تأسيس الجيش الأوروبي.. هل تكون حرب أوكرانيا البداية الحقيقية أم أنه قرار “شكلي” مرة أخرى؟

عربي بوست
تم النشر: 2022/03/22 الساعة 16:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/03/22 الساعة 16:24 بتوقيت غرينتش
زيلينسكي يحلم بأن تنضم أوكرانيا للاتحاد الأوروبي في المستقبل/رويترز

الهجوم الروسي على أوكرانيا أعاد للواجهة فكرة تأسيس الاتحاد الأوروبي جناحاً عسكرياً خاصاً به بعيداً عن حلف الناتو، فما المختلف هذه المرة؟ وهل وُلد الجيش الأوروبي أخيراً بعد القرار الأخير للاتحاد؟

وكان الهجوم على أوكرانيا، الذي يسميه الغرب غزواً وتصفه موسكو بالعملية العسكرية، قد بدأ يوم الخميس 24 فبراير/شباط الماضي، بعد أيام قليلة من إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الاعتراف باستقلال لوغانسك ودونيتسك منطقتين انفصاليتين في إقليم دونباس الأوكراني.

وشنت الدول الغربية، بزعامة الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، حملة شرسة لمعاقبة روسيا ودعم أوكرانيا، في ظل خط أحمر معلن وهو عدم الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة مع موسكو، كونها دولة نووية.

وبالتوازي مع العقوبات الاقتصادية، عاد الحديث مرة أخرى بشأن تأسيس جيش أوروبي تصدر المشهد، رغم أن القصة ليست وليدة الأزمة الأوكرانية الحالية، بل ترجع إلى أكثر من عقدين من الزمان، فماذا اختلف هذه المرة؟

الاتحاد الأوروبي قرر تأسيس قوة عسكرية

وزراء الخارجية والدفاع في الاتحاد الأوروبي توصلوا الإثنين 21 مارس/آذار إلى اتفاق يهدف لتأسيس قوة رد سريع يصل قوامها إلى خمسة آلاف جندي يمكن نشرهم بسرعة وقت الأزمات.

وأوضح جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي في بيان "التهديدات تتزايد وتكلفة الجمود واضحة"، واصفاً الوثيقة التي ترسم معالم الطموحات الأوروبية في الدفاع والأمن بحلول عام 2030 بأنها "مبادئ إرشادية للعمل"، بحسب تقرير لموقع فرانس24.

بيان بوريل أضاف: "الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى أن يكون قادراً على حماية مواطنيه والمساهمة في السلم والأمن الدوليين. هذا أمر مهم للغاية في وقت تعود فيه الحرب إلى أوروبا بعد العدوان الروسي غير المبرر على أوكرانيا، بالإضافة إلى التحولات السياسية الكبرى".

وعلى الرغم من أن فكرة إنشاء ما يمكن وصفه بالجناح العسكري للاتحاد الأوروبي ليست جديدة، وكانت هناك محاولة بالفعل قبل عشرين عاماً لكنها فشلت، إلا أن وزراء الدفاع في الاتحاد كانوا قد وضعوا مقترحاً يهدف إلى تأسيس كتيبة قوامها 5 آلاف جندي مدعومة بسفن وطائرات حربية بغرض مساعدة الحكومات الأجنبية الديمقراطية التي تكون بحاجة لدعم عسكري عاجل، وذلك في مايو/أيار من العام الماضي.

الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل

وكانت وكالة رويترز قد نقلت في ذلك الوقت عن مسؤول رفيع في الاتحاد الأوروبي قوله إن 14 دولة أوروبية تتقدمها فرنسا وألمانيا تقدمت باقتراح لإنشاء قوة عسكرية للتدخل السريع بغرض نشرها بشكل مبكر في الأزمات الدولية، وتمت مناقشة المقترح رسمياً بالفعل خلال اجتماع دوري لوزراء الخارجية والدفاع يوم 6 مايو/أيار 2021.

لكن العمل لوضع الاستراتيجية الدفاعية للاتحاد الأوروبي كان قد بدأ عام 2020 قبل تفشي جائحة فيروس كورونا، والتي يبدو أنها عطلته، ثم جاء الانسحاب الفوضوي من أفغانستان ليجدد الحديث حول نفس القصة، لكن يبدو أن اندلاع حرب أوكرانيا وتشديد الاتحاد الأوروبي لهجته تجاه موسكو قد سرع من عملية اتخاذ القرار هذه المرة.

