"ليست ديمقراطية ولا سورية"، هكذا يصف البعض قوات سوريا الديمقراطية التابعة لما يعرف بـ"الإدارة الذاتية الكردية بسوريا"، ولكن على غرار دعمه لظلم إسرائيل للشعب الفلسطيني، يواصل الغرب دعم هذه الإدارة التي تقيم نظام تمييز عنصري يضطهد الأغلبية العربية في شمال شرق سوريا، وتهدد في الوقت ذاته وحدة سوريا وأمن دول الجوار العربية وغير العربية.
وأصبح دعم الإدارة الذاتية الكردية بسوريا، وما يعرف باسم قوات سوريا الديمقراطية، ثابتاً من ثوابت السياسة الغربية في المنطقة حتى لو على حساب ملايين من العرب والأكراد الذين يعيشون في شمال سوريا أو على حساب تركيا شريكة الغرب في حلف الناتو، مثلما ظهر في العملية الإرهابية التي وقعت في منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2022، بمنطقة تقسيم بإسطنبول والتي تم التخطيط لها من المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد بسوريا.
الأخطر أن دعم الغرب اللامحدود لهذا النظام العنصري من شأنه أن يؤدي لعودة التطرف والإرهاب، لأنه يمثل غبناً لعرب شمال سوريا، وهم أبناء قبائل أشبه في طبيعتهم الاجتماعية بالعراق، وقد يؤدي تهميشهم بهذا الشكل، إلى احتقان اجتماعي مماثل؛ لذلك أدى لظهور داعش من قبل، كما أشارت مراكز أبحاث غربية.
ولكن لماذا يدعم الغرب الإدارة الذاتية الكردية بشمال سوريا على عنصريتها الواضحة وما تمثله من خطر على وحدة سوريا ودول الجوار، وعلاقتها التاريخية مع روسيا ونظام الأسد وتنسيقها مع إيران؟
دوافع الغرب لدعم الإدارة الذاتية الكردية بسوريا.. الأسطورة الأولى حلفاء في الحرب ضد داعش
تستند دوافع الغرب المعلنة لدعم ما يعرف باسم الإدارة الذاتية الكردية بشمال سوريا، لمجموعة أساطير لا تصمد كثيراً أمام التفنيد العلمي، أولها أن قوات سوريا الديمقراطية هي حليف رئيسي في الحرب ضد داعش، وساهمت في القضاء على التنظيم المتطرف، وبالتالي تستحق الدعم الغربي ولا يجب على الغرب أن يتخلى عن حلفائه.
وهذا صحيح بالفعل. لعبت قوات سوريا الديمقراطية، دوراً كبيراً في دحر داعش، وكانت من أكفأ القوى التي واجهت التنظيم المتطرف، ولكن هذا ينطبق بشكل دقيق أيضاً على الحشد الشعبي العراقي وحزب الله اللبناني المواليين لإيران.
فالواقع أن كل القوى العسكرية بالمنطقة حاربت داعش، لأن التنظيم المتطرف منذ البداية أعلن الحرب على الجميع، وقد لعب الجيش التركي على سبيل المثال دوراً كبيراً في الحرب ضد داعش، مثلما حدث في عملية دعم عملية درع الفرات عام 2016، وخاض الجيش التركي معركة عنيفة في منطقة الباب السورية وصفها قادته بأنها "صدمة"، وفقاً لمجلة Der Spiegel الألمانية؛ حيث جاء في وثيقة نشرت على الإنترنت أن تنظيم داعش دمر على ما يبدو 10 دبابات ليوبارد 2 الألمانية التي يشغلها الجيش التركي.
كما أن الحرس الثوري الإيراني لعب دوراً كبيراً في الحرب على داعش، عبر توجيهه للميلشيات الشيعية في العراق وسوريا، وكذلك حارب الجيش الروسي داعش، وقصفت طائراته التنظيم الإرهابي، ولعبت دوراً أساسياً في إخراجه من مدينة تدمر التاريخية.
وحتى النظام السوري، رغم تعاونه مع داعش، فإن جيشه حارب التنظيم في أوقات كثيرة، بل إن تنظيم القاعدة بفروعه الكثيرة في سوريا، حارب داعش مراراً.
كما أن المعارضة السورية هي أكبر من دفع الثمن في الحرب ضد داعش؛ حيث حوصرت من قبل داعش والنظام السوري وحلفائه الشيعة والقوات الكردية، وروسيا، الأمر الذي أدى لهزيمة الثورة السورية.
