غزو العراق أبقى جورج بوش في البيت الأبيض، فهل يطيح الانسحاب من أفغانستان ببايدن؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2021/08/29 الساعة 11:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/08/30 الساعة 13:35 بتوقيت غرينتش
بايدن فقد الكثير من شعبيته بعد فوضى الانسحاب من أفغانستان/ رويترز

العلاقة بين حروب الولايات المتحدة التي لا تنتهي وبين فرص الرؤساء في الفوز بالانتخابات ملتبسة ومن الصعب حسمها، فبوش فاز بفترة ثانية بعد غزو العراق، بينما قد يطيح الانسحاب من أفغانستان بفرص بايدن.

وعلى الرغم من أن قرار الانسحاب من أفغانستان تم اتخاذه من جانب إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، فإن عاملين رئيسيين صاحبا عملية الانسحاب وضعا إدارة بايدن في موقف لا تحسد عليه، الأول عودة طالبان السريعة لحكم أفغانستان، والثاني مقتل وإصابة عشرات العسكريين الأمريكيين في هجوم داعش- خراسان، الخميس 26 أغسطس/آب.

وفي ظل حروب الولايات المتحدة التي يبدو أنها لا تنتهي، دائماً ما يدور الجدل حول قرار الحرب ومدى تأثيره على حظوظ الرؤساء الأمريكيين وإرثهم، وتناولت صحيفة The Times البريطانية قصة هذا الجدل في تقرير بعنوان "الحروب التي صنعت رؤساء.. وحطَّمتهم".

الانسحاب الأمريكي من فيتنام

ربما شعر جيرالد فورد بالارتياح في استطلاع مجلة Time الأمريكية عام 1975، في الوقت الذي أوصل فيه حرب فيتنام إلى نهايتها المخزية، إذ قال 59% من الأمريكيين إن الرئيس في ذلك الوقت لا يستحق أيَّ لومٍ على الصراع.

لكن انتخابات العام التالي (1976) أثبتت خطأ استطلاعات الرأي، وخسر فورد الانتخابات الرئاسية لصالح الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر.

وبشكل عام، تميل كفة هذا الجدل نحو القول إن الحروب غالباً ما تكون مؤشراً سيئاً على حظوظ الرؤساء الأمريكيين في صناديق الاقتراع، بغض النظر عمَّا كان على القائمين على استطلاعات الرأي في الوقت الحالي أن يقولوه. 

الولايات المتحدة
قوات الولايات المتحدة في حرب فيتنام/Flickr

إذ حصل جورج بوش الأب على أعلى نسبة تأييد في استطلاع رأي مؤسسة غالوب للتحليلات والاستشارات، ثم سجَّلَ 89% بعد الانتصار في حرب الخليج الأولى (حرب تحرير الكويت)، وحينها أفادت وكالة Reuters بلا تردُّد بأنه "يحلِّق فوق المشهد السياسي الأمريكي، ويبدو أنه مستعدٌّ لتحويل هزيمة العراق إلى هزيمة أيِّ شخصٍ يعارضه في إعادة انتخابه في 1992".

ولكن بعد 18 شهراً، ومع وقوع الولايات المتحدة في قبضة الركود الاقتصادي، تعرض الرئيس الجمهوري للهزيمة أمام منافسه الديمقراطي بيل كلينتون، الذي بنى استراتيجيته الانتخابية على التركيز تماماً على الاقتصاد، وليس السياسة الخارجية.

حرب لبنان وغزو العراق

وأثناء الحرب الأهلية في لبنان، اعتبرت صحيفة Washington Post الأمريكية قصف ثكنة عسكرية في العاصمة بيروت، ذلك الذي أسفر عن مقتل 241 عسكرياً أمريكياً في أكتوبر/تشرين الأول 1983، أنه "من المُرجَّح أن يرفع السياسة الخارجية إلى موقعٍ مركزيٍّ في الحملة الرئاسية في العام المقبل، مِمَّا يفرض اختباراتٍ قاسية على الرئيس ريغان".

