من العراق وليس اليمن.. تفاصيل الهجوم ضد أرامكو في أكبر عملية بعمق السعودية، وبغداد تعلّق

الطائرات المسيرة لم تنطلق هذه المرة -كما جرت العادة- من مواقع الحوثيين في اليمن، لكن من جنوب العراق

تم النشر: 2019/09/15 الساعة 08:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/15 الساعة 16:13 بتوقيت غرينتش
تصاعد دخان من منشئات النفط شرق السعودية بعد استهدافها/ رويترز

استيقظ السعوديون، فجر السبت 14 سبتمبر/أيلول 2019، على حرائق اندلعت في منشآت نفطية، بعد هجوم بطائرات مسيّرة. لكن الطائرات المسيرة لم تنطلق هذه المرة -كما جرت العادة- من مواقع الحوثيين في اليمن، بل من العراق.

وكشفت مصادر خاصة لـ "عربي بوست" أن الهجوم الذي استهدف معملين تابعين لشركة أرامكو بمحافظة بقيق وهجرة خُرَيص شرقي البلاد، يعد "أكبر عملية في العمق السعودي للطيران المسير"، وتم عبر تنسيق مباشر بين الحوثيين "أنصار الله" وقوة "حزب الله" العراقي، وذلك في أول استهداف حقيقي للأمن القومي السعودي من الأراضي العراقية.

يأتي هذا في الوقت الذي نفت فيه بغداد في بيان رسمي استخدام أراضيها لشن هذا الهجوم، وأكد البيان التزام الحكومة بمنع استخدام أراضيه للعدوان على جواره وأشقائه وأصدقائه.

طائرات مسيرة من البصرة

وأوضحت تلك المصادر المقربة من "قوة حزب الله العراقي" والتي رفضت الكشف عن اسمها، أنّ ثلاث طائرات مسيرة من طراز "رقيب"، التي يصنعها "حزب الله" العراقي، انطلقت من مدينة البصرة جنوبي العراق، وتحديداً من صحراء السماوة التي تقع إلى الغرب من البصرة.

وباتت مناطق الجنوب العراقي معقلاً للميليشيات والجماعات المسلحة الإيرانية، بعد أن تحولت المحافظة إلى مقاطعة تُدار من قبل هذه الميليشيات التي تتلقى توجيهاتها من إيران مباشرة.

خط سير الطائرات المهاجمة من صحراء السماوة العراقية إلى بقيق السعودية
خط سير الطائرات المهاجمة من صحراء السماوة العراقية إلى بقيق السعودية

وأضافت المصادر أن الطائرات المسيرة حملت رؤوساً متفجرة استهدف فيها ستة معامل للنفط في محافظة بقيق، وانطلقت بحسب ما أكده المصدر عند الساعة 5:45 فجراً من الأراضي العراقية باتجاه الأراضي السعودية.

وأنكرت الحكومة العراقية أن يكون الهجوم قد شُن من أراضيها، وقالت في بيان: "ينفي العراق ما تداولته بعض وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي عن استخدام أراضيه لمهاجمة منشآت نفطية سعودية بالطائرات المُسيرة".

نشطاء يتناقلون مقاطع تظهر عبور أجسام مضيئة إلى السعودية

وتناقل نشطاء عبر "تويتر" مقاطع فيديو يعتقد أنّها لشخص كويتي، تظهر أجساماً مضيئة في سماء منطقة السالمي، وهي منطقة من مناطق محافظة الجهراء في الكويت، وتقع على أقصى نقطة في الحدود الغربية للكويت مع العراق والسعودية.

ورصد الفيديو في تلك المنطقة عبور أجسام مضيئة لم يستطع تحديد نوعيتها إذا ما كانت صواريخ أو طائرات مسيرة، وهي تعبر إلى الأراضي السعودية، بعد انطلاقها من الأراضي العراقية.

وقد أشار الناشط السعودي فهد الدحيم إلى ذلك عبر "تويتر"، الذي أكدّ بدوره على أنّ شخصاً كويتياً تمكن من رصد أجسام مضيئة أثناء وجوده في بر السالمي وهو في رحلة الصيد، حيث مرت بحسب ما أكده الدحيم صواريخ وطائرات مسيرة عند موقعه قادمة من جهة العراق باتجاه السعودية.