بهذا المنطق يجب أن يكون حزب الله والحرس الثوري وتنظيم القاعدة وبشار الأسد من حلفاء الغرب، وأن يقدم لهم الدعم المالي والعسكري كما يحدث مع الإدارة الذاتية الكردية بسوريا.
الأسطورة الثانية.. أكراد سوريا ليسوا إرهابيين ولا علاقة لهم بحزب العمال الكردستاني
تصنف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حزب العمال الكردستاني النشط في تركيا وشمال العراق كمنظمة إرهابية، لكنهما جادلا بأن الأمر مختلف مع حزب الاتحاد الديمقراطي السوري، الذي أسس الإدارة الذاتية الكردية وقوات سوريا الديمقراطية، التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية، وأن أكراد سوريا منفصلون عن حزب العمال الكردستاني.
ولكن الأمر المعروف للمتخصصين، بمن فيهم باحثون في مراكز أبحاث غربية، أن حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يقود الإدارة الذاتية الكردية بسوريا هو مجرد فرع سوري لحزب العمال الكردستاني الذي يتحكم في معظم الأنشطة السياسية الكردية بدول المنطقة باستثناء العراق.
والعديد من التقارير الميدانية لمراكز بحثية غربية تُثبت العلاقة بين القيادات الكردية السورية وحزب العمال الكردستاني.
فحزب الاتحاد الديمقراطي السوري هو حزب كردي سوري أسّسه في عام 2003 مقاتلون سوريّو الأصل، ينتمون إلى "حزب العمال الكردستاني"، في جبال قنديل في شمالي العراق، وفقاً لتقرير لمركز كارنيغي الأمريكي.
ويقول التقرير إن "حزب الاتحاد الديمقراطي" يُنكر أن يكون له أيّ ارتباط بحزب العمال الكردستاني؛ نظراً إلى الضرر الذي يمكن أن يلحق بصورته جراء الإعلان عن هذه العلاقة.
ويعلّق التقرير قائلاً: "حتى لو تجاهلنا أن بعض القادة الكبار في (حزب الاتحاد الديمقراطي) ينحدرون من (حزب العمّال الكردستاني) بشكل مباشر، فإن الممارسات السياسية والرموز لدى حزب الاتحاد الديمقراطي مماثلة لتلك التي يستخدمها تقليدياً (حزب العمال الكردستاني)، وأكثرها وضوحاً للعيان صور زعيم "حزب العمال" (المسجون عبد الله أوجلان)، والهياكل التنظيمية (ولا سيما وجود نساء مقاتلات في الرتب الدنيا)؛ فضلاً عن أنه ليس واضحاً كيف تمكّن الأكراد السوريون من أن يُنشئوا بمفردهم الإطار اللوجستي والبنيوي الضروري لتشكيل قوّة عسكرية فعلية من أكثر من 10 آلاف مقاتل، بعد اندلاع الثورة السورية مباشرة" (أصبحت الآن أكبر بكثير).
وبالتالي، مثلما يبدو إنكار حزب الاتحاد الديمقراطي لعلاقته بحزب العمال نوعاً من التقية السياسية، فإن حديثاً عن تخليه عن حلم الاستقلال عن سوريا وتقسيمها مجرد نفاق مرتبط بالظروف الراهنة.
والأهم أن الحزب قد يكون قد تخلَّى أو أرجأ مشروع الدولة الانفصالية، لأنه واقعياً أسس دويلة كبيرة يحكمها الأكراد، على حساب الأغلبية العربية، مستفيداً من موارد المناطق ذات الأغلبية العربية .
الأسطورة الثالثة.. الحزب الكردي يحمل أفكاراً ليبرالية يسارية تشبه أيديولوجيا الغرب
بينما يُنظر في أوروبا للشيوعية والأفكار اليسارية الآن برومانسية، تناست هذه الدول التي كانت تخشى يوماً حدوث اجتياح شيوعي لأراضيها خلال الحرب الباردة، أن حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري ينتمي لجيل وتيار مختلف من الأيديولوجيا اليسارية وتحديداً يؤمن بالماركسية اللينينية التي كانت تستهدف تدمير الغرب.
فهو لا ينتمي إلى اليسار الرومانسي الذي يركز على حقوق الإنسان والحيوان أو حماية البيئة، بل هو يسار منحدر من الستالينية التي محت شعوباً من الوجود، وأجبرت الملايين على التخلي عن ممارسة شعائرهم الدينية.