وتوصَّلَ استطلاعٌ لمجلة Newsweek الأمريكية إلى أن تصنيف تأييد ريغان قد انخفض من 53% إلى 48% في ذلك الشهر. لكن بعد أكثر من عامٍ بقليل فاز رونالد ريغان بفترة رئاسية ثانية بأغلبيةٍ ساحقة، عكس التوقعات أثناء الحرب في لبنان.

وعلى النقيض تماماً، فإن تفاقم حِدَّة الحرب في العراق لم يمنع جورج دبليو بوش من الفوز بإعادة انتخابه في 2004، رغم تسجيل مؤسسة غالوب انخفاضاً حاداً في التأييد في سجلها القياسي البالغ 90% بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول مباشرةً إلى 48% قبل الانتخابات مباشرةً.

وهنا يبرز مثالان حديثان للرؤساء الذين تخلوا عن العمل العسكري: هزيمة كارتر في العام 1980 في خضم أزمة الرهائن الإيرانية، وقرار ليندون جونسون بالانسحاب من الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي عام 1968، عندما واجَهَ شعبية المُرشَّحين المناهضين لحرب فيتنام.

الجمهوريات الوراثية
بوش في العراق بعد الغزو

في كلتا الحالتين، كانت الدراما في الخارج هي الأهم في أذهان الناخبين، وعزَّزَت التقليد السائد في واشنطن بأن نزاعاً أجنبياً لا يمكن أن يصنع رئيساً أو يفسده ما لم يهيمن على يوم الاقتراع نفسه. 

وقال دوغلاس كرينر، أستاذ السياسة في جامعة كورنيل الأمريكية، وأحد مؤلِّفي دراسةٍ تحدَّت النظرية السائدة من خلال النظر عن كثبٍ في انتصار دونالد ترامب غير المُتوقَّع في 2016، للصحيفة البريطانية: "غالباً ما يقول علماء السياسة إن الناخبين يعانون من قِصَر النظر، ويضعون في اعتبارهم آفاقاً زمنية قصيرة حقاً، لذا بحلول الوقت الذي جرت فيه انتخابات 1992، بعد عاصفة الصحراء، ربما كانت في نظرهم بعيدة حقاً".

وتأتي إشارة كرينر هنا إلى أن حرب تحرير الكويت التي رفعت شعبية جورج بوش الأب إلى السماء، سرعان ما تلاشت أهميتها لدى الناخب الأمريكي بحلول الانتخابات عام 1992، ليحقق كلينتون انتصاراً كبيراً بفضل تركيزه على الاقتصاد الأمريكي وليس السياسة الخارجية.

ويوضح كرينر هذه النقطة بقوله: "هناك عددٌ قليلٌ من الناخبين الذين يغيِّرون مواقفهم في السياسة الأمريكية، ولكن مع المعاناة الكبيرة للمجتمعات الأمريكية التي خسرت أفراداً في العراق وأفغانستان، رأيناهم يتحرَّكون بشكلٍ تجريبي. في عامي 2004 و2006 ابتعدوا عن الجمهوريين، وانتقلوا نحو الجمهوريين في عام 2016".

لماذا فاز ترامب على هيلاري كلينتون؟

استندت ورقة كرينر البحثية بعنوان "Battlefield Casualties and Ballot Box Defeat – خسائر المعارك وهزائم صناديق الاقتراع"، التي أعدَّها مع فرانسيس شين، من جامعة مينيسوتا الأمريكية، إلى دراساتٍ تُظهِر كيف تمتَّع الديمقراطيون بالسيطرة على الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي في 2006، حيث هَجَرَ الناخبون الجمهوريون الحزب بأعدادٍ أكبر في المناطق التي عانت خسائر أكبر في القوات.

