لماذا يبدو إعلان نهاية المهمة القتالية للقوات الأمريكية بالعراق قراراً بلا معنى؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/12/12 الساعة 15:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/12/12 الساعة 16:22 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي/رويترز

يبدو إعلان نهاية المهمة القتالية التي كانت تقوم بها القوات الأمريكية بالعراق، إعلاناً بلا معنى بالنسبة لكثير من المراقبين.

وقالت الحكومة العراقية الخميس 9 ديسمبر/كانون الأول إن القوات الأمريكية أنهت مهمتها القتالية في البلاد، ومع ذلك فإن مراقبين يقولون إن التصريح ليس إلا خدعة سياسية ترمي إلى تخفيف الضغوط الصادرة عن الجماعات المتحالفة مع إيران والتي تدعو إلى انسحاب أمريكي كامل، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.

لماذا يبدو إعلان نهاية مهمة القوات الأمريكية بالعراق بلا معنى؟

أشار مسؤولون إلى أن القوات الأمريكية لا وجود عملياً لها على الأراضي العراقية منذ شهور، حسب الصحيفة الأمريكية. 

ويقول الأمريكيون إن التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق بدعوةٍ من الحكومة العراقية لمحاربة تنظيم داعش قد تحوَّل إلى الاضطلاع بمهمة ذات طبيعة استشارية في يوليو/تموز من العام الماضي.

وفي يوليو/تموز 2021، اتفق الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على إنهاء المهام القتالية للقوات الأمريكية في العراق بنهاية العام الجاري؛ وذلك خلال زيارة الكاظمي للولايات المتحدة الإثنين الماضي.

وأكد البيان المشترك للجولة الرابعة من "الحوار الاستراتيجي" بين بغداد وواشنطن أن "العلاقة الأمنية سوف تنتقل بالكامل إلى دور خاص بالتدريب وتقديم المشورة والمساعدة وتبادل المعلومات الاستخباراتية".

وأضاف البيان: "لن تكون هناك قوات أمريكية تقوم بدور قتالي في العراق بنهاية الحادي والثلاثين من ديسمبر/كانون الأول عام 2021".

وأشار البيان إلى أن القواعد العسكرية التي استخدمتها القوات الأمريكية "هي قواعد عراقية تعمل وفقاً للقوانين العراقية" وأن الجنود الدوليين المتمركزين في هذه القواعد كانوا فقط للمساعدة في الحرب على "داعش".

ووصف بعض المراقبين اتفاق إنهاء المهمة القتالية للقوات الأمريكية بالعراق عند توقيعه بأنه مجرد "مسرحية دبلوماسية"، حسبما ورد في تقرير لموقع "دويتش فيليه".

القوات الأمريكية بالعراق
القوات الأمريكية كانت تساعد العراق في محاربة داعش/رويترز

فمن المرجح أن يشهد القرار الأمريكي-العراقي إعادة ترتيب القوات الأمريكية وتحديد دورها أكثر من خفض عددها.

وما زال عددٌ كبير من أفراد قوات التحالف، البالغ عددهم نحو 2500 فرد متمركزين في العراق، يعملون مستشارين عسكريين للقوات العراقية في قتالها مع المسلحين، حسب تقرير The Washington Post.

أمَّا أفراد الخدمة الآخرون في قوات التحالف، فيضطلعون بخدمات الدعم للإبقاء على الأقسام المتبقية في القواعد العسكرية العراقية قيد التشغيل.

لكن في محاولة لتخفيف الضغط الواقع على رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، اتفق المسؤولون العراقيون وإدارة بايدن على خطاب عام يقول الطرفان فيه إن القوات الأمريكية المقاتلة ستكون خارج البلاد بحلول 31 ديسمبر/كانون الأول.

الأمر بدأ باغتيال سليماني

الإعلان الرسمي، الذي أصدره مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي على موقع تويتر يوم الخميس 9 ديسمبر/كانون الأول والذي تحدث فيها عن نهاية المهمة القتالية للقوات الأمريكية بالعراق، بدا أنه يهدف إلى إسدال الستار على فصل سياسي حساس وخطير في بعض الأحيان، افتتحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العام الماضي بإصداره الأمر باغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في بغداد.

ففي أعقاب عملية الاغتيال، تصاعدت التوترات في المنطقة واندلعت عاصفة نارية سياسية في داخل البلاد، ما دفع النواب العراقيين في يناير/كانون الثاني 2020 إلى التصويت على تأييد الدعوة إلى طرد القوات الأمريكية البالغ عددها آنذاك 5 آلاف جندي من البلاد.