فحزب العمال الكردستاني في الأصل حزب ماركسي موالٍ للاتحاد السوفييتي، يؤمن مثل مموليه السوفييت، ليس فقط بالعنف ضد الدولة التركية أو الطبقات الرأسمالية، بل يُؤمن بالعنف وسيلةً لتغيير المجتمعات، وفرض ما يعتبره تحديثاً وعلمانية، (الاتحاد السوفييتي اعتبر الوضوء في فترة من الفترات عادة بدائية)، كما أنه تاريخياً حليف للنظام السوري الذي وفر لعقود ملاذاً آمناً لزعيمه عبد الله أوجلان قبل أن يسلمه لتركيا بعد أن هدد الجيش التركي حافظ الأسد بحرب في نهاية التسعينيات.
وهو حزب ميليشياتي يقوم على التدريب والولاء الصارم، ووأد أي انشقاقات بالعنف، إضافة إلى التركيز على العمل السري والاختراق الاستخباراتي، مثل استخدام واجهات متعددة مثل حزب الشعوب الديمقراطية في تركيا، ووحدات حماية الشعب في سوريا.
وببساطة، جزء من قدرة حزب العمال الكردستاني اللافتة على محاربة داعش عبر فرعه السوري، هي أنه يمثل الوجه اليساري لداعش؛ حيث يشبه التنظيم المتطرف في التركيز على العنف الشديد، ومنع الانشقاقات والعقيدة المتطرفة والأجهزة الأمنية المشهورة بقسوتها حتى أعداء الحزب الداخليين، وهو ما عاني منه منشقون عن حزب العمال في أوروبا، بل إن الحزب يشتبه في تورطه باغتيال رئيس وزراء سابق للسويد.
قول حق مُراد به باطل.. الأكراد تعرضوا للاضطهاد ويجب إنصافهم
من الافتراضات التي يتم على أساسها صياغة الموقف الغربي من الأزمة الكردية أن الأكراد مضطهدون من قبل دول المنطقة، وهذا قد يكون صحيحاً جزئياً، ولكن الغرب يتجاهل أن النخب الكردية تحالفت مع هذه الدول ومع إسرائيل والاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة في مناسبات مختلفة وأحياناً ضد أخوتهم الأكراد، كما أن هذه النخب لعبت دور الطابور الخامس عبر تعاونهم مع الأعداء الخارجيين للدول التي يتواجدون بها.
والأهم أن النخب الكردية أضاعت فرصاً متعددة للإصلاح عبر رفضها لأي حلول وسط، والأهم إفشال أي محاولة لإصلاح ديمقراطي يعطي الأكراد حقوقهم الثقافية ويجعلهم مواطنين متساوين مع التخلي عن العنف وخطط الانفصال مثلما حدث في تركيا بعد تولي حزب العدالة والتنمية الحكم.
كما أن حزب العمال الكردستاني تحديداً يسعى لاحتكار القضية الكردية ويُقصي أي مكونات كردية سياسية أخرى، والدليل علاقته المتوترة مع الحزبين الكرديين الكبيرين في العراق رغم أنهما أعرق منه.
والغرب يزعم أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقود حملة اضطهاد ضد الأكراد في بلاده، وهناك محاولة لشخصنة الأمر، كأنه لم يكن هناك صراع كردي قبل أردوغان، وذلك في استغلال واضح لحالة الجدل القائمة بين أردوغان والعديد من القوى الغربية، بعد رفضه الحاد للتدخلات الغربية في شؤون بلاده، وتحويل الأمر وكأن أردوغان يعادي الأكراد، رغم أن واحداً من أبرز الساسة المقربين له هو بن علي يلدريم، رئيس الوزراء التركي السابق، من أصول كردية، وغيره من المسؤولين في عهد أردوغان، كما أن حزبه يحصد جزءاً كبيراً من الأصوات الكردية.
وهذا المنطق يتجاهل حقيقة أن الأكراد والأتراك عاشوا لقرون دون خلافات تُذكر تحت الحكم العثماني، وكانت القبائل الكردية في الأغلب حلفاء مخلصين للدولة التركية في العهد العثماني، وأسهموا في حرب الاستقلال التركية، وأن المشكلة بدأت نتيجة ظهور الشكل العلماني المتطرف للقومية في العصر الحديث، ويُعتقد أن أول تمردات الأكراد ضد مؤسس الدولة التركية كمال أتاتورك كان لرفضهم سياسته العلمانية.