وقال كرينر: "جاء ترامب قائلاً إن بوش (الابن) قام بعملٍ مُروِّع… ووجدنا أن الكثير من الناخبين في تلك المجتمعات التي شهدت معدَّلات إصابات عالية في الحرب إلى الإرهاب عادوا إلى الجمهوريين عام 2016 وصوَّتوا لصالح ترامب".

ترامب
الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب – رويترز

في ولايات بنسلفانيا وويسكونسن وميشيغان، وهي ثلاث ولايات حسمت انتخابات 2016 لترامب بهوامش محدودة، أشار تحليل الباحثَين كرينر وشين إلى أنه "إذا عانت كلُّ ولايةٍ من معدَّل إصاباتٍ أقل -على سبيل المثال في نيويورك- فقد يخسر ترامب ما بين 1.4% إلى 1.6% من الأصواب لكلِّ ولاية. مثل هذا التحوُّل كان سيغيِّر الولايات الثلاث من الأحمر إلى الأزرق ويدفع هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض".

ومن بين المحاولات العديدة لشرح جاذبية ترامب، أشار كرينر إلى أن الأمر يستند إلى اختلافٍ مهم في السياسة وصل إلى الناخبين الساخطين. 

وخلُصت الورقة البحثية إلى أن "كلينتون تبنَّت العولمة، وبصفتها وزيرةً للخارجية، كانت من أشدِّ المدافعين عن زيادة القوات في أفغانستان، وعن التدخُّلات العسكرية في ليبيا وسوريا. على النقيض من ذلك، انتقد ترامب حرب العراق بشدة، وشكَّكَ في الحكمة من التدخُّلات العسكرية الأخرى، ووَعَدَ في المقابل بوضع أمريكا أولاً".

ماذا يعني انسحاب أفغانستان لفرص بايدن؟

قد يساعد تحليل كرينر في تفسير الحسابات السياسية وراء الوعود التي أطلقها الرئيس بايدن هذا الأسبوع بإنهاء "الحروب الأبدية". وعلى المستوى الانتخابي، حيَّد بايدن عاملاً في فوز ترامب على كلينتون أربَكَ الاعتقاد السائد بأن السياسة الخارجية لا تفوز في الانتخابات.

لكنّ كثيراً من المحللين يرون أن المعركة الانتخابية الأخيرة بين ترامب وبايدن كانت أكثر تركيزاً على الأجندة الداخلية والسمات الشخصية للمرشحين، أكثر منها تركيزاً على السياسة الخارجية، وبالتالي فإنه من الصعب تحليل تأثير ملفات السياسة الخارجية على نتيجة تلك الانتخابات في نهاية المطاف.

الاستخبارات الأمريكية أفغانستان
قوات أمريكية في مطار كابول الدولي/ رويترز

فبايدن لم يختلف مع ترامب كثيراً في السياسة الخارجية، سواء ما يتعلق منها بالصين والعلاقة التنافسية معها، أو الانسحاب من أفغانستان والعراق، أو دعم إسرائيل المطلق، وربما يكون الاختلاف الوحيد بينهما هو كيفية التعامل مع إيران، لكن بعد وصول بايدن للبيت الأبيض لا يبدو أن هناك اختلافاً جوهرياً في هذا الملف.

وبالتالي فإن مدى تأثير الانسحاب "الكارثي" من أفغانستان وما صاحبه من فوضى "مهينة" لصورة واشنطن كقوة عظمى، بحسب منتقدين لبايدن بعضهم من داخل حزبه الديمقراطي، يظل رهناً بالحالة السياسية والأمنية في أفغانستان نفسها وقت الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2024.

بمعنى أنه بحلول ذلك الوقت، وإذا ما كانت أفغانستان في ظل حكم طالبان تمثل تهديداً ما لمصالح الولايات المتحدة، ربما يمثل ذلك تحدياً لبايدن- إذا ما ترشح لفترة ثانية من الأساس- أو لنائبته كامالا هاريس- إذا ما حظيت بدعم الحزب للترشح كما يشاع- بغض النظر عن المنافس الجمهوري وقتها.

تحميل المزيد