن تزيد صادراتها بمقدار مليون أو أكثر، وهناك دول أخرى لديها احتياطات كبيرة ويمكنها أن تزيد الانتاج عبر تعزيز الاستثمارات مثل العراق، وحتى المنتجين الأمريكيين للنفط الصخري قادرين فنياً على زيادة الإنتاج، ولكن مشكلتهم في خوفهم من وضع استثمارات جديدة في ظل احتمال تراجع أسعار النفط والقلق من القوانين الصارمة الصديقة للبيئة.
يعني هذا أنه ليس من المستحيل استبدال النفط الروسي بقليل من التنازلات السياسية من الغرب، خاصة مع إيران وفنزويلا بل يمكن بدونهما تقليل الاعتماد العالمي على النفط الروسي.
ولو تحقق ذلك قد يحاول الغرب فرض عقوبات خارج نطاق الأمم المتحدة على روسيا مثلما فعل ترامب مع إيران، وسوف تكون الصين في موقف حرج وسيكون عليها الاختيار الصعب بين روسيا والغرب، وهو خيار سوف تحاول بكين تجنبه، ولكن لو حشرت في الزاوية فسوف تختار الغرب على الأرجح.
من تختار الشركات الصينية الكبرى روسيا أم الغرب؟
الصين قد تحتمل الابتعاد عن روسيا، ولكن يصعب عليها تحمل عقوبات غربية (ويصعب على الغرب أيضاَ معاقبة الصين أكثر من روسيا بكثير، وهذا ما يحد من جهوده التصعيدية مع بكين).
كانت المشكلة التي واجهتها بكين في عام 2022 هي أنه في المجالات الحاسمة، كان من السابق لأوانه الانفصال عن الغرب. ظلت الصين معتمدة على نظام الدولار الأمريكي. على الرغم من كل التكهنات حول تدويل الرنمينبي، وأنظمة الدفع الصينية، وعملتها الرقمية الجديدة .
ولو ضغط الغرب على الشركات الصينية للانسحاب من روسيا فعلى الأرجح سوف تفعل خاصة أن تعاملات شركتي Huawei و ZTE الصينيتين مع إيران كانت من مبررات أمريكا لتدمير الشركتين.
ولقد طبقت الولايات المتحدة نفس قيود قواعد المنتجات الأجنبية المباشرة على قطاع التكنولوجيا الروسي بأكمله.
ولا يمكن أن تخاطر الشركات الصينية بالحرمان من الأسواق الغربية وتكنولوجيا أشباه الموصلات المتقدمة من أجل روسيا.
وبالفعل فإنه حالياً، واجهت معظم الشركات الصينية التي ربما كانت ترغب في الاستفادة من الفراغ الذي حدث في السوق الروسية بعد الانسحاب الغربي قيوداً أكبر على أنشطتها مما كانت تتوقع جراء العقوبات الغربية.
بكين قلقة على أموالها المودعة في مصارف الغرب
كما أن تجميد الأصول والاحتياطات المالية الروسية في الغرب كان بمثابة جرس إنذار خطير للصين بشأن احتياطياتها الأجنبية الخارجية البالغة 3 تريليونات دولار، مما دفع إلى عقد اجتماعات طارئة بين المنظمين الصينيين والبنوك لمناقشة كيفية حماية الأصول الصينية في الخارج من إجراءات مماثلة.
التجمع الغربي المتعدد الأطراف الجديد بقيادة الولايات المتحدة والذي يضم اليابان وكوريا الجنوبية والذي تم تأسيسه لفرض ضوابط على التجارة مع روسيا، يضم دولاً تمتلك أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
أي عقوبات واسعة من هذا التجمع من شأنها أن تحرم الصين من المكونات والتقنيات الحيوية وأيضاً أسواق التصدير.
بالإضافة إلى ذلك، راقبت بكين الشركات الغربية وهي تقوم ببساطة بشطب عشرات المليارات من الدولارات من أصولها في روسيا أثناء انسحابها من هناك.
لقد قوض ذلك أحد أهم التحوطات في الصين، ويقول the Daily Beast الأمريكي: "لقد وضع الرئيس الصيني شخصياً خططاً لتعزيز اعتماد الشركات الدولية على الصين من خلال التجارة والاستثمار بهدف تشكيل "إجراء مضاد قوي وقدرة ردع ضد الأجانب بحيث يخشى الغرب من على استثماراته بالصين".
الشركات الغربية مستاءة من سياسة صفر كوفيد
يبدو أن هذا الإجراء المضاد والرادع الآن أقل فعالية بكثير، خاصة في ظل استياء الشركات الغربية من إغلاقات سياسات صفر كوفيد.
إذا غزت الصين تايوان، يمكننا أن نرى نفس الشيء مرة أخرى، على نطاق أوسع من الحالة الروسية، علماً بأن الاستثمارات الغربية في الصين أكبر بكثير مما كانت في روسيا.