استمرت الميليشيات المدعومة من إيران في دعوتها إلى انسحاب الولايات المتحدة، وهاجمت القواعد العراقية التي تضم قوات التحالف، باستخدام الطائرات المسيرة والصواريخ.

وسبق أن قال مسؤول حكومي بارز بالحكومة العراقية، ومقرب من رئيس الوزراء لـ"عربي بوست"، إن" مصطفى الكاظمي محاصَر الآن، إيران والقادة الموالون لها في العراق يساومونه، إما أن يطلب خروج القوات الأمريكية من البلاد، وإما أنهم يسعون لإنهاء مستقبله السياسي".

اغتيال قاسم سليماني سبب توتراً بين الحشد الشعبي والميليشيات الموالية لإيران وبين القوات الأمريكية/رويترز

وفي إشارة إلى سلسلة المحادثات التي كانت تجري بين المسؤولين العراقيين ومسؤولي التحالف، كتب الأعرجي: "اليوم أنهينا جولة الحوار الأخيرة مع التحالف الدولي، والتي بدأناها في العام الماضي، لنُعلن رسمياً انتهاء المهمات القتالية لقوات التحالف وانسحابها من العراق".

وفي بيان صدر بعد ذلك بساعات، قال قائد التحالف، الجنرال جون دبليو برينان، إن التحالف سيبقى "لتقديم المشورة والمساعدة والتمكين"  لقوات الأمن العراقية.

ويقول سجاد جياد، الباحث في مؤسسة Century Foundation في نيويورك، إن "الإعلان في الواقع لا ينطوي على تغيير كبير للأوضاع على الأرض".

غزو ثم عودة جديدة هدفها الإنقاذ

غزت القوات الأمريكية العراق في مارس/آذار 2003، وأزاحت الرئيس صدام حسين، ثم شاركت في تأسيس نظام سياسي يقسِّم السلطة والموارد على أسس طائفية. لكن بعد أكثر من 18 عاماً، تفشى الفساد في هذا النظام، وبدا أن النفوذ الأمريكي على القادة السياسيين في العراق في التضاؤل.

انسحبت القوات الأمريكية من العراق في عام 2011 قبل أن تعود في 2014 ضمن التحالف الدولي المكلف بدحر مقاتلي تنظيم داعش، الذين كانوا يسيطرون على ثلث مساحة البلاد.

ومع تراجع سيطرة المسلحين إلى حد كبير وانحصارها في بعض المناطق الريفية الآن، تقود الأجهزة الأمنية العراقية ما تبقى من العمليات القتالية، بدعمٍ من المعلومات الاستخباراتية التي يقدمها التحالف علاوة على الدعم الجوي للمداهمات والغارات.

هل يعود داعش مجدداً بعد انسحاب القوات الأمريكية؟

مع ذلك، قدَّم تنظيم داعش الأسبوع الماضي دليلاً صارخاً على قدرته على استغلال الثغرات الأمنية حيثما تظهر، ففي هجوم شنَّه الأسبوع الماضي قتل التنظيم 13 جندياً ومدنياً كردياً في كمين. وقتل المسلحون يوم الثلاثاء 7 ديسمبر/كانون الأول جنديين في مدينة كركوك الشمالية.

انهارت الشبكة التي كانت تضم الميليشيات العراقية المتحالفة مع إيران بعد اغتيال سليماني، وهو ما أدى ببعضها إلى متابعة أجندته الخاصة وزيادة استقلالها عن الراعي الإيراني، ولم يتمكن أي زعيم على السيطرة على الفصائل وجمعها تحت رايته.

في مقابل إعلان إنهاء وجود القوات الأمريكية، قال زعيم حركة حزب الله النجباء الموالية لإيران، في بيان يوم الخميس 9 ديسمبر/كانون الأول، إن "مقاومة الحركة" لقوات التحالف مستمرة "حتى إزالة الاحتلال الأمريكي عن العراق".

وحذَّر جياد من مؤسسة Century الأمريكية، من أن الإعلان العراقي والتحالف عن إنهاء المهمة القتالية الأمريكية من المستبعد أن يقنع الفصائل برحيل أمريكا. وقال إنه "من المتوقع استئناف الهجمات على المنشآت والمصالح الأمريكية في العراق".

تحميل المزيد