مصدِّرو الغاز يجتمعون بالدوحة.. إليك أكبر المنتجين والمستوردين، ولماذا تبدو أزمة أوروبا صعبة الحل؟

تم النشر: 2022/02/21 الساعة 15:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/02/21 الساعة 15:22 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن طلب من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني خلال استقباله في البيت الأبيض تزويد أوروبا بالغاز المسال/ رويترز

"حرب عبور الجديدة"، قد يكون تأثير أزمة أوكرانيا على منتدى الدول المصدرة للغاز مماثلاً لتأثير حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 على منظمة أوبك، إذ يأتي اجتماع قادة الدول المصدرة للغاز في الدوحة الذي ينطلق اليوم الإثنين في وقت بالغ الحساسية بالنسبة لأوروبا التي تخشى أن تغلق روسيا صنابير الغاز عليها إذا علا صوتها أكثر مما ينبغي في الأزمة الأوكرانية. 

وبدأت أمس الأحد، بالعاصمة القطرية الدوحة، أعمال القمة السادسة لرؤساء دول "منتدى الدول المصدرة للغاز"، على مستوى الفنيين، يتبعها خلال وقت لاحق اليوم الإثنين وغداً الثلاثاء قمة على مستوى القادة.

"أوبك الغاز".. ما هو منتدى الدول المصدرة للغاز؟

وتأسس "منتدى الدول المصدرة للغاز" في ديسمبر/كانون الأول 2008، كمنظمة حكومية دولية مقرها العاصمة القطرية الدوحة ويضم الإحدى عشرة دولة التي تملك أكثر من 70% من احتياطيات الغاز في العالم، حيث يضم المنتدى في عضويته 11 دولة هي، الجزائر، وبوليفيا، ومصر، وغينيا الاستوائية، وإيران، وليبيا، ونيجيريا، وقطر، وروسيا، وترينيداد وتوباغو، وفنزويلا، بينما تحمل دول أنجولا، وأذربيجان، والعراق، وماليزيا، والنرويج، وبيرو، والإمارات صفة عضو مراقب.

ومن المقرر أن يحضر النسخة السادسة من المنتدى، عدد من رؤساء وقادة الدول الأعضاء في المنتدى ومن بينهم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.

قمة منتدى الدول المصدرة للغاز تعقد على وقع اللهيب الأوكراني

والقمة تأتي على وقع أزمة مستفحلة في القارة الأوروبية تتعلق بمزاعم غربية حول نية روسيا غزو جارتها أوكرانيا، وما يمكن لتلك الحرب المحتملة أن تشكله من تداعيات على أسواق الطاقة العالمية والأوروبية خاصة.

وقبل القمة بعدة أسابيع، زار أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الولايات المتحدة وسط اتصالات أمريكية قطرية على مستويات مختلفة بشأن أمن الطاقة عالمياً، وخاصة ما يتعلق بإمكانية تزويد الدوحة القارة الأوروبية بالغاز خوفاً من تأثر إمدادات الغاز الروسي بالأزمة الأوكرانية، واحتمالات أن يكون الغاز ورقة ضغط على أوروبا لإضعاف موقفها بالأزمة، خاصة أن القارة عانت من ارتفاع هائل في أسعار الغاز هذا الخريف على خلفية تباطؤ الإمدادات الروسية.

منتدى الدول المصدرة للغاز

وهناك ترقب واسع النطاق لما ستخرج به من توصيات، بالنظر إلى حجم التأثير الكبير لهذا التكتل في أسواق الغاز، خاصة مع تهديد الرئيس الأمريكي جو بايدن إغلاق خط الغاز الروسي المثير للجدل "نورد ستريم 2".

ودار نقاش بين إدارة بايدن وكبار منتجي الغاز ومن بينهم قطر، حول إمكانية إمداد دول أوروبا بمزيد من الغاز في حال توقف إمدادات الغاز الروسي جراء اندلاع حرب بين موسكو وكييف.

وتعول الولايات المتحدة ودول أوروبية، على قطر، لإمدادها بالغاز الطبيعي كبديل عن واردات الطاقة الروسية التي تشكل نحو 40% من استهلاك الدول الأوروبية من الغاز.

أمريكا تراهن على قطر ودول عربية أخرى لإنقاذ أوروبا

وتحتل قطر صدارة الدول المصدرة للغاز الطبيعي المسال عالمياً بحوالي 83 مليون طن سنوياً، لكنها في المقابل مرتبطة بعقود طويلة الأجل من كبار المستهلكين في آسيا.