بالطبع الخسارة ستكون للغرب وبكين على السواء، يمكن أن تصبح الاستثمارات الغربية التي تم بناؤها على مدى سنوات رهائن لدى الصين، وتعطل سلاسل التوريد سيضر الغرب كثيراً.
وأظهرت أزمة سلاسل التوريد مدى اعتماد الغرب على الصين، وكانت هذه الأزمة قد بدأت مع خروج العالم من إغلاقات كورونا بالتزامن مع عودة الصين لسياسة صفر كوفيد.
ولكن هذه الأزمة قد تكون سبباً إضافياً للطلاق بين الغرب والصين، بعد أن أدت لتراجع معنويات أكبر لوبي مؤيد لبكين في الغرب، وهي العلامات التجارية العالمية التي تصنع منتجاتها في الصين وتصدرها لبقية العالم.
وقالت ما يقرب من ربع الشركات الأوروبية التي شملها استطلاع في أبريل/نيسان 2022 إنها تفكر الآن في الخروج تماماً من الصين.
وقال رئيس غرفة التجارة الأوروبية في الصين يورغ ووتكي: "تتصارع الشركات الغربية مع سيناريو أنها ستضطر إلى مغادرة الصين – تماماً كما غادرت روسيا – إذا حاولت الصين دمج تايوان بالقوة".
وبالفعل بدأت الشركات الأجنبية تضغط على زر الإيقاف المؤقت؛ حيث تم تعليق الاستثمارات الجديدة المتوجهة للصين في الوقت الحالي بسبب عدم تغيير الصين لسياسة بشأن صفر كوفيد والقلق من علاقة الصين بروسيا.
روسيا أكثر قدرة على الاستغناء عن الغرب من الصين
على الجانب الآخر، قد تكون المفارقة أن روسيا قد تكون أكثر قدرة على استيعاب العقوبات الغربية من الصين.
يرجع ذلك لوجود الصين نفسها كسوق بديل لموسكو، بالإضافة للهند.
وكذلك لأن الاقتصاد الروسي لا يصدر منتجات صناعية كثيرة للغرب أو يعتمد على الشركات الغربية بشكل كبير في التشغيل والتصنيع المحلي.
لقد فشل صانعو السياسة الغربيون في ردع روسيا، ولم تحقق عقوباتهم ضرراً يذكر بها، فلقد تبين أنه يمكن لاقتصاد قائم على صادرات السلع أن يجد دائماً مشترين بدلاء مما يحد على الأقل من الفعالية قصيرة المدى لأي جهود لوضع موسكو تحت ضغط غربي صارم.
المفارقة أن العوامل التي جعلت بكين أكثر قوة كمنافس استراتيجي للغرب من روسيا وهي اتساع وحجم وتعقيد اندماجها في الاقتصاد العالمي – جعلتها أيضاً أكثر عرضة للخطر إذا قاطعها الغرب.
وبدأ صانعو السياسات والشركات الغربية في الاستعداد لبعض السيناريوهات الأسوأ مع بكين والتي ستكون مكلفة للغاية للغرب والصين على السواء.
وبينما يمكن القول إنه حتى الآن، ليس هناك نية لدى الغرب والصين لطلاق سريع بل تحضير لانفصال بطيء وتدريجي وهو ما سماه الرئيس الأمريكي جو بايدن إدارة المنافسة مع الصين مقابل عزل روسيا.
ولكن مطلب الغرب المحتمل أكثر من الصين سيكون دعوتهم لطلاق صيني روسي بائن.
المشكلة أن الصين تعلم أن طلب الطلاق مع روسيا هذا، قد يكون مقدمة لحملة غربية للانفصال عنها، وبالتالي فهي أمام سيناريوهين سيئين:
إما أن تنصاع للطلب الغربي بالطلاق السريع من روسيا رغم أنها تعلم أن إضعاف موسكو سيمثل مشكلة لها على المدى البعيد عندما يتحول الغرب إليها محاولاً حصارها لاحقاً.
والسيناريو الثاني هو رفض طلب الطلاق مع روسيا، مما يهدد بتسريع الانفصال الصيني الغربي، بشكل يؤذي بكين (وسيؤذي الغرب أيضاً).
في الأغلب ستحاول بكين إمساك العصا من المنتصف عبر الرفض الخطابي لمعاقبة روسيا، ومحاولة عدم الالتزام بالقيود الغربية بشكل لا يؤدي لتعرضها هي لعقوبات مباشرة، مع مراعاة خطوط الغرب الحمر.
يعني هذا أن بكين ستتعامل مع روسيا باعتبارها إيران كبيرة، أو كزوجة ثانية سرية، وشبه حليف يتم التعامل معه عبر الأبواب الخلفية.