وواقعياً، ظلّ الأكراد يعانون طوال معظم سنوات الجمهورية التركية من إنكار حقوقهم الثقافية، ولكن حكومة حزب العدالة والتنمية غيّرت هذا المسار، واتخذت خطوات جريئة بمعايير الدولة التركية، حيث أعطت الأكراد قدراً كبيراً من الحقوق، ومنها السماح لهم بتدريس اللغة الكردية بشكل رسمي، وأعلن ذلك أردوغان بنفسه عام 2009، عندما كان رئيساً للوزراء، ومَن يعرف طبيعة الدور القومي في تشكيل الهوية التركية الحديثة يعلم أن هذه خطوة استثنائية.
كما أبرمت حكومة حزب العدالة والتنمية هدنة مع حزب العمال الكردستاني، بهدف التوصل لحل الأزمة، في ظل وحدة الدولة التركية، ولكن الحزب هو الذي نقض الهدنة مع اندلاع الحرب السورية، وتخطيطه للاستفادة منها.
رفضوا الانضمام للثورة السورية رغم ظلم الأسد لهم
في سوريا منذ بداية الثورة، رفض حزب الاتحاد الديمقراطي السوري الانضمام للثوار، رغم أن الأكراد كانوا الفئة الأكثر معاناة من نير النظام الذي حجب عن أعداد كبيرة منهم الجنسية السورية، (لأن جذور كثير منهم تعود لتركيا؛ حيث هاجروا منها بعد فشل ثورتهم ضد أنقرة في عهد كمال أتاتورك).
ولكن بعد اندلاع الثورة السورية تصالحوا مع نظام الأسد مقابل الجنسية وتركهم يسيطرون على مناطقهم، ورفضوا الانضمام لأُطر المعارضة، رغم أن المعارضة السورية أكدت على حقوقهم الثقافية، بل تم تعيين قيادي كردي، هو عبد الباسط سيد، رئيساً للمجلس الوطني السوري، الذي كان يمثل الإطار الرئيسي للمعارضة السورية في بداية الثورة.
ووصل تعاون حزب الاتحاد الديمقراطي السوري مع الأسد إلى درجة أن قوات النظام انسحبت من المناطق ذات الغالبية الكردية الواقعة في الشمال والشمال الشرقي من البلاد منذ صيف 2012، لصالح حزب الاتحاد الديمقراطي؛ مما أتاح الفرصة له لاستغلال انشغال المعارضة السورية في المعارك ضد النظام لتأسيس كيان شبه مستقل في شمال سوريا، وتم ذلك أحياناً عبر مهاجمة قوات المعارضة السورية، بينما هي منشغلة في معارك ضد جيش الأسد.
كما أن الحزب الكردي في سوريا يتحمل نصيباً من المسؤولية عن ظهور داعش، لأن هذا التنظيم المتطرف ظهر نتيجة القمع العنيف للثورة السورية من قبل الأسد، خاصة العمليات الوحشية التي استهدفت العرب السنَّة في سوريا من قبل الأسد.
ولقد كان أحد أسباب توحش الأسد في قمع الثورة السورية هو رفض حزب الشعب الكردي السوري، التابع لحزب العمال الكردستاني، الانضمامَ للثورة السورية ضد الأسد.
هكذا أسسوا دويلة عنصرية بامتياز تهمّش العرب واللغة العربية
في المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد من سوريا، في الشمال الشرقي وبعض مناطق الشمال الأوسط، تخلَّى السكَّان المحليون عن اللغة العربية مقابل الكردية، ويفضِّلون التعامل بالدولار. ويحتاج السوريون من خارج هذا الجيب الذي يهيمن عليه الأكراد الساعون إلى الإقامة إلى كفيلٍ محلي.
ولا تحب السلطات الكردية المعارضة، فتلاحق قواتهم النقَّاد والشباب، عرباً وأكراداً، حسبما ورد في تقرير لمجلة The Economist البريطانية.
كما أن صناعة القرار في الإدارة الذاتية مركزة في أيدي كبار العناصر في حزب العمال الكردستاني، من رجال ونساء، الذين تدرَّبوا في جبال قنديل، وأدّوا دوراً نشطاً في التمرد ضد تركيا، أو في التعبئة باسم حزب العمال الكردستاني في أوروبا.
وتعاني المنطقة مع بقية البلاد، لكنها على الأقل تمتلك النفط وتحظى بحماية الولايات المتحدة، وتبيع النفط والقمح السوري للعراق.