ما الفارق بين القوة الجديدة والقديمة؟

في الوقت الحالي يوجد جناح عسكري للاتحاد الأوروبي بالفعل وقوامه أيضاً 5 آلاف جندي ويطلق عليه اسم المجموعات القتالية للاتحاد الأوروبي وتم تأسيسها عام 2007، أي منذ 15 عاماً، لكن ذلك الجناح العسكري لم يحلق قط، فما المختلف هذه المرة؟

رئيس اللجنة العسكرية في الاتحاد الأوروبي، كلاوديو غراتسيانو، يرى أن المجموعات القتالية للاتحاد الأوروبي مصممة للاستخدام في مهام إدارة الأزمات وليست الحروب، وأقر بأن تلك المجموعات لم تستخدم قط لعدد من الأسباب، بحسب تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية عنوانه "هل جيش الاتحاد الأوروبي في الطريق؟".

وقال غراتسيانو، قائد الجيش الإيطالي السابق، إن أعضاء الاتحاد الأوروبي فشلوا في التوصل لتوافق بشأن قضايا بعينها مثل التكلفة من المفترض أن يقود المهام، إضافة إلى تعقيد آخر يتعلق بأن تلك المجموعات القتالية التابعة للاتحاد الأوروبي لا يفترض أن تتنافس مع القوات التابعة لحلف شمال الأطلسي (الناتو).

والمفترض طبقاً للقرار الأخير للاتحاد الأوروبي أن تحل القوة العسكرية الجديدة محل المجموعات القتالية القائمة، بعد أن اكتسبت خطط الإصلاح الدفاعي في القارة زخماً ملحوظاً، بعد أن واجهت الدول الأوروبية متاعب جمة في إدارة الانسحاب الفوضوي من كابول في أغسطس/آب 2021، والآن الحرب في أوكرانيا. ومن المتوقع أن يقر زعماء الاتحاد الأوروبي الاستراتيجية الأمنية، التي يشار إليها بالبوصلة الاستراتيجية، في قمة تعقد يومي الخميس والجمعة في بروكسل.

وزيرة الدفاع الألمانية كريستينا لامبرشت كانت قد أشارت في بروكسل إلى أن بلادها مستعدة لتوفير النواة الأساسية لقوة "الرد السريع" الجديدة بحلول عام 2025، وهو العام الذي يفترض أن تكون فيه تلك القوة العسكرية التابعة للاتحاد الأوروبي جاهزة للعمل.

الاتحاد الأوروبي، في الوقت نفسه، كان حريصاً- عند الإعلان عن تأسيس قوة الرد السريع- على التأكيد أن جهوده في المجال العسكري مكملة لعمليات حلف الناتو ولا تهدف إلى التنافس مع التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة باعتباره ركيزة الدفاع الغربي.

إذاً الإجابة عن السؤال بشأن الاختلاف بين قوة الرد السريع وبين المجموعات القتالية يظل، بشكل واقعي دون إجابة واضحة، فالقوة الجديدة لن ترى النور قبل عام 2020، بحسب الجدول المقترح، وقد قدم غراتسيانو تفسيراً عملياتياً لهذا التأجيل، لبدء دخول قوات الرد السريع إلى الميدان فعلياً.

مقاتلون من "الفيلق الدولي" جاؤوا من بريطانيا للقتال بجانب الجيش الأوكراني ضد الجيش الروسي (رويترز)

فرئيس اللجنة العسكرية في الاتحاد الأوروبي يرى أن الهدف من تشكيل القوة العسكرية ليس التنافس مع الناتو أو الاستغناء عنه، ولكن حتى تؤدي تلك القوة الأوروبية الجديدة الغرض منها لا بد من إشراكها في التدريبات العسكرية بشكل عملي "فذلك الأمر في حد ذاته يرسل رسالة واضحة بأن أوروبا موحدة، سواء كان المرسل إليه روسيا أو أطرافاً أخرى".

هل يمكن إذاً أن تساعد القوة الأوروبية أوكرانيا؟ إذا كان الهدف من الإعلان عن تأسيس القوة العسكرية للاتحاد الأوروبي هو إيصال رسالة إلى روسيا، أو على الأقل أحد الأهداف، فهل يعني ذلك أن الاتحاد الأوروبي سيتدخل عسكرياً لدعم أوكرانيا ولو عن طريق توصيل مقاتلات الميغ السوفييتية التي عرضتها بولندا ورفضت أمريكا إيصالها لأوكرانيا؟

غراتسيانو كان واضحاً تماماً وأكد لمجلة فورين بوليسي الأمريكية أن قضية مقاتلات الميغ ليست على أجندة النقاش من الأساس، لكنه أصر على أن تقديم الاتحاد الأوروبي نصف مليار يورو من المساعدات العسكرية لأوكرانيا هو حدث تاريخي بكل المقاييس، راصداً تغيير ألمانيا موقفها من إرسال أسلحة لكييف، وكذلك إرسال الاتحاد أسلحة فتاكة كصواريخ غافلين وستينغر الأمريكية وغيرها، وكلها مؤشرات على وحدة أوروبا في الوقوف بوجه موسكو دعماً لكييف.