وترى أوروبا، أن قطر ودول مثل الجزائر وليبيا وأستراليا والولايات المتحدة، يمكن أن تساهم في حل أزمة الطاقة المحتملة في أوروبا، من خلال الدفع بشحنات إضافية من الغاز الطبيعي.

غير أن ذلك يمكن أن يقوّض علاقة تلك الدول بروسيا التي تعد عضواً رئيساً في "منتدى الدول المصدرة للغاز".

وقال خبير أسواق الطاقة، أحمد حسن كرم إن المنتدى يحاول تعزيز مكانته ليكون مؤثراً في أسواق الغاز العالمية مثلما تؤثر منظمة أوبك وأعضاؤها في سوق النفط.

وأضاف في اتصال هاتفي مع "الأناضول" أن دول المنتدى ستعمل على دراسة كيفية التخفيف من حدة أزمة الطاقة، من خلال ضخ المزيد من كميات الغاز في الأسواق في ظل تنامي الطلب على الغاز بسبب الأزمة الحالية.

المشكلة أنه لا أحد يمتلك غازاً إضافياً

لكن المشكلة غالبية الدول الاعضاء أكدت أنها وصلت إلى طاقتها الإنتاجية القصوى ويمكنها فقط تزويد أوروبا بالغاز على المدى القصير، شرط موافقة زبائنها الحاليين.

وتقضي مهمة "منتدى الدول المصدرة للغاز" بحماية سيادة الدول الأعضاء على مواردها من الغاز الطبيعي وقدرتها على التخطيط والإدارة المستقلة وتوظيف تلك الموارد بالشكل الأمثل لتحقيق أقصى منفعة لشعوبها.

خارطة إنتاج واستهلاك الغاز العالمية

يشكل منتدى الدول المصدرة للغاز، بتركيبته الحالية، قوة لا يستهان بها في أسواق الطاقة العالمية وبين منظمات الطاقة الدولية، إذ يمثل 71% من احتياطيات الغاز الطبيعي المثبتة عالمياً.

كما يمثل 43% من الإنتاج، و58% من صادرات الغاز الطبيعي المسال، و52% من الغاز المنقول عبر الأنابيب على مستوى العالم.

وتمثل منطقة الشرق الأوسط التي تضم إيران والدول العربية الآسيوية نحو 40.3% من إجمالي احتياطات الغاز في العالم، مقابل نحو 8.8% لإفريقيا (بما فيها الدول العربية الإفريقية)، حسبما ورد في تقرير لشركة بريتيش بتروليوم العالمية (BP). 

إليك أكبر الدول في العالم من حيث احتياطات الغاز في نهاية عام 2020

روسيا: 37.4 تريليون متر مكعب.

إيران: 32.1 تريليون متر مكعب.

قطر: 24.7 تريليون متر مكعب.

تركمانستان: 13.6 تريليون متر مكعب.

أمريكا: 12.6 تريليون متر مكعب.

الصين: 8.4 تريليون متر مكعب.

السعودية: 6 تريليونات متر مكعب.

الإمارات: 5.9 تريليون متر مكعب.

نيجيريا: 5.5 تريليون متر مكعب.

أذربيجان 2.5 تريليون متر مكعب.

أستراليا: 2.4 تريليون متر مكعب.

الجزائر: 2.3 تريليون متر مكعب.

كازاخستان 2.3 تريليون متر مكعب.

مصر: 2.1 تريليون متر مكعب.

النرويج: 1.4.

أكثر الدول إنتاجاً للغاز في 2020:

أمريكا: 914 مليار متر مكعب.

روسيا: 638.5 مليار متر مكعب.

إيران:  250 مليار متر مكعب.

قطر: 171.3 مليار متر مكعب.

الصين: 194 مليار متر مكعب.

أستراليا: 142.5 مليار متر مكعب.

السعودية: 112.1 مليار متر مكعب.

الجزائر: 81.5 مليار متر مكعب.

النرويج: 111.5 مليار متر مكعب.

إندونيسيا 63.2 مليار متر مكعب.

تركمانستان: 59 مليار متر مكعب.

مصر: 58.5 مليار متر مكعب.

الإمارات: 55.4 مليار متر مكعب.

نيجيريا: 49.4 مليار متر مكعب.

أوزبكستان: 47.1 مليار متر مكعب.

المملكة المتحدة: 39.5 مليار متر مكعب.

كازاخستان 31.5 مليار متر مكعب.

 أهم الدول والمناطق المصدرة

تعتبر روسيا أكبر مصدر للغاز حيث صدرت عام 2020، غازاً قدره 238.1 مليار متر مكعب، بنسبة 24% من إجمالي تجارة الغاز العالمية البالغة 990.1 مليار متر مكعب.