إنهم يحكمون ثلث سوريا والعرب ينظرون لهم كاحتلال
وأتاح القضاء على تنظيم داعش ككيانٍ جغرافي في مارس/آذار 2019، لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) السيطرة على نحو ثلث سوريا؛ حيث يُقيم ملايين السوريين ومعظمهم من غير الأكراد، وتنظر لهم الأغلبية العربية بالمنطقة كاحتلال، حسب تقرير مركز كارنيغي.
ويقول السكان المحلّيون في المدن ذات الأكثرية العربية الخاضعة لسيطرة "قسد": إن تهميش العرب من آلية الحكم في مناطقهم يولّد مشاعر استياء لدى العرب المثقّفين تحديداً.
ويدير الحزب أوضاع هذه المنطقة الشاسعة، والتي تضم أعداداً كبيرة من العرب السنة، ومجموعات إثنية أخرى عبر استخدام أحزاب تحمل كواجهات سياسية من هذه القوميات والطوائف، مثل "الهيئة الوطنية العربية"، و"حزب الاتحاد السرياني"، وتنظيمات كُردية وعربية وسريانية أخرى، وفقاً للتقرير.
ويقول الصحفي الكردي السوري، فاروق حاجي مصطفى، مؤسس مركز براتشاف للإعلام والحرية في مدينة غازي عنتاب جنوبي تركيا: "إن حزب الاتحاد الديمقراطي كان يتمتع بشعبية فعلية لأنه كان يتصدى لمشاكل السكان الأكراد. فأعضاؤه براغماتيون ومنظمون على عكس الأحزاب الكردية الأخرى التي فشلت في مواجهة تلك المشاكل".
ولكنه استدرك قائلاً: "الحزب بات حزباً شمولياً، ورافضاً لمظاهر معارضة حكمه، وتعامل بعنف ضد البعض في مجتمعه".
ويصف أحد النشطاء في دير الزور الكوادرَ الكردية في الهيئات التي يتولى العرب رسمياً قيادتها، بأنهم "العلويون الجدد"، في إشارة إلى الطائفة التي ينتمي إليها آل الأسد، الذين يشغلون معظم المناصب النافذة في سوريا.
يستغلون النفط لتغييِر جغرافية سوريا
تسيطر "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، بقيادة الأكراد حالياً على أكبر حقول النفط في سوريا، والتي سبق أن أرسل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قوات أمريكية لحمايتها.
ولكن (قسد) كانت غير قادرة على بيع النفط بطريقة قانونية، ومن ثم فهي مضطرة إلى التعامل مع رئيس النظام السوري بشار الأسد، حسبما ورد في تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
يذكر أن العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي فُرضت منذ عام 2011 تحظر القيام باستثمارات في سوريا، كما تحظر استيراد المنتجات النفطية السورية. ولكن العقوبات لا تشمل قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر حالياً على شمال شرق سوريا، لكن تلك المحافظات تنخرط في تجارة واسعة مع النظام السوري، وتبيعه النفط والقمح ومنتجات أخرى.
وبينما يتعرض النظام السوري لضغوط اقتصادية كبيرة جراء العقوبات الأمريكية، وقعت الإدارة الكردية، مؤخراً اتفاقاً مع شركة أمريكية لتطوير حقول نفطية، كما تعهدت الولايات المتحدة بتقديم مصفاتين للأكراد.
ويحاول أكراد سوريا استغلال الأزمة الناتجة عن العقوبات التي فرضها قانون قيصر الأمريكي على النظام السوري للحصول على حق بيع نفط البلاد (الذي يسيطرون على أغلبيته) في الأسواق الدولية.
فمثلما كانت القيادات الكردية المستفيد الأكبر من الثورة السورية، فإنها تحاول الاستفادة من الصراعات في المنطقة والدعم الغربي لترسيخ هيمنتهم على شمال سوريا، حتى إن البعض يتحدث عن أن الرقة سوف تصبح أفضل من العاصمة السورية دمشق.
يصدرون القمح السوري للعراق، بينما بقية البلاد على شفا الجوع
بينما كان الشعب السوري في عام 2020 على شفا الجوع بسبب نقص القمح، فلقد تبين أن هذه الأزمة سببها التعاون بين القوى الكردية وميليشيات الأسد لتهريب محصول القمح الذي ينتج في مناطق شمال شرق البلاد إلى العراق، حسبما ورد في تقرير لمجلة The Economist البريطانية.