كما رصد حساب "الشاهد" الإلكتروني عبر "تويتر" عدة مقاطع منسوبة للمواطن الكويتي، الذي تمكن من رصيد الأجسام العابرة باتجاه الأراضي السعودية، حيث كان متواجداً  في بر السالمي.

كما تناقل الكاتب الصحفي الكويتي عادل عبدالله المطيري مقطعاً آخر يظهر أيضاً طائرات مسيرة وهي متجهة إلى الجنوب، قبل أن تضرب منطقة بقيق، في تصوير يعتقد أنّه في منطقة حفر الباطن، حيث عبّر المطيري عن تساؤله بالقول: هل للميليشيات في جنوب العراق صلة بتفجيرات بقيق، أم هي صواريخ الدفاعات السعودية وهي تحاول اعتراض الطائرات المسيرة؟" .

حركة "أنصار الولاية" هي من نفذت الهجوم

حركة "أنصار الولاية" التي تتبع قوة "حزب الله" بالعراق هي الحلقة الأبرز التي نفذت العملية، بالتعاون مع جماعة الحوثيين "أنصار الله" .

وأوضح مصدر خاص لـ "عربي بوست" أن الطرفين اتفقا على أن تكون "أنصار الولاية" هي المنفذ لتلك العملية، على اعتبار أنّ الحركة تملك تقنيات أفضل، وبحوزتها العديد من الإمكانيات التي تؤهلها لاستهداف العمق السعودي.

ويعد "حزب الله" العراقي هو العصا الغليظة داخل العراق، ويمتلك النفوذ السياسي والعسكري في الداخل العراقي، والمدعوم بطبيعة الحال من الحرس الثوري. وتعد منطقة "جرف الصخر" المعقل الأساسي لتلك الميليشيات، سواء على مستوى التدريبات العسكرية أو على مستوى الأسلحة والتقنيات التي تمتلكها في تلك المنطقة.

إيران تزيد الضغط عبر الحرس الثوري

وتؤكدّ مصادر خاصة مطلعة، رفضت الكشف عن اسمها لـ "عربي بوست"، أنّ أوامر إيرانية مباشرة صدرت من الحرس الثوري الإيراني، وتحديداً من قائد فيلق القدس قاسم سليماني، لتكثيف الهجمات التي تستهدف العمق السعودي، لتحقيق مزيد من الضغوط على حلفائها بالمنطقة وعلى رأسها السعودية.

وفي نهاية الأمر فإنّ تكرار سيناريو الهجوم الأخير على السعودية لن يتوقف بطبيعة الحال عند هذا الحد، وهذا ما أكده قيادي كبير في حزب الله العراقي في تصريحات خاصة لـ "عربي بوست" .

وأشار إلى أنّ طهران وميليشياتها المسلحة التابعة لها في العراق تستعد لتنفيذ مزيد من العمليات داخل العمق السعودي، وهي على أهبة الاستعداد في أي لحظة، متى ما طلب منها استهداف الأراضي السعودية.

صورة للطائرة المسيرة المستخدمة في هجوم السعودية
صورة للطائرة المسيرة المستخدمة في هجوم السعودية

وأوضح أنّ إيران تسعى من خلال هذه الهجمات إلى تحقيق عدة أهداف، منها الضغط على واشنطن وحلفائها، إضافة إلى العمل على الضغط على الرياض من الجبهة الشمالية لإضعاف أمنها واستقرارها، وتخفيف الضغط على الجبهة اليمنية لتشتيت الرياض عن الجبهة اليمنية في حربها التي تخوضها مع "الحوثيين" منذ عدة سنوات.

هدف استراتيجي ورسالة للعالم

المحلل السياسي العراقي زياد السنجري يؤكدّ في تصريحات خاصة لـ "عربي بوست"، أنّ إيران أعطت الضوء الأخضر لـ "حزب الله" العراقي لتنفيذ العملية، وذلك لأنّ طهران لها بعد استراتيجي من العملية، يتمثل في إحداث ضغط سياسي على الولايات المتحدة.

إيران تريد إجبار الولايات المتحدة على فتح مفاوضات بشكل مريح، إذ تعدّ هذه العملية نوعاً من أنواع الأوراق الضاغطة من طهران على واشنطن، مشيراً إلى أنّ استهداف اهم المنشآت النفطية السعودية له دلالات واضحة ويحمل رسائل مبشرة لواشنطن والسعودية، الحليف الأهم لأمريكا بالمنطقة، خاصة أنّ تلك المنشآت تنتج 8 ملايين برميل يومياً.