تليها الولايات المتحدة التي صدرت 137.5 مليار متر مكعب بنسبة 13.88% من إجمالي تجارة الغاز الدولية.

وبلغت صادرات منطقة الشرق الأوسط: 134.6 مليار متر مكعب بنسبة 13.6% من إجمالي التجارة الدولية، نسبها كبيرة منها تأتي من قطر، حيث صدرت الدوحة غازاً مسالاً فقط يقدر بـ106 مليارات متر مكعب بنسبة 21.67% من إجمالي تجارة الغاز المسال العالمية. 

وبلغت صادرات مجمل الدول الإفريقية: 82.5 مليار متر مكعب، منها صادرات غاز مسال نيجيرية 28.4 مليار متر مكعب والجزائرية 15 مليار متر مكعب، والمصرية 1.8 مكعب.

أكبر المستوردين

بلغ إجمالي حجم تجارة الغاز الدولية في عام 2020 عبر الأنابيب بـ452.3 مليار متر مكعب، مقابل 489 مليار متر مكعب تجارة غاز مسال.

تعتبر أوروبا (دون روسيا وبيلاروسيا) أكبر المستوردين في العالم، حيث تبلغ وارداتها في عام 2020، 326 مليار متر مكعب منها 114 مليار متر مكعب غاز مسال، و211.3 مليار متر مكعب غاز استورد عبر خطوط الأنابيب.

ويلاحظ أن إسبانيا هي أكبر مستورد للغاز المسال في أوروبا بأكثر من 20.9 مليار متر مكعب، تليها فرنسا بـ19.6 مليار متر مكعب، رغم أن ألمانيا أكبر مستهلك للطاقة في أوروبا، ويرجع ذلك إلى اعتماد برلين الكبير على استيراد الغاز من روسيا عبر خطوط الأنابيب، وهو ما يفسر رغبتها الشديدة في عدم التصعيد مع موسكو على خلفية الأزمة الأوكرانية.

وبعد أوروبا تأتي الصين التالية في قائمة مستوردي الغاز حيث بلغت قيمة وارادتها 139 مليار متر مكعب منها 45 مليار متر مكعب غاز مستورد عبر الأنابيب مقابل 94 مليار متر مكعب غاز مسال، (علماً بأنها تفوقت في 2021، على اليابان كأكبر مستورد للغاز المسال في العالم).

ثم يلي الصين الدول المتقدمة في آسيا الأعضاء في منظمة OECD (مثل اليابان وكوريا وتايوان) حيث استوردت في 2020، نحو 161.7 مليار متر مكعب، منها 157.3 غاز مسال، و4.4 مليار متر مكعب عبر خطوط الأنابيب.

 والهند 35.8 مليار متر مكعب كلها من الغاز المسال، وباقي آسيا (بدون الشرق الأوسط ووسط آسيا) استوردت 58.3 مليار متر مكعب كلها غاز مسال.

طمع أوروبا جعلها تعاني من اختلال هائل في شكل الواردات

ويلاحظ أن أوروبا تعتمد بشكل كبير على الغاز المستورد عبر الأنابيب حيث تبلغ نسبته 64.52% من إجمالي الغاز الأوروبي المستورد في عام 2020 والبقية للغاز المسال، مقابل نسبة تبلغ 32.37 % للغاز المستورد عبر الأنابيب في حال الصين، بينما بقية دول آسيا مثل اليابان والهند تكاد تعتمد بشكل كامل على الغاز المسال.

ويظهر ذلك أزمة أوروبا في حال انقطاع الإمدادات الروسية التي تأتي عبر خطوط الأنابيب، فمعظم تجارة الغاز عبر الأنابيب تتم في أوروبا التي تستهلك 46.75% من إجمالي تجارة العالم الدولية للغاز المنقول عبر الأنابيب، بينما لا تستهلك سوى 23.31% من تجارة العالم الدولية في الغاز المسال.

والعكس في آسيا التي تعتمد بشكل يكاد يكون كاملاً على الغاز المسال، حيث تكاد تكون الصين الدولة الوحيدة في آسيا التي تعتمد جزئياً على الغاز المنقول عبر الأنابيب، مع استمرار الصدارة بالنسبة لها للغاز المسال.

وبينما يتسم الغاز المنقول عبر خطوط الأنابيب بميزة الثبات النسبي في الأسعار وطول أمد الالتزامات، فإن له عيبين أساسيين: الأول أنه في حال انخفاض أسعار الغاز في العقود الفورية والتي هي أكثر ارتباطاً بالغاز المسال، فإن غاز الأنابيب لا ينخفض أسعاره بنفس المعدل، أو لا ينخفض إطلاقاً حسب الاتفاقات التي تنظم العقود والتي تتسم بأنها طويلة الأجل.