تتداخل هذه الممارسات التي ينفذها الأكراد بحق عرب شمال سوريا مع اضطهاد نظام الأسد ذي القاعدة الاجتماعية العلوية للعرب السنة، والنتيجة أن العرب السنة هم الضحية الأولى للتغير الديموغرافي في سوريا، وفقاً لتقديرات جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة، نتيجة خسائرهم البشرية الأكبر من الحرب وأن نسبتهم من عدد اللاجئين أكبر من نسبتهم من إجمالي السكان..
علاقة مريبة مع إيران
لا يتجاهل الغرب فقط العلاقة الواضحة بين قوات سوريا والديمقراطية والنظام السوري وروسيا، ولكن يتجاهل العلاقة شبه السرية بين قوات سوريا الديمقراطية وحزب العمال الكردستاني من جهة وبين إيران من جهة أخرى.
تبدو العلاقة بين إيران وحزب العمال الكردستاني مثيرة للاستغراب، بالنظر إلى أن الأكراد يعادلون 10 % من سكان البلاد، وهم أقلية مهمّشة وينشط بينها حزب مسلح قريب من حزب العمال الكردستاني.
ولكن التلاعب الإيراني بالأحزاب الكردية يعود لأكثر من نصف قرن؛ حيث استخدمت طهران الأكراد في حربها ضد العراق خلال عهد الرئيس العراقي صدام حسين.
ومنذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، لوحظ أن "حزب العمال الكردستاني" أخذ ينفّذ مزيداً من العمليات في تركيا تحديداً بجنوب شرقي الأناضول، مع تسجيل زيادة لافتة في أعداد المقاتلين المصابين من أصل إيراني-كردي (مؤشر لزيادة مشاركتهم في العنف)، في حين أن "حزب الحياة الحرة الكردستاني" (النسخة الإيرانية من حزب العمال الكردستاني) أوقف تقريباً عملياته على الأراضي الإيرانية، وفقاً لمركز كارنيغي.
حتى إن بعض التقارير تورد نظريات تتحدّث عن أنه في ذلك الوقت نشأ تحالف استراتيجي بين "حزب العمال الكردستاني" وإيران؛ في محاولة لممارسة ضغوط على تركيا، وتعزيز موقع نظام بشار الأسد الذي كان على وشك الانهيار في بداية الثورة السورية.
ويتخذ مقاتلو حزب العمال الكردستاني قضاء سنجار بالعراق منطقة آمنة لهم، وقد ساعدوا قوات المقاومة الأيزيدية في التدريب والتسلّح لصد هجمات تنظيم داعش، كما أن لديهم علاقات جيدة مع بعض الفصائل المسلحة الشيعية.
"سوريا الديمقراطية" لا يوجد شيء ديمقراطي فيها إلا اسمها
لماذا لا يُجري الأكراد الذين يسيطرون على شمالي سوريا انتخابات ديمقراطية؟
تدحض إجابة هذا السؤال الادعاء الغربي بأن الإدارة الذاتية في شمالي سوريا هي إدارة ديمقراطية تجمع بين شعوب المنطقة، كما يقول حكّامها الأكراد، فلا شيء في سوريا الديمقراطية ديمقراطياً إلا اسمها، بل يبالغ البعض فيقول إنها ليست ديمقراطية ولا سورية، باعتبار أن نسبة كبيرة من أكراد سوريا منحدرون من أكراد تركيا؛ حيث جاءوا لسوريا في ثلاثينيات القرن العشرين، واستقبلهم المحتلون الفرنسيون ليغيروا التركيبة السكانية لسوريا عبر إضعاف العرب السنة، كما أن القرارات الرئيسية في الإدارة الذاتية الكردية بسوريا يعتقد أنها تتخذ من قبل حزب العمال الكردستاني المؤلف من أكراد أتراك، إضافة إلى أن الإدارة الذاتية لا تهمّش العرب فقط بل أيضاً الأكراد غير المنتمين للحزب الكردي الحاكم.
فالواقع الذي تظهره دراسات كثير من مراكز الأبحاث الغربية أن الأكراد في شمال شرقي سوريا يُقيمون دولة تشبه حالة الأبارتهايد في جنوب إفريقيا وإسرائيل، حيث تحكم أقلية كردية أغلبية عربية سنية، وأنهم سيستغلون أي فرصة سانحة لتقسيم سوريا.