ويشير السنجري إلى أنّ الهجوم الذي تعرضت له السعودية هو "عملية نوعية"، أثرت على حركة إنتاج النفط العالمي التي توقفت  بنسبة 3.5% بعد الهجوم، وأثرت على إنتاج النفط وأسعاره العالمية، وهذا هدف استراتيجي سعت طهران إلى الوصول إليه عبر هذه الهجمات.

وأضاف أن طهران أرادت أن تؤكدّ لواشنطن والمجتمع الدولي أنّها قادرة على أن تكون رقماً مهماً في المنطقة، وقلب توازنات المنطقة، واللعب بعدة أوراق تلوّح بها وقت الحاجة كورقة استهداف المنشآت النفطية في الخليج.

طهران عبر تلك الهجمات، بحسب السنجري، تسعى إلى تحريك المياه الراكدة مع واشنطن، والسعي إلى الضغط والدفع بواشنطن إلى طاولة المفاوضات، الذي من شأنه رفع العقوبات الأمريكية عن إيران بسبب أزمة الثقة الموجودة بين الطرفين، وهذا ما يعززه وسيط ضامن كفرنسا، ووجود وسيط ضامن لإيران لتنفيذ شروط بيع النفط وعدم استخدام الأموال في دعم الميليشيات، هو أمر صعب للغاية.

ويعتبر السنجري بأنّ الهجمات الأخيرة التي جاءت بإيعاز من طهران تعدّ "ورقة ضغط بدون فتح جبهة"، ورسالة لكل دول العالم، بأنّ عدم الاتفاق معها يعني وصول سعر النفط الى أسعار خيالية، مما يؤدي إلى الركود الاقتصادي المرتقب خلال سنوات.

وأضاف أنّ الامارات معنية بشكل مباشر أيضاً بهذا التصعيد الأخير، بعد وصفها بـ "الحليف الأكثر تردداً" وموقفها "المتذبذب" من التحالف السعودي في المنطقة، إذ أظهرت بدورها عدم اكتراثها بهذا التحالف المرتبط بالرياض، وبأنّها تبحث عن مصالحها الذاتية، وهذا أكده التقارب الإيراني-الإماراتي، وإرسال أبوظبي وفداً أمنياً عالي المستوى في 30 يوليو/تموز، لزيارة طهران والتوصل مع النظام الإيراني إلى تفاهمات معينة لا يمكن أن يتم من دون تشاور الإمارات مع السعودية والبحرين.

ويأتي هذا في وقت يلتف فيه الدبلوماسيون الأوروبيون على المبادرة الفرنسية الجديدة، لتخفيف الضغط الممارَس على طهران بفعل عقوبات واشنطن، لقاء التزام إيران الكامل بالاتفاق النووي.

وبحسب صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، فإنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منفتح على المبادرة، التي عرضها عليه نظيره الفرنسي خلال قمة الدول الصناعية السبع الكبرى، في بياريتز، ووافق على مواصلة الجانب الفرنسي العمل عليها، من أجل تخفيف الضغط على إيران في بيع النفط الخاص بها.

المرونة الأمريكية لتخفيف الضغط عن طهران في بيع النفط، وحتى التصريحات التي تبدو ودية تأتي في إطار "المغازلة" غير الواضحة والصريحة، رداً على المراوغات الإيرانية التي تطالب دوماً برفع العقوبات والجلوس على طاولة المفاوضات.

لكن المحلل السياسي العراقي زياد السنجري، يرى أنّ طهران باتت تدرك مؤخراً أنّه ليس لدى واشنطن نية حقيقية لتخفيف الضغط عنها، لما حدث من تضييق على ناقلة النفط الإيرانية أدريان داريا، الموجودة حالياً قبالة السواحل السورية، وتهديد من يشتري النفط من إيران، ما أدى لتغيير الناقلة وجهتها عدة مرات.

وهذا ما يفسر الهجمات الأخيرة التي تعرَّضت لها السعودية، وتحديداً شركة أرامكو، بمحافظة بقيق وهجرة خُرَيص شرقي البلاد، حيث تسعى طهران من خلال الهجمات إلى إرسال رسالة لواشنطن وفرنسا، التي تلعب دور الوسيط وتحاول عقد اجتماع يجمع الجانب الأمريكي-الإيراني، مقابل 15 مليار دولار لصالح الفرنسيين.

تحميل المزيد