الأمر الثاني أن خطوط الأنابيب أكثر حساسية للخلافات والمشكلات السياسية والحروب والاضطرابات التي قد تحدث في دول المنبع أو الممر، والأمر لا يقتصر على النموذج الروسي، فلقد أدى الخلاف الجزائري المغربي الذي أدى إلى وقف الجزائر للغاز للمغرب، ليس فقط لمشكلة للرباط، بل أثار القلق في إسبانيا أيضاً التي كانت تتلقى جزءاً من الغاز الجزائري عبر الخط المار من المغرب، ولكنها تلقت تطمينات جزائرية في هذا الشأن.

هل تستطيع أوروبا الاعتماد على الغاز المسال بدلاً من الأنابيب الروسية؟

رغم الجهود الأمريكية الحثيثة لتخفيف الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي، عبر إقناع قطر بتحويل جزء من غازها المسال للأسواق الأوروبية إضافة إلى دور أمريكي محتمل وراء تحسن العلاقات التركية الإسرائيلية تمهيداً لنقل الغاز الإسرائيلي عبر تركيا، إلا أن الأمر ليس بهذه السهولة.

فهناك حاجة لإقناع الزبائن الآسيويين الكبار لقطر وغيرها من دول الشرق الأوسط وإفريقيا المنتجة للغاز المسال بالتخلي عن حصصهم المتفق عليها، لتحويلها لأوروبا، وهو أمر صعب للغاية، وإن تحقق فقد يعني تحول الدول الآسيوية المستهلكة للغاز الروسي القادم من سيبيريا؛ أي أن الأمر معناه تزايد النفوذ الروسي في آسيا، وهي منطقة مليئة بحلفاء واشنطن أيضاً.

وحتى لو توفرت كميات كافية من الغاز المسال في العالم لاستبدال جزء ذي مغزى من الغاز الروسي الذي يلبي أكثر من ثلث احتياجات أوروبا، فإن المشكلة الأكبر أن البنية الأساسية في أوروبا غير مؤهلة لاستيراد هذه الكميات من الغاز المسال، خاصة ألمانيا أكبر اقتصادات أوروبا.

وهذا يعني أن تقليل الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي في المدى القصير أمر شبه مستحيل، ولكن قد تستطيع أوروبا- بدفع ودعم أمريكي- تنويع مصادر الغاز على المديين المتوسط والبعيد عبر توسيع البنية التحتية المؤهلة لاستيراد الغاز المسال.

ولكن المشكلة كما شكا القطريون أن الأوروبيين رغم وضعهم السيئ مفاوضون مرهقون، ففي وقت هم في أمسّ الحاجة لإقناع منتجي الغاز المسال بالتصدير لهم، فإنهم يرفضون توقيع عقود طويلة الأمد تغري المنتجين بالتخلي عن زبائنهم التقليديين، ويريدون التركيز على العقود الفورية، على أمل تنخفض أسعار الغاز فيما بعد.

واشترطت قطر على أوروبا لتزويدها بالغاز إبرام عقود طويلة الأمد وعدم بيعه لدول خارج الاتحاد.

ويبدو أن بيروقراطية الاتحاد الأوروبي المتصاعدة وراء هذا الموقف، الذي يتعامل مع الغاز باعتباره سلعة ترفيهية، متناسين أنه سلعة استراتيجية يجب ضمان توفير إمدادات موثوقة وغير مسيسة منه.

ولكن هذه البيروقراطية ومعها البيروقراطية الألمانية، وضعت أوروبا في موقف محرج عندما وضعت مفاتيح التدفئة في القارة الباردة في أيدي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

ولكن بالنظر للإحصاءات السابق ذكرها، فإن أزمة أوروبا الحالية تحمل بعض الأخبار السعيدة للدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط، إذ يظهر تقرير شركة بريتيش بتروليوم النفطية العالمية "BP" إن منطقة الشرق الأوسط، (ثم كومنولث جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق وإفريقيا) هي من أكبر المناطق من حيث نسبة الاحتياطات للإنتاج، أي بها احتياطات كامنة لم يستفِد منها كما ينبغي (وهذا أحد أسبابه أن إيران منتج كبير ولكنها لا تصدر بكل قدراتها نظراً للحصار الغربي)، ولكن العديد من الدول العربية الأخرى مثل الإمارات والسعودية وليبيا إضافة لقطر ما زال لديها احتياطات كبيرة يمكن التوسع في استغلالها.

تحميل المزيد