ما مدى واقعية وجود جيش أوروبي فعلاً؟

يرجع تاريخ التفكير في تأسيس جناح عسكري للاتحاد الأوروبي إلى عام 1999 والذي نتج عنه تأسيس "المجموعات القتالية" عام 2007، دون أن تشارك تلك القوات في أي عملية على الإطلاق حتى الآن، ومع مجيء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى رئاسة بلاده عام 2017، بدأ الحديث عن تشكيل جيش أوروبي يأخذ بعداً آخر.

فماكرون، الذي يرى نفسه تلميذاً للزعيم الفرنسي التاريخي شارل ديغول، يريد استعادة أمجاد فرنسا الإمبراطورية، ويبدو أن تأسيس جيش أوروبي تقوده فرنسا بطبيعة الحال كان ولا يزال حلماً يطارده الرئيس الساعي حالياً للفوز بفترة رئاسية ثانية خلال انتخابات أبريل/نيسان القادم.

والواضح أن ماكرون يدرك جيداً أنه في ظل وجود حلف الناتو كمسؤول أول عن الأمن الأوروبي، ستظل فكرة تأسيس جيش أوروبي غير واردة، وكشفت تصريحات ماكرون غير المسبوقة بشأن حلف الناتو، قبل عامين، عن ذلك التوجه.

إذ كان ماكرون قد أثار عاصفة من الانتقادات من أبرز أعضاء حلف الناتو، قبل أيام من اجتماع قادة الحلف للاحتفال بالذكرى السبعين لتأسيسه، عندما صدرت عنه تصريحات تصف الحلف العسكري الأقوى على وجه الكوكب بأنه وصل لمرحلة "الموت السريري"، وهي تصريحات وصفها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب "بالمسيئة والمقرفة سياسياً"، بحسب تقرير لشبكة الإذاعة البريطانية BBC.

وكان ماكرون قد بنى منطقه، حسبما صرح مراراً وتكراراً انطلاقاً من أن أوروبا لا يمكنها أن تظل معتمدة على الولايات المتحدة للدفاع عن القارة العجوز، خصوصاً بعد وصول ترامب للبيت الأبيض ورغبة الرئيس الأمريكي السابق المعلنة في أن تدفع الدول الأوروبية وغيرها من حلفاء واشنطن مزيداً من الأموال لتمويل حلف الناتو.

ماكرون
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون – Getty Images

الآن وبعد اتخاذ قرار تشكيل قوة الرد السريع، هل أصبح الاتحاد الأوروبي أقرب إلى تأسيس جناحه العسكري فعلاً؟ بالنظر إلى المعوقات التي ساقها غراتسيانو كأسباب لعدم تفعيل المجموعات القتالية التابعة للاتحاد الأوروبي على مدى 15 عاماً، يمكن القول إن تلك المعوقات لا تزال قائمة دون تغيير.

وأضاف غراتسيانو أسباباً عملية، بخلاف الأسباب السياسية، تجعل من مهمة تأسيس جيش أوروبي موحد حلماً أقرب منه للواقع، رغم تفاؤل القائد العسكري الإيطالي في حديثه مع فورين بوليسي.

غراتسيانو يرى أن "توحيد القوات المسلحة مهمة صعبة للغاية، لكنها ليست مستحيلة، وهي تبدأ بوجود الإرادة السياسية، والواضح أنها موجودة"، مضيفاً أن "تحسين العمل العسكري المشترك يظل خطوة رئيسية أخرى"، مشيراً إلى أن الحياة في أوروبا بعد حرب أوكرانيا لن تكون كما كانت قبلها، وبالتالي لا بد أن تكون أوروبا نفسها مختلفة.

لكن تحسين العمل العسكري المشترك مهمة شاقة للغاية، إن لم تكن مستحيلة. فبحسب غراتسيانو، تنفق دول الاتحاد الأوروبي أكثر من 276 مليار دولار سنوياً على جيوشها، وهي ميزانية أكبر بنحو أربعة أضعاف من ميزانية الدفاع الروسية، ومع ذلك الفارق واضح وكبير بين القوة العسكرية لموسكو وتلك الخاصة ببروكسيل (عاصمة الاتحاد الأوروبي).

أما على المستوى العملي، فالاتحاد الأوروبي يضم 27 دولة لكل منها جيشه وأنظمة تسليحه والاتفاق على توحيد الأنظمة في حد ذاته مهمة شبه مستحيلة. فجيوش أوروبا تستخدم 180 منصة تسليح، مقارنة بنحو 30 فقط لدى الجيش الأمريكي، وهو ما يصفه غراتسيانو بأنه أمر "فوضوي وغير مقبول". لهذا وضع الأوروبيون 2025 هدفاً لدخول القوة العسكرية الخاصة بالاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ، فهل يرى جيش أوروبا النور هذه المرة؟

تحميل المزيد